وعاد فريزن في المساء إلى فلا إليزابث ثانية، وطلب مقابلة جلالته فجيء به إلى غرفة سيرل الخاصة، فما كاد الأوستوري يدخل حتى بادره سيرل بقوله: فريزن، إنني أسعد رجل على وجه الأرض.
فابتسم فريزن وقال: إنك أنت الشيطان نفسه. - اجلس أيها الرجل العجوز، وخذ كأسا، ماذا تحب أن تأخذ؛ شرابا إنجليزيا، ويسكي أسكتلنديا؟
وصب سيرل له كأسا، وأخذ فريزن الكأس الذي قدمه إليه وهو يقول: وما الذي فعلته بنفسك لتكون أسعد رجل على وجه الأرض؟ - لقد جمعت لنفسي ذخيرة من الذكريات سوف تبقى معي طوال الحياة.
فابتسم فريزن بتهكم خفيف ثم قال: إنه ليدهشني أن أعثر على رجل غيرك يمكنه أن يجد سعادته في الذكريات وحدها! - إذا لم يكن لديه سواها! - بل يستطيع أن يجد سواها، وعلى الأخص في مثل مسألتك.
ولم يجب سيرل، فما كان ذهنه ليقف على الغرض الذي يرمي فريزن إليه.
واستأنف فريزن مهاجمته فقال بلطف: أما تعتقد يا برتراند أن الأمر يتوقف عليك وحدك، فيما إذا كنت ترغب في إقامة سعادتك المستقبلة على أساس من الذكريات الواهنة أو على أساس أكثر اطمئنانا وثباتا؟
فقطب سيرل وجهه ثم عاد فضحك وقال سائلا: يا للشيطان! ماذا تعني؟ - أعني أنه ليس في الظروف الراهنة ما يمنع من استمرارك في دورك.
وعبس وجه سيرل مرة أخرى، ولكنه كان أكثر دهشة من قبل، ثم قال: أظن أنني كثيف الذهن أكثر من اللازم أيها الرجل العجوز، ولكن ألا تستطيع أن تكف عن التكلم بالألغاز؟ - إنني لا أتكلم بالألغاز، وإني جاد فيما أقول، اصغ إلي، إن أخاك غير الشقيق في بادن بادن وقد اتصل بأمه وأخبرها بأنه لا يستطيع أن يتحمل مهام الملك، إذ لا يرغب في الحياة أكثر من العيش بين ذراعي المرأة التي يحبها، ولا إخالك تجهل أنها سان أماند، وفوق هذا فهو سيتنازل عن جميع حقوقه في العرش لعمه الدوق دي بوردو. ومن هذا ترى أنك سوف لا تؤذي أحدا، بل على العكس فإنك سوف تؤدي أعظم خدمة له ولأمك بتوليك قيادة مشروع الأسرة، الذي يكاد ينهار تحت رياسة جلالته الحاضرة، بل ولسوف تؤدي خدمة للآنسة كريستوف أيضا ... أوه! لا تقاطعني حتى أتم حديثي، نعم سوف تقدم لها أجل خدمة، فإن المسألة ستمر أمامها سهلة مستساغة، وأنا لم أصل لدرجة من الغباوة أو كبر السن ليبعد عن ذهني ما حدث بينكما هذا النهار؛ فقد لاحظت ليلة أمس أنك عاشق للفتاة من قبل. على أنني الآن أقول لك بصراحة: إنه سوف لا يعترضك أي عائق تخشى منه على سعادتك معها لو قبلت الأخذ بالاقتراح الذي عرضته عليك.
وساد صمت طويل كان فيه سيرل غارقا في تفكير عميق، وأخيرا تجاسر فريزن واسترسل قائلا: سوف لا تكون هناك أي صعوبة في الطريق، هل فهمت يا برتراند؟
فرد سيرل كأنما قد قام من حلم: آسف! إنني لم أدرك تماما ما عنيته. - أردت أن تعرف أن كل شيء سوف يسهل من أجلك. - أي شيء؟ - مثلا، سوف لا تحتاج للظهور أمام الجمهور لبضعة أيام، سنقول: إن الطبيب أمر بعدم خروجك من غرفتك حتى يندمل جرح يدك، وغاية ما هناك أنك سوف تستقبل واحدا أو اثنين من المندوبين والممثلين الغرباء الذي سيتشرفون بالاستئذان في الرحيل، وهذا أمر بسيط كما ترى. - أوه، تماما.
Página desconocida