Malhamat Jazair
ملحمة الجزائر: شرح تاريخي لإلياذة الجزائر لشاعر الثورة مفدي زكريا
Géneros
ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد (سورة غافر، الآية: 32).
ولإبراز أهم المحطات التاريخية الواردة في الإلياذة، أقدم هذا الكتاب الذي سميته «ملحمة الجزائر: شرح تاريخي لإلياذة الجزائر لشاعر الثورة مفدي زكريا» لأستشف من خلاله أروع بطولات وأمجاد الشعب الجزائري في نضاله وكفاحه ضد الأمم الاستعمارية التي توالت عليه؛ ولأبرز صفاته وطبائعه وحبه للشعوب التواقة للانعتاق، كما لا يخلو البحث من صور التضامن الذي توليه الجزائر للقضية الفلسطينية، ورغبتها الحثيثة في تجسيد مبدأ الوحدة العربية والمغاربية والاهتمام بقضايا التحرر والانعتاق.
فكيف لبلد متأصل في جذور التاريخ، ومشهود له بالسبق الحضاري في شتى العلوم والمعارف، ومتمتع بكل مصادر الجمال والرونق، ومحققا لمعجزات الثبات على الحق، والدفاع عن الشرف والمقدسات، والذود عن حمى الأوطان؛ أن ينحرف بعض أهله عن مصادر القوة والمنعة! ولعل هذا التناقض هو أبرز معالم الإشكالية في إلياذة الجزائر.
وسأحاول أن أقدم مقاربة تاريخية أراعي فيها التسلسل التاريخي ومستلهما الشرح والاقتباس من أهم مصادر التاريخ الجزائري الموثوقة بعيدا عن كل ما شاب هذا التاريخ العريق من أباطيل بعض المستشرقين وشهادات الناقمين على الجزائر، مراعيا في ذلك صدق المورد وأمانة الإحالة، ومتحريا قدر المستطاع مواطن الإجماع والوفاق بين المؤرخين والمؤلفين الجزائريين على سبيل الأولوية.
وأعلل ما ذهب إليه مؤرخ الجزائر الأستاذ أبو القاسم سعد الله - رحمه الله - بقوله: «إننا شعب يحسن صناعة التاريخ، ولكنه لا يجيد روايته.» إلى السطحية في الدراسات التاريخية الناجمة عن خلفيات التعامل مع القضية الوطنية بحكم المشارب الغربية والأفكار الغريبة عن طبيعة الشعب الجزائري، وبحكم القهر الاستعماري الذي غيب الكثير من حلقات البحوث التاريخية.
المبحث الأول
العصور القديمة
جزائر يا مطلع المعجزات
ويا حجة الله في الكائنات
مطلع يثير في النفس عزة جليلة ونخوة قوية، يعبر فيه الشاعر عن صدق الرابطة المتأصلة نحو بلده، وعن بلوغ أسمى الوصف لمرتبته. سايرت المعجزات مجمل الرسالات السموية عبر التاريخ واستطاعت، بحكم مصدرها الرباني، أن تسكت الأفواه وتصحح المسار وتلهب في قلوب المناوئين نور الصراط المستقيم. وها هو مفدي زكريا يستخدم مصطلح المعجزة؛ بل مطلعها، ويزيدها قوة إلى قوتها بإضفاء صفة حجة الله على الجزائر، تعبير يعجز قلب القارئ أن يتحمل هيبته وجلاله، وهو الذي يحمل في طياته عبر الأمم الغابرة والحاضرة في نظم تاريخي سجل أروع بطولات وأمجاد الجزائر، وصراعها الأزلي من أجل الحفاظ على الهوية والكرامة والرقي.
Página desconocida