Rey en el exilio de la vida

Salah Hilal d. 1450 AH
33

Rey en el exilio de la vida

ملك في منفى العمر

Géneros

جاءت أمي من إقليم بعيد إلى إقليم أبعد، وفي أعماقه ارتكبت خطأ حسب قولها. «ما يعجز العقل عنه عند اتخاذ قرار الزواج يدفع ثمنه غاليا في أثنائه.»

كان والداي أبعد ما يكونان عن الرؤية العملية للزواج؛ إذ لم يشهدا هذه الخبرة في بيت آبائهما؛ لذا فقد أسسا حياتهما الزوجية على جهل، وكما يحدث كثيرا لم ينتبها إلى عرض جانبي خطير؛ ألا وهو أن أحدهما لا يمكن أن يغير الآخر؛ فالطبع أقوى من الإرادة.

أخطأ والداي خطأ فادحا في تقييم مدى ملاءمة أحدهما للآخر، ولا أجد ما أقوله في هذا الشأن أفضل مما قاله ليو تولستوي على لسان الدوقة في روايته «أنا كارنينا»: إن ترك قرار اختيار الزوج في يد الشباب يشبه ادعاء أن السلاح المحشو بالذخيرة لعبة مناسبة للأطفال في سن الخامسة.

لم يخطر ببال والدي قبل الزواج التفكير فيما سيحدث عندما يصطدم تصوران مختلفان عن السعادة أحدهما بالآخر. دخل كل منهما في هذه الزيجة ولديه مقومات السعادة، ولكن إذا أمعنا النظر فسنجد أن تلك المقومات كانت لنوعين مختلفين من السعادة، نوعين متضادين. وأصبح كل منهما تعيسا على طريقته في التعاسة.

فلم يستطع أي منهما الوفاء بتطلعات شريكه، حتى طريقة التعبير عن المشاعر كانت مختلفة تماما. استعصت الفجوة الثقافية بين جيليهما وظروف نشأتيهما على محاولات تخطيها؛ فأبي من أسرة ريفية كبيرة، وأمي من عائلة عاملة مكافحة. نشأ أبي في حقبة ما قبل الحرب، وأمي فيما بعدها. هو متأثر بالحرب والاعتقال، وهي بالفقر وتصورات الوطن الرومانسية. توقعات مختلفة، قيم مختلفة، انطباعات ومشاعر مختلفة، هو بحبه للأمور البسيطة والمقتضبة، وهي بحبها للأمور الحسية والدافئة، هو بحبه للأمور الاجتماعية، وهي بحبها للثقافة؛ أثبت أبي في مواقف كثيرة عدم قدرته على مواكبة الحياة الثقافية.

في اليوم التالي لزواجهما قال الناس ساخرين: «لقد نام أوجوست في الفصل الأول.»

كان الأمر بمثابة تنافر مثالي بين أحلام حياة مختلفة، فعدا الزواج وإنجاب الأطفال لم تجمعهما سوى حياة كانت تسير يوما بيوم، وكأن شخصين في برج بابل يحاولان في حيرة أن يتحدثا معا كل بلغته، ويشكوان قائلين: «أنت لا تفهمني!»

عندما سألت أبي لماذا تزوج أمي، أجابني أنه أحبها كثيرا وأراد أن يوفر لها حياة أسرية. وهنا تظهر مجددا موضوعاته الأساسية: البيت والأمان والاحتواء؛ فقد كانت أهم الأمور في نظره. ربما فكر في أن الوقوع في الحب شيء جميل، ولكن الأجمل أن يكون لك مكان تنتمي إليه.

أما أمي فلم تكن تبحث عن الأمان والاحتواء، وإنما عن الإثارة؛ فقد كانت منفتحة على العالم، ولديها فضول لمعرفة الجديد. كان القيام برحلة في شهر العسل مستبعدا لعدم توافر المال اللازم، وكانت صدمة أمي كبيرة عندما طلبت منه القيام بنزهة واعتبارها رحلة شهر العسل، ولكنه رفض. وربما اعتبر أبي أن الميزة الوحيدة في كون العالم فسيحا وجميلا هو أن الناس لا يهرعون إلى فولفورت.

كانت أمي تردد شكواها كثيرا وهي غاضبة: «ولا نزهة في الغابة أيضا!» وبالفعل لم يكن هذا الرفض من أفضل أمجاد أبي؛ لم يرد والدي أن يخرج عن عاداته ولو ليوم واحد، وكان يعتبر كل ما يعكر صفو حياته اليومية المملة أمرا سلبيا، وإن كان نزهة قصيرة يوم سبت بعد زواجه.

Página desconocida