Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Géneros
58
وقد كان أحمد من أصحاب أبي تراب النخشبي (245ه) المشهود له بالفتوة أيضا. ولا شك عندي أن اتصال أبي حفص بهؤلاء الفتيان الصوفيين قد كان له أثره في تشكيل فكرته الملامتية وتوجيهها وجهة خاصة. وقد تخرج به أعلام النيسابوريين من الملامتية أمثال أبي عثمان الحيري (298ه) فخر رجالهم وأطولهم باعا، وأبي الفوارس شاه بن شجاع الكرماني (حوالي سنة 300ه)، ومحفوظ بن محمود النيسابوري (303ه)، وغيرهم. وممن صحبه أيضا أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي الذي كان إمام وقته بنيسابور (328ه)، وأبو علي عبد الله بن محمد المعروف بالمرتعش (المتوفى ببغداد سنة 328ه)، وأب محمد عبد الله بن محمد الخراز المتوفى حوالي سنة 310ه وغيرهم.
وأشهر رجال الملامتية على الإطلاق أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة المعروف بالقصار المتوفى سنة 271ه، كان أحد علماء الفقه على مذهب الثوري. وأشهر أساتذته في التصوف اثنان:
الأول سلمان أو سالم الباروسي
59
الذي كان من كبار مشايخ نيسابور ذوي الأتباع. يحكي السلمي عن جده أبي عمرو بن نجيد الملامتي أنه قال: «دخل سالم بن الحسن (الباروسي) على محمد بن كرام
60 (المتوفى سنة 256) فقال له (أي للباروسي): كيف رأيت أصحابي؟ فقال: لو كانت الرغبة التي في بواطنهم على ظواهرهم والزهد الذي على ظواهرهم في بواطنهم لكانوا رجالا. ثم قال: أرى صلاة كثيرة وصياما كثيرا وخشوعا كثيرا، ولا أرى عليهم نور الإسلام.»
ولهذه القصة مغزاها في تأريخنا لرجل من مؤسسي الملامتية؛ لأنها تلقي بعض الضوء على ما كان يعتبر في ذلك الوقت فرقا بين الزهد الحقيقي والزهد الكاذب، أو بين الزهد الملامتي وغيره. نحن نعلم أنه كان من عادة ابن كرام وأصحابه أن يسيروا في البلاد يلبسون الجلد المدبوغ الممزق وعلى رءوسهم القلانس البيضاء يعظون في الأسواق ويروون الحديث، فلما رأى الباروسي مظهرهم أنكره؛ لأنه رأى فيه معنى الرياء، وطالب ابن كرام وأصحابه - كما طالب أساتذة الملامتية تلامذتهم فيما بعد - أن يكون الزهد زهد الباطن لا زهد الظاهر، وأن تكون الرغبة التي يدعونها في بواطنهم بادية على ظواهرهم، وألا يتظاهروا بكثرة الورع والخشوع والصلاة والصيام، ولا غرابة أن تصح فراسة الباروسي في رجل كابن كرام كان يقنع في تعاليمه بإيمان الإنسان بلسانه دون قلبه.
وثاني أساتذة حمدون هو أبو تراب النخشبي (245ه) الذي كان من كبار مشايخ نيسابور، وممن اشتهروا فيها بالعلم والزهد والفتوة. ولكثير من آرائه صدى في تعاليم تلميذه حمدون لا سيما في مسائل التوكل والسؤال والنهي عن لبس المرقعة، وفي معنى الصدق والإخلاص وغير ذلك.
ولحمدون شهرة خاصة من بين مشايخ نيسابور، وهي أنه المؤسس الحقيقي الأول لمذهب الملامتية بها، أو على الأقل أنه نص على أنه مؤسسها. فالسلمي يصفه بأنه «شيخ الملامتية بنيسابور، ومنه انتشر مذهب الملامة.»
Página desconocida