والجواب عن ذلك والله أعلم: أن المعنى وإن كان فى السورتين واحدا وفى قضية واحدة فإن مقاطع آى وسورة مريم وفواصلها استدعت ما يجرى على حكمها ويناسبها من لدن قوله تعالى فى افتتاح السورة: "ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا " إلى قوله فى قصة عيسى ﵇: "والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا "، لم تخرج فاصلة منها عن هذا المقطع ولا عدل بها إلى غيره ثم عادت إلى ذلك من لدن قوله تعالى: "واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا " إلى آخر السورة فاقتضت مناسبة آى هذه السورة ورود قصة زكريا ﵇ على ما تقدم ولم يكن غير ذلك ليناسب أما آية آل عمران فلم يتقيد ما قبلها من الآى وما بعدها بمقطع مخصوص فجرت هى على مثل ذلك والله أعلم.
الآية السادسة: قوله تعالى: "قال ربك اجعل لى آية " يريد والله أعلم آية على الحمل ليستعجل البشارة فقيل له: "آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " وفى سورة مريم: "آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " مع اتحاد القصة فيسأل عن ذلك.
والجواب والله أعلم: أنه لما كان الإخبار مقصودا به التعريف بمنعه الكلام ثلاثة أيام بليالهن منصوصا على ذلك حتى لا يقع احتمال أن يكون المنع فى الليالى دون الأيام أو الأيام دون الليالى، وهذا كما فى قوله تعالى: "سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " فوقع التنصيص على الوقتين ليرتفع توهم أفراد أحد الوقتين دون الآخر وكذا فى آية آل عمران بذكر الأيام ليناسب قوله "إلا رمزا " إذ الرمز ما يفهم المقصود دون نطق كالإشارة بالعين وباليد وقال مجاهد بالشفتين وكيفما كان فإنما يدرك بالعين ولما لم يذكر الرمز فى آية مريم ذكر فيها الليل.
وحصل التعريف باستيفاء الوقت الممنوع فيه الكلام وما جعل له عوضا منه وهو الرمز وزيد فى آية مريم التعريف باستواء الليالى فى ذلك فالمراد مستويات فسويا من صفة ليال انتصب على الحال أو يكون المراد لا خرس بك ولا مرض فيكون سويا حالا من الضمير فى تكلم فورد هنا سويا مناسبا للفواصل ومقاطع الآى وليس فى آية آل عمران ما يستدعى ذلك فورد كل على ما يجب ويناسب والله أعلم.
الآية السابعة: قوله سبحانه: "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا
1 / 82