El reino del infierno y el alcohol
مملكة جهنم والخمر
Géneros
1 - أب ورئيس جميع طغمات الشياطين - اضطرب جزعا وارتعشت أعصابه فزعا؛ ذلك لأنه علم حق العلم بأن سلطته على الناس أخذت في التقلص والزوال، وأنها ستتلاشى وتصبح أثرا بعد عين إذا لبث المسيح مواصلا تعاليمه وكرازته، ولم يقاومه أحد مقاومة عنيفة تحول بينه وبين مواصلة التعليم والإرشاد. أجل، لقد اضطرب وجعل يضرب أخماسا بأسداس، وطفق يعمل الفكرة الشيطانية لإيقاف تيار ذلك التعليم، فأخذ من الضعف قوة وحرض أتباعه والخاضعين له من الفريسيين والكتبة لكي يقاوموا المسيح ويبالغوا في تحقيره وسومه صنوف العذاب والهوان، وحرض تلامذة المسيح وجسم لهم الخوف والهلع وزين لهم الهرب وترك معلمهم وحيدا فريدا دون مؤاس أو عضد. وقد فعل الشيطان ذلك زعما منه أن الحكم على المسيح بالموت صلبا - وما كان يصلب في تلك الأيام إلا كبار المجرمين - ثم تحقيره والاستهزاء به وتركه من جميع تلامذته، وأخيرا أن العذابات والآلام والإهانات؛ تحمل المسيح في آخر دقيقة من حياته على إنكار تعليمه، وهذا الإنكار يقضي القضاء المبرم على قوة ذلك التعليم، ولا يدع له قيمة في نظر الناس.
ولكن الأمر جاء على عكس ذلك، فقد ظهرت النتيجة الفاصلة والمسيح معلق على الصليب عندما صرخ قائلا: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ ولما سمع ذلك بعلزبول ارتعش فرقا وأخذ القيد الذي كان معدا لتقييد المسيح وقيد به رجليه تقييدا محكما، ثم سمع بعد ذلك كلمات المسيح التي لفظها على الصليب بصوت عال، وهي: «يا أبي، اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون»، ثم أتبع المسيح ذلك بقوله: «قد تم وأسلم الروح.»
وقد أدرك بعلزبول حينئذ أن جميع مساعيه ذهبت عبثا، ومكايده التي كادها ذهبت أدراج الرياح ولم تجده أقل نفع، فأراد أن ينزع القيود التي قيد بها نفسه عن رجليه ويولي الأدبار فلم يستطع إلى ذلك سبيلا؛ لأن القيود قفلت قفلا محكما، فحاول فتحها فلم يقدر، وحاول أيضا أن ينهض بواسطة جناحيه ويطير ولكنهما خاناه ولم يتحركا لا ذات اليمين ولا ذات اليسار. ثم رأى بعلزبول - وهو على تلك الحالة الحرجة - كيف أن المسيح بنوره اللامع وقوته الفعالة فتح أبواب الجحيم، وأبصر أيضا كيف أن جميع الخطاة من آدم حتى يهوذا خرجوا منها، ورأى بعيني رأسه كيف أن جميع أتباعه الشياطين ركنوا إلى الفرار وتفرقوا أيدي سبا، وشاهد سقوط جدران جهنم الأربعة حتى لم يبق منها حجر على حجر؛ فخانته قواه ولم يستطع احتمال كل ذلك، فأن أنينا مؤلما، وسقط سقطة هائلة، وهوى إلى هاوية مظلمة حيث لبث لا يبدي حراكا ولا ينبس ببنت شفة، وقد أيقن بالبقاء على تلك الحالة إلى الأبد.
2
مر على ذلك مئة عام، ثم مئتان، ثم ثلاثمئة، حتى إن بعلزبول خانته ذاكرته ولم يعد يذكر الزمن الذي مر عليه، فضلا عن أنه كانت تحيط به ظلمة حالكة وتحدق به سكينة الموت، وكان مطروحا على الأرض دون حراك، يجتهد بأن لا يعيد على مخيلته ذكرى الحوادث الماضية التي قادته إلى هذا المأزق الحرج، وكان يحرق الأرم ويصر بأسنانه غيظا، وينفث من فيه صنوف الشتائم، ويوجهها إلى ذاك الذي سبب له هذا الهلاك.
ولبث على تلك الحالة غير مفتكر بالخلاص من هذه الورطة الشنعاء أو الخروج من تلك الظلمة الظلماء، ولكنه سمع ذات يوم فجأة أصواتا مختلطة آتية من فوق رأسه، وقد أخذت تلك الأصوات في الازدياد حتى قاربت الغوغاء، وسمع وقع أقدام وأنات وصراخا وصرير أسنان، فرفع بعلزبول رأسه ووجه سمعه وهو جاثم لا يبدي حراكا، ولم يخطر بباله أن جهنم تتجدد وتعود إليها حالتها الماضية التي تقوضت بعد انتصار المسيح وفوزه، ومع ذلك فإن الجلبة والضوضاء ووقع الأقدام وصرير الأسنان كانت تزداد وضوحا وجلاء، فرفع جثته وانتفض ثم حرك رجليه الرفيعتين الطويلتين ذات الحواف المخيفة اللتين كانتا مطويتين تحت جسمه أعواما وأياما، ولشدة دهشه ومزيد استغرابه شعر بأن القيود المقيدة فيها سقطت من نفسها ووجد نفسه حرا، فزاد فيه النشاط وتجدد في فؤاده الأمل بالرجوع إلى سابق عهده، فنهض ورفرف بجناحيه وصفر ذلك الصفير المزعج الذي كان يستدعي به في أزمان سلطته الماضية خدمه وأتباعه من الشياطين الذين لا يحصى لهم عدد.
ثم أبصر كوة فتحت فوق رأسه ولمع منها نور أحمر ساطع، وجمهورا غفيرا من الشياطين يتساقطون من تلك الكوة - دافعين بعضهم بعضا - إلى تلك الهاوية، وأحاطوا ببعلزبول إحاطة الغربان للجثة أو النسور للرمة.
وكان هؤلاء الشياطين مختلفين في الحجم والطول والعرض، فمنهم الكبير والصغير والسمين والضئيل المهزول، ولهم أذناب بعضها طويل وبعضها قصير ورفيع وقرون مستطيلة مستقيمة أو عوجاء معقوفة.
وكان أحدهم عاري الجسم، ولكنه وشح أعلى جسده بوشاح من أطمار بالية، ولون بشرته أسود لامع، ولم ينبت بوجهه شعر، وقد انتفخ بطنه وبرز بروزا ظاهرا مضحكا. جلس هذا الشيطان القرفصاء أمام بعلزبول وجها لوجه، ولكنه ما كان يستقر على حالة بل كان يلتفت ذات اليمين وذات اليسار مجيلا بصره الناري في تلك الهاوية، ولم يفارق الابتسام فمه، ويلوح بذنبه المتناهي في الطول.
3
Página desconocida