[244] وقد يعرض الغلط في الحسن والقبح أيضا من أجل خروج الزمان عن عرض الاعتدال. وذلك أن البصر إذا لمح مبصرا من المبصرات كشخص إنسان، وكانت لذلك الإنسان روقة من رقة لونه وحسن هيئة جهلة وجهه وأشكال أعضائه الظاهرة أو بعض ذلك، وكانت فيه مع ذلك معان لطيفة تشينه وتقبح صورته كتباين أعضائه أو آثار تكون في وجهه تقبح صورته، فإن البصرإذا لمح الصورة التي بهذه الصفة لمحة خفيفة والتفت عنها في الحال فإنه يدرك محاسنها في حال ملاحظتها ولا يدرك المعاني اللطيفة التي تكون فيها التي تشينها، لأن هذه المعاني ليس تدرك في لمح البصر. وإذا لمح البصر المبصر الذي بهذه الصفة فإنه يدركه حسنا، وهو مع ذلك قبيح. وكذلك جميع المبصرات من الجمادات والحيوانات والنبات، إذا كانت فيها معان ظاهرة مستحسنة ومعان لطيفة < مستقبحة> ، فإن البصر إذا لمحها لمحا ولم يتمكن من تأملها تأملا( صحيحا فإنه يدركها مستحسنة وهي مع ذلك مستقبحة.
[245] وكذلك إن كان في المبصر معان ظاهرة مستقبحة ومعان لطيفة مستحسنة، ولمح البصر المبصر الذي بهذه الصفة لمحة خفيفة، فإنه يدركه مستقبحا ولا يدرك محاسنه. وإذا أدرك البصر المبصر المستقبح حسنا فهو غالط في حسنه وإذا أدرك المبصر المستحسن قبيحا فهو غالط في قبحه.
[246] وقد يعرض هذا الغلط بعينه للبصر إذا كان البصر ينظر من باب أو من فرجة، وكان المبصر متحركا أو مجتازا بذلك الباب أو الفرجة وأدركه البصر في مقدار الزمان الذي قطع فيه المبصر عرض ذلك الباب أو الفرجة ولم يتكن من تأمله، فإنه يدرك المستقبح الذي على الصفة التي وصفناها حسنا ويدرك المستحسن قبيحا. وكذلك إذا كان البصر متحركا والمبصر ساكنا أو متحركا إلى ضد جهة حركة البصر ولمح البصر المبصر في حال حركته من باب أومن فرجة.
[247] وكذلك أيضا إذا لمح البصر مبصرين متشابهين في معان ظاهرة ويختلفان في معان لطيفة، ولم يتأملهما تأملا صحيحا بل لمحهما لمحا خفيفا ثم أعرض عنهما، فإنه يدرك ذينك المبصرين متشابهين ولا يحس باختلافهما. وإن كانا يختلفان في المعاني الظاهرة ويتشابهان في المعاني الخفية فإن البصر يدركهما مختلفين ولا يحس بتشاببههما. وإذا أدرك البصر المبصرين المختلفين بوجه من الوجوه متشابهين على الإطلاق فهو غالط في تشابههما، وإذا أدرك المتشابهين بوجه من الوجوه مختلفين على الإطلاق فهو غالط في اختلافهما.
[248] والغلط في الحسن وفي القبح وفي التشابه وفي الاختلاف هي أغلاط في القياس لأن هذه المعاني تدرك بالقياس. وعلة هذه الأغلاط هي خروج الزمان الذي يدرك فيه البصر كل واحد من هذه المبصرات عن عرض الاعتدال، لأن البصر إذا أدرك هذ المبصرات وتمكن من تأملها وتصفح المعاني التي فيها فإنه يدرك كل واحد منها على ما هو عليه، فيدرك الحسن حسنا والقبيح قبيحا والتشابه متشابها والمختلف مختلفا، ولا يعرض له الغلط في شيء من المعاني التي فيها، إذا كانت المعانى الباقية التى في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
Página 516