[14] فأما غلط البصر في مجرد الحس من أجل خروج البصر نفسه عن عرض الاعتدال فكالبصر الذي ينظر إلى ضوء قوي ويطيل النظر إليه ثم يلتفت فينظر إلى جسم أبيض أومسفر اللون، ويكون ذلك الجسم في ظل وضوء معتدل، فإن البصر يدرك لون ذلك الجسم مظلما. لأن البصر إذا أطال النظر إلى الضوء القوي أثر فيه الضوء العشا، فتحصل فيه ظلمة زمانا ثم تنجلي تلك الظلمة، فإذا نظر البصر في حال تأثير الضوء فيه إلى مبصر أبيض أو مسفر اللون فإنه يجده مظلما. وإذا أدرك البصر المبصر الأبيض المسفر اللون مظلما فهو غالط في لونه، ويكون غلطه في مجرد الحس، ويكون علة هذا الغلط هو خروج البصر نفسه عن عرض الاعتدال. لأن البصر إذا كان سليما من الآفات ولم يعرض له عارض يغير صورته فإنه يدرك ألوان المبصرات على ما هي عليه إذا كانت المعاني الباقية التي في المبصرات التي بها يتم إدراك المبصرات على ما هي عليه في عرض الاعتدال. وكذلك أيضا إذا عرض للبصر مرض فأظلم البصر فأنه يدرك ألوان المبصرات مظلمة كدرة على خلاف ما هي عليه، ويكون غالطا في ألوانها، ويكون علة غلطة هو خروجه نفسه عن عرض الاعتدال بالمرض العارض له. فعلى هذه الصفة وأمثالها يكون غلط البصر في مجرد الحس من أجل خروج البصر نفسه عن عرض الاعتدال.
[15] فقد تبين من جميع ما شرحناه من الأمثلة كيف يكون غلط البصر في مجرد الحس بحسب كل واحد من العلل التي من أجلها يعرض للبصر الغلط.
الفصل السادس في كيفيات أغلاط البصر التي تكون في المعرفة بحسب كل واحد من العلل التي من أجلها يعرض للبصر الغلط
Página 397