قال سعيد: إني عندما اطلعت على الحادثة ارتعدت فرائصي، وتصورت فؤادا كأقبح إنسان في الكون، ولكن زال هذا التصور مني شيئا فشيئا حتى لم يبق منه أثر، فالرأي عندي صرف النظر عن كل ما مضى واتباع وجه واحد يجمع بين المصالح والشرط في تمامه قبول فؤاد.
قال خليل: ما هو الوجه الذي تعنيه؟
قال سعيد: هو زواجه بعفيفة.
فانقبض وجه خليل، وانقلبت سحنته عند سماع الجواب، وجعل يهز رأسه مستهزئا.
فاستأنف سعيد الكلام بقوله: نعم إنها الطريقة الوحيدة للتوفيق بين الأغراض، ولو أني أود وأفضل زواجه بأختي، ولكن الظروف تمنع، فلو تزوج بعفيفة لم يخرج عن مناسبتنا والاتصال بعائلتنا.
قال غانم: أنت على غير هدي؛ كأنك تعتقد أن فؤادا يقبل الزواج بعفيفة، وهو اتخذها له صاحبة لا امرأة، وفضلا عن ذلك فإنه لا يعقل أنه يتزوج بفتاة فقيرة الحال.
قال سعيد: يمكننا مداركة الأمر، فنحن - بحمد الله - موسرون، ولو تبرعنا على عفيفة بجهاز نفيس فيحفظ شرفنا من ذل العار، ولا أظن أن فؤادا يمتنع عن الزواج بها عند ذلك.
قال غانم: نح رأيك الفاسد، أتريد أن نتبرع على هذه الابنة الشقية بمالنا؟! كأنك قد أضعت عقلك وضللت وفقدت رشدك، أفلا يكفيك ما أسرفت من المال المجموع حتى جئت تزيد الطين بلة، وتشير بتوزيع المال على من لا يستحقونه؟!
وكان كلام غانم بحدة شديدة أداه إلى الطعن بعفيفة وعيب سيرتها ووصفها بالأوصاف الشائنة، فقد قال لابنه في جملة ما قال: تشور علينا ببذل مالنا إلى ابنة شقية فاجرة قليلة الشرف فاقدة العفاف، إلى ابنة قبلت بالرضاء والاختيار مرافقة فتى شرير فاجر مثلها تقيم معه الأشهر الطوال المتوالية على فسق ودعارة، فما - والله - كنت أظن الجهل يقودك إلى هذا الجنون المركب.
فساء هذا الكلام خليلا، فإنه كان يحب عفيفة، ويكبر عليه سماع القذف بها، ولكنه كظم الغيظ وقال لسعيد مختالا: الحق مع والدك، فالشبان الذين على وتيرة فؤاد يتخذون البنات للمرافقة لا للزواج على الحلال، وفي ظني أن فؤادا يأبى التزوج بعفيفة، ولو دفعتم إليه ما استطعتم من الجهاز والمال، فشأنه افتضاح البنات وتركهن وقد قضى وطرا.
Página desconocida