وقال بعض السلف رضي الله عنهم: لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم، ونظروا إلى أهل السآمة والغفلة قد سكنوا إلى فرشهم، ورجعوا إلى ملاذهم من الضجعة والنوم، قاموا إلى الله فرحين مسبتشرين بما قد وهب لهم من حسن عبادة السهر، وطول التهجد، فاستقبلوا الليل بأبدانهم، وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم، فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذته من التلاوة، ولا ملت أبدانهم من طول العبادة، فأصبح الفريقان وقد ولى عنهم الليل بربح وغبن، أصبح هؤلاء قد ملوا النوم والراحة، وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعبادة، شتان ما بين الفريقين، فاعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده، فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار، والمحروم من حرم خيرهما، إنما جعلا سبيلا للمؤمنين إلى طاعة ربهم، ووبالا على الآخرين للغفلة عن أنفسهم، فأحيوا لله أنفسكم بذكره فإنما تحيا القلوب بذكر الله، كم من قائم هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته، وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومته عندما يرى من كرامة الله للعابدين غدا، فاغتنموا ممر الساعات والليالي رحمكم الله.
وفي بعض كتب الله المنزلة: يا ابن آدم، لو رأيت بقلبك ما بقي من أجلك، لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، ولقصرت من حبلك، وإنما يلقاك غدا ندمك إذا زل به قدمك، فلا أنت إلى الدنيا عائد، ولا أنت في عملك زائد.
وقيل لبعض الصالحين: في أي وقت تصلي وردك؟
فقال: ما ظننت أن عبدا يسمع بالجنة والنار وتمضي عليه ساعة لا يصلي فيها.
Página 43