Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Géneros
يستعمل السلمي في رسالة الملامتية كلمات الروح والسر والقلب والنفس والطبع ويرتبها على هذا النحو من حيث الأفضلية بينها، ولكنه لا يحدد مفهومات هذه الألفاظ ولا يشير إلى وظيفة مدلول كل منها بالدقة كما فعل تلميذه وخلفه أبو القاسم القشيري، فهو يضع «الروح» في أعلى القائمة في الموضع الذي يضع فيه القشيري «السر». ولكن بعض أقوال الملامتية أنفسهم يشير إلى أن «السر» أفضل هذه القوى جميعها من حيث إنه محل المشاهدة، وهذا يتفق مع ما يقوله القشيري.
ولا بد من إيضاح معاني هذه الألفاظ لكي نعرف على وجه التقريب «النفس» التي يدعو الصوفية عامة والملامتية خاصة إلى محاربتها واتهامها والتضحية بها. أما النفس فتطلق في جملة ما تطلق عليه على اللطيفة المودعة في القلب الجسماني التي هي محل الأخلاق المذمومة والأفعال القبيحة، في مقابلة الروح التي هي لطيفة مودعة في القلب الجسماني أيضا ولكنها محل الأخلاق المحمودة والأفعال الحسنة، وفي مقابلة القلب والسر اللذين هما لطيفتان أخريان مودعتان في ذلك المجموع الذي نسميه إنسانا، فالإنسان بهذا المعنى مجموع قوى مسخر بعضها لبعض، لكل منها وظيفة خاصة، كما أن الجسم الإنساني كل في مجموعه كثير بقواه الجسمية وحواسه التي لكل منها وظيفته الخاصة. وقد أجمع الصوفية على أن الروح مبدأ الحياة، وأن النفس مبدأ الشهوات، والقلب مركز المعرفة، والسر مركز المشاهدة أو الشهود. أو كما يقال أحيانا: النفس مبدأ الشهوات والأفعال المذمومة، والروح مبدأ الحياة والأفعال المحمودة، والعقل محل العلم، والقلب محل المعرفة والمحبة أصالة، ولكنه إن مال إلى النفس اتصف بصفاتها، وإن مال إلى الروح اتصف بصفاتها، فهو متقلب بينهما. أما السر فهو محل المشاهدة التي ليس لواحدة من القوى السابقة اطلاع عليها. وقد يتكلم الصوفية أيضا عن سر السر أي السر المودع في لطيفة السر. وهذا أمر لا يطلع عليه إلا الله.
ويرتب القشيري هذه القوى بحسب لطافتها وفضلها على النحو الآتي: السر ثم الروح ثم القلب ثم النفس،
76
ويرتبها السلمي على نحو آخر هو: الروح ثم السر ثم القلب ثم النفس. ويجعل الترقي الصوفي في الأحوال من حال النفس إلى حال القلب من غير أن يشعر الطبع بذلك، ومن حال القلب إلى حال السر من غير أن تشعر النفس، ومن حال السر إلى حال الروح من غير أن يشعر القلب، فإذا وصل السالك إلى حال الروح حصلت له المكاشفة والمشاهدة.
77
وللنفس عند بعض الصوفية تعريف آخر، وهو أنها اسم لكل ما هو معلول (أي ذو علة ومعناها الصفة الذميمة)
78
من أوصاف العبد ومذموم من أفعاله وأخلاقه، سواء في ذلك ما اكتسبه العبد من المعاصي أو ما كان في طبعه في صفات ذميمة كالكبر والغضب والحقد وقلة الاحتمال ونحو ذلك مما ينتفي عن العبد بالمجاهدة والمنازلة.
وسواء عرفوا النفس بأنها قوة أو لطيفة تصدر عنها الشرور والآثام، أو بأنها مجموعة تلك الشرور والآثام، فهي لا شك عندهم العدو الأكبر الذي يجب على الصوفي منازلته، والشر المستطير الذي يجب عليه محوه. وهذا قدر مشترك بين الصوفية جميعا، إذ الكل مجمعون على أن النفس مصدر الآثام لأنها مصدر الشهوة والرغبة، وعلى أن جهادها عن طريق الحياة الصوفية هو الجهاد الأكبر. وربما كان أصلهم في ذلك ما ورد في القرآن والحديث من ذم النفس في مثل قوله تعالى:
Página desconocida