واستأنف غريب الحديث قائلا: «لقد أقلقتنا بتأوهك، فهل لك أن تخبرنا عن سبب اضطرابك، لعلنا نستطيع معاونتك؟»
فقال: «إني أتأوه لأني رجعت بعد المشقة والتعب، فلم أقف لوالدتي المسكينة على أثر.»
فقالت سلمى: «وا حسرتاه على الأمهات وشقائهن! فهل تعلم والدتك الآن أنك على قيد الحياة؟»
قال سالم أغا: «لا يا سيدتي لا أظنها تعلم، على أني لا أعلم إذا كانت ما تزال على قيد الحياة، بعد أن غبت عنها نحوا من خمس وعشرين سنة أم أنها فارقت الدنيا؟»
قالت سلمى: «لا شك أنها لو كانت على قيد الحياة، فإنها تكون قد يئست من وجودك. ولكني أراك تذكر والدتك، ولا تذكر والدك.»
فقال: «لأني تأكدت أن والدي قد مات.»
فقال غريب: «ويحك يا أخي، هل فتشت عن والدتك؟ وأين تركتها؟»
قال: «تركتها في مدينة عكا منذ خمس وعشرين سنة، وقد فتشت عنها طويلا فلم أقف لها على أثر.»
فلما سمعت سلمى كلمة عكا خفق قلبها؛ لأنها تذكرت ما أصابها في تلك المدينة التي فقدت فيها ولدها سليما، ونظرت إلى زوجها نظرة خفية كأنها تذكره بتلك المصيبة دون أن يفطن غريب، فرأته يتنهد تنهدا عميقا، وهو ينظر إليها بطرف عينه.
فقال غريب: «هل أنتم في الأصل من أهل الشام؟» قال: «لا، وإنما نحن يا أخي من سلالة قوم أفاضل من مصر، قتل والدي هناك وحملتني والدتي، وكنت في السابعة من العمر، حتى أتت بي إلى عكا، وهناك نزلت في قارب وحدي للنزهة، فقذفتني الأمواج إلى البحر، فمر بي مركب يوناني أخذني، وباعني قبطانه بيع الأرقاء إلى أحد التجار في نافارين، فربيت فيها حتى كبرت وتم لي ما قدمت لك.»
Página desconocida