Las Moradas y los Lugares
المنازل والديار
تعرقني الدهر نهسًا وحزًا ... وأوجعني الدهر قرعًا وغمزًا
وأفنى رجالي، فبادروا معًا ... فأصبح قلبي لهم مستفزا
وكانوا سراة بني مالك ... وزين المقامة فخرًا وعزا
كأن لم يكونوا حمى يتقى ... إذ الناس في ذاك من عز بزا
وقال البحتري يرثي المتوكل والفتح بن خاقان من قصيدة:
مضى جعفر والفتح بين مزمل ... وبين صبيغ بالدماء مضرج
أأطلب أنصارًا على الدهر بعدما ... ثوى منهما في الترب أوسي وخزرجي؟!
أولئك ساداتي الذين بفضلهم ... حلبت أفاويق الربيع المثجج
وقال توبة بن مضرس:
وسائلة عن توبة بن مصرس ... وهان عليها ما أصاب به الدهر
وسائلة أخرى حفي سؤالها ... إذا ذكرته فاض من دمعها غزر
رأت إخوتي بعد ائتلاف تفرقوا ... فلم يبق إلا واحدًا منهم شفر
فلا وأبيك الخير، ما كان إخوتي ... معازيل أبرامًا إذا جارد القطر
أرب بهم ريب المنون كأنما ... على الدهر فيهم أن يفرقهم نذر
وقال أيضًا:
وقائلة لما رأت شيب لمتى ... لها ويلها! ما بال شعر أبي الجعد؟!
برأسي خطوب ... لو علمت
كثيرة
أصبت بها ظلمًا، وأطلبها وحدي
تعرى المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب ريب الدهر بالجازم الجلد
وإني امرؤ لا ينقض العجز مرتي ... إذا ما انطوى مني الفؤاد على الحقد
ولست بمختار الحياة بسبة ... تثنى بها حيًا على بنو سعد
وقال دريد بن الصمة، يرثي إخوته:
تقول: ألا تبكي أخاك وقد أرى ... مكان البكا لكن بنيت على الصبر
فقلت: أعبد الله أبكي، أم الذي ... على الشرف الأعلى، قتيل أبي بكر؟
وعبد يغوث أم نديمي مالكًا ... وعز المصاب حثو قبر على قبر
أبى القتل إلا آل صمة إنهم ... أبوا غيره، والقدر يجري على القدر
قال أبو الفرج الأصبهاني: ذكر عند النبي ﷺ قس بن ساعدة الإيادي، فقال رجل: يا رسول الله، لقد رأيت من قس عجبًا، فقال: وما رأيت؟ قال: بينا أنا بجبل يقال له: سمعنا، في يوم شديد الحر، إذا بقس بن ساعدة تحت ظل شجرة عند عين ماء، وعنده سباع، كلما زأر منها سبع على صاحبه ضربه بيده، وقال: كف حتى يشرب الذي ورد قبلك، قال: فرقت، فقال: لا تخف، وإذا بقبرين بينهما مسجد، فقلت: ما هذان القبران اللذان أراهما؟ قال: هما قبرا أخوين كانا لي، فماتا، فاتخذت بينهما مسجدًا أعبد الله فيه حتى ألحق بهما، ثم ذكر أيامهما، فبكى، وأنشأ يقول:
خليلي هبا، طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما؟
ألم تعلما أني بسمعان مفرد ... ومالي فيه من حبيب سواكما؟
أقيم على قبريكما لست بارحًا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
كأنكما، والموت أقرب غاية ... بجسمي في قبريكما قد أتاكما
فقال رسول الله ﷺ: "يرحم الله قسًا".
وروى أن هذا الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي وكان له نديما، فماتا براوند فكان يجيء فيجلس بين القبرين بموضع يقال له حزاق، فيشرب، ويصب على القبرين، حتى يقضي وطره، وينصرف، وينشد وهو منصرف:
خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما؟
أم تعلما مالي براوند من أخ ... ولا بجزاق من نديم سواكما
مقيمًا على قبريكما، لست بارحًا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
جرى النوم مجرى اللحم والدم منكما ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما
تحمل من يهوى القفول، وغادروا ... أخًا لكما أشجاه ما قد شجاكما
فأي أخ يجفو أخًا بعد موته ... فلست الذي من بعد موت جفاكما
أصبت على قبريكما من مدامة ... فإلا تذوقاها ترو ثراكما
أناديكما كيما تجيبا وتنطقا ... وليس مجابًا صوته من دعاكما
أمن طول نوم لم تجيبا وتنطقا؟ ... خليلي ما هذا الذي قد دهاكما؟
قضيت بأني لا محالة هالك ... وأني سيعروني الذي قد عراكما
سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يرد على ذي لوعة إن بكاكما؟!
1 / 105