قال همام: وهذه صفة ثانية مطلوبة في النساء.
قال فؤاد: وبالتفرس فيها نراها متصنعة، قليلة الذوق، عديمة الإحساس.
قال همام: كل هذه أوصاف سنية في النساء، تفوق الذهب والفضة قدرا وقيمة.
قال فؤاد: وكأنما هي صنم من أصنام الجاهلية، لا يؤثر عليها كلام، ولا يظهر في وجهها كدر ولا شيء من الترح والفرح، خلقها الله لحما على عظم، مجردة من مميزات نوعنا الإنساني عن غيره.
فأجاب همام مسترسلا في رده قائلا: والله يا فؤاد إنك لجاهل بالنساء، فلا تعي من أحوالهن شيئا، ولا لوم عليك إذ لم يتثقف بعد ذهنك ولبك لتميز بين السخيف والحسن، ولم يفدك شيئا ذكاء والدتك وما قام فيها من صفات الحزم وسمو المدارك وإصابة الحدس، فخذ الخبر الصحيح مني عن أمور النساء، فإني عارف بأطوارهن، عالم بأسرارهن وسرائرهن، وسأبسط لك القول بالكفاية لتنجلي لك الحقائق، فتميز بين الغث والسمين، وتعلم ما يحمد وما يذم من خصالهن، وما هو جوهري لازم نافع، وما كان بعكس ذلك عرضا لا عبرة به تغني الحال عنه، وهذه نصيحتي إليك: إن رغبت في خليلة تلهو بها لأجل مسمى من الزمان فاطلب الجميلة ذات الظرف والدلال والذوق اللطيف والمحاسن والعقل، وإن رغبت فيها خليلة شرعية تتزوجها على سنة الله ورسوله، فأنت في غنى عن كل ذلك بامرأة غنية، وإلا فرأيك ضليل وعن الصواب بعيد بعد السموات العلى عن أرضنا السفلى وما دونها في الهابطين.
قال فؤاد معترضا: كيف يمكن لزوج الدميمة محبتها إن أمكن اجتماع أليفين على غير المحبة؟
فأجاب همام بقوله: حسبك يا فؤاد دليلا على غرورك وجهلك العناء الذي تجلبه لك الزوجة الجميلة الوجه، الرقيقة الشعور، الدقيقة الفكر، فلن تجد معها راحة البتة ... فإن جمالها الفتان يستأسر القلوب، ويسلب عقول العشاق؛ فيرنون بألحاظ الغرام إليها فتصيبهم وتبادلهم الهيام والشوق، فصور لعقلك ذلك، وتأمل جيدا حالة الزوج المغبون تجدها بئس الحالة، فما أظن أن رجلا عاقلا شريفا على صون عرضه وحفظ كرامته يقبل بها. أما لو كانت الزوجة بعكس ذلك قليلة الحسن إلا أنها صحيحة الجسم حسنة التهذيب كالسيدة سعدى، وجدت الهناء في معاشرتها، وطابت أوقاتك بقربها، ولم يزاحمك عليها مزاحم، فحفظت عرضك. والعرض ليس بالشيء اليسير عند اللبيب الحازم العزيز النفس. ثم قال: ولو تدبرت قولي وتأملت أن ابنة غانم موسرة، يبلغ إيرادها السنوي أضعاف إيرادك ودخلك، لرأيت أنها غنيمة باردة تصيبها بغير عناء، فكيف تعرض عنها؟ وبعد فإني أخاف عليك من الغيرة تأخذك إن تزوجت بامرأة مليحة حسناء، فينغص عيشك؛ لعلمي بغيرتك الشديدة، وما هو قائم من أخلاقك من الأنفة وعزة النفس، فلا أضمن لك السعادة وراحة البال وصفو الخاطر ورغد العيش إلا أن تتزوج بامرأة قليلة الحسن والأوصاف الجميلة.
قال فؤاد: أجل، قد قلت حقا، ولكنني أعترف بضعف طبيعتي البشرية، فإني أفضل الزواج بحسناء مليحة الأوصاف، غير مكترث بالعناء الذي يصيبني بسببها، فذلك أهون علي من زواجي بامرأة دميمة الشكل، لا يميل إليها قلبي.
قال همام: ليس حديثنا في المحبة.
قال فؤاد: إن صدقتك، فإنني لم أشعر بعد بنار الحب في فؤادي، وإنما أخاف أن يثور سعيرها دفعة واحدة، وأكون قد تزوجت، فأحار كيف أصنع؟ فإما أن أقتل نفسي، وإما أن أخرق عهد زوجتي فتخونني، وتقوم القيامة بيني وبينها. ولا يخفى عليك أن قوام العائلة محمول على تبادل المحبة بين الرجل وقرينته؛ فأي قوام وأي نظام ترجوه إن تزوجت بامرأة لا أحبها إلا أن تكون يا خالي قد رضيت لي التعب والنصب والبلاء المقيم؟!
Página desconocida