ورأيت أن أشرح في الحال رسالة على وجه الاختصار، مستمدا من فيض الواحد القهار، وسميتها (منهج الرشاد لمن أراد السداد).
فاقسم عليك - بمن جعلك متبوعا بعد أن كنت تابعا، ومطاعا بعد أن كنت لغيرك مطيعا سامعا، وأعزك بعدما كنت ذليلا، وكثر جمعك بعدما كان نزرا قليلا - أن تنظر ما رسمته سطرا سطرا، وتمعن في تحقيق ما رقمته نظرا وفكرا، متوحشا من الناس وقت النظر، متحذرا من النفس الأمارة كل الحذر، طالبا من الله كشف الحقيقة، سالكا في المناظرة واضح الطريقة، فلعله يظهر أنه ليس بيننا نزاع، فنحمد الله على الإتفاق والاجتماع. وقد رتبتها على مقدمة، ومقاصد، وخاتمة.
أما المقدمة، فتشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول في أن الافعال والكلمات تختلف باختلاف المقاصد والنيات فمن قال: يد الله، وعين الله، وجنب الله، وأراد الجوارح على نحو ما في الأجسام، أو قال: إن الله على العرش استوى، أو في جهة الفوق، وأراد الحلول والاختصاص التام، أو أسند الرحمة إليه، أو الغضب، وأراد رقة القلب، أو ثوران النفس على نحو ما يعرف بين الأنام، أو أسند الرزق إلى المخلوق، أو دعاه، أو استغاث به على نحو ما يسنده إلى الملك العلام، كان خارجا عن مقالة أهل الإسلام.
وأما من قصد بها معاني أخر، فليس عليه من بأس ولا ضرر. وليس هذا كصنيع المشركين، فأن الفرق ظاهر، كما سنبينه كمال التبيين، فالمستغيث بالمنسوب مستغيث بالمنسوب إليه، والمستجير بالمكان مستجير بمن سلطانه عليه.
فمن أراد الأستاجرة والاستغاثة ب (زيد) فله طريقان:
أحدهما: أن يهتف باسمه.
وثانيهما: أن ينادي بصفاته، أو مكانه، أو خدمه.
وثانيهما أقرب إلى الأدب، وأرغب لطباع أرباب الرتب، فلا يكون المستغيث ببيت الله، أو بصفات الله، أو برسل الله، أو المقربين عند الله، إلا مستغيثا بالله، فكلما دعا
Página 520