قال همام: في عبارتي إيهام، فاعلم أنك لو أحببت فتاة صغيرة السن فأبلغتها أنك عازم على الزواج لشق عليها الأمر كثيرا، وجعلت في سبيلك الموانع فتهددك بالقطيعة، وتعكر عليك مواردك، وتحقد أيما حقد عليك، وربما ينالك من كيدها ما لا تستطيع معه صبرا، وقد اختبرت الأمر بنفسي، فكلامي عن ثقة ويقين، وقد علمت أن حلاوة البداية في هوى الغيد الكواعب شيء يسير في جانب المرارة التي تعقبها النهاية. أما لو كانت المرأة الرفيقة على درجة مستوفاة في السن، فإنها تكون بالضرورة خبيرة تميز الأشياء فلا تسومك المستحيل، وتعلم حق العلم أن هواك ينقضي سريعا ووشيكا، وأنك لا بد أن تتزوج يوما، فمن أجل ذلك تكف عن ملامتك وتعذيبك.
قال فؤاد: أتظن أن المرأة التي أحبها تقابل زواجي بالارتياح، فلا تنصب إلي الموانع؟
قال همام: ليس هو الظن، بل اليقين، ولا ريب أيضا أنها تسهل الأمر لمرغوبك، لعلمها أن الحب أشبه شيء بالجبل يصعده الساري، فمتى انتهى إلى قمته نزل إلى الوهاد، وإن كانت المرأة المعشوقة عاقلة، وكنت أنت قليل الثروة، أشارت عليك بامرأة غنية تتزوجها، ثم اعلم أن خير الأمور ما جاء معجلا، وتدبر أن فيك الآن الصفات اللازمة للزواج، فأنت شريف النسب، وهذا الأمر لا يعتد به كثيرا في يومنا الحاضر، وأنت جميل الصورة في ريعان الشباب، ولا بد للجمال أن يزول بزواله، فيتجعد منك الجبين وينحني الظهر، وتزول نضارة وجهك، فتفقد الصفات التي تؤهلك للزواج بامرأة تناسبك، فيلزمك إذن التعجيل، وكما قدمت لك القول فإن كانت رفيقتك مخلصة إليك الوداد، فلا بد أنها تدرك قولي، وتشور عليك بمثل شوري، وتؤكد بتعجيل زواجك ابتغاء تحصيل الثروة الواسعة التي لا سعادة بدونها في الكون، ولا تنظر بعد ذلك إلى الجمال، فقد أغناك المال عنه.
قال فؤاد: سبحان الله! ما أراك يا خالي تختار لي إلا النساء القباح.
قال همام: قد اخترت لك ابنة غانم خطيبتك القديمة، فلم أختر لك غيرها، إنها أصبحت الآن في غنى أوسع من الأول، إذ ورثت من عهد قريب عن خالة لها توفيت في دمشق الشام مبلغا يزيد إيراده السنوي على خمسة عشر ألف فرنك.
فعند سماع فؤاد هذا الكلام همز حصانه وهو يقول لخاله: لا تؤاخذني، فقد مضى الوقت، ولا بد لي من القيام بزيارتي التي أخبرتك عنها.
فتبعه همام فلم يدركه، وغاب فؤاد عن بصره، فرجع همام ساخطا، يلعن الساعة التي وهب فيها ابن أخته ذلك الجواد السريع الذي يمتطيه، ثم قال: والله لأنتقمن منه، أو يكون زواجي بأشنع امرأة في الأرض جزاء.
الفصل الحادي عشر
لم يلبث فؤاد أن وصل إلى مصر العتيقة إلى المنزل الذي سبق فاستأجره وأعده لسكنى عفيفة، وكان المنزل صغيرا أمامه حديقة تكاثفت فيها الأشجار، وحوله سور مرتفع من الأحجار، وكان قد مضى على عفيفة في سكنى ذلك البيت خمسة شهور؛ أي من تاريخ وفاة والدتها. وكان باب الحديقة مفتوحا ، فدخله فؤاد قائدا حصانه بيده، وتقدم بعض خطوات، فدنا منه البستاني، وكان رجلا قوي البنية، مرتفع القامة، يناهز الأربعين سنا، وعليه لوائح الهمة والبساطة، فبعد أن حيا بالسلام، استلم من فؤاد رسن الحصان، فسأله فؤاد عن عفيفة، فقال: هي في غاية الصحة يا سيدي، وقد تكدرت من الزوبعة الشديدة التي عصفت في الأمس، فأتلفت أزهار البستان ونثرت أوراقه، وكان الغم أزيد عندي وأعظم.
قال فؤاد: لا بأس، فلا تحزن، فهل لديك شيء آخر تخبرني عنه؟
Página desconocida