نحن لا نزال في ستراسبورج؛ فقد نزلنا في أحسن فندق في البلدة، ورغم هذا فإن وسائل الراحة فيه تكاد تكون معدومة، لقد اجتمع إلي في قاعة الفندق جميع أعواني، وإنك لتعرفين أسماءهم أكثر مني، وتكلموا طويلا، وكانوا في خلال حديثهم يعطسون ويسعلون ويتمخطون! وكنت أستمع إليهم، ولم يكن في الواقع هناك فائدة في أن أقول شيئا؛ فقد دبروا كل شيء فيما بينهم. لقد قمنا في الفجر، وتجمعت الفرق تحت قيادة الكولونيل ريونو، وأظن أن اسمه هكذا، وقبضوا على رئيس البلدية وبعض أعضائها الذين لم يثبت ولاؤهم لنا. وبعد ذلك لم نكن ندري تماما ماذا نفعل؛ أنزحف إلى حيث يعسكر الجنرال إفيلين وننضم إليه، أم نبقى حيث نكون مترقبين الفرص للزحف على باريس؟
لقد ثار حول هذا الخلاف نقاش أتعبني وأضناني؛ فقد ظلوا طول النهار يتباحثون، بل استمروا فيه شطرا من الليل، وأخيرا ذهب هذا الصباح كولونيل - نسيت اسمه - إلى الرياسة وأمر أركان الحرب بأن يجمع الرجال، ووصلت متأخرا ربع ساعة، وكانت الفصيلة كلها في الساحة، ورأيت الرجال مدججين بالسلاح، مستكملين عدتهم، فصاح فيهم الكولونيل بأعلى صوته: «أيها الجند، لقد انتهت الإمبراطورية الفرنسية، وسقط الإمبراطور نابليون المغتصب. ليحم الله الملك!»
ولقد كان هذا في الواقع كذبا، إلا إذا كان نابليون قد سقط من فوق جواده أو من فوق درجات السلم. وعلى كل فقد أجابه الرجال بصيحة عالية: «يعيش الملك»، وقلت لهم بضع كلمات عن سان لويس وعن جدي، فصدحت فرقة الموسيقى بنشيد المارسلييز، وأخذت العلم بيدي، فصاح الرجال مرة أخرى: «يعيش الملك»، غير أن بعض الرجال في آخر الساحة أخطئوا وهتفوا: «يعيش الإمبراطور»، ولست أظن أنهم عرفوا من أكون أنا.
سرنا بعد ذلك في أنحاء المدينة والموسيقى تعزف أمامنا، حتى وصلنا إلى مقر القيادة، فقابلنا جنرال كبير السن اسمه لوفيلي على ما أظن وكان ينتظر وصولنا. غير أني لم أخبرك أن الآنسة سان أماند لم تتركني لحظة واحدة طوال هذا اليوم، لقد كانت معنا منذ طلوع الفجر حتى الظهر؛ تمشي، وتهتف، وتتحدث مع الضباط وتشجعهم. وقدم لنا الجنرال غداء طيبا شكرته عليه، فما كنت قد تناولت منذ الصباح سوى فنجان قهوة رديئة، وبعد الغداء نشبت مناقشة جافة أخرى، انتهت باستقرار الرأي على إرسال خبر إلى الجنرال إفيلين يطلب إليه فيه أن يسير بجنوده إلى هنا؛ فقد قالوا جميعا إن من دواعي الحرص على سلامتي أن أبقى حيث أنا، ويظهر أنهم تلقوا أنباء تؤكد انتشار جواسيس نابليون في أنحاء البلاد، بغية القبض علي وحجزي في مكان ما.
عند هذا كنت أحس بتعب شديد أنهك قواي، ولولا عناية الآنسة سان أماند وشفقتها علي لتحطم كياني، لقد قالت - وشعرت أن الحق معها - إن ما أحتاج إليه وقتئذ هو الراحة. وكان منزلها في ستيجاند غير بعيد عن هنا، ودفعها لطفها إلى أن تدعوني لقضاء بضعة أيام هناك، حيث يمكنها في هدوء الريف أن تعتني بي فتعيد إلي صحتي. ولقد عزمت على قبول هذه الدعوة الكريمة، وسنسافر إلى ستيجاند بعد ساعة على الأكثر، وبمجرد أن يبلغ إلى علمي وصول الجنرال إفيلين إلى ستراسبورج، وسيكون هذا بعد ثلاثة أيام على الأكثر، فسأرجع إلى هناك وأستأنف البرنامج الذي رسمته لي.
على أنني أعرف أنك قد عملت ترتيبك لكي أتقابل مع الآنسة كريستوف عند عودتي، وأصارحك القول بأن هذا الزواج يقل شأنه في نظري يوما بعد يوم رغم الملايين المنتظرة منه.
إلى الملتقى يا أماه. سأرسل لك برقية عند عودتي إلى ستراسبورج. وإذا لم تسمعي عني خبرا حتى 17 الجاري، فاعلمي أن جواسيس نابليون قد نالوني، فإما أن أكون أسيرا بين أيديهم أو قتيلا وقد تركوني في حفرة بعد أن أهالوا علي التراب.
ولدك
لويس
واستطاعت ألين أن تقنع الملك لويس بأن تذهب هي بنفسها لتضع الخطاب في البريد، بحجة أنه خطاب مهم لا يجوز أن تتركه لخادم الفندق، وكان لويس مكدودا واهن القوى من متاعب اليوم التي لم يتحملها جسده الرهيف، وتركها لتفعل ما أرادت ثم استلقى وحده على الأريكة ينشد الراحة.
Página desconocida