طارق مفاجئ
وكان بجوار بيت الدين دير منفرد فيه جماعة من الرهبان يقضون جانبا من نهارهم في العبادة، والجانب الآخر في حرث حقول الدير، التي يستغلون منها قمحهم وزيتهم وخمرهم وسائر حاجات طعامهم.
ففي مساء يوم من أيام شهر «ديسمبر» سنة 1812، وقد قضى الرهبان معظم نهارهم في جرف الثلوج المتراكمة على سطوح الدير، دخلوا غرفة من غرفه قد أوقدوا فيها حطبا، وأحاطوا بالنار يستدفئون ويتسامرون، والباب مقفل عليهم، وهم متسربلون بعباءات مشدودة إلى أوساطهم. وكان يعترض حديثهم قصف الرعد، ولمعان البرق وهطول المطر، والجليد المتساقط على جدران الدير ونوافذه، وهزيم الرياح والعواصف التي تكثر في فصل الشتاء.
فقال رئيسهم: «قد سمعت اليوم حديثا أقلقني، فهل طرق آذانكم؟» فقالوا: «وما ذلك الحديث؟»
قال: «بلغني أن اثنين من بني المعلوف، من قرية بسكنتا، تعرضا لبطريرك الكاثوليك، أغناطيوس صروف الدمشقي، بالقرب من قرية زوق مكايل، وقتلاه، وقد علمت أن الأمير بشيرا أسف لذلك، وقد سعى في القصاص من المذنبين.»
فقال أحد الرهبان: «كيف يحدث مثل هذا في إمارة الأمير بشير إلا إذا كان بتواطؤ منه، لا يغرنك ما سمعته عن كدره فإن الشهابيين لا يهمهم قتل كل البطاركة لأنهم ليسوا من دينهم.»
فقاطعه الرئيس بقوله: «أظنك لا تعلم أن الأمير قد اعتنق الديانة المسيحية سرا!»
فقال أحدهم: «أصحيح ما تقول؟ ولماذا هذا التستر إذن؟ أليس الأولى به إعلان تنصره والتصريح به وإلا فهو مخالف لقول الإنجيل؟»
فقال الرئيس: «لا يخفى عليكم أنه يترتب على إعلان تنصره أضرار مادية تضر بمصلحته، فضلا عن كره بني شهاب عامة له؛ لاتصال نسبهم بقبيلة قريش، وكم عزل وولي على عهد أحمد باشا الجزار بسبب ذلك!»
فقال راهب: «كيف يكون مسيحيا ولم نشاهده يزور كنيسة لأداء الفروض النصرانية؟»
Página desconocida