وأردفت السيدة بحرارة: يا إلهي، لا تجعله يبقى طويلا!
وكانت السيدة تجاهد في ضبط عواطفها وتحاول إخفاء اضطرابها، ولقد أفلحت في هذا إلى حد ما، فأمسكت بيدي فيرونيك كأنها تستمد منهما السلوى، ونظرت في عيني الفتاة الصغيرة وقد امتلأت بالدهشة والإشفاق، ثم تمتمت: أيمكن أن أثق بك يا فيرونيك؟
فاحتجت الفتاة بلطف: سيدتي!
فأتمت السيدة وقد تخلل صوتها الأجش نبرة حنان تحرك القلب: ترين أن أصدقائي الذين أثق بهم قليلون، فليس لدي في الواقع غير فريزن، الذي يسير معنا في مشروعاتنا برغبة لا تقل عن رغبتي فيها، ولكن الواحدة تود في بعض الأحيان لو تتحدث مع امرأة مثلها.
فقالت الفتاة برقة: إن هذه الثقة التي تضعينها في توليني فخرا عظيما.
ولكن السيدة لم تبدأ الحديث مباشرة، بل بقيت جالسة وقتا ما تنظر إلى الفضاء بعينين ذاهبتين، وبدأت تتكلم بعد لحظة دون أن يقع نظرها على الفتاة التي لم تزل راكعة تحت قدميها، وكأنما كان صوتها لنفسها أكثر منه إلى الفتاة؛ فقد تحركت شفتاها ولكن أفكارها كانت بعيدة عما تتفوه به. - لم تكن الحالة السياسية في أي وقت بعد موت زوجي العزيز أصلح لنا منها الآن، فإن البونابرتيين يفقدون أتباعهم في وطنهم، وقد أصبحوا مكروهين في كل مكان خارج البلاد، فقد أصبح الإنجليز لا يطيقونهم، وكان ملك بروسيا يترقب الفرص ليعلن عليهم الحرب.
وتوقفت بغتة ثم ألقت بنظرة فاحصة إلى فيرونيك، ثم تمتمت وهي تتنهد تنهدا طويلا: آه لو كان لدينا المال!
فبدأت فيرونيك بانفعال: أنا واثقة من أن والدي ...
ولكن السيدة لم تدعها تذهب إلى أبعد من هذا؛ فقد استأنفت الحديث كأنما تكلم نفسها: يمكننا أن ننجح، ويجب أن ننجح.
وتمتمت مرة أخرى: سوف يلتف الجيش حول العلم القديم الذي قاد فرنسا إلى النصر، ورجال حصن ستراسبورج جميعهم يتبعوننا ، إن ما نحتاج إليه هو المال، المال الذي يجعلنا نبدأ عملنا.
Página desconocida