Metodología en el Pensamiento Árabe Contemporáneo: Desde el Caos de la Fundación hasta la Organización Metódica

Abdullah Akhwad d. 1450 AH
59

Metodología en el Pensamiento Árabe Contemporáneo: Desde el Caos de la Fundación hasta la Organización Metódica

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Géneros

وأنقل له نصا يعبر عن هذا النزوع الأيديولوجي وغلبته، وأنه المحدد الأساس في عملية الانتظام في قراءة مضامين التراث العربي الإسلامي، وهو الخوف من اكتساح الساحة الفكرية المعاصرة من قبل ما أسماه بقوى «رجعية» و«ظلامية» و«تغريبية» وإن كنا نقدر هذا النزوع، ونتفهم دوافعه، لكن أن يكون هو المحدد فهذا مما يختلف حوله. يقول: «فلماذا لا نملأ ساحتنا الثقافية بقضايا من تراثنا لها علاقة مباشرة باهتمامات شعوبنا؛ اهتمامات النخبة والشباب والجماهير: قضايا اللغة وتجديدها، وقضايا الشريعة، وشروط التجديد فيها، وإمكانيات تطبيقها وتطويرها، والعقيدة وأنواع الانحلال الملصقة بها الفكرية والسياسية، أضف إلى ذلك قضايا التاريخ والأدب والفلسفة التي يزخر بها تراثنا. قد يقول البعض: هذه قضايا ميتة، تنتمي إلى زمن ثقافي مضى وانقضى (...) ونحن لا نحتاج إلى أن نذكر هؤلاء باكتساح التيارات الرجعية والاغترابية لساحتنا الثقافية»،

181

هو خطاب نقدي لتيارات القطيعة مع هذا التراث.

لكن لا عيب عندي أن تستبطن هذه المناهج وهذه الآليات أبعادا أيديولوجية - ليس بمفهوم الإقفال والإلغاء - بمقادير معينة، وأن تستبطن هذه الأخيرة أبعادا معرفية منهجية، فثمة علاقة تفاعلية، وإنما الخلاف فيما ذهب إليه عبد الإله بلقزيز واشتغلت عليه تيارات الفكر العربي المعاصر هو أن يصبح البعد الأيديولوجي هو القابض على المصير المعرفي، يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه، وهي نقطة شكلت ثغرة وعيبا منهجيا ومعرفيا في تاريخ الفكر العربي المعاصر، يلزم ترتيب العلاقات بينهما.

إن المشروع الفكري الذي قدمه الجابري بقي حلما معلقا، فلا هو حقق عقلانية ابن رشد ولا أسس دولته ولا استنبت حداثة الغرب؛ لأن المشروع لم يستند في كثير من تفاصيله إلى أسس مرجعية ذات صلة بالأمة، مرجعية الإسلام كقوة مؤطرة وموجهة لحركة الفكر والنهضة والحضارة وإلى عمقها التاريخي. لكن رغم ما قيل عن المشروع وما قدمنا من ملاحظات حول المسار النقدي في مشروع الجابري، يبقى فكره - في رأيي - واحدا من المشاريع الفكرية القليلة في الفكر العربي المعاصر التي استطاعت أن تجد لنفسها مساحة محترمة مع جميع الاتجاهات الفكرية: يمينية - يسارية - إسلامية، بدرجات متفاوتة.

ويمكن الاستعانة به خصوصا في الجانب المتعلق بموقفه من المركزية الغربية وحداثتها، وكشفه لانزلاقاتها وسوء التوظيف لهذه الحداثة، وما راكمه على المستوى المنهجي يمكن البناء عليه في بلورة مشاريع مستقبلية؛ كما يمكن أن يشكل نقطة ارتكاز في مواصلة مسيرة النقد وتصحيح الاختلالات التي طرحها برؤية تأصيلية وأكثر انسجاما مع الذات، وأكثر جرأة في التعامل مع المناهج والمفاهيم الوافدة، كما يشكل مشروعه نقطة مضيئة في بيان عورات الخطاب العربي المعاصر وتفكيك آلياته وعوامل فشله من خلال إبراز تناقضاته.

182

كما أحسن عندما وضع التراث في ميزان النقد وحرك العقول الراكدة بحرارة تجربته وبحسه المنهجي الراقي، ونقل الإنسان العربي من كائنات تراثية إلى كائنات لها تراث تملكه ولا يملكها، فردود الفعل اتجاه مشروعه مؤشر على هذا التحول، في المعرفة التراثية، لكن بإمكان المشروع أن يتحول إلى فاعل أساسي، لو ارتبط أكثر مما ذكرنا؛ أي الانتقال من «تشخيص العيوب ونقدها إلى وضع آلية نقدية بديلة؛ أي إن تتويج العمل كان ممكنا بتأسيس معرفة بديلة يمكن بها قراءة التراث دون المساس به، فما كان ينقص الجابري - حسب نقاده - أن يتخذ موقفا محددا من التراث بدلا من هذا النفس القلق بإزائه، وهذا الدمج بين التراث والحداثة.»

183

صحيح أن الجابري قدم مقترحات في هذا الاتجاه، لكنها تبقى دون طموحات النهضة والواقع العربي، وهو الاعتراف الذي عثرنا عليه في كتاباته الأخيرة «لماذا فشلنا في تحقيق حلم النهضة؟» أما الجواب عن الفشل، فالسؤال يحمل جزءا منه، أما الجزء الآخر فيكمن في الأدوات التي اشتغلت عليها تيارات الفكر العربي المعاصر، حين راهنت على خلطة هجينة من المناهج النقدية الغربية، وانتقائية من التراث، في تقويم إشكالات الواقع العربي واستشراف آفاقه، دون امتلاك رؤية ناظمة لأعطاب ذلك الواقع.

Página desconocida