Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Géneros
يقول: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبيد.» ومما يشبه هذا الحال ما سمعت علي بن بندار
65
يقول: سمعت محفوظا يقول: سمعت أبا حفص يقول: منذ أربعين سنة حالي مع الله أنه ينظر إلي نظرة أهل الشقاوة، وعملي دليل على شقاوتي. وكل طريقة أبي حفص وأصحابه في هذا أنهم يرغبون المريدين في الأعمال والمجاهدات، ويظهرون لهم مناقب الأعمال ومحاسنها ليرغبوا بذلك في دوام المعاملة والمجاهدة والملازمة عليها. وكانت طريقة حمدون القصار وأصحابه تحقير المعاملات عند المريدين، ودلالتهم على عيوبها لئلا يعجبوا بها ويقع ذلك منهم موقعا؛ فتوسط أبو عثمان
66
رحمه الله وأخذ طريقا بين طريقتين وقال: كلا الطريقين صحيح، ولكل واحد منهما وقت، فأول ما يجيء المريد إلينا ندله على تصحيح المعاملات ليلزم العمل ويستقر عليه، وإذا استقر عليه ودام فيه واطمأنت نفسه إليه، فحينئذ نكشف له عن عيوب معاملاته والأنفة منها لعلمه بتقصيره فيها، وأنها ليست مما يصلح لله تعالى، حتى يكون مستقرا على عمله غير مغتر به. وإلا فكيف ندله على عيوب الأفعال وهو خال من الأفعال؟ وإنما ينكشف له عيب الشيء إذا لزمه وتحقق به، وهذا أعدل الطرق إن شاء الله تعالى. وسئل بعضهم: ما طريق الملامة؟ فقال: ترك الشهرة فيما يقع فيه التمييز من الخلق في اللباس والمشي والجلوس والكون معهم على ظاهر الأحكام، والتفرد عنهم بحسن المراقبة، ولا يخالف ظاهره ظاهرهم بحيث يتميز منهم، ولا يوافق باطنه باطنهم، فيساعدهم على ما هم عليه من العادات والطبائع، ولا يخالف ظاهرهم بحيث يتميز. وسئل بعضهم: ما الملامة؟ فقال: ألا تظهر خيرا ولا تضمر شرا. وسئل بعضهم: مالكم لا تحضرون مجالس السماع؟ فقال: ليس تركنا مجلس السماع كراهة ولا إنكارا، ولكن خشية أن يظهر علينا من أحوالنا ما نسره، [53ب] وذلك عزيز علينا وعندنا. سمعت محمد بن أحمد البهمي
67
يقول: سمعت أحمد بن حمدون يقول: سمعت أبي، حمدون القصار، يقول وقد سئل عن الملامة، فقال: خوف القدرية ورجاء المرجئة. وإنما أحبوا هم حضور مجالس السماع للمتمكنين الذين لا يظهر عليهم شيء من السماع وإن أداموا عليه. (9)
ومن أصولهم أن الأذكار أربعة: فذكر باللسان وذكر بالقلب وذكر بالسر وذكر بالروح، فإذا صح ذكر الروح سكت السر والقلب عن الذكر، وذلك ذكر المشاهدة. وإذا صح ذكر السر سكت القلب والروح عن الذكر، وذلك ذكر الهيبة. وإذا صح ذكر القلب فتر اللسان عن الذكر، وذلك ذكر الآلاء والنعماء. وإذا غفل القلب عن الذكر أقبل اللسان على الذكر، وذلك ذكر العادة. ولكل واحد من هذه الأذكار عندهم آفة: فآفة ذكر الروح اطلاع السر عليه، وآفة ذكر النفس رؤية ذلك وتعظيمه أو طلب ثواب أنك تصل به إلى شيء من المقامات. وأقل الناس قيمة من يريد إظهاره إلى الخلق، ويريد الإقبال عليه بذلك أو بشيء منه، وهو أخس الطبع وأدونه. وقال بعضهم: خلق الله الخلق وزين بعضهم بلطائف أنواره ومشاهدته وموافقته وسابق عنايته، وجعل بعضهم في ظلمات نفوسهم وطبائعهم وشهواتهم، فمن زينهم بالزينة أهل التصوف، لكنهم أظهروا ما لله تعالى عليهم من الكرامات للخلق، وابتدءوا بالتزين بها والإخبار عنها، والكشف عن أسرار الحق إلى الخلق. وأهل الملامة أظهروا للخلق ما يليق بهم من أنواع المعاملات والأخلاق، وما هو نتائج الطباع، وصانوا ما للحق عندهم من ودائعه المكنونة أن يجعلوا لأحد إليها نظرا أو للخلق إليها سبيلا، أو يكرموا عليها أو يعظموا بها، ومع ذلك غاروا على جميع أخلاقهم ومحاسن أفعالهم، فخافوا أن يظهروها، وعلموا ما للنفس فيها من المراد، فأظهروا للخلق ما يسقطهم عن أعينهم، وما يكون فيه تذليلهم وردهم، وما لا قبول لهم معها ليخلص لهم ظاهرهم وباطنهم. وقال بعضهم: طريق الملامة إظهار «مقام التفرقة» للخلق، وإضمار «التحقق بعين الجمع» مع الحق. (10)
ومن أصولهم مخالفة لذة الطاعات، [54أ] فإن لها سموما قاتلة. (11)
ومن أصولهم تعظيم ما لله عندهم من جميع الوجوه، وتصغير ما يبدو منهم من الموافقات والطاعات، وملازمة حدهم مع الله من غير قصد، من استنباط في قول أو إظهار ما يجب كتمه من الأحوال، كما حكي عن محمد بن موسى الفرغاني
Página desconocida