مقدمة
مصطفى ممتاز يبعث من جديد
مخطوطة مسرحية «أنجومار»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطة مسرحية «عبد الرحمن وعمر»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
مخطوطة مسرحية المنافقين
رواية المنافقين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطة مسرحية «المرحوم»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
مخطوطة مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال»
رواية «جلنار بين ثلاثة رجال»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مقدمة
مصطفى ممتاز يبعث من جديد
مخطوطة مسرحية «أنجومار»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطة مسرحية «عبد الرحمن وعمر»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
مخطوطة مسرحية المنافقين
رواية المنافقين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطة مسرحية «المرحوم»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
مخطوطة مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال»
رواية «جلنار بين ثلاثة رجال»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطات مسرحيات مصطفى ممتاز
مخطوطات مسرحيات مصطفى ممتاز
دراسة
سيد علي إسماعيل
مقدمة
في الربع الأول من القرن العشرين؛ ظهرت في مصر كوكبة من أعلام الكتابة المسرحية في مجال: التأليف، والترجمة، والاقتباس، والتعريب، والتمصير ... أمثال: بديع خيري، ونجيب الريحاني، وإبراهيم رمزي، وإسماعيل عاصم، وعباس علام، وخليل مطران، وأمين صدقي، ومحمد تيمور، ويوسف وهبي، ومحمد لطفي جمعة، وعباس حافظ، وعزيز عيد وغيرهم. ويشاء القدر أن يهتم بعض الكتاب والنقاد بكتابات هؤلاء الأعلام المسرحية؛ فنشروا عنها الكتب والمقالات والدراسات التي وثقت هذه الأعمال، وسجلت الأقوال النقدية التي دارت حولها؛ فأصبحت هذه الدراسات مراجع ومصادر تخدم الباحثين. وفي المقابل هناك أعلام آخرون من كتاب المسرح - على قدر المساواة مع الأعلام السابقين، ومعاصرين لهم - لم يهتم بهم الكتاب أو النقاد حتى الآن، أمثال: عبد الحليم المصري، ومحمود مراد، ونقولا رزق الله، وحسين شفيق المصري، وفرح أنطون، ومصطفى ممتاز ... وغيرهم.
وعدم اهتمام الكتاب والنقاد بهؤلاء الأعلام مرجعه الأساسي عدم وجود معلومات عنهم وعن حياتهم، أو فقدان كتاباتهم وإبداعاتهم المسرحية. فمثلا عبد الحليم المصري معروف أنه شاعر ومؤرخ ، والجديد في الأمر أنه كان ممثلا مسرحيا عام 1910م، وألف مسرحية «فيروزشاه» 1918م، وعرب مسرحيات كثيرة، منها: «مارك أنطوان وكليوباترا»، و«الشيخ العاشق»، و«الممثل كين». ومع شديد الأسف فإن هذه المسرحيات ظلت مطوية غير منشورة، ولم نعثر على مخطوطاتها حتى الآن! كذلك محمود مراد المتوفى سنة 1925م؛ فإنا لا نعرف عنه شيئا، رغم أنه من رواد المسرح المدرسي في مصر، وله مؤلفات وترجمات مسرحية كثيرة، منها: «زهراب ورستم»، و«الأساس فالبناء»، و«الجزاء الحق»، و«الابن الضال»، و«ما وراء الستار»، و«الابن المتبنى»، و«الوحي»، و«في سبيل المبدأ»، و«مجد رمسيس»، و«توت عنخ آمون»، و«بيت العروس»، و«العبرة»، و«ثريا»، و«عضو البرلمان»، و«سعاد»، و«البروكة»، و«شرف الأسرة»، و«كليوباترا»، و«الدخيل» ... ورغم هذا الكم الهائل من الإبداعات المسرحية إلا أنه لم تنشر له مسرحية واحدة، ولم نستطع - حتى الآن - الحصول على مخطوطة واحدة من هذه المسرحيات!
أما فرح أنطون، فعلى الرغم من شهرته الذائعة الصيت، والمؤلفات التي دبجت حول كتاباته وحياته، إلا أنها لم تتطرق إلى أعماله المسرحية إلا في نطاق محدود من خلال مسرحياته المطبوعة، مثل: «البرج الهائل» 1898م، و«ابن الشعب» 1905م، و«مصر الجديدة» 1913م، و«صلاح الدين ومملكة أورشليم» 1914م. رغم كتابته مسرحيات أخرى غير منشورة، لم نستطع الحصول على مخطوطاتها - حتى الآن - مثل: «أوديب الملك» 1911م، و«الساحرة» 1912م، و«أولندا»، و«تاييس»، و«كارمن» 1915م، و«أدنا»، و«الإمام في الشام»، و«بين الدكاترة»، و«روزينا» 1918، و«الشيخ وبنات الكهربا» 1921، و«أديني جيت» 1922م، و«أبو الهول المتحدث» ... وغيرها.
هؤلاء الأعلام من المسرحيين ممن كتب عليهم النسيان، وفرض القدر عليهم العيش على هامش التاريخ، وبنى الزمان جدارا سميكا بينهم وبين من أراد الكتابة عنهم ... هؤلاء كانوا شغلي الشاغل منذ زمن طويل ... أحاول الوصول إليهم في ثنايا سطور الكتابات القديمة، وأنبش عنهم في الوثائق المجهولة، وأنقب عن أخبارهم بين الأوراق البالية، وأبحث عن كتاباتهم وسط ركام المخطوطات ، وأتقصى ما كتب عنهم في الصحف المتهالكة التي عاصرت وجودهم ... فأخرجت بذلك أعلاما مسرحية كانت مجهولة؛ رغم ما لها من مكانة أدبية مسرحية مرموقة لم تكن معروفة من قبل.
فعلى سبيل المثال: أعدت إلى ساحة الأدب والمسرح المكانة اللائقة للأديب إسماعيل عاصم؛ عندما نشرت تفاصيل حياته، وبعض أشعاره، وجميع مسرحياته المخطوطة، والمطبوعة في القرن التاسع عشر، في كتاب متواضع حمل اسم «إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب» عام 1996م. كذلك نشرت جميع مسرحيات محمد لطفي جمعة المخطوطة في كتاب «مخطوطات مسرحيات محمد لطفي جمعة: الأعمال الكاملة» عام 2001م. وبالأسلوب نفسه نشرت بعض مسرحيات حافظ نجيب المخطوطة في كتاب «حافظ نجيب الأديب المحتال» عام 2004م. وبمناسبة مرور خمسين سنة على وفاة الفنان الكوميدي علي الكسار؛ نشرت ثماني عشرة مسرحية مخطوطة في كتاب من جزأين بعنوان «مسرح علي الكسار» عام 2006م. وأخيرا نشرت مجموعة كبيرة من مسرحيات عباس حافظ المخطوطة مع بعض تفاصيل حياته في كتاب «مخطوطات مسرحيات عباس حافظ» عام 2007م.
والتزاما بهذا النهج؛ وقع اختياري على شخصية مصطفى ممتاز؛ لتكون موضوع هذا الكتاب. والسبب في هذا الاختيار أن مصطفى ممتاز شخصية مجهولة في كتاباتنا المعاصرة التي تشير إلى أنه شارك توفيق الحكيم في اقتباس مسرحية «خاتم سليمان»؛ التي مثلتها فرقة أولاد عكاشة سنة 1924م. وبخلاف هذه المعلومة - التي سجلها الحكيم في مذكراته - لا يستطيع أي باحث أن يعرف شيئا آخر عنه! وهذه المعلومة تشير إلى أن مصطفى ممتاز شارك الحكيم في اقتباس المسرحية ... أي إن الحكيم هو الأصل، ومصطفى ممتاز هو الفرع!
فيا ترى ما هو شعور القارئ عندما يكتشف أن العكس هو الصحيح؟! فمصطفى ممتاز كان الأصل والحكيم هو الفرع! مصطفى ممتاز كان المؤثر، وتوفيق الحكيم كان المتأثر! مصطفى ممتاز كتب ثماني مسرحيات - مثلتها الفرق المسرحية الكبرى بين عامي 1917 و1924م - قبل أن يخط الحكيم سطرا واحدا في كتاباته المسرحية المعروفة! مصطفى ممتاز هو الشاعر القدير صاحب الديوان المنشور بالإسكندرية عام 1918م، وهو مؤلف ومعرب ومترجم لعشرات المسرحيات، استطعنا إحصاء إحدى عشرة مسرحية منها، ونشرنا في هذا الكتاب خمسة نصوص مسرحية مخطوطة مجهولة ... ففي هذا الكتاب يخرج مصطفى ممتاز من قبره التاريخي، لتعاد إليه حياته الأدبية المسرحية، وليسترد مكانته المسرحية التي سلبت منه نسيانا وتجاهلا من قبل الكتاب والنقاد.
والله ولي التوفيق.
دكتور سيد علي إسماعيل
الدوحة 14 / 5 / 2008م
مصطفى ممتاز يبعث من جديد
تمهيد
من المعروف أن الأديب الكبير توفيق الحكيم بدأ اهتمامه بالأدب المسرحي في نهاية الربع الأول من القرن العشرين (1923-1926م). ففي هذه الفترة كتب الحكيم عدة مسرحيات، منها: «العريس»، و«خاتم سليمان»، و«علي بابا»، و«المرأة الجديدة»، و«أمينوسا»، و«الثائرة».
1
وهذه الفترة على وجه الخصوص، حاول الحكيم تعتيمها، وعدم الخوض في تفاصيلها، قائلا: «في حياتي الفنية جانب مجهول أردت ألا أعترف به ورأيت أن أقصيه وأن أسدل عليه الستار؛ لأنه في نظري اليوم لا يتصل بأدبي، ولا يجوز أن يدخل في عداد عملي ... ذلك هو عهد اشتغالي بكتابة القصص التمثيلي لفرقة عكاشة حوالي عام 1923م.»
2
وهذا التعتيم من قبل الحكيم جعل معظم الكتاب والنقاد يبتعدون عن هذه الفترة، أو جعلهم على أقل تقدير يمرون عليها في كتاباتهم مرور الكرام! وشذ عن هذا الناقد فؤاد دوارة
3
الذي درس مسرحيات الحكيم في هذه الفترة، من غير أن يتطرق إلى باقي الجوانب الأخرى، التي تعتبر من الجوانب المجهولة في حياة توفيق الحكيم وأدبه.
4
ومن هذه الجوانب أن الحكيم بدأ كتابة المقالات الصحفية المسرحية منذ منتصف عام 1924م. أي إن الكتابات النقدية المسرحية بدأت عند الحكيم بعد بداية كتاباته المسرحية مباشرة. وكان يوقع على هذه المقالات باسم «حسين توفيق الحكيم».
5
ومن الوثائق المهمة وجود قصاصة ورقية، في شكل خطاب قصير موجه من الحكيم إلى زكي طليمات أثناء وجودهما في باريس عام 1925م. ونص الخطاب يقول:
6
حضرة الأستاذ زكي أفندي طليمات
سررت جدا عندما علمت من البعثة بحضوركم، وقد علمت عنوان الفندق وللأسف لم أجدكم. وحبذا لو تفضلتم بالمقابلة غدا صباحا الساعة 11 تقريبا بدار البعثة بشارع المدارس نمرة 24 لأتحدث إليكم عن المسرح هنا.
وتفضلوا بقبول التحية والشكر.
المخلص
حسين توفيق الحكيم
كاتب رواية «العريس» و«خاتم سليمان»
باريس 8 ديسمبر 1925
صورة خطاب توفيق الحكيم إلى زكي طليمات عام 1925م.
وهذا الخطاب يكشف لنا حقيقة مهمة، تتمثل في أمرين؛ أولهما: أن الحكيم لم تتفتح موهبته المسرحية في باريس، بل تفتحت في مصر، وقبيل سفره إلى فرنسا. والدليل على ذلك قوله لطليمات: «لأتحدث إليكم عن المسرح هنا.» وهذا يعني أن الحكيم منذ وصوله إلى باريس، وهو يتابع الحركة المسرحية الفرنسية بكل اهتمام بصفته محترفا، لا هاو كما يعتقد الجميع.
7
والدليل على ذلك أيضا أنه يطلب مقابلة زكي طليمات - طالب البعثة الحكومية المصرية لفن المسرح - ليحدثه عن المسرح في فرنسا! ذلك الطالب الذي له باع طويل معروف في مجال المسرح، قبل سفره إلى باريس. فإذا كان الحكيم مارس الفن المسرحي قبل سفره من خلال مسرحيتين فقط - هما: «العريس»، و«خاتم سليمان» في عامي 1923، و1924م - فطليمات أسبق منه بعشر سنوات في هذه الممارسة، منذ كان ممثلا بجوق أبيض وحجازي عام 1914م، وبفرقة عبد الرحمن رشدي، وفرقة عزيز عيد عام 1918م. بل إن طليمات فاز بالجائزة الأولى في التمثيل الدرامي عام 1925م، مما أهله للسفر طالبا في بعثة مسرحية إلى فرنسا.
8
أما الأمر الآخر، فيتمثل في توقيع الحكيم - أسفل الخطاب السابق - بعبارة: «كاتب رواية «العريس» و«خاتم سليمان».» أي إن الحكيم نسب مسرحية «خاتم سليمان» إليه وحده، على الرغم من أنها اقتباس مشترك بينه وبين مصطفى ممتاز! وربما لم يتعمد الحكيم ذلك؛ فكتب عبارته غفلا من ذكر مصطفى ممتاز؛ على اعتبار أن القصاصة كتبت في عجالة.
ومما سبق يتضح لنا أن بداية توفيق الحكيم المسرحية كان وراءها عاملان؛ الأول: الموهبة، والآخر: مصطفى ممتاز مكتشف هذه الموهبة ومحركها الأول. وكفى بنا أن نعلم أن في عام 1927م كتبت مجلة «المسرح» عدة مقالات عن أسلوب وطريقة كتاب المسرح في هذه الفترة، ومن هؤلاء الكتاب كان الحكيم ومصطفى ممتاز. ومن الملاحظ أن ما كتب عن أسلوب مصطفى ممتاز يتشابه إلى حد كبير مع ما كتب عن أسلوب الحكيم.
9
وهذا الأمر يشير إلى أن الحكيم تأثر بأسلوب ممتاز في الكتابة المسرحية - في تلك الفترة - أو أن مصطفى ممتاز كان موجها مسرحيا للحكيم.
ورغم ذلك، لم يعترف الحكيم في مذكراته بتأثير ممتاز على موهبته المسرحية؛ إلا أنه في الوقت نفسه لم يتجاهله؛ فذكره بشيء من الاقتضاب قائلا عنه في كتابه «سجن العمر»:
في ذات ليلة ذهبت إلى دار الأوبرا أشاهد رواية لفرقة عكاشة، فوجدت هناك زميلا لي بمدرسة الحقوق ... سألته عما جاء به إلى ذلك المكان، لعلمي أنه ليس من المهتمين بمسرح ولا بروايات، فأجابني أن شقيقه هو مؤلف الرواية التي نشاهدها ... فعجبت لذلك وسررت به وقلت له: عرفني بأخيك هذا! وعرفت من صار بعد ذلك صديقي وشريكي في مسرحية غنائية هي «خاتم سليمان» مصطفى أفندي ممتاز الموظف بقسم الشياخات والعمد بوزارة الداخلية ... كان مصطفى ممتاز قد توظف بالبكالوريا ولم يستمر في الدراسة العليا مثل أخيه زميلي بالحقوق ... لكنه كان فيما رأيت منه أرسخ قدما في اللغتين العربية والإنجليزية وأوسع اطلاعا وأمتع حديثا ... وعلى جانب كبير من الموهبة والإحساس بالفن والحب الصادق للمسرح ... فكنت أجد فيه الصديق الذي ترتاح إليه نفسي، ولم أحفل كثيرا بأخيه زميل الدراسة ... كنت أزور مصطفى هذا في بيته من حين إلى حين ... كان متزوجا وله أولاد ... فكنا نقضي وقتا طويلا في حجرة الجلوس نتحدث في الفن والمسرحيات ... كان يصغى إلى اطلاعي في المسرحيات الفرنسية، وأصغى إلى اطلاعه في المسرحيات الإنجليزية التي كان يطلبها بالبريد من لندن في سلسلة مسرحية زهيدة الثمن، فنحاول أن نستعرض ما نجد هنا أو هناك مما يصلح في نظرنا للترجمة أو ما يغرينا بالتمصير ... وقع اختيارنا أنا ومصطفى ممتاز على موضوع شيق كنت قد طالعته في إحدى الروايات الفرنسية، ربما كان اسمها «غادة ناربون» استطعنا أن نخرج منه مسرحية غنائية لفرقة عكاشة ... جعلنا هذا الموضوع يحدث في مدينة شرقية في عصر قديم ... وأسمينا المسرحية «خاتم سليمان».
10
هذه القصة التي رواها الحكيم عن بداية معرفته بمصطفى ممتاز؛ تمثل أهم المعلومات التي يمكن لأي باحث الحصول عليها في الكتابات الحديثة والمعاصرة عن الكاتب المسرحي مصطفى ممتاز! وبسبب شهرة الحكيم ومكانته يعتقد القارئ أن مصطفى هذا ما هو إلا شريك ثانوي في بداية نشاط الحكيم المسرحي. وبمعنى آخر أن الحكيم هو الأساس وممتاز هو الفرع؛ خصوصا في اقتباس مسرحية «خاتم سليمان»، رغم أن العكس هو الصحيح! فالحكيم في حديثه السابق يؤكد أن بداية لقائه بممتاز كانت أثناء مشاهدته لإحدى مسرحيات فرقة عكاشة المكتوبة من قبل ممتاز. ورغم أن الحكيم لم يذكر تاريخ هذا اللقاء، إلا أن المنطق التاريخي يقول إن هذا اللقاء كان في أكتوبر عام 1922م، عندما مثلت فرقة عكاشة مسرحية «الخطيئة» لمصطفى ممتاز، لأن بعدها مباشرة بدأ ممتاز مع الحكيم اقتباس مسرحية «خاتم سليمان» - كما سيتضح لنا لاحقا - وهذا يؤكد أن معرفة الحكيم بممتاز بدأت قبل أن يخط الحكيم سطرا واحدا في كتاباته المسرحية، سواء النقدية أو الإبداعية.
وهذه المعرفة تمت في هذا التاريخ بين المؤثر مصطفى ممتاز - الأستاذ الكبير في الكتابة المسرحية - والحكيم المتأثر بأسلوب هذا الأستاذ وتعاليمه؛ الذي ذكره الحكيم في مذكراته بصورة هامشية؛ لا تليق بنشاط ممتاز المسرحي، ولا بتاريخه. وهذا الموقف كرره الحكيم مرة أخرى؛ عندما تحدث عن لقاء آخر جمعه بمصطفى ممتاز؛ فسجله الحكيم في كتاباته من غير أن يذكر اسم ممتاز!
يقول الحكيم: «في حياتي الفنية جانب مجهول أردت ألا أعترف به ورأيت أن أقصيه، وأن أسدل عليه الستار؛ لأنه في نظري اليوم لا يتصل بأدبي ولا يجوز أن يدخل في عداد عملي ... ذلك هو عهد اشتغالي بكتابة القصص التمثيلي لفرقة عكاشة حوالي عام 1923 ... غير أن المصادفة شاءت أخيرا أن ألتقي بمن يذكرني بهذا العهد، ويعرض علي طرفا مما كنا نعمل في ذلك الحين ... ذلك روائي اشترك معي في قطعة موسيقية قام بتلحينها المرحوم كامل الخلعي ... ثم انقطع عن الفن منذ ذلك الوقت وشغلته شئون الحياة ... ثم اختلينا فجعل ينشد لي بعض أغاني رواياتنا القديمة وأنا في ذهول! شد ما تغيرت أنا، وتغيرت نظرتي للفن مرات ومرات خلال تلك السنوات! ولكنه هو باق كما كان على احترام تلك القواعد والمثل التي كانت هدفنا ومرمى أبصارنا في الكتابة المسرحية .»
11
وإذا كان من حق توفيق الحكيم - في هذا القول - أن يقصي من حياته جانبا حقيقيا؛ لا يريد تذكره؛ متنكرا لجانب من إبداعه المسرحي ... فليس من حقه نكران من أخذ بيده في بداياته المسرحية، جاحدا فضله متنكرا لاسمه، الذي لم يذكره مشيرا إليه بعبارة «روائي اشترك معي»، والحق أن الحكيم هو المشارك له! والغريب أن الحكيم تنكر حتى لاسم المسرحية فلم يذكرها، واكتفى بوصفها «قطعة موسيقية»؛ رغم أنها مسرحية كاملة عرضت على مسرح حديقة الأزبكية فترة طويلة تحت اسم «خاتم سليمان»!
وربما يشعر القارئ بأنني أحاول جاهدا أن أثبت أن توفيق الحكيم تأثر في كتاباته المسرحية بأسلوب مصطفى ممتاز وتوجيهاته الفنية؛ رغم ما يعترض هذا الطرح من حقيقة شائعة - قال بها كل من كتب عن مسرح الحكيم، وقال بها الحكيم نفسه - هذه الحقيقة تقول: إن أول مسرحية كتبها الحكيم كانت مسرحيته المقتبسة «العريس».
12
قبل أن يشارك ممتاز في اقتباس مسرحية «خاتم سليمان»! وهذا يعني أن الحكيم مارس الكتابة المسرحية قبل أن يتعرف إلى مصطفى ممتاز! ومن الأدلة على ذلك خطاب الحكيم لطليمات - السابق - الذي وقع عليه الحكيم بقوله: «حسين توفيق الحكيم كاتب رواية «العريس» و«خاتم سليمان».» أي إن الحكيم يقر بأن مسرحية «العريس» كانت قبل مسرحية «خاتم سليمان»! حتى التاريخ يؤيد هذا؛ فقد عرضت فرقة عكاشة مسرحية «العريس» أولا، ثم عرضت مسرحية «خاتم سليمان» بعد ذلك! فهل يمكن - بعد كل هذه الأدلة - الزعم بأن الحكيم تأثر بمصطفى ممتاز في كتاباته المسرحية؟
الإجابة على هذا السؤال تقول: من الممكن أن يكون الحكيم تأثر بمصطفى ممتاز، إذا أثبتنا أن مسرحية «خاتم سليمان» هي أول مسرحية يشارك في كتابتها توفيق الحكيم قبل أن يقتبس مسرحيته «العريس». فإن صدق هذا الإثبات، فيكون الحكيم تأثر بمصطفى ممتاز بكل معنى الكلمة. وإليك أيها القارئ الإثبات :
من المعروف - في الربع الأول من القرن العشرين - أن الفرق المسرحية المصرية تنهي موسمها التمثيلي في أبريل أو مايو من كل عام؛ لتبدأ موسمها الصيفي بإعادة بعض عروضها في الأقاليم والمدن الساحلية، ثم تأخذ فترة استعداد للموسم التالي؛ الذي يبدأ في أكتوبر أو نوفمبر، وغالبا ما تبدأ الفرق موسمها الجديد بمسرحيات جديدة؛ بواقع مسرحية جديدة كل يوم، ومن ثم تعيد عرضها على فترات متفاوتة طوال الموسم. ووفق هذا الأسلوب أعلنت فرقة عكاشة بداية موسمها الجديد لعام 1924 / 1925 في أكتوبر 1924م؛ بالإعلان عن أربع مسرحيات جديدة، هي: «الدنيا وما فيها» تأليف محمد يونس القاضي، وعرضتها يوم 13 / 11 / 1924. ومسرحية «العريس» اقتباس حسين توفيق الحكيم، وعرضتها يوم 14 / 11 / 1924. ومسرحية «المشكلة الكبرى» اقتباس سليمان نجيب، وعرضتها يوم 15 / 11 / 1924. وأخيرا مسرحية «خاتم سليمان» اقتباس مصطفى ممتاز وحسين توفيق الحكيم، وعرضتها يوم 16 / 11 / 1924.
13
وربما سيندهش القارئ - من توثيقنا السابق لهذه العروض - لأننا أضفنا دليلا جديدا يؤكد أن فرقة عكاشة عرضت مسرحية «العريس» للحكيم قبل عرضها لمسرحية «خاتم سليمان» بيومين فقط! وهذا يعني أن الحكيم اقتبس «العريس» قبل اقتباسه - بالاشتراك مع ممتاز - لمسرحية «خاتم سليمان»؛ أو على أقل تقدير كان الاقتباس لكلتيهما في وقت متقارب في الفترة ما بين نهاية الموسم السابق في مايو، وبداية الإعداد للموسم التالي الذي بدأ في نوفمبر. أي إن اقتباس مسرحيتي «العريس» و«خاتم سليمان» كان في الفترة ما بين شهري مايو ونوفمبر 1924م. وهنا يأتي دور الوثائق حسما للأمر!
فقد حصلنا على وثيقتين بتوقيع كامل الخلعي،
14
تتعلقان بتلحين مسرحية «خاتم سليمان»: الأولى مؤرخة في 1 / 3 / 1923 ويقول فيها: «رددت هذه الرواية ثانية إلى جوق إدارة شركة ترقية التمثيل العربي، بعد أن ألفت موسيقى نصف فصل منها؛ لأننا لم نتحدث على ثمنها من جهة، ولأن أرباب الأدوار فيها لا يأخذون غناء أدوارهم إلا بعد أن يذهب أغلبه ضياعا لطول الوقت.» والأخرى مؤرخة في 11 / 11 / 1924، وفيها يقول: «استلمت من حضرتي ممتاز وتوفيق مؤلفي رواية «خاتم سليمان» مبلغ 100 مائة غرش صاغا - كمكافأة على حسن الألحان التي وضعتها في روايتهما، وهذا وصل بالاستلام .»
صورة من وثيقتي كامل الخلعي بخصوص تلحين مسرحية «خاتم سليمان».
والملاحظ أن كامل الخلعي - ملحن مسرحية «خاتم سليمان» - يعترف في الوثيقة الأولى - المؤرخة في أول مارس 1923م - أنه لحن جزءا من مسرحية «خاتم سليمان »، وبسبب الاختلافات المالية، أعاد نص المسرحية مرة أخرى إلى الفرقة! وهذا يعني أن نص المسرحية كان لديه بصورة كاملة قبل مارس 1923م؛ بينما اقتبس الحكيم مسرحيته «العريس» عام 1924م! أي إن مسرحية «خاتم سليمان» هي أول مسرحية شارك الحكيم في كتابتها مع ممتاز. وبناء على ذلك، نستطيع القول بكل اطمئنان إن الكاتب المسرحي مصطفى ممتاز كان الموجه الأول لتوفيق الحكيم في كتاباته المسرحية الأولى، قبل سفر الحكيم إلى فرنسا. وبمعنى آخر: إن توفيق الحكيم تأثر بأسلوب مصطفى ممتاز وتوجيهاته المسرحية، قبل أن يخط الحكيم سطرا واحدا في إبداعه المسرحي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا أخذ الحكيم هذا الموقف من موجهه الأول في الكتابة المسرحية؟ خصوصا أن الحكيم كان في أوج شهرته بوصفه كاتبا مسرحيا مرموقا عندما كتب ما كتبه عن مصطفى ممتاز؟! الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة؛ ولكن من وجهة نظري إن الحكيم أراد أن ينسب علمه وإبداعه المسرحي إلى الفترة الفرنسية التي قضاها في باريس، ولم يرد فضلا عليه سوى تجربته الفرنسية ليس إلا! ومن ناحية أخرى ربما أراد إقصاء فترة عمله الأولى المتعلقة بمصطفى ممتاز؛ حتى لا يضطر إلى الإشادة به باعتباره مؤثرا فيه، أو الحديث عنه بوصفه موجها له!
وعن هذا الأمر تحدثت مع السيدة ابتسام - ابنة مصطفى ممتاز - حول علاقة الحكيم بوالدها؛ فقالت: «إن والدي كان خجولا جدا لا يرفض طلبا لأحد، وكان الحكيم صديقا لعمي صابر ممتاز، ثم أصبح صديقا لوالدي. وكان والدي يكبر الحكيم بثلاث عشرة سنة، وكان ينظر إليه نظرة الشقيق الأصغر. وفي يوم ما روى لي والدي أن توفيق الحكيم طلب منه مشاركته في كتابة إحدى المسرحيات؛ ليضع اسمه بجوار اسم والدي ... فوافق والدي خجلا؛ فخرجت إلى النور مسرحية «خاتم سليمان» تحمل اسمي مقتبسيها: مصطفى ممتاز وحسين توفيق. وفي عام 1942م التقيت بتوفيق الحكيم في إحدى المناسبات، فقال لي: «أنا لحم كتافي من خير أبوك»!»
15
وربما شعر الحكيم بتأنيب الضمير تجاه موقفه من مصطفى ممتاز في حياته؛ فأراد إصلاح الأمر بعد وفاة ممتاز بثلاث عشرة سنة؛ عندما نشر عام 1977م خطابا - يتعلق بمسرحية «خاتم سليمان» - جاءه من مصطفى ممتاز أثناء وجود الحكيم في الإسكندرية بتاريخ 2 / 7 / 1924م. ولأهمية الخطاب - فيما نحن بصدده - نجتزئ منه هذه العبارات:
عزيزي توفيق، تحية وسلاما، وبعد؛ فقد وصلني بالأمس كتابك بعد أن انتظرت وروده وقتا طويلا، ولا أدري لماذا تأخرت عن الكتابة، مع أن الحياة عندكم منعشة جميلة، تغري بالكتابة ... أما أخبارنا فعلى ما يرام، وقد اتفقت نهائيا مع الأستاذ زكي عكاشة في أواخر يونيو الماضي، وأمضيت عقد الاتفاق ... وقد حصل الاتفاق على ثلاثين جنيها ... هذه هي أهم الحوادث عندي قد أبلغتها إليك. أما عن تقاعدك عن المطالعة أو عمل أي شيء، فهو ما لا أراه لك رأيا، وحبذا لو أنك انتهزت فرصة صفاء الذهن وجمال ما حولك من المناظر، لتعمل عملا جديدا ممتعا، وعسى أن يصلني منك قريبا ما تبشرني به من شروعك في عمل جديد.
16
والملاحظ من عبارات مصطفى ممتاز إلى الحكيم؛ أنها عبارات موجهة من شقيق أكبر إلى شقيقه الأصغر؛ يدفعه إلى العمل والإبداع، ويشد من أزره. وهو ما يؤكد وجهة نظرنا السابقة؛ بأن مصطفى ممتاز كان الموجه الأول للحكيم في كتاباته المسرحية. وبسبب هذا الخطاب المنشور - في كتاب الحكيم «وثائق من كواليس الأدباء» - كتب أحمد رشدي صالح مقدمة؛ قال فيها: «... وموقف الحكيم من هؤلاء الأدباء، هو موقف الرجل الكبير الذي يعرف معنى العرفان. يبدأ رسائله المنشورة هنا، برسالة موجهة من مصطفى ممتاز وهو أحد الأدباء الذين بذلوا جهدا مقدرا، في ارتياد طرق المسرح المصري. والقارئ لا يعرف مصطفى ممتاز، ولكني عرفته عن قرب، وشدني إليه أنه في شيخوخته، لم يفقد إيمانه بعظمة الأدب المسرحي، بل كان دائم الحديث عنه. وكان دائم التقدير لتوفيق الحكيم.»
17
وهكذا حاول الحكيم إنصاف الرجل بعد وفاته بسنوات كثيرة؛ لنلتمس له بعض العذر أمام موقفه السابق تجاه مصطفى ممتاز. ورغم ذلك نعتب - عتابا رقيقا - على أحمد رشدي صالح بسبب كلامه المقتضب - اقتضابا شديدا - عن مصطفى ممتاز؛ الذي قال عنه إنه يعرفه عن قرب ، ورغم ذلك لم يرو حديثه ظمأ القارئ؛ ليعرف من هو مصطفى ممتاز! علما بأن أحمد رشدي صالح كاتب كبير، وله كتابات كثيرة منشورة،
18
وكنا نأمل أن يسهب في التعريف بمصطفى ممتاز؛ لا سيما أن أحمد رشدي صالح هو زوج ابنة الكاتب المسرحي مصطفى ممتاز؛ السيدة الفاضلة اعتدال ممتاز صاحبة كتاب «مذكرات رقيبة سينما».
19
رحم الله الجميع: مصطفى ممتاز، وتوفيق الحكيم، ورشدي صالح، واعتدال ممتاز.
هذا هو موقف جميع الكتابات الحديثة من مصطفى ممتاز، ولن يجد القارئ معلومات عنه أكثر مما ذكر! وهذه الضبابية حول حياة مصطفى ممتاز وأدبه المسرحي؛ لفتت نظر الكاتب والروائي المعروف محمد جبريل؛ فكتب عنه كلمة عام 1995م، قال فيها: «نحن لا نعرف شيئا عن المسرحيات التي كتبها مصطفى ممتاز، قبل أن يقتبس توفيق الحكيم مسرحية «غادة نازبو» عن الفرنسية، ويترجمها مع ممتاز في صورة أوبريت غنائية باسم «خاتم سليمان» ... كانت النسخة الخطية للنص المسرحي مودعة في المركز القومي للمسرح. أتاح لي الصديق سمير عوض - سكرتير المركز آنذاك - قراءتها.
20
أتذكر الاسم بخط الرقعة على الغلاف، وأنها من تأليف مصطفى ممتاز وحسين توفيق الحكيم. كان الحكيم أيامها (أواسط الستينات) في رحلة إلى باريس. واتصلت بأستاذنا يحيى حقي، أسأله عن الرجل. قال إنه كان موظفا بإدارة الشياخات والعمد بوزارة الداخلية، وإن المسرح كان شاغله الأهم، لولا توقفه المفاجئ ... وفيما عدا كلمات رشدي صالح في مقدمة كتاب الحكيم «وثائق من كواليس الأدباء»، والرسالة التي نشرها الحكيم في بداية الكتاب، فإن اسم الرجل يغيب في الكتب النقدية، والمؤلفات التي تعنى بتناول إبداعاتنا وحياتنا الأدبية عموما، منذ بدايات القرن.»
21
وفي ختام كلمته طرح محمد جبريل عدة أسئلة حول سبب توقف مصطفى ممتاز عن الكتابة المسرحية، وهل له مسرحيات أخرى غير «خاتم سليمان»؟ ويختتم هذه الأسئلة بقوله: «الأسئلة كثيرة، والأجوبة ربما تتيح لنا التعرف إلى جوانب مجهولة من بدايات المسرح المصري المعاصر، بالتعرف إلى الجوانب المجهولة في سيرة أحد رواده ... ولعل ذلك ما يقدمه لنا - يوما - أحد طلاب الدراسات العليا في جامعاتنا العربية.»
22
وبعد مرور أربع سنوات على هذه الدعوة، تصدى شخصي الضعيف لها، فكتبت مقالة صغيرة، عرفت فيها الرجل، وأهم سنوات حياته، وأشرت إلى بعض أعماله المسرحية، ونشرتها في الكويت عام 1999م.
23
ومنذ ذلك التاريخ؛ وأنا في بحث دائم عن الرجل وأعماله المسرحية المجهولة. وكم كانت سعادتي عندما علمت أن المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، يحتفظ بثلاث مسرحيات مخطوطة لمصطفى ممتاز - المنشورة في هذا الكتاب، وهي: «عبد الرحمن وعمر»، و«المنافقون»، و«المرحوم» - فتقدمت باقتراح إلى الدكتور سامح مهران - رئيس المركز - من أجل نشرها في كتاب؛ يضم تاريخ حياته، وتفاصيل نشاطه المسرحي. وبالفعل وافق الدكتور سامح مهران على الاقتراح، وبدأت العمل فيه. وأثناء العمل خطرت لي فكرة مفادها: البحث عن أسرة مصطفى ممتاز! وبعد عناء شديد - ومواقف حرجة وأخرى سارة - استطعت الوصول إلى ابنته ابتسام؛ التي سعدت كل السعادة بأن أحدا سيهتم بوالدها ويكتب عنه! ومساهمة منها في هذا المشروع أعطتني ثلاثة نصوص مسرحية مخطوطة أخرى، هي: «أنجومار»، و«جلنار بين ثلاثة رجال»، و«أصدقاء أم أعداء» - إضافة إلى صورة والدها.
لم يبق لإتمام المشروع إلا المعلومات المتعلقة بحياة مصطفى ممتاز، وعمله في الوظائف الحكومية، وكذلك المعلومات المتعلقة بنشاطه المسرحي، وتواريخ عروض مسرحياته، وما كتب عنها وقت تمثيلها. وكنت أتمنى أن تقوم ابنته بسد الثغرة الأولى المتعلقة بحياة والدها وعمله الحكومي؛ ولكن مرور أكثر من ثمانية عقود وقف حائلا أمام هذا التمني! وقبل الوصول إلى مرحلة اليأس؛ ظهرت بارقة أمل جديد من خلال البحث عن الملف الوظيفي لمصطفى ممتاز ضمن مقتنيات دار المحفوظات العمومية بالقلعة. وبالفعل نجحت في الوصول إلى هذا الملف، الذي يحمل رقم 11336. أما الخطوة الأخيرة في سبيل إتمام المشروع فكانت صعبة للغاية؛ لأنها تتعلق بالمعلومات الخاصة بنشاط مصطفى ممتاز المسرحي، وما صاحب هذا النشاط من إعلانات ومقالات نقدية. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالبحث الميداني في الصحف المصرية القديمة المصاحبة لنشاط ممتاز المسرحي. وبالصبر والتروي استطعت الحصول على ضالتي من هذه المقالات؛ لتكتمل المادة العلمية لمشروع الكتاب، ويخرج مصطفى ممتاز الرجل المجهول إلى الوجود المعلوم، ويتبوأ مكانته الطبيعية وسط كتاب المسرح في فترة من الفترات المجهولة في تاريخ المسرح المصري.
مصطفى ممتاز موظفا حكوميا
ولد مصطفى محمود فهمي محمود فهمي - المشهور باسم مصطفى ممتاز - يوم 14 / 9 / 1892م،
24
بحي السيدة زينب بالقاهرة.
25
ومنذ طفولته نبغ في تلقي العلوم؛ فاستطاع أن يحصل على شهادة الابتدائية عام 1907م.
شهادة الابتدائية الخاصة بمصطفى ممتاز عام 1907م.
وفي هذه الفترة ترقى والده في وظائف الحكومة؛ حتى تقلد وظيفة رئيس قلم اللوائح؛ فترتب على ذلك نقله من القاهرة إلى الإسكندرية؛ فانتقلت الأسرة للعيش والعمل في هذا الثغر الجديد. والتحق الابن مصطفى بالمدرسة العباسية الثانوية، وظهرت ميوله في إتقان اللغات الأجنبية. وقبل عام واحد من حصوله على شهادة الثانوية، تعرض إلى مشكلة تأدية الخدمة العسكرية. وبعد معاناة كبيرة استطاع الأب أن يدفع البدل النقدي للخدمة العسكرية؛ حتى يحافظ على تفوق ابنه في الدراسة.
شهادة المعافاة بالبدل النقدي عام 1911م.
وأخيرا حصل مصطفى على شهادة البكالوريا (الثانوية) في عام 1912م، وأراد - كما أراد والده - أن يستكمل دراسته العليا بمدرسة المعلمين الخديوية. وعندما بدأ في إجراءات الالتحاق رفض طلبه؛ لأنه غير لائق طبيا؛ حيث كان يعاني من ضعف في بصره بسبب كثرة القراءة ونهمه الشديد للعلم. وتحطمت آمال الطالب المجتهد، وآمال والده في استكمال دراسته العليا؛ فرضى مصطفى بقدره، وارتضى أن يبدأ حياته العملية بوظيفة صغيرة بشهادة الثانوية.
شهادة الثانوية الخاصة بمصطفى ممتاز عام 1912م.
انتظر مصطفى ممتاز عاما كاملا حتى ظهرت إحدى الوظائف الشاغرة بمصلحة خفر السواحل بالإسكندرية؛ فتقدم إليها بطلب هذا نصه:
طلب استخدام
الوظيفة المراد الالتحاق بها: كاتب بمصلحة خفر السواحل
سعادتلو أفندم ... جناب مدير مصلحة خفر السواحل
يتشرف مصطفى محمود فهمي بأن يعرض لسعادتكم بأنه مصري الجنسية، وقد حصل أخيرا على شهادة الدراسة الثانوية من الحكومة المصرية. وله إلمام باللغتين العربية والإنجليزية باعتبارهما لغتين أصليتين ويعرف اللغة الفرنسية بصفتها لغة أجنبية إضافية. وحيث إنه يوجد بمصلحة جنابكم وظائف خالية فإنه يلتمس تعيينه تحت التجربة بعد تأدية الامتحان الذي سيعقد في 1 / 2 / 1913م، ويتشرف بتقديم الاحترام أفندم.
خادمكم المطيع: مصطفى ممتاز
وكما عصف ضعف النظر بأحلام مصطفى في استكمال دراسته العليا؛ كاد أن يعصف أيضا بما تبقى من أحلامه في الحصول على هذه الوظيفة. فبعد نجاحه في اختبار القبول رسب في الاختبار الطبي بسبب ضعف النظر. ولكن الطبيب - وليام هستنج رئيس القومسيون الطبي - نصحه بإعادة الكشف مرة أخرى بواسطة نظارة طبية. وبسبب هذه النصيحة استطاع مصطفى أن يحصل على الوظيفة في مارس 1913م. وبعد مرور أشهر قليلة - وفي أكتوبر 1913م - ظهرت مشكلة تتعلق باسم مصطفى؛ مفادها أن اسمه المتداول بين الناس يختلف عن اسمه في الأوراق الرسمية؛ لذلك تقدم إلى وزارة الداخلية بطلب قال فيه:
سعادتلو أفندم مدير قسم الإدارة بنظارة الداخلية
حيث إن اسمي الرسمي هو مصطفى محمود فهمي، ولست به معروفا خارج دائرة الرسميات، كالتعيين والنقل والشهادات الدراسية، واسمي المنادى به هو مصطفى ممتاز،
26
وهو المستعمل في جميع المعاملات والأخذ والعطاء. لذلك ألتمس تحريف اسمي الرسمي وجعله مصطفى ممتاز، ونشر ذلك في الأوامر العمومية حتى أجتنب بذلك جميع الارتباكات الناشئة عن ضرورة استعمال الاسمين ولسعادتكم الشكر، أفندم.
مصطفى محمود فهمي
كاتب بقلم الترجمة بقسم الإدارة بالداخلية
صورة مصطفى ممتاز عام 1923م، مع إهداء مكتوب خلفها إلى والده.
وبالفعل صدر الأمر العمومي من وزارة الداخلية بتغيير الاسم. وظل مصطفى ممتاز موظفا قديرا لسنوات عديدة، وارتضى بقدره حتى عام 1921م؛ عندما راوده الحلم القديم باستكمال الدراسة العليا؛ فتقدم للالتحاق بمدرسة الحقوق السلطانية. ولكن أعباء الوظيفة والأسرة منعته من تحقيق ذلك الحلم؛ الذي حققه بعد ذلك في ابنه أحمد ممتاز،
27
عندما ألحقه بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول عام 1945م.
وينغمس أخيرا مصطفى ممتاز في مهامه الوظيفية فنجده يعين رئيسا للإدارة بمحافظة السويس في عام 1925م، ثم ينقل منها إلى مثل وظيفته بمديرية الفيوم في العام التالي،
28
وينقل مرة أخرى إلى مديرية القليوبية في عام 1928م. وأخيرا يستقر - بعد عدة تنقلات - في القاهرة كرئيس لقلم الجنايات الإفرنجي بحكمدارية بوليس مدينة مصر اعتبارا من سبتمبر 1929م. ويظل لمدة ست سنوات في عطاء وظيفي مميز حتى يقرر وزير الداخلية «محمد توفيق نسيم» إعطاءه رئاسة قلم تعيين العمد والمشايخ عام 1935م.
29
وظل مصطفى ممتاز - كعادته - يخلص في أداء مهامه الوظيفية؛ بدليل الخطاب التالي المرسل من وزير الزراعة إلى وزير الداخلية عام 1938م، وهذا نصه:
وزارة الزراعة
مكتب الوزير
حضرة صاحب المعالي وزير الداخلية
لمناسبة انتهاء اللجنة المشكلة بقرار من وزير الداخلية في 16 / 5 / 1938 لإصلاح القرية ووضع مشروع قانون للعمد، من عملها يسرني بصفتي رئيسا لهذه اللجنة أن أبلغ معاليكم ثنائي على حضرة سكرتيرها مصطفى ممتاز أفندي رئيس قلم شياخات الوجه البحري، لما بذله حضرته من الجهود المشكورة في القيام بواجبه على أحسن وجه. كما أرجو معه أن تتفضلوا معاليكم بالنظر في مكافأته على ذلك تقديرا للجهد والنشاط وحسن أداء الواجب، لا سيما وقد قام حضرته بهذا العمل علاوة على أعماله العادية.
وتفضلوا معاليكم بقبول فائق الاحترام.
توقيع: وزير الزراعة
وفي الملف الوظيفي لمصطفى ممتاز وثيقة مهمة؛ تؤكد أنه رغم إخلاصه في العمل إلا أنه لم يحصل على حقوقه الطبيعية من درجات وترقيات وظيفية يستحقها بحكم أعماله ونشاطه. ولعل ما نلاحظه في هذه الوثيقة من التعسف السافر كان بسبب الظروف السياسية، وصراع الأحزاب في مصر. وهذه الوثيقة المؤرخة في 23 / 4 / 1942، عبارة عن مذكرة موجهة إلى وزير الداخلية تلخص الظروف التعسفية التي مرت على مصطفى ممتاز، وتطالب بإنصافه، وهذا نصها:
مذكرة عن حالة مصطفى ممتاز أفندي وكيل إدارة الشياخات بالداخلية
في سنة 1922م كان مصطفى ممتاز رئيسا لقلم مجالس المديريات بالداخلية. وكان حضرة الأستاذ عباس علام
30
مدير إدارة مجالس المديريات الآن، كاتبا بقلم السكرتارية. في سنة 1925م عين مصطفى ممتاز رئيسا للإدارة في الدرجة السادسة وحل محله في رياسة قلم مجالس المديريات الأستاذ عباس علام في الدرجة السابعة. اشتغل مصطفى ممتاز رئيسا للإدارة بمحافظة السويس ثم بمديريتي الفيوم والقليوبية. في سنة 1929م نقل مصطفى ممتاز إلى وظيفة رئيس قلم الجنايات الإفرنجي بحكمدارية بوليس مصر وهي وظيفة من الدرجة الخامسة. ولكن نظرا لأن وزارة الداخلية في ذلك العهد (عهد رفعة المرحوم محمد باشا محمود) لم تستأذن سعادة حكمدار بوليس مصر في أمر نقله إلى الحكمدارية، فقد رفض سعادته قبوله وأرسل إلى الوزارة يطلب إليها ندبه بها (عهد المرحوم عدلي باشا).
وقد تم هذا الندب أوائل سنة 1930م جاءت وزارة الوفد ونظرت في المظالم وكان حضرة أحمد فهمي إبراهيم بك ينظر في شكايات الموظفين، فشكا مصطفى ممتاز لحضرته وطالب بترقيته إلى الخامسة التي يشغلها فعلا، ولكن لسوء الحظ ظن حضرته خطأ أو وشاية أن الشاكي ينتمي إلى الفريق الآخر فترك أمره معلقا. سنة 1930، 1931م ولي الحكم دولة صدقي باشا وأجرى الانتخابات وكان في وكالة الداخلية سعادة القيسي باشا، وفي قسم الإدارة حجازي باشا. وقد اختار الاثنان بعض موظفي الوزارة للإشراف على عملية الانتخابات في القاهرة، وكان مصطفى ممتاز أحد هؤلاء، ولكنه أخبر سعادة القيسي باشا بحقيقة ما يجهله في اللجان؛ فكان جزاؤه أن انتزعت منه الدرجة الخامسة التي كان يشغلها ومنحت إلى حضرة الأستاذ محمود جودت مع أن الشاكي أقدم منه بسنين. وفضلا عن ذلك فقد رقي جميع الذين أشرفوا على عملية الانتخابات المذكورة ما عدا الشاكي وحده. سنة 1936م تخطاه في الترقية حضرة الأستاذ عباس علام. سنة 1938م رقي الشاكي إلى الدرجة الخامسة في شهر سبتمبر بعد أن مضى عليه في الدرجة السادسة ثلاثة عشر عاما، ولو كان قد رقي في سنة 1930م أو سنة 1931م كما كان يجب عدلا لجاز أن يكون الآن في الدرجة الثالثة سنة 1942م. خلت الآن وظيفة مدير إدارة من الشياخات وهي من الدرجة الثالثة ونظرا لما يتمتع به الشاكي من فضل الله من الرضا العام والتقدير فإنه لا يرجو أكثر من ترقيته إلى الدرجة الرابعة وإعفائه من الشهور الأربعة الباقية على جواز الترقية وتعيينه مديرا للإدارة المذكورة، ويكون في هذا تعويض له عما فاته بدون ذنب جناه.
والله ولي التوفيق.
ورغم ما تحمله هذه الوثيقة من حقائق وبيانات رسمية؛ إلا أن الأمر العمومي صدر سنة 1942م بتعيين مصطفى ممتاز وكيلا لإدارة الشياخات على الدرجة الرابعة؛ لا مديرا على الدرجة الثالثة كما طالبت المذكرة. ورغم ذلك استمر ممتاز سنوات عديدة يخلص في عمله
31
رغم ظروفه الأسرية الصعبة،
32
حتى حصل أخيرا على الدرجة الثالثة عام 1946م؛ عندما تم تعيينه مديرا لإدارة المحفوظات والتوريدات والطباعة. وفي عام 1948م تقدم مصطفى ممتاز بالتماس إلى وكيل الداخلية؛ يطالب فيه بالترقية إلى الدرجة الثانية أسوة بمن هم أقل منه؛ وحصلوا على هذه الدرجة دون أن يحصل عليها هو؛ رغم أنه الأحق بها. وأرفق بهذا الالتماس كافة المستندات التي تؤيد رأيه. ورغم ذلك لم يلتفت إليه أحد، ومرت أربع سنوات، وهو يجاهد في سبيل الحصول على حقه المسلوب حتى جاء عام 1952م فرفع رئيسه المباشر مذكرة من أجل الحصول على هذا الحق، أو تحديدا من أجل الحصول على الدرجة الثانية جاء فيها:
مذكرة عن حالة الأستاذ مصطفى ممتاز
مدير إدارة المحفوظات في 14 / 4 / 1952
قضى في خدمة الحكومة نيفا وتسعة وثلاثين سنة. مضى عليه في الدرجة الثالثة ما يقرب من الست سنوات. رقي قبله من هم أقل منه خدمة وأقل منه مدة في الدرجة. لم يبق على إحالته إلى المعاش غير خمسة أشهر. والمرجو التفضل بالنظر في ترقيته إلى الدرجة الثانية، تحسينا لمعاشه وتقديرا لخدمته الطويلة. وملف خدمته يحوي الثناء ولا يشمل أي جزاء.
وأخيرا جاء التقدير، ومكافأة مصطفى ممتاز بمكافأة نهائية بعد خمسة أشهر من خلال أمر عمومي من قبل وكيل إدارة المستخدمين، والذي نص على: «يرفع اسم حضرة الأستاذ مصطفى ممتاز من إدارة المحفوظات والتوريدات والطباعة من عداد موظفي الوزارة بالإحالة إلى المعاش، اعتبارا من 14 / 9 / 1952 لبلوغه السن القانونية.»
وهكذا جاء التقدير لتاريخ مصطفى ممتاز في مجال الوظيفة الحكومية تقديرا متعسفا لواحد من أخلص رجال الوظيفة الحكومية في مصر؛ فقد أحيل إلى المعاش دون أن ترد إليه حقوقه الوظيفية؛ تلك الحقوق التي سلبت منه ولم ترد إليه حتى وفاته يوم 8 / 8 / 1964.
33
مصطفى ممتاز كاتبا مسرحيا
بدأ مصطفى ممتاز تعريب المسرحيات عام 1917م؛ عندما عرب مسرحية «المرأة الفاتنة». وهذه المسرحية - على وجه الخصوص - يكتنفها الغموض! فنصها المخطوط لم نحصل عليه، ولولا أن معربها ذكرها على غلاف إحدى مخطوطات مسرحياته - وهي مخطوطة مسرحية «المنافقين»، المنشور غلافها [انظر شكل: غلاف مخطوطة مسرحية «المنافقين»] - ما علمنا من أمرها شيئا! كما أننا حصلنا على معلومة غامضة، عبارة عن إعلان نشرته جريدة «الأفكار» يوم 8 / 4 / 1917م، تحت عنوان «الحياة الناهضة للتمثيل العربي: الليالي الحسان بدار الأوبرا السلطانية»، جاء فيه أن فرقة أولاد عكاشة ستمثل بدار الأوبرا خمس مسرحيات؛ منها مسرحية «المرأة الفاتنة». وجاء في الإعلان عن هذه المسرحية أنها «رواية حديثة تجمع بين جلال الجمال، وجلال العقل، وجلال الشرف في امرأة واحدة. وبها من عذوبة الروح ورشاقة الأسلوب ما ليس له نظير. تمثل في مساء السبت 21 أبريل.» وللأسف لم نجد أية إشارة - بعد ذلك - تفيد أن فرقة عكاشة - أو أية فرقة أخرى - مثلت هذه المسرحية.
أما المسرحية الثانية، فكانت مسرحية «أنجومار» - المنشورة في هذا الكتاب - وهي من تعريب مصطفى ممتاز، وقد أنهى تعريبها يوم 5 / 2 / 1917م - كما جاء في نهاية نص المخطوطة - ومثلتها فرقة أولاد عكاشة بدار الأوبرا السلطانية في نوفمبر 1917م، واستمرت في تمثيلها - على فترات متقطعة - على مسرحي برنتانيا، وحديقة الأزبكية حتى عام 1925م، تحت عناوين عدة، مثل: «أنجومار المتوحش»، أو «زعيم المتوحشين العظيم»، أو «تنازع الرياسة»، أو «ملك العاشقين وزعيم المتوحشين». وبعض الصحف كانت تنشر مغزاها في عبارات أدبية مثل: «فيها البرهان الأكبر على أن الحب مهذب للأخلاق، وهو فوق الوحشية.» أو «هي تحليل نفساني جليل؛ يحلله تيار العاطفة المتسلطة عليه؛ فتصبح الخشونة دعة، والوحشية مدنية، والجمود عواطف متدفقة.» وهذه المسرحية قام بتمثيلها كل من: محمد عبد القدوس، ومريم سماط، وفكتوريا موسى، ومحمد بهجت، ومحمد يوسف، وأحمد فهمي، وتوفيق ظاظا، ولطيفة حجازي، ولبيبة فارس، وحسن حبيب. وكانت منيرة المهدية تغني بين فصول تمثيلها في بعض الحفلات.
34
الصفحة الأخيرة من مخطوطة مسرحية «أنجومار».
ومسرحية «أنجومار»؛ تدور أحداثها في بلاد اليونان؛ حيث نجد الشيخ «ميرون» - صانع الأسلحة والدروع - يعيش في فقر شديد، ولكنه سعيد بحياته مع ابنته «بارتينيا» وزوجته. وفي يوم ما يقع ميرون في أسر جماعة من قطاع الطرق المتوحشين بقيادة «أنجومار»، يعيشون في الغابات. ومن ثم يطلبون من أهله فدية مقابل حريته . فتقوم ابنته بارتينيا بمحاولات عدة لجمع قيمة الفدية من أصدقائه دون جدوى، حيث إن الأصدقاء تخلوا عن صديقهم. فحاولت الأمر نفسه مع الحاكم، ولكنه تخلى عنها؛ لأن قانون البلاد لا ينقذ من لم يحترمه، حيث إن ميرون تم أسره خارج حدود المدينة. فلم تجد بارتينيا مناصا من أنها تفتدي أباها بنفسها، فذهبت إلى أنجومار زعيم المتوحشين، وأبدلت أسرها بحرية أبيها، فوافق أنجومار. وبمرور الوقت يقع أنجومار في حب بارتينيا؛ فيطلق سراحها ويرافقها حتى منزلها، وعندما أراد العودة، طلبت منه بارتينيا بأن يمكث معها في مدينتها، ويكون ضيفا على والدها، وأن يتعلم صنعته، وأن يكون عاملا مفيدا ليصبح يونانيا، ويتخلص من وحشيته. وأمام حبه لبارتينيا يوافق على ذلك. ومع مرور الأيام، تحدث عدة حوادث يظهر فيها أنجومار شهامة ومروءة، فيزداد تعلق بارتينيا به. وفي يوم ما تتعرض المدينة إلى هجوم من المتوحشين، فيصدهم أنجومار بالحكمة واللين، فيعفو عنه حاكم المدينة، ويطلب من المتوحشين بناء مدينة لهم؛ يكون أنجومار حاكما لها، وزوجا لبارتينيا.
أحد إعلانات مسرحية أنجومار عام 1921م.
والمسرحية الثالثة التي عربها مصطفى ممتاز، كانت المسرحية الكوميدية «الشريف الطريد»، ومثلتها فرقة أولاد عكاشة بدار الأوبرا يوم 1 / 4 / 1920م، وظلت تمثلها - على فترات متقطعة - حتى عام 1923م بمسرح حديقة الأزبكية، وقام بتمثيلها: عبد الله عكاشة، وزكي عكاشة، وعبد العزيز خليل، ومحمد يوسف، وأحمد فهمي، وفكتوريا موسى، وألمظ أستاتي، ووردة ميلان، والألحان من وضع الموسيقي محمود رحمي.
35
ومع الأسف الشديد لم نستطع الحصول على مخطوطة هذه المسرحية ، ولكننا حصلنا على كلمة عنها؛ نشرها محمود فؤاد في جريدة «المقطم» بتاريخ 10 / 5 / 1923م، قال فيها: «عني حضرة الأستاذ مصطفى أفندي ممتاز بتأليف
36
هذه الرواية، وقامت فرقة عكاشة بتمثيلها فأجادت كل الإجادة، وألبستها ثوبا قشيبا زادتها المناظر البديعة بهاء وجمالا. وقام أفراد الفرقة بأدوارهم خير قيام لا سيما الأستاذ عبد العزيز أفندي خليل الممثل القدير في دور سيزار، والسيدة فكتوريا موسى في دور ماريتانا. أما الرواية فهي من النوع الكوميدي الراقي ذات الحوادث الغريبة، والمفاجآت المدهشة. وقعت حوادثها في إسبانيا. ونحن نفخر إزاء هذا التقدم الباهر، والسير بالتمثيل في سبيل الرقي والتقدم. ونرجو لهذه الفرقة دوام النجاح واستمرار الفلاح. ونحث أهل الفضل والأدب على مشاهدة هذه الرواية الفريدة في بابها.»
وفي عام 1920م أيضا؛ ألف مصطفى ممتاز أولى مسرحياته - والرابعة في ترتيب إنتاجه المسرحي - وهي مسرحية «عبد الرحمن وعمر» - المنشورة في هذا الكتاب - وقد مثلتها فرقة عبد الرحمن رشدي يوم 13 / 8 / 1920 على مسرح برنتانيا، وظلت الفرقة تعرضها مدة شهرين. وفي منتصف أبريل 1923م مثل أعضاء النادي الأهلي للرياضة البدنية هذه المسرحية في حفلة النادي السنوية بدار الأوبرا الملكية تحت رعاية جلالة الملك فؤاد. وقد حضر العرض كل من: حضرة صاحب العزة محمود بك ثابت الأمين الأول لجلالة الملك مندوبا من قبل جلالته، وحضرة صاحب الدولة عدلي باشا يكن، وحضرة صاحب المعالي جعفر باشا والي وزير الأوقاف الأسبق، وصاحب السعادة علي ذو الفقار باشا، وصاحب العزة فؤاد بك أباظة مدير الجمعية الزراعية السلطانية، ومصطفى بك سعيد مدير حدائق مصلحة التنظيم. وبجانب العرض المسرحي، ألقى سليمان نجيب بعض الأزجال، وعزف حسن مختار قطعة موسيقية بعنوان «العواطف». وآخر عروض هذه المسرحية كان من نصيب مسرح رمسيس، الذي عرضها في أغسطس 1923م.
37
ومسرحية «عبد الرحمن وعمر»؛ تدور أحداثها حول «عبد الرحمن» الذي أحب «جميلة» لمدة ثلاث سنوات، وتعهد لها بالزواج في خطاباته. وبعد فترة نجده يخطب فتاة أخرى اسمها «خيرية»؛ طمعا في أموال أبيها «عمر بك». ولكنه يخشى من جميلة وتعهده لها بالزواج، فيحاول سرقة خطاباته من منزلها بمساعدة ابن عمه «عثمان»؛ ولكنه يفشل في ذلك. وبعد عدة حوادث كوميدية، تعلم جميلة بما يدبره حبيبها عبد الرحمن، فتذهب إليه في بيت صهره يوم الزواج، وتدعي أنها شقيقة العريس. وتحدث عدة مواقف كوميدية بنيت على سوء الفهم، حيث قام عبد الرحمن بالادعاء على جميلة - باعتبارها شقيقته - بأنها مجنونة، فيقوم كل من في المنزل بمعاملتها معاملة خاصة. ويزداد الموقف تعقيدا، عندما يحضر المأذون ليتم عقد القران، فتقوم جميلة بالادعاء على عبد الرحمن بأنه قتل امرأة اسمها جميلة وهي شاهدة على ذلك، فتحضر الشرطة وتقبض على العريس، الذي يتوسل إلى ابن عمه عثمان كي يعترف بأن جميلة هي شقيقته المزعومة، فيرفض عثمان لأنه أحب خيرية، ومن مصلحته عدم إتمام زواج عبد الرحمن بخيرية. وتتعقد الأمور أكثر فأكثر، حتى تنتهي بأن يعترف عبد الرحمن بأنه أحب جميلة، وأراد تركها طمعا في الزواج من خيرية الثرية، ولكنه عاد إلى صوابه، فيعقد قرانه عليها أمام الجميع، كما يعقد عثمان قرانه على خيرية، وتنتهي المسرحية بهذه النهاية السعيدة.
وكانت مسرحية «المنافقين» - المنشورة في هذا الكتاب - الخامسة في ترتيب الكتابات المسرحية لمصطفى ممتاز، وقد اقتبسها عام 1920م أيضا؛ ولكن فرقة عكاشة مثلتها يوم 12 / 5 / 1921 بتياترو حديقة الأزبكية، وكانت من تمثيل: عبد العزيز خليل، وعبد الحميد عكاشة، وأحمد فهيم، وأحمد ثابت، وحسن حبيب، وبشارة واكيم، ومحمد يوسف، وأحمد فهمي الكبير، وفؤاد فهيم، وأحمد الصغير، وفكتوريا موسى، وفكتوريا سويد. وظلت فرقة عكاشة تعرض هذه المسرحية - على فترات متفاوتة - حتى منتصف عام 1924م.
38
غلاف مخطوطة مسرحية «المنافقين».
ومسرحية «المنافقين» تدور أحداثها حول حسن بك - الموظف بالمعاش - الذي يعيش في قصره بالريف المصري. ويتصف هذا الرجل بالكرم والعطاء، وعشقه للأصدقاء. وتعيش معه في المنزل زوجته أمينة هانم، وابن عمه فريد، وهو شاب مريض، وكان يعالجه الدكتور زكي. وفي يوم ما قام حسن بك بدعوة بعض الأصدقاء القدامى؛ ليقضوا معه بضعة أيام في الريف. وبالفعل يحضر الأصدقاء؛ وهم: مرسي، وشعبان، ورمضان. ثم يحضر أيضا أحد المتقاعدين في الجيش - برتبة صاغ - ويقتحم اجتماع الأصدقاء؛ لأنه صديق حسن بك. ولكن حسن لم يتذكره، وخجل أن يسأله عن اسمه، وهكذا انضم هذا الصاغ إلى صحبة الأصدقاء. ومن خلال وجود هذه المجموعة في منزل حسن بك؛ تحدث أحداث كثيرة تتسم بالنفاق والرياء من أجل الاستفادة القصوى من عطف حسن بك، وخيرات منزله. وفي أثناء ذلك يحضر الدكتور زكي كي يباشر علاج فريد؛ فيلاحظ عليه تغيرات كثيرة يعلم - بصفته طبيبه - أنها بسبب الحب. وعن طريق الملاحظة الدقيقة يعلم الدكتور أن فريد يحب أمينة هانم زوجة ابن عمه حسن بك. وأمام هذا الأمر يجتهد الدكتور في إنهاء هذا الحب الذي سيقضي على سعادة المنزل. وفي لحظة انفراد فريد بأمينة نجده يبثها أشواقه وحبه ممسكا يدها، وهي في ذهول مما تسمع؛ حيث إنها تعامله معاملة الأخ. وهنا يدخل عليهما أصدقاء حسن بك فيرتبكان. وفي اليوم التالي نجد الأصدقاء يخبرون حسن بك بما شاهدوه، وبذلك أدخلوا الشك في قلبه، ونصحوه بأن يفاجئ العشيقين متلبسين، وذلك بأن يخبرهما بسفره المفاجئ إلى العاصمة، وأنه سيأتي غدا، وفي الليل يحضر ليضبط العاشقين. وبالفعل يقوم حسن بتنفيذ خطة أصدقائه. وبعد عدة مواقف مؤثرة ومتناقضة بين الشك واليقين، استطاع الدكتور زكي - الذي يعلم حقيقة الأمر - أن ينقذ أمينة هانم، وينقذ فريد أيضا، وتنتهي المسرحية بسفر فريد ليتسلم عمله الجديد في أسيوط، وكذلك سافر جميع الأصدقاء الذين كانوا السبب في زلزلة سعادة منزل حسن بك، وبالأخص الصاغ الذي يكتشف أن حسن بك ليس صديقه القديم؛ فقد تشابهت عليه الأسماء!
وفي عام 1922م انتهج مصطفى ممتاز نهجا جديدا في الكتابة المسرحية؛ عندما اشترك مع أحمد حلمي سلام في تأليف مسرحية «الخطيئة» - وهي السادسة في الترتيب، ولم ننجح في الحصول على نصها المخطوط - وقد مثلتها فرقة أولاد عكاشة يوم 19 / 10 / 1922 بمسرح حديقة الأزبكية، وكانت من تمثيل: فكتوريا موسى، وعبد العزيز خليل ومن إخراجه. أما الأوركسترا فكانت برئاسة الأستاذ عبد الحميد علي. وقد تحدثت بعض الصحف عن مغزى هذه المسرحية قائلة: «هي صفحة حقيقية من صفحات الحياة الاجتماعية ؛ تبحث في العوامل التي تدفع بالمرأة إلى مواطن الزلل؛ فتوقعها في الخطيئة. كما تبحث في نفسية المرأة الخاطئة، وجهادها في سبيل العودة إلى الحياة الطاهرة ... وهي من نوع الدرام العصري؛ تبحث في كثير من أمراض المجتمع الإنساني، وعلى الخصوص فيما يتعلق بزلة المرأة. تلك الجريمة الحائلة؛ التي تقضي على حياتها وسمعتها.»
39
وفي عام 1923م، اشترك مصطفى ممتاز مع الدكتور وصفي عمر في تأليف مسرحيته الكوميدية السابعة «المرحوم» - المنشورة في هذا الكتاب - وعرضتها فرقة يوسف وهبي - في أول موسم لها - بمسرح رمسيس يوم 29 / 3 / 1923. وقام بتمثيلها كل من: محمد بهجت ، وإستيفان روستي، وحسن فايق، وحسين رياض، وسيرينا إبراهيم، وفاطمة رشدي. كما تم عرضها في أبريل بمسرح رمسيس أيضا، وكانت من تمثيل: يوسف وهبي، وعزيز عيد، وروز اليوسف. وظلت فرقة رمسيس تعرضها - بصورة شبه مستمرة - حتى يناير 1924م. وفي يولية 1927م عرضتها فرقة رمسيس بكازينو زيزينيا بالإسكندرية. وعرضتها أيضا في يولية 1933م، وفي سبتمبر 1934م بمسرح رمسيس الصيفي بمدينة رمسيس بالزمالك. وأخيرا عرضتها في أغسطس 1935م بمسرح كازينو الهمبرا. والفرقة الوحيدة - خلافا لفرقة رمسيس - التي عرضت هذه المسرحية كانت فرقة نادي المسرح ببورسعيد في أبريل 1935م.
40
تقرير الرقابة الخاص بمسرحية «المرحوم».
ومسرحية «المرحوم» تدور أحداثها في إطار كوميدي اجتماعي؛ حول أرملة تتزوج بعد وفاة زوجها، ولكنها تظل على وفاء لذكرى المرحوم زوجها الأول، وتحتفظ بصورته في غرفة نومها. أما زوجها فنجده يغضب من تصرف زوجته تجاه زوجها المتوفى، ودائما في مشاكل بسبب هذا التصرف من زوجته. وبعد عدة حوادث كوميدية، تكتشف الأرملة أن زوجها المتوفى كان متزوجا عليها بامرأة أخرى في السودان؛ فتنقلب على ذكرى زوجها المتوفى، وترمي صورته، وتبدأ في مراقبة زوجها الحالي؛ لأنها فقدت الثقة في جميع الرجال. وبسبب هذه المراقبة تحدث مواقف كوميدية داخل الأسرة والعائلة، فنجد الزوجة تشك في زوجها وتفسر جميع تصرفاته بأنها خيانة لها. والزوج كذلك نجده يشك في تصرفاتها، لا سيما عندما يزوره رجال من أقاربه. وتزداد المواقف تعقيدا عندما تظهر زوجة المرحوم السودانية، بعد أن تزوجت من شقيق بطل المسرحية، زوج الأرملة الحالي. وتتأزم الأمور وتكثر المشاكل بسبب الغيرة، وأخيرا تظهر الحقيقية جلية أمام الجميع، بأن الشك والغيرة من أسباب هدم البيوت الهانئة وتنتهي المسرحية بهذا الدرس الأخلاقي.
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «المرحوم».
المسرحية الثامنة - في ترتيب كتابات مصطفى ممتاز المسرحية - كانت «إيفان»، وعربها ممتاز عام 1924م،
41
وعرضتها فرقة جورج أبيض بدار الأوبرا الملكية يوم 30 / 10 / 1924م، من تمثيل: دولت أبيض، وحسين رياض، ومنسي فهمي، وأحمد نجيب، وعبد الفتاح القصري، ويوسف حسني، وإحسان كامل، ومحمد توفيق، ومحمد محمد، وإبراهيم الجزار، وعبد المنعم، وجميلة سالم.
42
ومن حسن الحظ أن مسرحية «إيفان» عرضت وقت ظهور الصفحات الفنية ببعض الصحف، وظهور أقلام نقدية، أصبحت - فيما بعد - أعلاما في النقد الفني. ولهذا وجدنا بعض المقالات النقدية التي تناولت مسرحية «إيفان»، مثل مقالة محمود كامل في جريدة «السياسة» بتاريخ 12 / 11 / 1924، وفيها يوضح الناقد أن المسرحية مترجمة من الإنجليزية، ويعيب على مترجمها عدم ذكره لمؤلفها الأصلي. ويقول عن المسرحية إنها «تعرض أمام النظارة صفحة فظيعة من استبداد الأشراف، واسترقاق الآدميين في العهد القيصري المشئوم. وهي من النوع الذي أود لو تيسر لمسارحنا شيء منه؛ حتى يشعر جمهورنا بذلك الاشمئزاز والنفور، أو تلك الثورة الحانقة الصاخبة التي تتملك المرء، وهو يشاهد أخاه الإنسان يسام كالبهم والدواب. يضرب بالسياط، وتحتقر إرادته إلى الدرجة القصوى، بل لا يفكر في أن له إرادة!»
تعرض الناقد بعد ذلك إلى التمثيل؛ فأثنى على حسين رياض الذي فهم دوره جيدا؛ فكان رزينا، ومبدعا في تألمه. كذلك كان بشارة واكيم؛ مع إلفات نظره إلى التفريق بين اللهجتين الروسية، والمصرية. كما نصح منسي فهمي بالابتعاد عن الغرور في تمثيله، ووبخ محمد توفي؛ لأنه مثل دوره الجدي بصورة هزلية، وشد على ساعدي أحمد نجيب وإبراهيم الجزار مستبشرا بمستقبل فني باهر لهما. كما أسدى نصيحة لدولت أبيض بعدم قبولها أي دور تشعر بالنفور منه، ووصف تمثيل إحسان أحمد بأنه تراوح بين الطبيعة والتكلف. وأخيرا تعرض الناقد إلى المناظر (الديكور)؛ فوصفها بأنها «كانت جميلة خصوصا منظر الفصل الثاني؛ إذ إنه كان يشعر بوجودنا في جو روسي بحت.»
ورغم عدم حصولنا على نص مسرحية «إيفان»؛ إلا أننا وجدنا ملخصا عنه منشورا في مجلة «رعمسيس» بتاريخ نوفمبر 1924م، جاء فيه: «حدثت وقائع هذه الرواية في روسيا؛ إذ أرسل أحد الأمراء المستعبدين أبناء أحد عبيده إيفان إلى باريس فنبغ، وأصبح فنانا، واتصل بالكونتس دي موليون، ودافع عنها ... وحدث أن أصبح الكونت كاراكوف وريث الأمير الروسي - ولي نعمة إيفان - فاستدرج إيفان إلى روسيا بمساعدة والد إيفان «خور»، وهناك سامه وعشيرته سوء العذاب. وأراد الأمير كاراكوف أن يثأر لنفسه فدعا الكونتس «عشيقة إيفان» لزيارته، وأطلعها على حقيقة إيفان. وحاول خور والد إيفان نسف البرج الذي كان يقيم فيه الكونت وآله وإيفان والكونتس. غير أن روبير صديق إيفان - ضيف الكونت - قتله، وهو يعطي الإشارة بنفسه. وقبل أن يموت خور اعترف بأن إيفان هو وارث الإمارة الشرعي؛ لأنه ليس ابنه بل ابن الأمير السابق، فنادوا بحياة إيفان، وأعلنت الكونتس زواجها منه.»
المسرحية التاسعة - في ترتيب إنتاج مصطفى ممتاز المسرحي، وآخر مسرحية تمثل له على المسارح المصرية - كانت مسرحية «خاتم سليمان» التي اقتبسها بالاشتراك مع حسين توفيق الحكيم عام 1923م، وعرضتها فرقة أولاد عكاشة يوم 16 / 11 / 1924 بمسرح حديقة الأزبكية، من تلحين كامل الخلعي، وتمثيل كل من: زكي عكاشة، وعلية فوزي، وعبد الحميد عكاشة، ومحمد بهجت، وعبد الله عكاشة، وعبد المجيد شكري، ومحمود خطاب. وظلت فرقة عكاشة تعرضها - بصورة غير مستمرة - حتى مايو 1926م.
43
ورغم فقدان نص مخطوطة مسرحية «خاتم سليمان»؛ إلا أن المرحوم سمير عوض نشر ملخصا لأحداثها في كتابه «مسرح حديقة الأزبكية» 1983م، فأبان أن أحداثها تدور في إحدى المدن العربية القديمة؛ حول الفارس الشجاع سليمان؛ الذي يتمتع بخفة روح عالية جعلته يعيش في لهو، ودعابة دائمة مع النساء والفتيات. وفي إحدى المرات يقع في حب الجارية بدور، وأثناء تقبيله لها يضبطه الأمير فيأمر بزواجهما، ويوافق سليمان على مضض؛ لأن الزواج سيحرمه من حياته اللاهية. وفي هذا الوقت يرسل الأمير ولي عهده إلى ميدان القتال بشرط أن يرافقه سليمان، ومؤدب ولي العهد أيضا. وهنا تحدث مواقف كوميدية كثيرة؛ حيث إن المؤدب كان متزوجا سرا من بهانة، وهي امرأة لعوب تعشق الإيقاع بالرجال ومغازلتهم. وعندما يقوم سليمان بمغازلتها أمام زوجها المؤدب؛ نجد المؤدب يكظم غيظه، ولا يستطيع البوح بأنه زوجها. وعلى الجانب الآخر نجد بدور تصر على الذهاب مع سليمان إلى المعركة كي تتزوجه، ولكنه يهرب منها قائلا: إذا استطعت أن تحصلي على الخاتم الموجود في أصبعي سأتزوجك. وأمام هذا التحدي نجد بدور تتنكر في زي فارس، وترافق سليمان باعتبارها الأخ الأكبر لبدور. وأمام الشبه الكبير بين بدور، وهذا الفارس نجد سليمان يحتار في الأمر. ولكن بدور، أو الفارس يستطيع أن يكسب صداقة سليمان، ويوهمه بأنه على استعداد لأن يمهد الطريق بينه وبين بهانة، فيوافق سليمان. وهنا تتفق بدور مع بهانة على لقاء خارج منزلها؛ لأن بهانة معجبة بهذا الفارس - أي بدور - وتتفق في الوقت نفسه مع سليمان بأن بهانة تنتظره في منزلها. وفي الموعد المحدد، وعندما تتأكد بدور من خروج بهانة من منزلها؛ تدخل هي، وتتنكر في زي بهانة فيحضر سليمان، ويقضي وقتا طويلا في ممارسة الغرام معها على أنها بهانة، التي طلبت منه خاتمه الثمين دليلا على حبه لها. وهكذا استطاعت بدور أن تحصل على خاتم سليمان. وبعد مواقف مضحكة كثيرة - قامت على سوء الفهم - تظهر الحقيقة، ويعلم سليمان أنه قضى وقت غرامه مع بدور، وأن ابنها الذي ولد هو ابنه. وتنتهي المسرحية بزواج سليمان من بدور.
وحول نقد هذه المسرحية، كتب الناقد جمال الدين حافظ عوض مقالة في جريدة «كوكب الشرق» بتاريخ 25 / 11 / 1924، أوضح فيها وجهة نظره في: الممثلين، والإضاءة، والديكور. كما عبر عن رأيه في حسن اقتباس المسرحية قائلا: «... وأحب أيضا أن أقول إن اقتباس الأستاذ مصطفى ممتاز كان حسنا، فلم يملأها بالنكات السخيفة والألفاظ البذيئة ... بل إنه حافظ على الوسط الذي مثلت فيه الرواية، بحيث لم يكن هناك شيء يمجه الذوق أو الأدب، وهذه ميزة كبيرة.» والملاحظ على هذا القول أن الناقد لم يذكر توفيق الحكيم شريك مصطفى ممتاز في الاقتباس، ووجه كلامه نحو مصطفى ممتاز فقط؛ وكأنه المقتبس الوحيد للمسرحية، أو على أقل تقدير كان المقتبس الأساسي للمسرحية! وهذا الأمر يؤيد وجهة نظرنا - التي تحدثنا عنها سابقا - بأن مصطفى ممتاز كان الأساس في اقتباس هذه المسرحية، أما الحكيم فكان الفرع.
غلاف مخطوطة مسرحية «خاتم سليمان».
ومن المسرحيات المجهولة لمصطفى ممتاز، مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال» - وهي العاشرة في ترتيب كتاباته المسرحية، والمنشورة في هذا الكتاب أيضا - وقد أهدتنا صورة نصها المخطوط السيدة ابتسام قائلة: «إنها مسرحية مؤلفة، وقد نقلتها بخط يدي عام 1943م من أصل المخطوطة الخاصة بوالدي المرحوم مصطفى بك ممتاز.» وهذه المسرحية لم ننجح في الحصول على أية معلومة عنها من حيث تاريخ تأليفها، أو تمثيلها. ورغم ذلك نزعم أنها ألفت في فترة العشرينات من القرن العشرين، وأنها ألفت من أجل تمثيلها من قبل فرقة عكاشة، حيث إن موضوعها يتشابه إلى حد كبير مع عروض فرقة عكاشة المسرحية في تلك الفترة.
غلاف مخطوطة مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال».
ومسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال» تدور أحداثها حول الراقصة النورية «جلنار»، التي تتقابل مع الوزير «بهروز» فيتنبأ لها بمستقبل عظيم، حيث لاحظ منها السعي نحو التطلع إلى مصاف الشرفاء؛ لذلك استغل هذا الوزير جميع من حوله في سبيل الاستيلاء على حكم البلاد. فنجده يفتعل مشاجرة بين حراس الأمير وبين صديقه الفارس المغوار «قطبزار» حول فتى اسمه «بهادر» ظلمه الحراس. وعندما ينتصر الفارس يستصدر الوزير أمرا من الأمير بإعدامه الساعة السابعة؛ لأنه قاوم حراس الأمير. وفي الوقت نفسه قام الوزير بتدبير خطة كي يقع الأمير في حب «جلنار»، ويعد الوزير الأمير بأنه سيجعلها محظيته. ومن ناحية أخرى بدأ الوزير بالتلميح إلى الأميرة بأن زوجها الأمير يخونها. وقبل موعد تنفيذ الإعدام على قطبزار، يحضر إليه الوزير ويقنعه بضرورة زواجه من امرأة تطلب اسمه، حيث إنها بلا اسم أو حسب أو نسب، وهذه خدمة بسيطة لهذه المرأة، طالما أنه سيموت بعد نصف ساعة، فيقبل قطبزار هذا الاتفاق طالما أنه في سبيل الخير. وبالفعل يتم الزواج، دون أن يرى قطبزار المرأة، التي كانت منقبة بنقاب كثيف. وعندما تحين لحظة الإعدام رميا بالرصاص، يقوم الفتى «بهادر» برد الجميل لقطبزار فيبدل الرصاص الحقيقي برصاص آخر يحدث صوتا، وعندما يسمع قطبزار صوت الرصاص يسقط سقطة تمثيلية، باعتباره ميتا. ويبدأ الوزير في استكمال خطته؛ حيث يقنع جلنار بأن زوجها - الذي عقد قرانها - هو أمير البلاد وقد اتخذ لها بيتا في الغابات، وأقنع الأمير أن جلنار أصبحت محظيته وسيقابلها اليوم. وفي الوقت نفسه ذهب إلى الأميرة وأخبرها بأن الأمير زوجها في أحضان محظيته، وبذلك يتخلص من الجميع ليستولي على الحكم. ولكن يظهر قطبزار في الوقت المناسب ويكشف حقيقة الوزير أمام الجميع، ويوقع عليه العقاب قتلا، ويعود الأمير إلى زوجته، ويعود قطبزار إلى جلنار، بعد أن منحه الأمير لقب حاكم العاصمة، وتنتهي المسرحية.
الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال».
ومن الكتابات المسرحية المجهولة أيضا لمصطفى ممتاز مسرحية «أصدقاء أم أعداء» - وهي الحادية عشرة في الترتيب - التي اقتبسها من الفرنسية هوراس ويجان، ومن ثم عربها مصطفى ممتاز، وأهدتنا صورة من نصها المخطوط، ابنة مصطفى ممتاز السيدة ابتسام. وهذه المسرحية - بناء على مخطوطتها - نزعم أنها عربت - أو بالأحرى ترجمت - عام 1920م؛ من أجل تمثيلها من قبل فرقة أولاد عكاشة. وربما حدثت بعض الظروف منعت تمثيلها بصورتها المترجمة، فأعاد ممتاز كتابتها بأسلوب الاقتباس وأطلق عليها اسم «المنافقين»، وتم عرضها عام 1920م، من خلال فرقة أولاد عكاشة، وقد تحدثنا عنها سابقا. وبسبب التشابه الكبير بين ترجمة مسرحية «أصدقاء أم أعداء» واقتباس مسرحية «المنافقين»، هذا التشابه الذي يصل إلى حد التطابق، قررنا عدم نشر مخطوطة مسرحية «أصدقاء أم أعداء» في هذا الكتاب، واكتفينا بنشر مسرحية «المنافقين»، باعتبارها المسرحية التي مثلت على خشبة المسرح، خلافا لمسرحية «أصدقاء أم أعداء» التي لم تمثل.
غلاف مخطوطة مسرحية «أصدقاء أم أعداء».
هذه تفاصيل كتابات مصطفى ممتاز المسرحية؛ التي استطعنا الحصول عليها؛ ناهيك عما عجزنا عن الوصول إليه، أو كتاباته الأخرى المجهولة والمفقودة؛ التي ربما يحصل عليها باحث آخر مستقبلا. ومسرحيات مصطفى ممتاز التي كتبت في الفترة من عام 1917م إلى عام 1923م؛ تجعل منه كاتبا مسرحيا مرموقا، وفق معايير كتاب المسرح في تلك الفترة. فمصطفى ممتاز باعتباره كاتبا مسرحيا، كان يقف على قدم المساواة مع كتاب المسرح المعاصرين له في هذه الفترة أمثال: إبراهيم المصري، وإسماعيل وهبي، وإلياس فياض، وأمين صدقي، وجورج طنوس، وحسن فايق، وخليل مطران، وعباس حافظ، وعباس علام، وعبد الحليم دلاور، وعبد العزيز حمدي، وعزيز عيد، وعمر عارف، وفرح أنطون، ومحمد تيمور، ومحمد عبد السلام الجندي، ومحمد عبد القدوس، ومحمد مسعود، ومحمود مراد، ويونس القاضي.
ومما يؤيد هذه المكانة أن أعظم الفرق المسرحية المصرية كانت تعرض مسرحياته؛ ففرقة أولاد عكاشة كان لها النصيب الأكبر في عرض مسرحيات مصطفى ممتاز، وكانت تعرضها وهي في أوج نشاطها الفني، بل كانت فرقة عكاشة في هذه الفترة من أكبر الفرق المصرية وأشهرها، وكانت الفرقة الكبرى الوحيدة في بعض الأحيان عندما كانت تعرض مسرحيات مصطفى ممتاز. فعلى سبيل المثال: عندما عرضت فرقة عكاشة مسرحيتيه «أنجومار»، و«الشريف الطريد» عامي 1917 و1920م، كانت عكاشة الفرقة الأقوى، التي لم تجد منافسة تذكر من قبل الفرق الأخرى أمثال: فرقة علي الكسار، وفرقة أمين صدقي، وفرقة نجيب الريحاني، وفرقة منيرة المهدية، وفرقة جورج أبيض.
وعندما مثلت فرقة عبد الرحمن رشدي مسرحية ممتاز «عبد الرحمن وعمر»، كانت أقوى فرقة على الساحة عام 1920م. كذلك الحال عندما مثلت فرقة رمسيس مسرحيته «المرحوم» - في أول موسم لها عام 1923م - كانت فرقة رمسيس طوفانا فنيا اجتاح الساحة المسرحية، ولم تقو أية فرقة مسرحية أخرى أن تقف في وجه هذا الطوفان فترة طويلة. وأخيرا نجد فرقة جورج أبيض عندما مثلت مسرحيته «إيفان» عام 1924م؛ كانت أهم فرقة مسرحية في هذا العام بالنسبة للفرق المسرحية الأخرى. وهذا الأمر إن دل فإنما يدل على أن الفرق المسرحية كانت تسعى لعرض أفضل النصوص المسرحية لأفضل الكتاب المسرحيين، الذي كان مصطفى ممتاز أحدهم. كذلك يجب الإشارة إلى أن معظم مسرحيات مصطفى ممتاز تم عرضها على خشبة أشهر المسارح المصرية في ذلك الوقت، وهو مسرح دار الأوبرا؛ دلالة على قيمة النص المسرحي، وأهمية الفرقة التي تعرضه.
وتأكيدا لقيمة كتابات مصطفى ممتاز المسرحية، وتهافت الفرق المسرحية عليها، وإقبال الجمهور على مشاهدتها، أنه في شهر أبريل 1923م فقط، عرضت أكثر من فرقة مسرحية نصوصا له. ففرقة رمسيس عرضت له مسرحية «المرحوم»، وعرض أعضاء النادي الأهلي الرياضي مسرحيته «عبد الرحمن وعمر»، وعرضت فرقة عكاشة مسرحيتيه «المنافقين»، و«الخطيئة».
44
وهذا الأمر تكرر أكثر من مرة؛ دلالة على أن مصطفى ممتاز كان في هذه الفترة كاتبا مسرحيا مرموقا، وظل هكذا حتى توقف عن الكتابة المسرحية.
45
مصطفى ممتاز شاعرا
إذا كنا في الصفحات السابقة تحدثنا عن كتابات مصطفى ممتاز المسرحية، وأحصينا عدد مسرحياته غير المنشورة حتى الآن، فهذا كان من منطلق ما كتب عنه في السابق بأنه اشترك مع توفيق الحكيم في اقتباس مسرحية «خاتم سليمان»؛ أي إننا انطلقنا من معلومة معروفة عنه بوصفه كاتبا مسرحيا رغم عدم وجود أي نص مسرحي منشور له من قبل! وربما يتعجب القارئ - في هذا الموضع - عندما نتحدث عن مصطفى ممتاز باعتباره شاعرا؛ لأن هذه المعلومة غير معروفة عنه، ولم يتحدث بها أي إنسان من قبل. وربما يزداد القارئ تعجبا عندما يعلم أن مصطفى ممتاز كان شاعرا، قبل أن يكون كاتبا مسرحيا! ومن المحتمل أن تعجب القارئ سيصل إلى الذروة؛ عندما يعلم أن العمل الوحيد المنشور لمصطفى ممتاز كان ديوانه الشعري!
فأثناء البحث عن اسم مصطفى ممتاز في فهارس دار الكتب المصرية، فوجئت بوجود اسمه على بطاقة ديوان شعري بعنوان «ديوان ممتاز». وعندما طلبت الاطلاع على الديوان وجدت صعوبة بالغة في ذلك؛ بسبب وجود نسخة وحيدة منه فقط، وهي نسخة صغيرة الحجم، متهالكة الأوراق؛ بسبب مرور ما يقرب من تسعين عاما على نشرها. ومع الإلحاح في الطلب، والإصرار وراء المعلومة؛ أجيب إلى طلبي بصعوبة بالغة. وربما هذا الأمر لن يتكرر مرة أخرى، فحاولت جاهدا أن أنقل من الديوان ما عن لي نقله؛ ربما يأتي اليوم ويبلى الديوان تماما، ولم يبق منه إلا ما استطعت نقله، ونشره في هذا الكتاب! و«ديوان ممتاز» جاء على غلافه الآتي:
ولهذا الديوان مقدمة، قال فيها مصطفى ممتاز:
وبعد، فهذا ثمرة ما خطته يميني في أوقات الفراغ. لم أخرجه فخرا بوجود اسمي بين أرباب الأقلام، فما أنا من أبطال ذلك الميدان، ولست سوى غامس يراعه مع الغامسين، وكاتب مع الكاتبين. آنست من وقتي فراغا، فلم أشأ أن أضيعه سدى، فتناولت القلم وغمسته هنا وهناك؛ فكانت الثمرة هذا الديوان. وإني آمل غض الطرف عن الزلات، والتماس المعذرة لدى الهفوات فالعصمة لله وأنبيائه والله ربي وهو مولاي ونعم النصير.
وإذا تتبعنا ما قمنا بنقله واختياره من قصائد الديوان، سنجد قصيدة وطنية بعنوان «سلمى ومصر». وفيها يحث الشاعر الشباب على ترك الغرام، وما ينتج عنه من شقاء وعناء، ويدعوهم إلى تحمل هذه المشقة في سبيل حب وطنهم مصر. وفي ذلك يقول:
46
ما كنت آمل أن سلمى في الهوى
تقضي كما شاءت لها الأهواء
صرمت حبالي بعد حب قاتل
ومضت كظبي هاله الأعداء
لم تدر أني في الغرام أسيرها
يا ويحها قد حلت البلواء
هذا جزاء العاشق المفتون يا
قومي وإن الهجر بئس جزاء
آمالنا في الفاتنات وإنهن
إذا صرمن الحبل فهي هباء
لا ترغبوا في العيش إن كان الهوى
أسر النهى إن الحياة عناء
قوموا لخدمة مصركم وتطوعوا
في حبها يا [أيها] الأبناء
لبوا نداها واستعيضوا في الهوى
سلمى بمصر فالغرام سواء
بل إن حب بلادكم خير لكم
فيه التعاسة والشقاء هناء
ومن شعره الوصفي مقطوعة بعنوان «غروب الشمس على ساحل البحر»، وهي من ثلاثة أبيات يصف فيها منظر غروب الشمس مستدعيا طاقات الغزل الحسي الممكنة، قائلا فيها:
47
تحاكي وجنة الحسناء لونا
وقد مالت بنا نحو الغروب
تورد خدها لما التقينا
تودعنا إلى أمد قريب
تناثر دمعه مثل اللآلي
ليطفئ من أساها والنحيب
ومن قصائده الوطنية قصيدة بعنوان «ملوك الاستبداد»، نجتزئ منها هذه الأبيات التي تتحدث عن تواري عروش الظلم واندحار زمان الاستعباد والاستبداد:
48
زمن التجسس والتعسف قد مضى
وأتى زمان للشعوب موالي
يا رب تاج الملك مهلا لا تهم
في المنكرات وسيئ الأعمال
لا يخدعنك زخرف الملك الذي
عما قليل ينتهي بزوال
لا يخدعنك تاجك الذهبي لا
تغتر فالأيام في ترحال
كم من ملوك شيدوا مجدا على
عسف فبات المجد طيف خيال
لم يغن عنهم تاجهم شيئا ولم
ينفعهم الجاسوس في الأهوال
زالت بطانتهم وساءت حالهم
والله لا يرضى بسوء فعال
ومن الواضح أن مصطفى ممتاز تعرض في شبابه إلى تجربة ما، كانت من نتيجتها اليأس الشديد، فكتب قصيدته «البائس»، وفيها نراه محطما قد سأم حياته ويتمنى الموت بسبب ما لاقاه من ضربات الزمن التي هدت من عزيمته وسببت له الشقاء والعثرات، قائلا:
49
ما لي أراني قد سئمت حياتي؟!
ما لي أراني قد وددت مماتي؟!
ما بال دهري بالعنا يلقاني؟!
ما لي أراني زائد النكبات؟!
ما لي أرى عيني تسيل دموعها؟!
ما لي أراني ذابل الوجنات؟!
ما لي أراني بائسا أشكو الشقا؟!
ما لي أراني ساكب العبرات؟!
ما هذه الأرزاء يا ربي وما
هذا البلاء المحكم الحلقات؟!
يا ويح من بات الزمان خصيمه
مثلي فيغدو عاثر الخطوات!
وله قصيدة حماسية وطنية بعنوان «مصر»، قال فيها:
50
أبناء وادي النيل طال سباتكم
قوموا فأحيوا دارس العرفان
ردوا إلى مصر الأسيفة مجدها
كونوا لها من خيرة الولدان
صونوا حماها وارفعوا من ذكرها
سيروا فأنتم في حمى الرحمن
إن العلا قد بات يخطب ودكم
والنيل يرجو الخير في الشبان
أيطيب نوم والبلاد أسيرة
للجهل هل ترضون بالخسران؟!
قوموا انهضوا ببلادكم لا تكسلوا
هبوا فليس الدهر بالوسنان
والله يعلم أنها فخرت بما
سلبت من الشرقي من عرفان
سلبت بضاعتكم وباعتها لكم
يا شرق فاذكر غابر الأزمان
أين الفخار وأين مجدك في الورى؟
بل أين ما قد حزت من تيجان؟
بالأمس كان الشرق يرفع رأسه
فخرا بما [قد] حاز من سلطان
واليوم يخجل من خمول رجاله
وجمودهم أدى إلى الخذلان
قد ضاع ما ورثوه عن آبائهم
وفخارهم قد بات في الأكفان
وله قصيدة يصف فيها حال العصفورة في قفصها، عنوانها «سجينة الأقفاص»، ولعله اتخذها رمزا لمرموز في نفسه، يقول فيها:
51
أسفي على مسجونة الأقفاص
حبست لتنشد رائع الألحان!
ما كان يحلو أن تقيم سوى على
زهر جميل أو على الريحان
مطلوقة تجري وراء سرورها
صنعت لها الأقفاص من عيدان
لسرورهم سجنت فوا أسفي لها
تبكي فيطربهم صدى الأحزان!
قد خلفت بين الخمائل إلفها
يشكو من الهجران والأشجان
أو ربما جارت عليه حبالهم
فغدا الأسير وبيع بالأثمان
لله ما أقسى قلوبا ترتضي
إذلال رب الزهر والأغصان!
أسجينة الأقفاص ذنبك نغمة
سجدت لها الأزهار في الوديان ؟!
لولا جمال الصوت ما حل
الشقا وأسرت تشتاقين للخلان
إني لأشفق يا سجينة أنني
أقضي من الأحزان والتحنان
كم من دموع قد ذرفت سجينة
تنبي بأن بكاك فيه هواني!
إني لأرغب في الصوارم وقفها
لا أن يحل بكاك في آذاني
وله «قصيدة مدح للصديق علي البحراوي أفندي»، وهي من إخوانياته، قال في أولها:
52
مدحتك لا أرجو الثناء ولا الجزا
لكن رأيتك بالمديح جديرا
لك في الفؤاد مكانة لفضائل
زانتك مذ في المهد كنت صغيرا
وله قصيدة في الموت عنوانها «غدا لرهين الموت»، وفيها تبدو نزعة روحية خاشعة تذكرنا بأشعار الزهاد والعباد والنساك، يقول فيها:
53
غدا أسقى كئوسا للمنايا
غدا تبكي على قبري صحابي
غدا تبكي العيون نحيل جسمي
غدا أغدو قرينا للتراب
ألا يا موت رفقا كن رحيما
دع الشبان تلهو في الشباب
غدا تدمى عيون الأم حزنا
غدا يقضي إلهي بالحساب
أيا أماه لا تبكي كثيرا
فإن الموت حق لا تهابي
وما خطب المنايا غير كأس
ويسقى الكل من ذاك الشراب
وله قصيدة عاطفية بعنوان «حقيقة الهوى»، يتحدث فيها عن تجربته العاطفية وما اكتنفها من عذاب وألم وفراق ومرارة، يقول فيها:
54
نظرت وراشت من لحاظ عيونها
سهما أصاب القلب والأحشاء
يا هند رفقا فالغرام رأيته
سام المتيم في البعاد بلاء
يا هند إن ربي بحبك قد قضى
فتحكمي وتتبعي الأهواء
فأنا رهين للتعذب والأسى
ورهين أمرك في الهوى إن شاء
وتعسفي لا ترحميه إذا الهوى
يا هند رام تعاسة وعناء •••
إن الحسان إذا نظرن إلى الفتى
لم يتخذ دون السهام وقاء
وتراه يسمح أن يقيم بقلبه
حب الظبا والحب كان شقاء
كم فيه يشقى والسهاد وجفنه
عقدا - ويا بئس الفعال! - إخاء
وحبيبة القلب الشقي عن الفتى
رغبت كأن العهد كان هباء
قد خلفت هدف السهام بحبه
يبكي ويشكو الإله جفاء
لكنه في الحب قد نال
الجزا زراع شوك لا ينال هناء
وآخر قصيدة اخترتها من ديوانه
55
قصيدة رثاء المرحوم جده إبراهيم باشا ممتاز مدير قسم الإدارة بنظارة الداخلية المتوفى يوم الثلاثاء 24 / 1 / 1911م، وفيها يقول:
56
استرسل الدهر في الطغيان والنكد
لم يصف يوما ولم يشفق على أحد
قد ضاق صدري وبات الدهر يظلمني
لم يتخذ في الورى مرمى سوى كبدي
أفراحه أن يبيت الحزن يقلقني
وإن أردت عزاء النفس لا أجد
لما رغبت هناء العيش داهمني
بموت جدي فزاد القلب في الكمد
عز المصاب وبات الصبر مرتحلا
والقلب منصدع يا دهر فاتئد
جرعتني من كئوس العيش كل أسى
هما وحزنا وأرزاء بلا عدد
ومن الجدير ذكره أن مصطفى ممتاز كان يضمن بعض مسرحياته قطعا شعرية حوارية، مثل مسرحيات: «أنجومار»، و«المنافقين»، و«جلنار بين ثلاثة رجال». كما كان يسهم بأشعاره في مسرحيات الآخرين؛ فعلى سبيل المثال: كتب عباس علام تنبيها في نهاية مسرحيته «عبد الرحمن الناصر» المنشورة عام 1920م، قال فيه: «الأغاني التي وردت في الفصول الثلاثة الأولى من وضع الأديب المعروف مصطفى ممتاز، أما ما ورد في الفصلين الأخيرين فمن الآثار الأندلسية.»
57
وإسهام مصطفى ممتاز في هذا العمل، تمثل في القطع الآتية:
الوصائف (يسمع أولا نشيدهن، وهن مقبلات) :
ما لذتي وانشراحي
إلا نسيم الصباح
فهو خمري وهو راحي
وهو ريحان النفوس (وهنا يدخلن المسرح.)
هذي الرياض الناضرة
فيها البلابل حائرة
بين الزهور الزاهرة
تشكو لرب المغفرة
فعل اللواحظ والعيون
الزهراء (مشيرة إلى الطير الذي في القفص، وكانت تتأمل فيه) :
انظروا، رباه هذا
بلبل يشدو، لماذا؟
هل هوى وما استعاذا
لم يجد خيرا ملاذا
غير ذا الدمع الهتون؟
الوصائف :
دعيه في الهوى، وهيا
نقطف الورد سويا
ينشر العرف الذكيا
يملأ القلب الخليا
من هيام وشجون
58
الوصائف :
حيوا الهوى والغراما
بالدلال
يزدد الصب هياما
بالوصال
وارتعوا في كل قلب
باختيال
واستبيحوا كل لب
بالجمال
البستاني :
يا ظباة القصر يا ذات السنا
حسبك هجري
قد مضى بين الأماني المنى
زهرة العمر
كم تحملت التجافي والعنا
في الهوى العذري
فارحميني وانظري كيف أنا!
تكسبي أجري
الزهراء (مهتزة طربا، تجيبه منشدة) :
يا عاشقا يشكو الهوى
والزمان
اصبر على مر النوى
والهوان
59
الناصر :
ماذا يكون جوابكم لنبيكم
وطريق هذا العذر غير ممهد؟
60
إن قال: لم فرطتمو في أمتي
وتركتموهم للعدو المعتدي؟!
تالله لو أن العقوبة لم تخف
لكفى الحيا من وجه هذا السيد!
الجند :
جمرة الحرب تلظت
فانفخوها
61
وادفعوا جند عداكم
يصطلوها
كلما خف لهيب
أججوها
ذلكم خير قصاص
أشعلوها
الناصر :
هيا أيها الأبطال، هيا
إن فخاركم تحت البنود
62
شقوا بالسيوف لكم طريقا
إلى النصر الأغر أو اللحود
فإما نلتم العليا جميعا
وإلا نلتمو أجر الشهيد
ويبدو للقارئ من هذا التجوال في طائفة من قصائد ممتاز ومقطوعاته أنه نوع في موضوعاته تنويعا واضحا، فقد طرق جوانب الشعر التقليدية من غزل وفخر ومدح ورثاء وعتاب واستعطاف وإخوانيات ونحوها، وامتد شعره ليتحدث عن جوانب وطنية وإنسانية جديدة، فقد كان ممتاز متيما بحب مصر، مخلصا لبنيها، وخرج ليحدثنا عن عواطفه الإنسانية وتجاربه الذاتية المختلفة.
النتائج
من خلال دراستنا «مصطفى ممتاز يبعث من جديد»، ومن خلال تمهيد هذه الدراسة؛ نستطيع استخلاص النتائج الآتية: (1)
تفتحت موهبة توفيق الحكيم المسرحية في مصر عام 1923م - لا في باريس كما يقول البعض - علي يد مصطفى ممتاز مكتشف هذه الموهبة ومحركها الأول. (2)
كتبت مجلة «المسرح» عام 1927م عدة مقالات عن أسلوب وطريقة كتاب المسرح في هذه الفترة، ومن هؤلاء الكتاب كان توفيق الحكيم ومصطفى ممتاز، فأبانت المجلة أن أسلوب الحكيم في الكتابة المسرحية يتشابه مع أسلوب مصطفى ممتاز؛ مما يدل على أن مصطفى ممتاز هو المؤثر، والحكيم هو المتأثر، وليس العكس كما ظن بعض الكتاب والنقاد. (3)
ظن بعض الكتاب والنقاد أن توفيق الحكيم اقتبس مسرحية «خاتم سليمان» عام 1923م، وأشرك معه - في اقتباسها - مصطفى ممتاز؛ رغم أن العكس هو الصحيح، حيث اقتبس ممتاز هذه المسرحية وأشرك معه الحكيم في اقتباسها؛ أي إن مصطفى ممتاز هو الأصل، وتوفيق الحكيم هو الفرع. (4)
مسرحية «خاتم سليمان» هي أول مسرحية ممثلة يشترك توفيق الحكيم في اقتباسها، وليس - كما قال الحكيم، وبعض الكتاب والنقاد أنها - مسرحية «العريس». وهذا يعني أن بداية الحكيم في الكتابة المسرحية كانت على يد مصطفى ممتاز باعتباره موجها للحكيم في هذا الفن. وبمعنى آخر: إن توفيق الحكيم تأثر بأسلوب مصطفى ممتاز وتوجيهاته المسرحية، قبل أن يخط الحكيم سطرا واحدا في إبداعه المسرحي المعروف.
ومن خلال محور «مصطفى ممتاز موظفا حكوميا»، نستطيع استخلاص النتائج الآتية: (5)
الاسم الحقيقي لمصطفى ممتاز هو: مصطفى محمود فهمي محمود فهمي، المولود يوم 14 / 9 / 1892. وحصل على شهادة الابتدائية عام 1907م، وعلى شهادة البكالوريا (الثانوية) عام 1912م. ولم يستكمل دراسته العليا بمدرسة المعلمين الخديوية؛ بسبب ضعف في بصره، وحاول مرة أخرى الالتحاق بمدرسة الحقوق السلطانية؛ ولكن أعباء الوظيفة والأسرة منعته من تحقيق ذلك. (6)
بدأ العمل الحكومي موظفا صغيرا بمصلحة خفر السواحل بالإسكندرية عام 1913، ثم رئيسا للإدارة بمحافظة السويس عام 1925م، ثم رئيسا لقلم الجنايات الإفرنجي بحكمدارية بوليس مدينة مصر عام 1929م، ثم رئيسا لقلم تعيين العمد والمشايخ عام 1935م، ثم وكيلا لإدارة الشياخات عام 1942، ثم مديرا لإدارة المحفوظات والتوريدات والطباعة عام 1946، وأحيل إلى المعاش عام 1952م، وتوفى يوم 8 / 8 / 1964.
ومن خلال محور «مصطفى ممتاز كاتبا مسرحيا»، نستطيع استخلاص النتائج الآتية: (7)
استطعنا إحصاء إحدى عشرة مسرحية لمصطفى ممتاز - غير منشورة - تنوعت بين: التأليف، والتعريب، والترجمة، والاقتباس ... كتبها ممتاز في الفترة بين 1917-1923م، وهي: «المرأة الفاتنة»، و«أنجومار»، و«الشريف الطريد»، و«عبد الرحمن وعمر»، و«المنافقون »، و«الخطيئة»، و«المرحوم»، و«إيفان»، و«خاتم سليمان»، و«جلنار بين ثلاثة رجال»، و«أصدقاء أم أعداء». (8)
استطعنا الحصول على ستة نصوص مخطوطة من مسرحيات مصطفى ممتاز، نشرنا في هذا الكتاب خمسة منها، هي: «أنجومار»، و«عبد الرحمن وعمر»، و«المنافقون»، و«المرحوم»، و«جلنار بين ثلاثة رجال». ولم ننشر مسرحية «أصدقاء أم أعداء»؛ لأنها نسخة مترجمة عن مسرحية «المنافقين» المقتبسة. (9)
أول مسرحية عربها مصطفى ممتاز عام 1917م، كانت مسرحية «المرأة الفاتنة»، وأعلنت فرقة أولاد عكاشة استعدادها لتمثيلها. ولم نستطع الحصول على نص مخطوطة هذه المسرحية، كما أننا لم نحصل على دليل يؤكد تمثيلها في هذه الفترة. (10)
المسرحية الثانية كانت «أنجومار» - المنشورة في هذا الكتاب - وأنهى ممتاز تعريبها يوم 5 / 2 / 1917م، ومثلتها فرقة أولاد عكاشة - لأول مرة - بدار الأوبرا السلطانية في نوفمبر 1917م. وقام بتمثيلها : محمد عبد القدوس، ومريم سماط، وفكتوريا موسى، ومحمد بهجت، ومحمد يوسف، وأحمد فهمي، وتوفيق ظاظا، ولطيفة حجازي، ولبيبة فارس، وحسن حبيب. وكانت منيرة المهدية تغني بين فصول تمثيلها في بعض الحفلات. (11)
المسرحية الثالثة التي عربها مصطفى ممتاز، كانت المسرحية الكوميدية «الشريف الطريد»، ومثلتها فرقة أولاد عكاشة - لأول مرة - بدار الأوبرا يوم 1 / 4 / 1920م، وقام بتمثيلها: عبد الله عكاشة، وزكي عكاشة، وعبد العزيز خليل، ومحمد يوسف، وأحمد فهمي، وفكتوريا موسى، وألمظ أستاتي، ووردة ميلان، والألحان من وضع الموسيقي محمود رحمي. (12)
المسرحية الرابعة هي «عبد الرحمن وعمر» - المنشورة في هذا الكتاب - ألفها مصطفى ممتاز عام 1920م، ومثلتها فرقة عبد الرحمن رشدي - لأول مرة - يوم 13 / 8 / 1920 على مسرح برنتانيا. (13)
المسرحية الخامسة «المنافقون» - المنشورة في هذا الكتاب - اقتبسها ممتاز عام 1920م، ومثلتها فرقة عكاشة - لأول مرة - يوم 12 / 5 / 1921 بتياترو حديقة الأزبكية، وكانت من تمثيل: عبد العزيز خليل، وعبد الحميد عكاشة، وأحمد فهيم، وأحمد ثابت، وحسن حبيب، وبشارة واكيم، ومحمد يوسف، وأحمد فهمي الكبير، وفؤاد فهيم، وأحمد الصغير، وفكتوريا موسى، وفكتوريا سويد. (14)
المسرحية السادسة كانت «الخطيئة»، وألفها ممتاز بالاشتراك مع أحمد حلمي سلام عام 1922م، ومثلتها فرقة أولاد عكاشة - لأول مرة - يوم 19 / 10 / 1922 بمسرح حديقة الأزبكية، وكانت من تمثيل: فكتوريا موسى، وعبد العزيز خليل ومن إخراجه. أما الأوركسترا فكانت برئاسة الأستاذ عبد الحميد علي. (15)
المسرحية السابعة «المرحوم» - المنشورة في هذا الكتاب - ألفها ممتاز بالاشتراك مع الدكتور وصفي عمر عام 1923م، وعرضتها فرقة يوسف وهبي - لأول مرة - بمسرح رمسيس يوم 29 / 3 / 1923. وقام بتمثيلها: محمد بهجت، وإستيفان روستي، وحسن فايق، وحسين رياض، وسيرينا إبراهيم، وفاطمة رشدي. (16)
المسرحية الثامنة «إيفان»، عربها ممتاز عام 1924م، وعرضتها فرقة جورج أبيض - لأول مرة - بدار الأوبرا الملكية يوم 30 / 10 / 1924م، من تمثيل: دولت أبيض، وحسين رياض، ومنسي فهمي، وأحمد نجيب، وعبد الفتاح القصري، ويوسف حسني، وإحسان كامل، ومحمد توفيق، ومحمد محمد، وإبراهيم الجزار، وعبد المنعم، وجميلة سالم. (17)
المسرحية التاسعة كانت «خاتم سليمان»، واقتبسها ممتاز بالاشتراك مع حسين توفيق الحكيم عام 1923م، وعرضتها فرقة أولاد عكاشة - لأول مرة - يوم 16 / 11 / 1924 بمسرح حديقة الأزبكية، من تلحين كامل الخلعي، وتمثيل : زكي عكاشة، وعلية فوزي، وعبد الحميد عكاشة، ومحمد بهجت، وعبد الله عكاشة، وعبد المجيد شكري، ومحمود خطاب. (18)
المسرحية العاشرة «جلنار بين ثلاثة رجال» - المنشورة في هذا الكتاب - تعتبر من المسرحيات المجهولة لمصطفى ممتاز؛ لأننا لم ننجح في الحصول على أية معلومة عنها من حيث تاريخ تأليفها، أو تمثيلها. ورغم ذلك نزعم أنها ألفت في فترة العشرينات من القرن العشرين، وأنها ألفت من أجل تمثيلها من قبل فرقة عكاشة، حيث إن موضوعها يتشابه إلى حد كبير مع عروض فرقة عكاشة المسرحية في تلك الفترة. (19)
المسرحية الحادية عشرة - والأخيرة - «أصدقاء أم أعداء»، اقتبسها من الفرنسية هوراس ويجان، ومن ثم ترجمها مصطفى ممتاز عام 1920م، ثم أعاد كتابتها بأسلوب الاقتباس وأطلق عليها اسم «المنافقين» - السابقة الذكر - وبسبب التشابه الكبير بين الترجمة والاقتباس؛ فضلنا عدم نشر مخطوطة مسرحية «أصدقاء أم أعداء» في هذا الكتاب، واكتفينا بنشر مسرحية «المنافقين»، باعتبارها المسرحية التي مثلت على خشبة المسرح. (20)
مسرحيات مصطفى ممتاز التي كتبت في الفترة من عام 1917م إلى عام 1923م؛ تجعل منه كاتبا مسرحيا مرموقا، وفق معايير كتاب المسرح في تلك الفترة. فمصطفى ممتاز باعتباره كاتبا مسرحيا، كان يقف على قدم المساواة مع كتاب المسرح المعاصرين له في هذه الفترة أمثال: إبراهيم المصري، وإسماعيل وهبي، وإلياس فياض، وأمين صدقي، وجورج طنوس، وحسن فايق، وخليل مطران، وعباس حافظ، وعباس علام، وعبد الحليم دلاور، وعبد العزيز حمدي، وعزيز عيد، وعمر عارف، وفرح أنطون، ومحمد تيمور، ومحمد عبد السلام الجندي، ومحمد عبد القدوس، ومحمد مسعود، ومحمود مراد، ويونس القاضي. (21)
إن أعظم الفرق المسرحية المصرية كانت تعرض مسرحيات ممتاز؛ ففرقة أولاد عكاشة عندما عرضت مسرحيتيه «أنجومار، والشريف الطريد» كانت الفرقة الأقوى، التي لم تجد منافسة تذكر من قبل الفرق الأخرى. وعندما مثلت فرقة عبد الرحمن رشدي مسرحيته «عبد الرحمن وعمر»، كانت أقوى فرقة على الساحة. كذلك الحال عندما مثلت فرقة رمسيس مسرحيته «المرحوم» - في أول موسم لها - كانت الفرقة طوفانا فنيا اجتاح الساحة المسرحية، ولم تقو أية فرقة مسرحية أخرى أن تقف في وجه هذا الطوفان فترة طويلة. وأخيرا نجد فرقة جورج أبيض عندما مثلت مسرحيته «إيفان»؛ كانت أهم فرقة مسرحية في هذه الفترة بالنسبة للفرق المسرحية الأخرى. (22)
تأكيدا لقيمة كتابات مصطفى ممتاز المسرحية، وتهافت الفرق المسرحية عليها، وإقبال الجمهور على مشاهدتها، أنه في شهر أبريل 1923م فقط، عرضت أكثر من فرقة مسرحية نصوصا له. ففرقة رمسيس عرضت له مسرحية «المرحوم»، وعرض أعضاء النادي الأهلي الرياضي مسرحيته «عبد الرحمن وعمر»، وعرضت فرقة عكاشة مسرحيتيه «المنافقين»، و«الخطيئة». وهذا الأمر تكرر أكثر من مرة؛ دلالة على أن مصطفى ممتاز كان في هذه الفترة، كاتبا مسرحيا مرموقا، وظل هكذا حتى توقف عن الكتابة المسرحية.
ومن خلال محور «مصطفى ممتاز شاعرا»، نستطيع استخلاص النتائج الآتية: (23)
العمل الوحيد المنشور لمصطفى ممتاز - من إبداعاته الأدبية - كان ديوانه الشعري «ديوان ممتاز»، المطبوع في الإسكندرية عام 1918م. (24)
يلاحظ من خلال قصائد الديوان، أن مصطفى ممتاز نوع في موضوعاته تنويعا واضحا، فقد طرق جوانب الشعر التقليدية من: غزل، وفخر، ومدح، ورثاء، وعتاب، واستعطاف، وإخوانيات، ونحوها. وامتد شعره ليتحدث عن جوانب وطنية وإنسانية جديدة. (25)
كان ممتاز يضمن بعض مسرحياته قطعا شعرية حوارية، مثل مسرحيات: «أنجومار»، و«المنافقين»، و«جلنار بين ثلاثة رجال». كما كان يسهم بأشعاره في مسرحيات الآخرين، حيث كتب أكثر من حوار شعري لمسرحية «عبد الرحمن الناصر» التي ألفها - ونشرها - عباس علام عام 1920م.
دكتور
سيد علي إسماعيل
مخطوطة مسرحية «أنجومار»
تعريب: مصطفى ممتاز
مثلتها فرقة أولاد عكاشة بدار الأوبرا السلطانية في نوفمبر 1917م.
الجزء العلوي من الصفحة الأولى لمخطوطة مسرحية «أنجومار».
الفصل الأول
(مدينة ماسيليا، ساحة عمومية. إلى الخلف بوابة كبيرة، إلى يمين المسرح باب منزل ميرون وأبواب منازل أخرى مجاورة. أمام باب منزل ميرون عجلة غزل وسلة فيها خيوط. منزل بوليدور أمام منزل ميرون.) (تدخل أكتيا إلى المرسح خارجة من باب منزل ميرون.)
أكتيا :
ها قد أوشكت الشمس على الغروب، وسنغلق الآن أبواب المدينة، ومع ذلك فلم يأت ميرون. أما ابنتي، بارتينيا الشقية، فإنها لا تكاد تنتهي من عملها حتى تطير، كأنها عصفور فتح له باب القفص. (تنادي)
بارتينيا! بارتينيا (تدخل بارتينيا من اليمين) .
بارتينيا :
ماذا تريدين يا أمي العزيزة؟
أكتيا (تشير إلى الغزل) :
انظري هنا يا شقية، ما الذي اشتغلتيه اليوم؟ لقد انتهى النهار، وها نحن في الغروب، والغزل باق على حاله!
بارتينيا :
لقد غزلت اليوم ما يكفي، ثم وجدت الجيران يجمعون زيتونا، فساعدتهم.
أكتيا :
لماذا ساعدتيهم؟ كان يجب أن تبقي إلى جانبي. أصغى إلي يا شقية، لقد ضيعت حياتك في اللهو واللعب كأنك طفلة صغيرة، وقد آن لك الآن أن تضعي حدا لذلك، فاسمعي ما أقول.
بارتينيا :
ها أنا سامعة يا أمي، ماذا تريدين؟
أكتيا :
إن جارنا بوليدور، رجل غني كثير المال، ومع ذلك فلست أنكر أنه متقدم في السن، ولكنه محترم رفيع المقام، وقد خطبك منا، ألا تصغين؟
بارتينيا (مضطربة) :
ها أنا مصغية!
أكتيا :
هذا ما تقولينه دائما، فأكلمك ساعة أو ساعتين، وأنت متشاغلة لاهية، وأفكارك تجوب المزارع والغابات، ولكن قد آن أن تنظري في المستقبل، وحان وقت التفكير في الزواج، وقد سبق أن رفضت ميرون.
بارتينيا :
لأنه عجوز ، أبيض الشعر، خشن المعاملة.
أكتيا :
وإيفاندور؟
بارتينيا :
إيفاندور؟ هاها! لأنه سيئ المنظر، خبيث المخبر.
أكتيا :
آه يا جاهلة! ألا تعلمين أنك ترفضين النعمة بهذا الجهل؟ ولكن ستأسفين في المستقبل حين لا يجدي الأسف؛ لأنك مغرورة في نفسك مخدوعة.
بارتينيا :
إني لا أزال فتاة صغيرة يا أمي، فرحة مسرورة، وأنت وأبي تحباني، فماذا أريد أكثر من ذلك (تضمها أمها إلى صدرها)!
أكتيا :
إننا نحبك يا ابنتي حبا جما، ولكنك لا تحبيننا.
بارتينيا :
أنا يا أمي؟!
أكتيا :
نعم، وإلا فاتركي لي ولأبيك الحرية في اختيار زوج لك.
بارتينيا :
لا، لا يا أمي، لا تختارا بوليدور.
أكتيا :
ماذا تريدين؟ أتنتظرين زوجا من آلهة السماء؟! تكلمي، ماذا تنتظرين؟
بارتينيا (بعد فترة سكوت) :
ماذا أنتظر؟ اسمعي يا أمي، لقد كنت تغنين لي وأنا طفلة صغيرة أغاني الحب وأناشيد المحبين، فكنت أسألك ما هو الحب يا أمي؟ فتقولين لي: إنه عاطفة تتملك القلب الخالي، تبتدئ ضعيفة ثم تقوى شيئا فشيئا، إلى أن تتغلب على النفس والروح، فتملأهما آمالا وسرورا، ويهتف إله الحب بهذه الروح الفرحة: إنك مقيمة أيتها المحبوبة في قلب ذلك المحب، فعيشي معه، وموتي معه! فعندما تقدم لخطوبتي ميرون وإيفاندور، سألت قلبي هل يحب أحدهما، فلم يجيبني بحرف. ولذلك فإني يا أمي منتظرة صوت قلبي.
أكتيا (على حده) :
يا للآلهة! نطلق لألسنتنا العنان، ولا ندري أن آذان أبنائنا تلتقط ما نقول. (لابنتها)
تالله إنك لجاهلة حقا! أهذا هو ما تنتظرين؟ إذن فاعلمي أن كل ما كنت أقوله لك لم يكن إلا أحاديث خرافة، وقصصا كاذبة، ولا تنسي أن التوفيق لا يسعدك بعد اليوم بخطيب مثل بوليدور الغني الشريف!
بارتينيا :
الشريف؟! لو كان شريفا لما انتهز فرصة احتياج أبي وشدة عوزه، فيأخذ منه الأسلحة والدروع بأبخس الأثمان!
أكتيا :
هذه أمور لا تفهمينها أنت؛ لأن بوليدور تاجر دقيق حريص، ففكري في الأمر ووافقي عليه، ولو إكراما لخاطري يا ابنتي.
بارتينيا :
كفى يا أمي، فإني قد عولت على عدم الخروج إلى الأحراش والغابات مثل سائر البنات أمثالي ، وسأتفرغ للغزل والكد في العمل، مطيعة أوامرك في كل شيء، إلا مسألة بوليدور؛ لأني لا أريد بالمرة، أبدا.
أكتيا :
أبدا؟!
بارتينيا :
ولماذا تغضبين؟
أكتيا :
أوليس لي حق في هذا الغضب وأنت ترين أبويك الآن قد كبرا، وأصبحا في حاجة إلى الراحة؟ فأبوك يقضي طول يومه في المزرعة، تكويه الشمس المحرقة، ويرهقه النصب والتعب، ويقضي طول ليله في المصنع، بين السندان والمطرقة، يصنع من الحديد سيوفا ودروعا، ليحملها في غده إلى الأسواق المجاورة، وهي حمل ثقيل ينوء تحته؛ على أمل أن يربح فيها قليلا، نقتات به؟
بارتينيا :
مسكين يا أبتاه!
أكتيا :
مسكين؟! إنه مسكين جدا، يحمل بضائعه على ظهره في الجبال والوهاد، تارة صاعدا ومرة نازلا، تهب في وجهه الرياح والعواصف، وربما يقع في أيدي القبائل المتوحشة، فيسلبوا متاعه أو يؤذوه أو يقتلوه.
بارتينيا :
أماه! أماه!
أكتيا :
فأفكر في كل ذلك وأبكي؛ لأنه يحبك بل ويموت في سبيل هنائك، مضحيا نفسه لأجلك، وفي إمكانك إنقاذه مما هو فيه من الشقاء والتعب، وأن تكفكفي دموعي، وتسعدينا في شيخوختنا، ولكنك لا تريدين! فاذهبي عني أيتها العاقة، اذهبي يا ناكرة الجميل! اذهبي يا من لا تحبين إلا نفسك (تتركها وتذهب إلى المنزل).
بارتينيا (وحدها) :
ناكرة الجميل! كلا! عاقة لأبي، وهو لأجلي يجد نهاره وليله، ولأجلي يحمل حمله الثقيل، في الجبال الوعرة، والمضايق الصعبة، يفري جسمه البرد والعواصف! كلا كلا! لست جاحدة فضلك يا أبتاه، وسأظهر لأمي خطأ ظنها في. ولكن ماذا أفعل؟ هل أرتبط بالزواج مع ذلك الشيخ البخيل؟ آه، لا بد من ذلك! فالوداع أيتها الأحلام الجميلة، ووداعا أيها المستقبل الباسم (تفكر قليلا)
ما الحب إلا خيالا موهوما، بلى هو حلم. وما الحياة إلا طيفا نجهل منها الغد، ولا نعرف منها إلا اليوم والأمس! وها أنا الآن أفيق من سكرة الآمال لأقوم بالواجب علي! فالوداع يا أحلام الصبا والشباب، ما دام أبي سيستريح، نعم سيرتاح من كده وتعبه. ولكن (تنظر إلى الخارج)
من هذا القادم؟ إنه بوليدور، إذن فلأهرب! كلا، بل أبقى لأساوم على سعادتي ما دام لا مفر من بيعها. أراه صورة مجسمة من الكبرياء وسوء الخلق والحرص، ولكني مرغمة على زواجه. آه يا ربي (تتقدم نحو عجلة الغزل وتجلس إلى العمل). (يدخل بوليدور من اليسار.)
بوليدور (لنفسه) :
حقا لا بد لي من الزواج؛ إذ لا أستطيع الحياة بلا زوجة.
بارتينيا (على حدة) :
ما أثقل ظله! كأنه يحمل الدنيا على رأسه.
بوليدور (على حدة) :
لا أجد امرأة مثل زوجتي المتوفاة؛ لأنها كانت نشطة في عملها حريصة على مالي، فهل يا ترى تستطيع ابنة صانع الأسلحة أن تقوم مقامها؟ (يلتفت فيراها)
آه! ها هي وحدها، حقا إنها جميلة (يتقدم إليها)
أسعد الله صباحك أيتها الفتاة الجميلة. صباح الخير!
بارتينيا :
بل قل مساء الخير؛ لأن الشمس قد غربت.
بوليدور :
وهل نكون في المساء، وعيناك الجميلتان تضيئان المكان؟
بارتينيا :
حسبك يا سيدي هذا الثناء، وخير لنا أن نتكلم بصراحة؛ لأني علمت أنك تريد أن تتزوجني .
بوليدور :
نعم نعم، هذه هي الصراحة (لنفسه)
يظهر أنها مغرمة بي، ولقد صدق ظني.
بارتينيا :
أمي هي التي أخبرتني بذلك، ولكني أعجب من وقوع اختيارك علي، ويظهر أنك نسيت خطيبتك الأخرى.
بوليدور :
نسيتها؟! كلا، فإني لست ممن ينسون، ولكن أسبابا أخرى حملتني على اختيار غيرها؛ لأن أولادي ...
بارتينيا :
يا لهم من أيتام مساكين!
بوليدور :
إنهم ليسوا مساكين، بل متعبين جدا، ولكن ليس من الاقتصاد في شيء أن أحضر لهم مربية، وأفضل زوجة وديعة تسوسهم باللين واللطف.
بارتينيا :
نعم، وتكون في وداعة الحمل المسوق إلى المذبح!
بوليدور :
فضلا عن أني كثيرا ما أتغيب عن منزلي في أسفاري إلى الأسواق، ولا يحسن أن أترك عيالي وخزائني وأموالي في حراسة خادم، لكن إذا كانت لي زوجة وفية، فإنها تقوم بهذه الشئون، لا سيما وقد تقدمت في السن، وكثيرا ما ألزم الفراش مريضا ولا أجد من يمرضني ويسقيني الدواء ويناولني الطعام.
بارتينيا (على حدة) :
رويدك يا قلبي.
بوليدور :
وستكونين أنت زوجتي، تحبينني وتعيدين لي قوتي وشبابي.
بارتينيا :
مهلا يا سيدي، وأصغ إلي، أنت تعلم أن أبي يقضي نهاره في المزرعة، ويقضي ليله في المصنع، ثم يحمل بضاعته على ظهره، ويغشى بها الأسواق، ولكنه الآن أصبح كبير السن، وفي حاجة للراحة، فإذا تزوجتك، هل تفكر في أبي المسكين؟
بوليدور :
بالتأكيد، وكيف لا؟ طبعا أفكر فيه.
بارتينيا :
وهل تستطيع أن تعمل له شيئا؟ قل لي ما الذي تستطيعه؟
بوليدور :
بالطبع ستتحسن حاله كثيرا؛ لأنه سيكون حمي، حما بوليدور! بوليدور الغني العظيم الذي ينتهي نسبه إلى الآلهة، فانظري إلى هذا الشرف وفكري فيه.
بارتينيا :
ولكن الشرف وحده لا يشبع ولا يغني من جوع، فما الذي تعمله لأبي؟
بوليدور :
قبل كل شيء ... أشتري منه سلعه بثمن مناسب.
بارتينيا :
بثمن مناسب! هذا فيه صالحك، وماذا أيضا؟
بوليدور :
ماذا أيضا؟! ثم ... ولكن انظري هنا أيتها الفتاة، فإني سآخذك من غير مهر، سآخذك كما أنت، من غير مهر!
بارتينيا :
ولكن ما الذي تعمله من أجل أبي؟
بوليدور :
ألا يكفيك ذلك؟ إني أراه كثيرا، بل كثيرا جدا!
بارتينيا :
ولا تزيد عليه شيئا؟
بوليدور :
أزيد شيئا، هذا كثير جدا!
بارتينيا :
أقسم بجميع الآلهة، إن هذا فضل منك عظيم، فأسعد الله مساءك يا سيدي (تتظاهر بالخروج).
بوليدور :
ماذا؟ أتذهبين؟ يجب أن تجيبي.
بارتينيا (تقف) :
إذا كان لا بد من الجواب، فاسمع: خيرا لك أن تستحضر مربية لأولادك، بأي أجر تريد، ومتى تريد، وأن تشتري لك عبدا يحرس منزلك، وأقفالا لأبوابك، وإذا مرضت، فاشتر دواءك بنفسك، واشربه بنفسك. واعلم أني لا أكره شيئا في الدنيا مثلما أكرهك، وهذا هو جوابي لك أيها البخيل الحريص، الذي لا قلب له، فسلاما عليك يا نسل الآلة! (تدخل منزلها).
بوليدور (وهو ينظر إليها مبهوتا وهي خارجة) :
ما هذا؟ هل سمعت حقا؟ أترفضني وأنا بوليدور، صاحب الأموال الطائلة؟ ابنة الرجل الحقير، صانع الأسلحة، تحتقرني أنا الغني العظيم، نسل الآلهة؟ تحتقرني كأني أحد زملاء أبيها؟ تحتقرني وتهزأ بي، وتقول لي إنها لا تكره شيئا في الدنيا مثلما تكرهني! إذن لا بد من الانتقام! ولكن بأي الوسائل؟ لا أرى خيرا من أن أرفض مشترى أسلحته، إنما أشتري ديونه كلها، وأطالبه بها وهو لا يملك شيئا، فأرفع أمره إلى القضاء، فيصبح أسيري، هو وابنته الفاجرة، فأخرجهما من الدار، بل ومن المدينة كلها! نعم لا بد من ذلك، ولن يهدأ لي بال حتى أنتقم منه، وأشفي الغليل. (يدخل ليكون من اليسار.)
ليكون :
نعم أظن أن هذا هو المنزل؛ لأنه قال لي: سر في الشارع العمومي إلى أن تصل إلى البوابة، فتجد منزلي على مقربة منها إلى اليمين. (يذهب على باب البيت المجاور لباب منزل ميرون ويقرعه)
افتحوا! افتحوا فإني أحمل لكم أسوأ الأخبار، ومهما ثقلت آذانكم، فلا بد من سماع أخباري المحزنة.
بوليدور (على حدة) :
آه! ماذا يريد هذا الرجل؟ (تخرج تيانو من منزلها الذي يدق عليه ليكون.)
تيانو :
ماذا تريد يا رجل؟ تكلم!
ليكون :
هل أنت زوجة ميرون؟
تيانو :
صانع الأسلحة؟ كلا، وزوجي توفي من زمن بعيد.
ليكون :
إذن فاشكري الآلهة؛ لأن الموت خير من الوقوع في الأسر.
تيانو :
آه! من هو؟ ماذا؟ أتتكلم عن ميرون؟
ليكون :
نعم، فقد وقع في أسر القبائل المتوحشة.
بوليدور (على حدة) :
أسره المتوحشون! هذه أخبار سارة.
تيانو :
ميرون أسير؟
ليكون :
نعم، وقد رأيته بعيني رأسي.
تيانو :
يا للآلهة! ميرون! (يدخل نيوكليس وإلفينور وأمينتاس وغيرهم من أهالي ماسيليا وذلك من البوابة.)
تيانو (متممة) :
ها قد أقبل أصحابه.
نيوكليس :
ما هذه الضوضاء؟
تيانو :
إلفينور، نيوكليس، إن هذا الرجل يقول إن ميرون وقع أسيرا في أيدي القبائل المتوحشة.
نيوكليس :
كيف! أتقولين حقا؟
إلفينور :
وكيف حدث ذلك؟ قل لنا يا رجل.
ليكون :
بينما كنت على الشاطئ من جهة الغابة، أبحث عن مكان صالح، أربط فيه قارب صيدي، إذ رأيت في الغابة رجلا يحمل حملا ثقيلا على ظهره، ثم وضع حمله على الأرض وجلس ليستريح بجانبه، وما أشعر إلا بأصوات خارجة من الغابة، كأنها أصوات الذئاب الضارية. (تخرج أكتيا من منزلها بدون أن تلتفت إلى الموجودين.)
أكتيا :
ها هي قد تركت عجلة الغزل بدون أن تعمل شيئا (تلتفت فترى جيرانها)
آه ما هذا؟
ليكون (متمما حديثه) :
فإذا هم جماعة من المتوحشين، فهجموا عليه وهم يصخبون ويلعنون فسلبوا ما كان معه ثم سألوه عن اسمه، ولما قال لهم إنه صانع أسلحة في ماسيليا، صاحوا صيحة الفرح والنصر وأخذوه معهم، بعد أن أوثقوه بالحبال.
أكتيا :
صانع أسلحة! أوثقوه وأخذوه معهم! قل لي يا رجل من هو ذلك النفس؟ تكلم!
ليكون (مشيرا بيده إلى الجماعة) :
أهذه زوجة ميرون؟
أكتيا :
نعم زوجته! إذن فهو زوجي ميرون؟ تكلم، لا لا! إنه ليس ميرون فقل لي الحقيقة بسرعة.
ليكون (بعد السكوت برهة) :
زوجك ميرون أسره المتوحشون.
أكتيا (صارخة جازعة) :
وا ويلاه (ثم تسقط على الأرض فاقدة الصواب) .
نيوكليس :
لقد خارت قواها وأغشي عليها.
إلفينور :
سقطت على الأرض.
تيانو (آخذة بيدها) :
ساعدوني! ساعدوني! احملوها إلى منزلها (يحملونها إلى داخل المنزل) .
أمينتاس :
وهل أولئك المتوحشون من الجبال؟
ليكون :
نعم، وهم الذين خرجوا من جبالهم منذ ثلاثة أسابيع رغما عما بيننا وبينهم من المعاهدات، فخربوا المزارع والحقول وسرقوا الماشية واغتصبوا الأغنام، وقطعوا الطرق على المسافرين، وها هم الآن يأسرون ميرون المسكين.
بارتينيا (خارجة من المنزل بسرعة) :
أين الرجل الذي يحمل هذه الأخبار المزعجة؟ تكلم! هل هو أبي؟ أهذا صحيح؟ وهل رأيته بنفسك؟
ليكون :
لم يكن بيني وبينه أكثر من عشر خطوات.
بارتينيا :
وهربت بينما أسره المتوحشون؟
ليكون :
لقد اختفيت خلف الأشجار الضخمة ولم أجسر على الإتيان بأية حركة إلى أن انتهت المسألة فنجوت بنفسي. ولكن الرجل لمحني فقال لي: «أنا ميرون من ماسيليا، أنا صانع الأسلحة، فبحق الآلهة إلا ما ذهبت إلى امرأتي وابنتي، ورجوتهما في استحضار فديتي.» وعند ذلك قال لي أحد المتوحشين، وهم يسحبون أباك المسكين: «إن فديته ثلاثون أوقية من الفضة.» ثم اختفوا به في الجبال.
بارتينيا :
إذن فهو الآن أسير. قفي أيتها الدموع، وتحمل ألم المصاب يا قلبي (إلى ليكون)
أتقول إنهم أخذوه إلى الجبال وإنهم يطلبون فديته! بيتنا ومزارعنا وكل ما نمتلك مرهون فنحن لا نمتلك شيئا ولكن هنا أصدقاؤه وأصحابه (موجهة الحديث إلى كل منهم )
نيوكليس! ألا تساعده! وأنت يا أمينتاس، أنت يا رفيق صباه، أنت يا من شاركته في لهو الطفولة والشباب، وشقاء الهرم والكبر، إنك لتفتديه، وإنك على ذلك لقدير. تكلموا، تكلموا أيها الأصدقاء قولوا نعم، أقرضونا الفدية!
أمينتاس :
أنا؟ ثلاثين أوقية من الفضة؟ ليتني أمتلك هذا القدر لعيالي.
نيوكليس :
إن ثروتي كلها على متن البحار، ومن ذا الذي يأمن العواصف والأمواج؟
بوليدور :
آهاه!
بارتينيا (إلى نيوكليس) :
ارحمه ترحمك الآلهة وتعد إليك مراكبك سالمة! ارحموه ترحموا وترحم أبناؤكم! أنقذوه أيها الناس! ألا فلتغسل دموعي أحزان أمي.
نيوكليس :
لا أستطيع مساعدته.
بارتينيا :
وأنت يا أمينتاس؟
أمينتاس :
لا أستطيع.
بارتينيا :
يا للصداقة! إنها ليست إلا حديث خرافة، فيا لأبي المسكين! (يسمع صوت حاجب حاكم المدينة في الخارج.)
الحاجب (في الخارج) :
أفسحوا الطريق لسمو الحاكم! أفسحوا الطريق!
بارتينيا :
آه، الحاكم لقد نجوت يا أبي؛ فإن ماسيليا تحمي أبناءها. (يدخل حاجب الحاكم من اليسار، يتقدم الحاكم وحاشيته .)
الحاجب :
أفسحوا الطريق لسمو الحاكم.
بارتينيا (راكعة على قدمي الحاكم) :
النجدة يا مولاي النجدة!
الحاكم :
تكلمي يا فتاة، لماذا تطلبين منا النجدة؟
بارتينيا :
أنقذه يا مولاي! ميرون صانع الأسلحة، أبي يا مولاي، أخذه المتوحشون إلى الجبال. أنقذه من الأسر يا مولاي، أنقذه من العبودية!
الحاكم :
أحد رعايانا في الخطر، وماذا تريدين منا؟
بارتينيا :
دق الطبول يا مولاي، لتهب المدينة إلى السلاح فتسترد ماسيليا ببطشها أحد أبنائها الأبرار وتنقذه من أسر السفاحين، وتعيده إلى بيته حرا مرة أخرى.
الحاكم :
هذا لا يمكن يا فتاة؛ لأن القانون الأساسي المعمول به منذ نشأة ماسيليا وعقب حروبها مع سكان الشواطئ، يقضي على الأفراد بحماية أنفسهم ما داموا قد تجاوزوا الحدود، وليس علينا حمايتهم إلا إلى مرمى ظلال الأسوار. وأبوك قد تجاوز مرمى تلك الظلال؛ وبذلك خالف القانون، فلا سبيل لنا إلى إنقاذه أو إلى محاباته.
بارتينيا :
لا أطلب المحاباة يا مولاي بل أريد العدالة والحق! أليست ماسيليا الآن قوية عظيمة، يمتد سلطانها إلى أبعد من مرمى ظلال أسوارها؟ وها أحد أبنائها الآن في الخطر فيجب عليها أن تنقذه، فانقذه يا مولاي الحاكم!
الحاكم :
لا نستطيع، واعلمي أنه لو اهتز حجر واحد في بنيان العدل، سقط البنيان كله على الأثر؛ ولذلك فليس في الإمكان مساعدته (يهم بالذهاب) .
بارتينيا (تركع على ركبتيها أمامه) :
ارحمه يا مولاي!
الحاكم :
إنما الرحمة قاصرة على الآلهة في السماء، أما هنا في الأرض فلا نملك إلا العدل، وليس من العدل أن نضحي مصلحة الجميع لأجل مصلحة الفرد، فأفسحي الطريق!
الحاجب :
أفسحوا الطريق لسمو الحاكم. (يخرج الحاجب والحاكم والحاشية من اليمين.)
بارتينيا (خلفهم) :
الرحمة الرحمة! وا أسفاه! ليس من يشفق علي أو يصغي إلي، بل كلهم يولون عني ويتركوني في حزني! فأين منك الرحمة أيتها الآلهة (تركع على ركبتيها وتخفي وجهها في يديها) !
بوليدور (على حده وهو يفرك يديه) :
لا أستطيع المساعدة! إني أحبكم من صميم قلبي يا عباد الذهب؛ لأنكم قلتم حقا. لا أستطيع المساعدة، هذا صحيح. لقد ذهبوا كلهم وتخلوا عنها، وأتى الآن دوري.
بارتينيا (ترفع رأسها وتتلفت حولها) :
لا بد أن أحصل على المساعدة بأية وسيلة كانت، وها هو بوليدور، إذن فلأضحي نفسي لأنقذ أبي.
بوليدور :
إن بوليدور ليس بعيدا عنك، فماذا تريدين؟
بارتينيا :
ها أنا ذا يا سيدي راكعة على قدميك، باكية وضارعة إليك.
بوليدور :
آه، انظري الآن! هل تتواضعين إلى هذا الحد؟
بارتينيا :
تناس يا سيدي كل شيء، سامحني، رد علي أبي، فأكون زوجتك بل خادمتك وأمتك.
بوليدور :
أصحيح ما تقولين؟
بارتينيا :
أحرص على خدمة بيتك ومتاعك، وأسليك في شيخوختك وأربي لك أبناءك.
بوليدور :
أتفعلين كل ذلك؟
بارتينيا :
نعم يا سيدي وأكثر منه، فادفع الفدية ورد علي أبي.
بوليدور :
إذن فأنت تطلبين ثلاثين أوقية من الفضة؟ لا لا، هذا كثير، لا سيما وأني رجل أتبع نصح الناصحين، ولقد أشرت علي منذ برهة بأن أستأجر مربية لأبنائي، وأن أكتفي في حراسة منزلي بأقفال لأبوابي، وإذا مرضت فأشتري الدواء بنفسي. أليس هذا ما كنت تقولين؟ إنها لنصيحة طيبة حقا، والآن فإني أنصحك نصيحة مثلها، فأنقذي أباك بنفسك وابحثي عنه في تلك الجبال، واستعملي فصاحتك مع أولئك المتوحشين، لعلهم يقدرونها بثلاثين أوقية من الفضة تفتدين بها أباك، هاهاها! لقد احتقرت بوليدور، والآن أنتقم منك لهذا الاحتقار، فإلى الملتقى، هاهاها (يخرج من الشمال) .
بارتينيا (بعد فترة من السكوت والتفكير) :
ما هذه الفكرة التي تغلبت على قلبي اليائس! حقا إنها لوحي الآلهة! فهيا هيا؛ لأن الليل بدأ يخيم على الكون، وقد آن لي وقت العمل، ولكن ماذا يحل بأمي المسكينة. (تنادي)
تيانو، تيانو (تخرج تيانو من منزلها)
ماذا حل بأمي؟
تيانو :
غلب عليها الحزن فنامت.
بارتينيا :
تيانو، إني أترك أمي في رعايتك؛ لأني ذاهبة إلى الجبال.
تيانو :
الآن؟ وفي هذا الليل؟
بارتينيا :
نعم، فالوداع يا تيانو!
تيانو :
ماذا تقولين؟ أتذهبين وحدك؟
بارتينيا :
إن الله معي (تجري بسرعة) .
تيانو :
بارتينيا اسمعي!
بارتينيا :
كلا كلا.
الفصل الثاني
(في الجبال السفين
L Cevenne ، غابة كثيفة الأشجار وإلى ناحية منها حيث تقل الأشجار ترى الصخور الجبلية. إلى خلف المسرح نار بين متقدة ومنطفئة، وجمع من المتوحشين لابسين جلودا ونائمين حول النار، وعلى مقربة منهم دروع منثورة وخوذات وحراب ... إلخ، ووراء هؤلاء بعض خيام من الجلد.) (على مقربة من المتفرجين وإلى يمين المسرح يجلس أمبيفار ونوفيو وترينوبانتيس ومعهم نرد يلعبون به وبجوارهم صخرة ضخمة. أنجومار يرى نائما تحت ظل شجرة أسند إليها سيفه ودرعه.)
أمبيفار :
رمية أخرى.
ترينوبانتيس :
تبا لك! هذا هو الحظ بعينه.
نوفيو :
دوري الآن.
أمبيفار :
وعلام تلعب؟
نوفيو :
عندي مهر أسود عمره سنتان، يسابق الريح عدوا، فأضعه في الرهان.
أمبيفار :
فليكن! وأنا أضع كبشين في هذا الرهان. (بينما هم يقامرون، يدخل أحد المتوحشين يسوق أمامه ميرون حاملا حملا ثقيلا من الأحطاب والأخشاب، وذلك من الشمال.)
المتوحش (إلى ميرون) :
ضع الحمل أيها العبد الرقيق، وكسر الخشب قطعا صغيرة لنوقده في المساء، خذ البلطة (يناوله البلطة)
أسرع (يخرج المتوحش من الشمال ويجلس ميرون يكسر الخشب).
ميرون (لنفسه) :
يخيل لي أن كل ما حدث لم يكن إلا حلما! فيا لشقائك يا ميرون! يا للتعاسة! أنا، أنا! يا للآلهة! أأصبح عبدا رقيقا لهؤلاء البرابرة المتوحشين! وبالأمس فقط كنت ابن ماسيليا الحر الطليق! كنت زوجا وأبا، وها أنا الآن تعس أسير!
نوفيو (إلى ميرون) :
أريد أن أشرب أيها العبد الزنيم!
أمبيفار :
انتهى الدور، وكسبت الرهان!
ترينوبانتيس :
عشرة!
نوفيو :
قسما بالرعود والبروق!
ميرون (على حدة) :
وا أسفاه! إن كل سلعتي وبضاعتي لا يكفي لدفع الفدية وإطلاقي من الأسر، ولو كنت شابا قوي العضلات لحاولت الهرب، ولكني ذلك الشيخ الهرم، الذي أحنت السنون ظهره، وأنهكت قوته، فلا أمل لي في النجاة، ولا أمل في الهرب!
نوفيو (إلى ميرون وهو يهدده بقبضة يده) :
أيها العبد! ألا تسمع؟ قلت لك أريد أن أشرب! وإلا استخلصت أذنيك من جمجمتك! هات الشراب!
ميرون (يذهب بها إليه) :
ها هو الشراب يا سيدي.
أمبيفار :
مرة أخرى! ما هذا يا ترينوبانتيس؟
ترينوبانتيس :
هذا درعي في الرهان.
أمبيفار :
وأنا أضع سيفي وحزامي! هل رضيت؟
ترينوبانتيس :
نعم رضيت.
ميرون (على حده) :
ألا يدفعون فديتي! ارحميني أيتها الآلهة، ورديني إلى بيتي مرة أخرى، وليكن موتي في وطني، وبين ذراعي ابنتي العزيزة!
أنجومار (وهو نائم) :
اقتفوا أثرهم! أسرعوا خلفهم! اقتلوهم (يصحو من نومه)
ما هذا! لعلي كنت أحلم؛ إذ رأيت كأني جريح، والقتال محتدم، ثم انتصرنا أخيرا، فولى العدو لا يلوي على شيء، وغنمنا الغنائم، أما الأسرى فلا يحصى عددهم! كل ذلك رأيته في نومي، إذن فلأنم!
ترينوبانتيس :
لقد خسرت! وحسبي ما خسرته اليوم.
أمبيفار :
ألا تلعب مرة أخرى؟
سامو :
لقد حان وقت الغداء.
أمبيفار :
هلم إلى اللعب، فالدور لي.
نوفيو (ينهض) :
كلا، بل لي أنا.
أمبيفار (ينهض) :
أنت كاذب!
نوفيو (يقبض عليه من عنقه) :
غششتني أيها الكلب!
أمبيفار (يرفع بلطة فوق رأس نوفيو) :
كلب! إن الكلاب تعض يا نوفيو (يحاول أن يضربه بالبلطة فيدفع نوفيو الضربة ويمسكان ببعضهما، يحاول نوفيو أخذ البلطة من أمبيفار وهذا يحاول الاحتفاظ بها).
أنجومار (ينهض بعزم) :
ما الذي أرى؟!
نوفيو (إلى أمبيفار) :
أيها السفاح!
أنجومار (يفرق بينهما) :
اتركه يا وغد!
نوفيو :
من ذا الذي يجسر (يفترقان).
أنجومار :
أنا ! أتجرأ على مخالفتي؟ هل أنت الزعيم! افترقا بأمري!
نوفيو :
صبرا صبرا!
أمبيفار (وهو يهز بلطته في بيده) :
فلا بد أن أخضبها بدمك.
أنجومار (يخطف البلطة من يده) :
قف قلت لك! وإلا قتلتك شر قتلة! انصرفوا الآن، اذهب يا نوفيو وأبحث عن ألستور. وأنت يا أمبيفار (إلى أمبيفار)
خذ بلطتك، وكسر لنا خشبا لوقود المساء! هلموا الآن!
أمبيفار (لنفسه) :
لا بأس! وستأتي ساعة الأخذ بالثأر.
أنجومار :
أمبيفار، جهز لنا الطعام! وأنت يا سامو، هات الأغنام من المرعى! اخرجوا جميعا (يخرجون من أبواب متفرقة)
أيعصونني أنا! زعيمهم وابن زعيمهم! قسما بالبروق والرعود لأعلمنهن الأدب أجمعين (إلى ميرون)
من هذا؟ تعال هنا أيها الرقيق، ناولني الشراب (يذهب إليه ميرون حاملا آنية الشراب فيأخذها أنجومار ويشرب)
حقا إنه لشراب منعش! سلني الآن أيها الرقيق (يرتمي على الصخور) .
ميرون :
أنا؟
أنجومار :
ما اسمك يا رجل؟
ميرون :
اسمي ميرون يا سيدي!
أنجومار (هادئا) : «اسمي ميرون يا سيدي» هاها! ليس هذا بصوت رجل! تكلم، من أنت؟
ميرون :
وا أسفاه وا أسفاه (يبكي).
أنجومار :
ما الذي يبكيك أيها الغبي؟ ماذا يؤلمك؟ وما الذي ينقصك؟ فأنت هنا تأكل وتشرب، وتنام على الأعشاب الناعمة؟ وسنجعلك تشتغل لنا هنا كما كنت تشتغل في بلدك، فماذا ينقصك من أسباب الهناء؟
ميرون :
أولا ترى أن فقد الحرية، يستدعي البكاء؟
أنجومار :
أية حرية أيها الغبي الجاهل؟ إنك تضحكني! وهل كنت حرا حتى تدعي أننا سلبنا حريتك؟ ألا ترى أنك في أسر الشيخوخة والهرم من قبل؟ إنما الحرية هي القوة، والقوة هي الشباب، فالشباب إذن هو الحرية!
ميرون :
إني هنا أسير، مسلوب الحرية.
أنجومار :
غبي! ما الذي يعرف عن الحرية؟ إنما الحرية هنا في الهواء الطلق، في الغابات مقرها، وفي الصخور مستقرها. هي الصيد والقنص، هي القتال والنزال، هي الأخطار والأهوال. هذه هي الحرية التي تجعل الدماء تجري في العروق كالأنهار الملتهبة، وتجعل القلوب تشتعل نارا، هذه هي الحرية وهي السعادة، وهي لذة الحياة. أما مدينتكم، تلك المدينة المحصورة بأسوارها، فليست إلا غارا مظلما وسجنا دامسا، وليست الحياة فيها إلا نكدا وغما!
ميرون :
ولكني هناك ولدت وفيها نشأت! هنالك العدل يا سيدي، والقانون والنظام. هنالك زوجتي وابنتي، وهما أعز ما أمتلك على ظهر الأرض. فيا لزوجتي ويا لابنتي!
أنجومار :
إنك لشيخ جاهل! ماذا؟ أتبكي أيضا! أتبكي لأجل النساء؟! إنك لامرأة! ما النساء إلا ألاعيب لا عقل لها، خلقت لتحمل وتضع وتخدم؛ خلقت لتأكل وتشرب؛ خلقت لترعى الماشية، وترضع الأطفال؛ خلقت لتزين شعرها، وترى وجهها في مياه الغدران الصافية! ولو كنت من الآلهة، لما خلقت امرأة! وها أنت تبكي كالنساء، فاغرب عن عيني! اذهب من أمامي أيها الشيخ الطفل!
ميرون :
أراك غاضبا يا سيدي، ولكنك لو كنت أسيرا مثلي ...
أنجومار :
أنا؟ أنا أكون أسيرا! إن أنجومار لا يؤسر، حتى يرفع إلى مصاف الآلهة (يسمع صوت بوق)
صه! فإني أسمع بوق ألستور (يذهب ميرون إلى ناحية)
ها هم أقبلوا (يدخل نوفيو من الشمال)
هل وصلوا؟ تكلم!
نوفيو :
نعم، وقد تركتهم في بطن الوادي، يقودهم ألستور، وهو يتسلق الصخور، ها هو قد أقبل (يدخل ألستور من الخلف ويدخل المتوحشون من أبواب متفرقة ويلتفون حول أنجومار) .
أنجومار :
كيف الحال يا ألستور؟ ما وراءك من الأخبار، وأين الغنائم؟
ألستور :
لا شيء. وقد عدت صفر اليدين.
أنجومار :
أتقول حقا؟ إن أهالي مدينة أفنا يرسلون قطعانهم إلى المراعي كل عام، فهل لم تلتقوا بهم؟
ألستور :
لم نلتق بحافر قط.
أنجومار :
أخبارك سيئة كعادتك!
ألستور :
لا شيء (بعضهم يضحك وبعضهم يزمجر)
ومع ذلك فقد غنمت شيئا، وهو فتاة جميلة.
نوفيو :
ماذا؟ امرأة! وهل نحن في حاجة إلى النساء؟
أنجومار :
فتاة؟
ألستور :
نعم، وقد سلمت نفسها إلينا، بينما كنا مختفين في الغابة خلف الأشجار نرتقب قطعان الأغنام، فتقدمت إلينا بقدم ثابتة عندما سمعت صوتنا غير مكترثة لوعورة المسالك ولا للشمس المحرقة، فخرجنا عليها وقد هرب الغلام الذي كان يرشدها، فدفعت حرابنا بيدها العادية وهي تصيح فينا: «إني أبحث عنكم!»
أنجومار :
إنها لفتاة شجاعة باسلة!
نوفيو :
وماذا عملتم أنتم؟
ألستور :
ضحكنا، وقلنا لها: ها نحن الذين تبحثين عنا، فأنت الآن غنيمتنا. فتخلصت من قبضتنا وهي تصيح فينا: كلا كلا! لست غنيمتكم، بل أتيت لأدفع فدية أسيركم، فسيروا بي إلى حيث يوجد زعيمكم.
ميرون (لنفسه وهو يتقدم) :
إذن فقد أتت لتدفع فديتي!
أنجومار :
ما دام الأمر كما تقول، فهي إذن صادقة، ولعمري إنها لقوية القلب.
ألستور :
وعندما قالت ذلك أطلقنا سراحها لنأتي بها إليك يا أنجومار، فتقدمتنا بأقدام ثابتة سريعة، فكأنها الزعيم ونحن الأتباع.
ترينوبانتيس :
إنها لجريئة حقا.
أنجومار :
ولأي الأسرى أتت تحمل الفدية؟
ألستور :
لميرون من ماسيليا.
أنجومار :
لذلك الشيخ الذي يبكي بكاء النساء!
ميرون :
لقد افتدتني وردت علي حريتي (إلى ألستور)
أوليست لامعة الشعر، براقة العينين، كأنها الظبية في رشاقتها، وكلامها يكاد يكون غريدا؟ قل لي يا سيدي: أليست هي ابنتي؟! (تدخل بارتينيا من الشمال وحولها جملة من المتوحشين.)
ألستور :
ها هي قد أقبلت.
ميرون (مندفعا نحوها) :
بارتينيا، ابنتي، عزيزتي بارتينيا! يا للآلهة! أكاد أجن من شدة الفرح.
بارتينيا (تضمه إلى صدرها) :
أبي العزيز!
أنجومار (ضاحكا) :
ها هو يبكي أيضا!
ألستور :
تقدمي يا فتاة، ها هو أنجومار الذي تبحثين عنه.
أنجومار :
قيل لي يا فتاة إنك أتيت تحملين فدية هذا الرجل، فما الذي جئتنا به؟
بارتينيا :
جئت لك بما هو أثمن من كنوز العالم أجمع، دعوات صالحة من زوجة مخلصة، ومدامع ابنة تحب أباها، وشكر منزل كان خرابا سيصبح عامرا، وبركات الآلهة التي تجازي المحسن على إحسانه ألف مرة. وها أنا ابنة راكعة تحت أقدامك، تضرع إليك أن تطلق سراح أبيها الشيخ، وإنه لرجل هرم لا خير لكم فيه، ولا فائدة لكم منه، ولكن منزله يفتقده، فأطلقه يا سيدي، أطلقه بحق الآلهة!
أنجومار :
أطلقه!
أمبيفار :
أهذه هي الفدية؟
ألستور :
أنطلقه بدون مقابل! لقد خدعتنا الفتاة!
أنجومار :
اسكتوا! يا امرأة، إن أباك غنيمة للقبيلة كلها، ولو كان ملكي وحدي لأطلقت لك سراحه؛ تخلصا من بكائه ودموعه، ولكن إذا كنت تخدعيننا، وتجرئين ...
بارتينيا (ناهضة فجأة) :
حسبك ذلك، لا حاجة للتهديد والوعيد، فقد أخطأت فيك الظن؛ إذ حسبتك ذا قلب يرق ويرحم، فخابت آمالي. والآن فلأتكلم بما فيه صالحكم، أنتم تطلبون فدية، وهو لا يملك شيئا منها، ولكنه يملك قوة وذكاء يستطيع بهما الحصول على فديته إذا سهلتم له السبيل إلى ذلك. أما إذا أبقيتموه في الأسر؛ فإن الحزن يقتله لا محالة، وبعد بضعة أسابيع لا تجدون منه إلا رفاتا وعظاما، فأطلقوا سراحه وهو يشتغل ويكد، وأنا وأمي نشتغل معه، وكل ما نحصل عليه فهو لكم إلى أن نوفيكم حقكم.
أنجومار :
هذا قول معقول، ولكن أين الضمان؟
بارتينيا :
سنترك عندكم ما هو أثمن من حريته وحياته.
أنجومار :
وما ذاك، وهل أحضرته معك؟
بارتينيا :
نعم.
أنجومار :
أرنيه.
بارتينيا :
هو أنا!
ميرون :
إنك لمجنونة يا ابنتي!
أنجومار :
أنت!
بارتينيا :
لو كنت تعلم قيمة ابنته عنده، لما احتقرت الضمان.
ميرون :
كلا هذا لا يكون.
أنجومار :
لم نطلب رأيك! إن هذا لأمر غريب، لا لا! لا نثقل كاهلنا بامرأة.
بارتينيا :
لست عبئا عليكم وسأساعدكم؛ لأن هذه الأيدي الراغبة تعمل ما لا يعمله عشرون أسيرا مسخرا. أظنك لا تعرف فائدتي؛ فأني أغزل وأحيك لكم ملابسكم، وأجهز لكم طعامكم، وأعزف الموسيقى، وأقص قصصا مسلية، وأغني أناشيد مطربة، تسليكم في وقت راحتكم. وفضلا عن ذلك فإني قوية سليمة الجسم والعقل، وما دام قلبي خاليا فإني فرحة مسرورة، فلا تخش شيئا.
أنجومار :
يظهر أنك تقولين حقا، ويلوح أن فيك لنا شيئا من الفائدة، أما أبوك فلا يعرف إلا البكاء والعويل.
بارتينيا :
إذن فاقبل، وأطلق سراحه.
ميرون :
لا لا، إنها مجنونة.
أنجومار :
صه! ماذا تقولون في ذلك أيها الرفاق؟ (يختلي معهم أما ميرون وابنته فيتركان وحدهما بقرب المتفرجين.)
ميرون :
ماذا تريدين أن تفعلي أيتها التعسة؟
بارتينيا :
سيطلق سراحك يا أبي.
ميرون :
ألم يساعدك أحد من أصدقائي؟ ألم يساعدك الحاكم؟
بارتينيا :
كلهم صم بكم، فأتيت إليك وحدي؛ لأكسر أغلال أسرك بيدي.
ميرون :
ليتني مت قبل هذا وما سمعت منه شيئا، وخير لي أن أراك بين مخالب دب، عن أن أتركك بين هؤلاء القوم المتوحشين، وأنت ابنتي وفلذة كبدي (يضمها إلى صدره)
كلا كلا!
بارتينيا :
يجب ذلك يا أبتاه؛ لأن أمي يكاد يقتلها الحزن، فكفكف دموعها بيديك الطاهرتين، أما أنا فلا زلت فتاة صغيرة قوية، أستطيع تحمل الآلام، ولكنها تقتلك قتلا. فبحق الآلهة يا أبت إلا ما ذهبت إلى أمي حرا، وتركتني هنا وحدي!
ميرون :
هنا حيث يتهددك الموت؟ هنا حيث الغطرسة والإهانة والقسوة والشدة، وكلها أمر من الموت؟ لا لا، وخير لي أن هذا الخنجر ...
بارتينيا (تخطف الخنجر من يده) :
أعطنيه يا أبتاه ولا تخف، فإما أن أعيش جديرة بأن أدعى ابنتك، وإما أن أموت به!
أنجومار (وهو يتحادث مع قومه في الخلف) :
فليكن ذلك ولتبق الفتاة.
ترينوبانتيس :
خير لنا أن نبقيهما معا.
أنجومار :
كلا فهذا ينافي الشرف؛ لأنها أتت واثقة بنا، فلا نخيب ظنها فينا (متقدما إليها)
قبلنا اقتراحك يا فتاة، وسنبقيك عندنا ضمانا، أما أبوك فقد أطلقناه حرا.
بارتينيا :
شكرا لك أيتها الآلهة!
ميرون :
لا لا! بل أنا أسيركم، وسأبقى هنا، أما هي فدعوها ترجع.
أنجومار :
من ذا الذي يكترث لقولك؟ اخرج من هنا!
ميرون :
ابنتي ابنتي (يتعلق بها) .
بارتينيا :
اذهب. اذهب يا أبي.
ترينوبانتيس (ماسكا ميرون) :
هلم اخرج من هنا.
بارتينيا :
لا تقبض عليه بهذه القسوة، ها هو يخرج طائعا مختارا. اذهب يا أبي ولا تتردد، اذهب اذهب!
ميرون :
سأعود أيها الأوغاد ولكن لأهلككم أجمعين!
أمبيفار :
اقتلوه!
بارتينيا :
لا لا. لا تقتلوه!
أنجومار :
لا، بل آمركم أن تحرسوه إلى الحدود، وليذهب أحدكم معه.
ميرون (وهو يسحبه أحد المتوحشين) :
الوداع يا بارتينيا، الوداع يا ابنتي (يخرج مع المتوحش من الشمال) .
بارتينيا :
الوداع! لقد ذهب ولن أراه بعد اليوم (تخفي وجهها بيدها وتذهب إلى الخلف وهي تبكي) .
أنجومار (مستندا إلى صخرة وهو ينظر خلف ميرون) :
ها هو يقف ليبكي مرة أخرى! مسكين ذلك الشيخ الجبان! حقا إن الجبن شيء غريب، حتى لأشتهي أن أعرف ما هو الجبن! ولكن أين الفتاة؟ أتبكين أيضا! أهذا هو السرور الذي تفاخرين به؟
بارتينيا :
لأني لن أراه بعد اليوم.
أنجومار :
ماذا ، هل استبدلنا شيخا جاهلا بفتاة منخلعة القلب تبكي؟ حسبي ما شاهدت من دموعه.
بارتينيا :
ما دمت تحتقر الدموع، فلست بباكية قط (تمسح دموعها وتذهب إلى الخلف) .
أنجومار :
لا بأس، إنها لفتاة شجاعة تملك زمام نفسها، وإذا صدقت فيما قالت نكون قد ربحنا من هذه المبادلة ولم نخسر (لنفسه)
قد أحببت الفتاة؛ إذ تقول إنها لن تبكي قط، ولكن ... إلى أين أنت ذاهبة؟
بارتينيا (وهي حاملة آنيتين من أواني الماء) : ... إلى أين ذاهبة؟ إلى النهر؛ لأغسل هذه الأواني.
أنجومار :
لا، بل ابقي معي وحدثيني.
بارتينيا :
عندي واجبات يجب أن أؤديها (متظاهرة بالخروج) .
أنجومار :
قفي! أمرتك أن تقفي أيتها الأسيرة.
بارتينيا :
لست أسيرة بل أنا رهينة، وها أنا ذاهبة لأغسل الأواني (تخرج من الشمال) .
أنجومار :
هذه فتاة قوية الإرادة، «لست أسيرة وإنما رهينة»! «عندي واجبات يجب أن أؤديها»! وتهز رأسها كأنها تحمل ما في الدنيا من الذهب! «لن تراني باكية»! يسرني منها هذا العناد؛ لأني أحب المقاومة، وأعشق حصاني عندما يصهل ويعصاني، وأحب الجبال ما دامت وعرة، والبحر ما دام مضطربا مزبدا، كل هذه تملؤني حياة وسرورا، أما السكينة والكسل، فهما الموت بعينه، وما الحياة إلا في مجالدة الأبطال (تعود بارتينيا بالأواني ومعها باقة من زهور الجبال فتضع الأواني وتجلس بجوار صخرة)
آه ها هي قد عادت (يتقدم نحوها)
ما الذي تفعلين؟
بارتينيا :
أنا؟ أعمل تيجانا.
أنجومار :
تيجانا (لنفسه مسرورا)
يخيل لي أني رأيت هذه الفتاة من قبل في أحلامي؛ لأنها تشبه أخي الذي مات طفلا، فشعرها أسود مثل شعره، وعيناها براقتان كعينيه، حتى صوتها يشبه صوته، وأفضل أن أبقى معها عن النوم وراحة البدن. (لها)
إذن فأنت تسمين ما تصنعين تيجانا؟
بارتينيا :
نعم.
أنجومار :
ولماذا تصنعينها؟
بارتينيا :
لأضعها على هذه الخوذات.
أنجومار :
كيف؟
بارتينيا :
أليس ذلك من عاداتكم؟ إننا في مدينتنا نضع الأزهار على رءوسنا وصدورنا.
أنجومار :
وما فائدة هذا اللهو؟
بارتينيا :
فائدته؟ فائدته أن الأزهار جميلة ورؤيتها تسر العيون ورائحتها تنعش القلوب (تضع تاجا من الزهر على خوذة وتقدمها إلى أنجومار)
ألا تراها جميلة الآن؟
أنجومار :
نعم وأقسم بالشمس الزاهرة! علمي نساءنا صنع هذه التيجان.
بارتينيا :
سأعلمهن، فتصنع لك زوجتك تيجانا مثل هذا.
أنجومار (ضاحكا) :
زوجتي! لا زوجة لي إلا حربتي ودرعي وسيفي؛ لأني لا أحب أن أشتري النساء.
بارتينيا :
تشتري النساء! كيف؟!
أنجومار :
أفي كلامي ما يدعو للعجب؟
بارتينيا :
ما هذا؟ أتساومون على النساء كما تساومون على الأرقاء، أو كما تشترون الماشية والأنعام؟!
أنجومار :
إني أعتقد أن المرأة لا تصلح إلا لتتزوج عبدا، تلك عاداتنا ولكم عوائدكم، فماذا تفعلون في مدينتكم؟
بارتينيا :
هنالك نستشير قلوبنا؛ لأن بنات ماسيليا تلك المدينة الحرة لا تباع النساء ولا تشترى، ولكن يختارهن الأزواج، ولا يشتريهن إلا الحب.
أنجومار :
والحب يربطكم برابطة الزواج؟ وهل يحب نساؤكم أزواجهن؟
بارتينيا :
بالتأكيد، وإلا فلماذا يتزوجن؟
أنجومار :
إذن فهن يتزوجن لأجل الحب! إن هذا لعجيب، لا أستطيع فهمه، فأنا أحب حصاني وكلابي ورفاقي الشجعان، ولا أحب النساء! فماذا تقصدين بالحب؟ وما الحب يا فتاة؟
بارتينيا :
الحب؟ الحب أحلى الأشياء وأجملها، بل هو جنة الدنيا ونعيم الحياة، هذا ما قالته لي أمي؛ لأني لم أكابده ولم أذق له طعما.
أنجومار :
أبدا؟
بارتينيا :
أبدا. انظر إلى هذا التاج، كم هو جميل! لو كنت وجدت زهرة حمراء لوضعتها هنا.
أنجومار :
في تلك الغابة تنبت الأزهار الحمراء.
بارتينيا :
هناك؟ ما أجمل اللون الأحمر! اذهب وأحضر لي شيئا منها.
أنجومار (مندهشا) :
أحضر لك زهرا؟ أيخدم السيد عبده؟! (يحدق فيها النظر فيرتاح إليها بالتدريج، ثم يقول لنفسه)
ولكن لماذا لا أذهب؟ وها الفتاة تعبة؟
بارتينيا :
أراك مترددا.
أنجومار :
سأحضر لك الأزهار غضة يانعة (يخرج من اليمين) .
بارتينيا (ممسكة التاج بيدها) :
إن انتصاري باهر! ولكن ما قيمة هذا النصر بين هؤلاء المتوحشين وحيث لا تشهده أمي فتبسم لي؟ وما أنا هنا إلا وحيدة! ولكن لا، لن أبكي قط؛ حتى لا يقال إني خائفة. (يدخل أنجومار حاملا زهرا أحمر وهو يمشي ببطء إلى بارتينيا.)
أنجومار (على حدة) :
كذلك كان أخي الصغير عندما يريد مني شيئا، يتدلل علي ويصمم على رأيه، فأطيعه راغبا أو مضطرا. وها هي الآن تكلمني بنفس تلك الإرادة وذاك العزم؛ فحلت في قلبي محل أخي (لها)
ها هي الأزهار!
بارتينيا (تأخذ منه الأزهار) :
شكرا لك! ولكنك قطعتها قصيرة العنق (ترمي بعضها) .
أنجومار :
هل أحضر لك غيرها؟
بارتينيا :
كلا، هذا يكفي.
أنجومار :
فلأجلس بجانبك! حدثيني الآن عن مدينتك (يجلس) .
بارتينيا :
لقد جلست على الأزهار فأتلفتها.
أنجومار (ينتقل من مكانه ويجلس عند أقدامها) :
لا بأس لا بأس، فلأجلس هنا إذن. فقولي لي الآن، ما اسمك؟
بارتينيا :
اسمي بارتينيا.
أنجومار :
بارتينيا؟ اسم جميل! أخبريني إذن يا بارتينيا عما تسمينه الحب، وكيف يتسرب إلى القلب؛ لأني أرى هذه الكلمة بعيدة الغور.
بارتينيا :
لست أدري ماذا أقول، ولكن أمي قالت لي: إن الحب هو زهرة غضة، أو هو نظرة تلهب القلب نارا لا تطفئها مياه العالم، تزيدها الأحلام التهابا، ويزيدها التفكير اشتعالا! أو هو نجم زاه من نجوم السماء، يضيء لنا ظلمة الحياة التي نتخبط فيها. أو هو نعمة من نعم الآلهة، خلفوها في الأرض عندما صعدوا إلى السماء، أنفة من الدنيا، وزهدة فيها!
أنجومار :
لم أسمع في حياتي ألذ من هذا القول، ولكني لا أفهمه.
بارتينيا :
ولا أنا؛ لأني لم أشعر به قط. ولكن أمي كانت تغني لي أغنية قديمة في الحب أذكر أنها قالت فيها (متمهلة) :
أسائلها: ما الحب؟ قالت ضحوكة:
أتسألني والقلب أعلم بالسر؟!
فؤادان يضطربان إن ذكر الهوى
وروحان ممتزجان كالماء والخمر
هو الحب لا يدعى ولكنه هدى
يضيء لنا ما أظلم من صحف العمر
هو الكوكب الزاهي المخلد نوره
وهيهات هيهات يفنى خالد الذكر!
فقلت لها ... (تتردد متلعثمة ناسية) .
أنجومار :
تممي تممي!
بارتينيا :
لقد نسيت بقية الأنشودة.
أنجومار :
حاولي أن تتذكريها.
بارتينيا :
لا أستطيع الآن، ولعلي أتذكرها في فرصة أخرى.
أنجومار (بشيء من الحدة) :
بل الآن، الآن!
بارتينيا (تنهض منزعجة) :
ليس الآن؛ لأني أريد أزهارا أخرى لأعمل لي تاجا، وها أنا ذاهبة لأجمع زهرا، فاحرس أنت هذا التاج وهذه الأزهار (ترمي الأزهار والتاج الذي عملته في حجر أنجومار وتخرج تجري مسرعة) .
أنجومار (بعد سكوت برهة وهو يتكلم لنفسه بصوت منخفض) :
فؤادان يضطربان إن ذكر الهوى
وروحان ممتزجان كالماء والخمر
الفصل الثالث
(المنظر كما في الفصل الثاني تماما.) (يدخل ألستور وأمبيفار وترينوبانتيس وسامو وغيرهم من المتوحشين، وذلك من الشمال.)
ترينوبانتيس :
لا بأس يا ألستور، ولكن ماذا قال؟
ألستور :
قال جوابه القديم دائما: انتظر إلى الغد، انتظر إلى الغد!
ترينوبانتيس :
وما فائدة هذا الإرجاء والتأجيل؟ وبقية القبيلة تتعطش إلى القتال ولا تلبث أن تخوض غماره دوننا؛ فنحرم من الأسلاب والغنائم، فلماذا لا ننتخب زعيما آخر؛ لأن أنجومار أصبح كأنه امرأة، يترك صحبتنا فنخرج للصيد وحدنا، وهو جالس على الحشائش متكاسلا، يسمع قصص تلك الفتاة اليونانية وأغانيها! فانتخبوا زعيما غيره، هلموا وأنا أقودكم!
ألستور :
لا لا! لا زعيم إلا أنجومار، إنما يجب أن نبعد عنه هذه الفتاة، فيعود كما كان.
سامو :
ولكنها ملك له.
ترينوبانتيس :
لا ، بل هي ملك للقبيلة كلها، ولكن كيف نبعدها عنه؟
أمبيفار :
نبيعها رقيقة لأحد تجار قرطاجنة، فإني أرى إحدى مراكبهم تلوح على بعد، فهلموا نسير إليها، ونقبض على الفتاة ونبيعها لهم، فنأخذ بدلها خناجر وسيوفا!
ألستور :
اسكتوا! فقد أقبل أنجومار، وسأختبره للمرة الأخيرة، أما أنتم فاذهبوا من هنا (يخرجون جميعا من الشمال ويبقى ألستور وحده فيدخل أنجومار من اليمين) .
أنجومار (وهو داخل متباطئا) :
إلى الخيام إلى الخيام! أما أنا فهنا أقيم! ويلوح لي أني ولدت في هذا المكان، وفيه رأيت ضياء الدنيا لأول مرة، وفيه حملتني الأفكار إلى عالم الخيال! فها هنا أقيم!
ألستور :
ها أنا ذا يا أنجومار، أسألك مرة أخرى: متى نرحل عن هذا المكان؟ ألا تسمعني؟
أنجومار :
أوه! هذا أنت يا ألستور، أتيت لتخبرني أن الأسماك قد سئمت الغدران، وأن الوحوش الضارية انتشرت في الغابات، وأن قطعاننا تكاد لا تجد ما ترعاه.
ألستور :
هو ما تقول، وفضلا عن ذلك، فإن رجال القبيلة يتحفزون للأخذ بثأرنا القديم، من قبيلة أللوبروجي، فهل نتخلف عن أداء هذا الواجب؟
أنجومار :
أنتخلف وأنا فيكم زعيمكم أنجومار؟ هذا لا يكون أبدا! هيا إلى القتال! أين الرجال؟
ألستور :
هنالك في الخيام، ينتظرون منك الأوامر.
أنجومار :
أعطهم عسلا وشرابا بقدر ما تسمح به المئونة المدخرة، ودعهم يأكلوا ويشربوا.
ألستور :
ما هذا، ألا ننهض إلى القتال؟
أنجومار :
سأفكر في ذلك حتى الغد.
ألستور :
إلى الغد مرة أخرى!
أنجومار :
نعم، قلت لك إلى الغد!
ألستور :
أراك قد تغيرت في القول وفي الفعل وفي الأخلاق، حتى أكاد لا أعرفك، وعلى كل حال فسأنتظرك إلى الغد (يخرج من الشمال) .
أنجومار :
صدقت يا ألستور، فإني حقا أكاد لا أعرف نفسي، ولست أدري ما الذي يؤلمني، فكأني مسحور أو محموم، وأفكاري مضطربة خائرة (يستند إلى إحدى الصخور)
التقيت مرة بغزالة وابنتها فرميت الأم بسهم نفذ إلى أحشائها، فخرت صريعة وخضبت دماؤها الوادي، فتقدمت إليها لأحملها على كتفي فأقبلت نحوي الظبية الصغيرة، وهي لا تدري ما حل بأمها، تحملق في بعينين سوداوين كبيرتين ، نظرة ما زلت أذكرها ولا أفهم سرها! وكلما انظر إلى عيني بارتينيا، أتذكر نظرة تلك الغزالة الصغيرة؛ لأن في عيني هذه الفتاة البراقتين يتجلى الكبرياء وعزة النفس (ينتصب بوحشية)
ولكن ما هذا؟ أليس لك يا أنجومار من الشئون ما تفكر فيه إلا عيني هذه الفتاة الأسيرة ونظراتها؟! (يسمع صوت صلصلة سيوف وأصوات عالية)
ما الذي أسمع، لقد سكر القوم، فنفخوا بوق الحرب، وحملوا السلاح لأقودهم إلى النصر والظفر، فابتعدي عني أيتها الخيالات؛ إذ لا رغبة لي في النساء. ولكن ... ولكن بارتينيا ليست كنسائنا لابسات الجلود، وقد لفحت الشمس وجوههن، وتزين بأقبح أنواع الزينة، يلتمسن رضاء أزواجهن بمذلة وخضوع، فهي ... (يسمع أصوات ضجيج وصليل سيوف في الخارج)
أسمع الصياح مرة أخرى، وا أسفاه! وا أسفاه! كأن أوتار قلبي لا يهزها إلا صليل السيوف، إذن فأنا عليل مريض (يرتمي مستندا إلى الصخرة) . (تدخل بارتينيا من الشمال وبيدها سلة صغيرة وتتقدم بدون أن ترى أنجومار.)
بارتينيا :
إن أبي الحنون، وأمي المسكينة، يفكران في الآن، وربما يظنان أني معذبة أتحمل الآلام أو أنني قد مت وانطوى خبري طي السر في الفؤاد، ولكني في الحقيقة أستمتع بنعيم ما كنت لأحلم به بين هؤلاء المتوحشين؛ لأنهم، مع ما هم عليه من الوحشية والخشونة، فإنهم ليسوا قساة غلاظ الأكباد، أما زعيمهم أنجومار، فإنه حنون رقيق الفؤاد، ولو أنه في بعض الأحيان، يقسو علي حتى لا أشك في أنه لا محالة قاتلي (تتلفت حولها)
آه ها هو أنجومار.
أنجومار (ينهض) :
بارتينيا! أين كنت؟
بارتينيا :
كنت في تلك الغابة أجمع بندقا حتى ملأت هذه السلة فهل لك أن ...
أنجومار (مقاطعا) :
لا لا.
بارتينيا :
لا لا! شكرا لك، أظن أنه كان يمكنك أيضا أن ترفض مع الشكر، بدلا من أن تقول لي كلمة «لا» وحدها. ألم تسمع؟ لماذا تحملق في هكذا؟
أنجومار :
ابتعدي عني، اتركيني! أريد البقاء وحدي (تتظاهر بارتينيا بالذهاب)
لا لا. بل امكثي هنا، امكثي معي يا بارتينيا! آه وددت لو كنت رجلا.
بارتينيا :
رجلا!
أنجومار :
نعم، عند ذاك تكونين رفيقي في صيدي، وأخي في قومي، فألازمك كظلك وأحرسك في نومك، وأشاركك في تعبك ونصبك. فكما أن الماء مرآة تعكس ما يتجلى في السماء، وكما ينطبع على صحيفة الغدير الصافي صورة ما ينبت على حافتيه من الزهور اليانعة، كذلك أكون لك، وتكون روحي لروحك، أفرح لفرحك وأحزن لحزنك:
روحان من عالم الأرواح طارا لغاية
وقلبان يضطربان كالفلك في البحر
بارتينيا :
هذه هي الأغنية القديمة التي علمتنيها أمي.
أنجومار :
بل هي الأغنية التي تلتهب في قلبي، وهي البرق الذي يلمع بين السحاب! ألم تقولي لي مرة إن الحب شعلة نار تذكيها نظرة وتزيدها الأحلام اشتعالا؟ إن هذا لصحيح (مشيرا بيده إلى صدره)
لأني أحس كأن هذه النار تضطرم هنا في صدري.
بارتينيا :
ماذا، أهي نار الحب؟
أنجومار :
ألم تقل لك أمك إن الحب نجم زاه يضيء لنا ظلمة الحياة؟ وها أنا أرى ضياء ذلك النجم تلمع جلية واضحة، تضيء ظلمة حياتي.
بارتينيا :
أرى عينيك تلمعان لمعانا غريبا، ووجنتيك تلتهبان التهابا، فيا للآلهة!
أنجومار :
دعي الآلهة مستريحين في السماء، وليسلبوا الأرض النعمة التي نسوها فيها. ألم تقولي لي إن الآلهة عندما هجروا الأرض إلى السماء وأخذوا نعمهم معهم نسوا في الأرض نعمة الحب، فكانت نعيم الناس؟ إذن فلنحب ولنحي! (يمسكها من يدها.)
بارتينيا :
ابتعد عني.
أنجومار (غاضبا) :
كذلك أمسكك يا بارتينيا! فأنت لي!
بارتينيا (تتراجع إلى الوراء مذعورة) :
لا تقترب مني! ابتعد عني وإلا قتلت نفسي (تشهر خنجرها في يدها مصوبة إلى صدرها) .
أنجومار :
حسبك لا تفعلي! لماذا أقف جامدا في مكاني؟ ما هذا الرعب الذي تولاني؟ ألست أنجومار وتلك أسيرتي؟ ما هذا الغضب الذي يتجلى في عينيها فيخيفني وما تعودت الخوف من قبل؟!
بارتينيا :
يا لتعاستي وشقائي!
أنجومار :
لقد أخفتك بغضبي؛ لأني اندفعت بغير روية، لوحشية خلقي وخشونة طباعي، ولكن حبي ...
بارتينيا :
حبك! إن هذا ليس حبا؛ لأن الحب الذي أشعر به وقد ملأ قلبي ليس إلا سرا إلهيا خفيا، كله حنان وعطف وإنكار للنفس، يشرف ولا يضع، ولو كان نارا فإنه نار دفء وطمأنينة، لا تؤذي ولا تضر. فابتعد عني ولا تدنس لفظة الحب المقدسة؛ لأن العاطفة التي تشعر بها أنت، ليست حبا قط، بل ثورة حدة وغضب (تتظاهر بالخروج) .
أنجومار (بلهجة الآمر) :
قفي قلت لك! ألا تعلمين من أنا؟ أنا زعيم قومي! تردد هذه الجبال الشامخة شهرتي وفعالي، أنا سيدك يا فتاة، فمن تكونين أنت؟
بارتينيا :
من أكون؟ أنا بارتينيا، ابنة صانع أسلحة حقا، ولكني يونانية. أنا ابنة مدينة ماسيليا الحرة، رضعت ثدي أمي، ونشأت بين ذراعي الجمال والحضارة، وربيت منذ طفولتي تحت رعاية آلهتنا العادلة. أما أنت، فابن الجبال والغابات، طريد العدالة والحضارة، أنت وحش بربري، تخرب الديار العامرة، وتسلب قطعان الأغنام. ألا تعلم أننا في وطننا نجلد اللصوص ونشنق قطاع الطرق!
أنجومار :
ويحك أتجسرين ...
بارتينيا :
هل عرفت الآن من أنا ومن أنت؟
أنجومار :
أتحتقريني وتبغضيني! إذن فقسما بجميع الآلهة لأعلمنك كيف نعامل أسرانا!
بارتينيا :
أعرف أنكم تعذبونهم بالكرباج والجوع والألم والعطش، ولكنهم لا يحبونكم، بل يكرهونكم ويحتقرونكم مثلي!
أنجومار :
اسكتي وإلا ...
بارتينيا :
لست أخشاك، بل أحتقرك، وأكرهك.
أنجومار :
حياتك ...
بارتينيا :
خذها!
أنجومار (هاجما عليها بسيفه المسلول ثم يتوقف فجأة) :
لا لا، لا أستطيع، لقد أهاج الغضب دمي، ورأسي يكاد ينفجر، حتى لأود أن أمزق الدنيا ونفسي إربا (يرتمي على الأرض) .
بارتينيا (بعد سكوت برهة) :
ها هو سيفه ملقى تحت أقدامي بعد أن كاد يمزق أحشائي، وها هو المسكين ملقى فاقد الصواب! فهل تراني كدرته؟ لست أدري كيف امتلأ قلبي بهذا الغضب الفجائي، وهذا الكبرياء وتلك الغطرسة؟ أصحيح ما أرى؟ وهل هو يبكي؟! لم تبكي يا أنجومار؟
أنجومار (ناهضا) :
أنا أبكي؟ كلا كلا فأنا لا أبكي! أتحتقرينني أنا! أنا فخر قومي وفزع أعدائي (يسكت برهة وهو ينظر إليها بشدة)
فارقيني! اذهبي عني! فإني أستطيع الحياة بدونك! اذهبي اذهبي، فأنت حرة طليقة! ألا تسمعين؟ أنت حرة فاذهبي إلى بلدك ولا تترددي؛ لأن أنفاسك تؤذيني، وفي رؤيتك هلاكي، فاذهبي اذهبي (يخرج مسرعا مندفعا).
بارتينيا :
ماذا؟ حرة! ألم يقل إنه أطلقني؟ فهل سأراك يا أمي مرة أخرى، وتفتح لي ذراعيك يا أبتاه؟ ولكن هل أتركه في هذا الغضب؟ وهو الذي خفف لي مرارة الأسر والعبودية؟ وها هو الآن قد أطلق سراحي، ومنحني حريتي؟ لا لا، سأنتظره حتى يعود، فأرضيه بكلمة طيبة مني، وأذهب إلى وطني قريرة العين مرتاحة القلب. (تجلس على صخرة فيدخل من الخلف سامو ونوفيو وأمبيفار.)
سامو :
ها هي وحدها، والقارب يقترب من الشاطئ، فهيا نقبض عليها (يهجم عليها نوفيو وأمبيفار ويمسكانها) .
بارتينيا :
آه! ماذا تريدون أيها السفلة؟
نوفيو :
هلموا إلى الشاطئ!
بارتينيا :
اتركوني أيها الأوغاد.
أمبيفار :
صه أيتها الدودة العمياء!
بارتينيا :
أنجومار، النجدة! أنقذني يا أنجومار! (يسحبونها بعنف إلى قرب خلف المسرح.)
أنجومار (في الخارج) :
من ذا الذي يناديني؟ أليس هذا صوتها؟ (يدخل من اليمين)
أمبيفار؟ سيفي سيفي (يتناول سيفه وكان لا يزال ملقى على الأرض)
قفوا أيها الأوغاد (يهربون بسرعة وأنجومار يتبعهم) .
بارتينيا :
لقد نجوت لقد نجوت! (يدخل أنجومار مسرعا من الشمال ويذهب إليها ويمسك يدها.)
أنجومار :
ها أنا ذا! أراك مصفرة ترتعدين، فهل أصبت بشيء يا بارتينيا؟ استندي علي. كيف تجاسرت تلك الأيدي الخشنة أن تقبض على هذه الزهرة الغضة؟ لم ترتعشين؟ سأنتقم لك منهم حتى لا يجسروا أن يرفعوا إليك عيونهم.
بارتينيا :
أسمع وقع أقدام، ها هم مقبلون.
أنجومار :
لا تخافي شيئا، وما دمت إلى جانبك فلا تستطيع أي قوة في الأرض أن تمسك بسوء.
بارتينيا :
انظر، ها هم قد أقبلوا.
أنجومار :
فليقبلوا، إن يميني يقهر قبيلة بأجمعها. (يدخل من الشمال بعض المتوحشين وألستور ونوفيو وسامو حاملين حرابهم وشاهرين سيوفهم.)
أنجومار :
قفوا مكانكم وتكلموا! لماذا أتيتم؟
ألستور :
لقد جرحت أمبيفار جرحا قاتلا.
أنجومار :
نعم؛ لأنه تجاسر ومد يده إلى هذه الفتاة، وهي ملكي أنا!
ألستور :
ليست ملكك.
سامو :
سلمها إلينا.
أنجومار :
أفرط في حياتي ولا أفرط فيها.
نوفيو :
أمسكوها.
أنجومار :
أروني كيف تستطيعون ذلك!
بارتينيا (ترمي نفسها بين ذراعيه) :
إنهم كثيرون وأخشى أن يقتلوك!
أنجومار (لها) :
ابتعدي يا فتاة (لهم)
تقدموا!
ألستور (يقف بين أنجومار والمتوحشين) :
مكانكم أيها الرفاق! واسمعني يا أنجومار، لقد انتخبناك زعيما على أن يكون خمس الغنيمة لك، ولكنك ملت إلى الراحة والكسل، ورفعت شأن هذه الأسيرة؛ وبذلك نقضت العهد.
أنجومار :
كلا لم أنقض عهدي، بل ذلك الخائن هو الذي نقض عهدي وعهدكم؛ إذ أراد أن يسلب حقي وحقكم بسرقة هذه الفتاة، فنال جزاءه. وفضلا عن ذلك، فقد تعبت من الزعامة، فاذهبوا الآن واختاروا زعيما غيري. أما هذه الفتاة فهي لي، وبما أن لي الحق في خمسها، فسأدفع لكم أربعة أخماس فديتها، فإذا لم يرضكم هذا الحكم فالسيف يحكم بيننا.
ترينوبانتيس :
خمس الغنيمة! نعم قال ذلك.
سامو :
أتوافقون؟
ألستور :
خمس الغنيمة! أليس هذا قولك؟
أنجومار :
نعم.
ألستور :
فليكن ما قلت، ولتكن الفتاة نصيبك. ومع ذلك، فلو قبلت أن تقودنا كما قدتنا من قبل، فنحن نطيعك بإخلاص طاعتنا الأولي.
أنجومار :
لا، لقد تعبت، وسأبحث لي عن وطن آخر وعادات أخرى، فاذهبوا عني!
ألستور :
فكر في قومك وفي أعدائك!
أنجومار :
لقد فكرت في كل شيء، فالوداع (يخرج المتوحشون من الشمال)
لقد خرجوا ، وأنت الآن آمنة يا بارتينيا، وحرة طليقة! ولكن ما بال لونك ما زال مصفرا، وأراك ترتعشين؟ إذن فاجلسي واستريحي قليلا.
بارتينيا :
آه يا أنجومار! شكرا لك.
أنجومار :
تشكرينني! وعلام الشكر؟
بارتينيا :
لأن قلبك الرحيم أوحى إليك أن تذود عني، وتحميني في هذه الفيافي والقفار، إذ لولاك ما كنت لأجد لي وليا نصيرا (تتناول يده وتقبلها)
والآن ... الآن أستودعك الآلهة!
أنجومار :
تودعينني؟ ما الذي تقولين؟ ألا تذهبين معي؟
بارتينيا :
لقد منحتني حريتي، وأريد العودة إلى أهلي.
أنجومار :
منحتك حريتك؟ لعلك تحلمين؟
بارتينيا :
هل تريد أن ترجع في كلمتك؟
أنجومار :
كلمتي! وهل قلت لك هذه الكلمة؟
بارتينيا :
نعم، قلتها!
أنجومار :
إذن فاذهبي! اذهبي اذهبي!
بارتينيا (خارجة) :
فلتباركك الآلهة!
أنجومار :
بارتينيا! بارتينيا! بربك قفي! إن الشمس لن تطلع على الكون بعد اليوم! أتذهبين يا بارتينيا؟ أتتركينني وحدي؟
بارتينيا :
والداي في انتظاري.
أنجومار :
إذن فاذهبي! اذهبي إليهما، ولكن فكري في ظلمة الغابات، ووعورة الطرق والمسالك، فكري في الذئاب والدببة! وانظري هل تستطيعين العودة وحدك؟
بارتينيا :
لقد أتيت وحدي، وكذلك أعود.
أنجومار :
إنك تضلين بلا شك، فيجب أن يذهب معك نوفيو وألستور، من هناك!
بارتينيا :
لا لا! بل أفضل الذئاب والدببة، عن صحبة هذين الشريرين.
أنجومار :
صدقت يا بارتينيا، فالذئب لا يحمي الحمل، وعلى ذلك، فسأذهب معك بنفسي.
بارتينيا :
أنت؟
أنجومار :
نعم، فلماذا تخافين؟ أتحسبينني مثلهم؟ إني الآن لست منهم؛ لأنك علمتيني الخوف والبكاء، مع أني لم أعرفهما حتى في طفولتي، فلا تشكي في، بل ثقي بي واعتمدي علي، ولتشهد الآلهة على ما أقول.
بارتينيا :
لا لا! لا تقسم؛ لأن الصدق والطهر يتجليان في عينيك، فاصحبني فإني واثقة بك.
أنجومار :
ما دمت قد وافقت، فسأصحبك وأحميك من كل طارئ، بل أحملك على ذراعي.
بارتينيا :
لست طفلة يا أنجومار حتى تحملني على ذراعيك، ولست أخشى التعب ومشقة الطريق، ولكن إذا كان لا بد لك من أن تحمل شيئا، فيمكنك أن تحمل ...
أنجومار :
أحمل ماذا؟
بارتينيا :
هذه السلة.
أنجومار :
السلة.
بارتينيا :
نعم، سلة البندق، ألا تحملها! (تتناول السلة من الأرض وتناوله إياها.)
أنجومار :
سأحملها.
بارتينيا :
وأنا أحمل حربتك ودرعك وسيفك (تأخذ أسلحته من الشجرة) .
أنجومار :
لا لا! هذا لا يكون.
بارتينيا :
بل يكون؛ لأني مغرمة منذ طفولتي بالسلاح وحمل السلاح، وكأني ورثت هذا الغرام عن أبي العزيز. والآن هلم بنا، أنت تحمل سلتي، وأنا أحمل سلاحك. لماذا تقف جامدا؟
أنجومار :
كأن كل ما رأيته لم يكن إلا حلما، فهلمي إذن! من هنا (مشيرا بيده إلى ناحية الصخور) .
بارتينيا :
سر أمامي فأنت دليلي. سر يا حامي حماي وصاحبي! (يخرجون وتنزل الستار.)
الفصل الرابع
(إلى الخلف تلوح مدينة ماسيليا وشاطئ البحر. إلى الأمام وفي الجهة اليسرى منظر صخور تظللها أشجار تحت ظلالها ممر ضيق يؤدي إلى المسرح.) (يدخل ميرون ونيوكليس وإلفينور وذلك من الشمال.)
ميرون :
وا خجلاه! وا خجلاه! إن الذئب ليساعد الذئب، أما هذه المدينة التي تفاخر بحضارتها وعدلها ونظامها، فإن أبناءها يذهبون ضحية الأسر والعبودية، ولا تحرك ساكنا لحماية بنيها، بل تصم آذانها، ولا تسمع استغاثتهم. فوا خجلاه! وا خجلاه!
نيوكليس :
إنك لا تجهل يا ميرون أن القانون الأساسي يقضي بأن تحمي المدينة بنيها لغاية مرمى ظلال أسوارها، أما أنت فقد قبض عليك المتوحشون خارج هذه المنطقة.
ميرون :
إنه لقانون عادل، وحماية أبوية حقا! لأنهم أولا رفضوا مساعدة فتاة لا ناصر لها في دفع فدية أبيها، ولما ذهبت المسكينة وافتدت أباها من الأسر بنفسها، ها هم يرفضون مساعدتي، سواء بالمال أو الرجال، فيحق لي أن أصيح بأعلى صوتي قائلا: وا خجلاه وا خجلاه! يا للعار يا للعار!
إلفينور :
إننا لا نجهل أحزانك، ونشاركك في ألمك ومصابك، وعندما طلبت ابنتك منا المساعدة لم تترك لنا وقتا نتدبر فيه وسيلة لإنقاذك، بل إنها ...
ميرون (مقاطعا) :
إنها لفتاة حقا، ولكنها تحمل قلب رجل! آه يا ابنتي المسكينة!
نيوكليس :
أنت تعلم أن ليكون الصياد، هو الذي حمل إلينا نبأ وقوعك في الأسر، فاجتمعنا حوله لنستمع الخبر، ونتشاور في الأمر وكيفية المساعدة. وبصرف النظر عن ذلك، فإذا انضم رجال الشواطئ إلى أصدقائنا هنا في ماسيليا، فإن ابنتك تنجو لا محالة، وها قد أقبل ليكون، ومعه بعض الأصحاب. (يدخل ليكون ومعه بعض الصيادين والنساء.)
ليكون :
أين ميرون؟ ومن هو فيكم؟ من هو والد تلك الفتاة الباسلة؟
ميرون :
أنا أنا! هل أتيتم لمساعدتي وإنقاذ ابنتي؟
صياد :
نعم نعم! مستعدون لبذل جهدنا.
ليكون :
نحن يونانيون، نحترم اليونان ونبغض المتوحشين، وإذا ضاعت علينا تلك الفتاة فيا لعار ماسيليا ويا لعار اليونان أجمع!
النساء :
نحن النساء نسير معكم.
ميرون :
فلتبارككم الآلهة! ولتجزكم على ذلك. ولكن يجب ألا نضيع يوما واحدا؛ خشية أن يقتل المتوحشون ابنتي.
ليكون :
إذن فهلموا ننتشر في القرى والبلاد، ونثير ثائرة الصغار والكبار! فاذهب يا نيوكليس من اليمين، وأذهب أنا إلى الشمال، وأنت يا ميرون وإلفينور، انتظراني عند منزل ريساس الغني؛ لأنه وعدنا بالمساعدة. فهلموا الآن أيها الرفاق، هلموا هلموا! (يخرجون ويبقى ميرون وإلفينور.)
ميرون :
آه يا ابنتي يا ابنتي! هل سأراك مرة أخرى ؟ لو كنت شابا قوي الساعد، لبذلت قوتي ومهجتي في سبيل إنقاذك.
إلفينور :
حسبك حزنا يا ميرون، هلم بنا إلى منزل ريساس! (يخرجان من الشمال، يظهر أنجومار وبارتينيا على الصخرة إلى الشمال.)
أنجومار :
من هنا، من هنا يا بارتينيا.
بارتينيا :
بل الطريق من هنا.
أنجومار :
انتظري انتظري، تمهلي؛ لأن النزول من على هذه الصخرة خطر، ناوليني يدك (ينزلان من الطريق الضيق إلى المسرح)
متى تثقين بي يا بارتينيا؟ أنسيت ما حدث بالأمس؟ عندما صممت على رأيك، وسرت في الطريق المخالف، فكدت تقعين في الهاوية العميقة لولا أني أخذت بيدك؟
بارتينيا :
حقا لقد كنت على حافة الهلاك؟
أنجومار :
لن يصيبك سوء ما دمت معك.
بارتينيا :
لقد أنقذتني من الموت، وبالأمس عندما كاد يقتلني البرد أوقدت لي حربتك، فدفئت وجرت دمائي في عروقي، فيا لك من وفي أمين!
أنجومار :
تعالي من هنا، فقد انتهت سلسلة الجبال، وها الغابة تنبسط خلفنا.
بارتينيا :
صدقت، وعندما كنت آتية لإنقاذ أبي ركعت على ركبتي في هذا المكان أصلي للآلهة، ضارعة خاشعة، أسألهم نصرتي والأخذ بيدي.
أنجومار :
لا تؤلميني بهذه الذكرى، أظن أن منزلك بعيد من هنا!
بارتينيا (تلتفت إلى الخلف لترى ماسيليا) :
انظر! هاك البحر يزبد ويضطرب، وهاك على مرمى النظر معبد أرتميس فيا لحناني إليك يا ماسيليا! أحن إليك حنينا يهز قلبي وكل جسمي! فأركع على ركبتي هنا، أسبح بحمدك أيتها الآلهة الخالدة، شاكرة لك فضلك العظيم علي؛ إذ أنقذت أبي ورددتني إلى وطني! فشكرا لك وحمدا!
أنجومار (على حدة) :
آه ليتني مت قبل هذا!
بارتينيا (تنهض وتتقدم مع أنجومار) :
سأرى أبي وأمي دامعة باكية، ولكنها دموع الفرح والسرور، فأرتمي في أحضان الحنان والعطف، وأقبل تلك الدموع الطاهرة، المنحدرة على تلك الوجنات الشاحبة! سلام عليك يا وطني! انظر يا أنجومار، ألا ترى ستار الليل بديعا، وهو ينسدل على تلك المنازل والأبراج، فتحتجب وراءه! ما لي أراك مكتئبا؟ وها أنت تراني أكاد أجن من الفرح! ألم نقتسم حرارة الشمس وبرودة الليل؟ ألم نتشاطر وعورة الطريق ومشقة السفر ؟ وها قد انتهى كل شيء، فيجب أن تفرح وتتهلل!
أنجومار :
أفرح وأتهلل؟ هنالك في الغابات المخيفة، هنالك حيث السكينة الرهيبة، والمخاطر تحيط بك من كل جانب، والفزع متملك فؤادك، وفكرك كله منحصر في وحدي، وآمالك كلها متجهة إلي، هنالك فقط كنت سعيدا، بل أسعد الناس أجمعين! أما هنا، فإني أنظر إلى تلك الأسوار المنحوسة، وأراها ستفرق بيني وبينك، وستنزع روحك من روحي.
بارتينيا :
نعم تذكرت؛ إذ هنا يجب أن نفترق. ولكن لا، هلم معي إلى المدينة!
أنجومار :
أنا؟ أأدخل هذا السجن المظلم، المحوط بأسواره؟ أأدخل عند أولئك اليونانيين المتمدنين، وأنا ذلك البربري الحر الطليق! كلا، وهذا هو الطريق الذي يؤدي إلى ماسيليا، وذلك يعود بي إلى الجبال، فيا ليتني ما رأيتك قط يا فتاة! والآن أستودعك الآلهة (متظاهرا بالذهاب) .
بارتينيا :
بل انتظر حتى أعطيك شيئا تتذكرني به في مستقبل الأيام، فخذ هذا الخنجر، على سبيل التذكار (تناوله خنجرها) .
أنجومار :
خنجرك؟ إنه يذكرني بأني أسأت إليك يوما بشراستي، فهممت بقتل نفسك.
بارتينيا :
بل يذكرك بأنك حميتني يومين وليلتين، بدون أن أضطر لاستعماله في الدفاع عن نفسي. والآن، الوداع!
أنجومار :
لا لا، لا تتركيني، تزوجيني يا بارتينيا، فإني زعيم قومي، ورأس قبيلتي، ولا تخشي من عوائدها الوحشية وخشونة أخلاقنا، وستكونين سيدة نفسك، سيدة القوم، بل مليكتنا! فهلمي معي وأنا أبني لك بيتا خاصا تحت ظلال الأشجار، تنبسط أمامه المراعي الخصبة ترعاها الماشية والأنعام، وبجواره الغدران تجري، ويهب النسيم العليل، فيمتلئ قلبانا بالحب والسعادة والآمال، فهلمي معي إلى النعيم المقيم والهناء الخالد!
بارتينيا :
ليت شعري ماذا أقول!
أنجومار :
لم تغضين عينيك صامتة وأنت التي قلت لي إن الحب الصحيح رقيق حنون تنكر فيه النفس؟! وأقسم لك بالسماء وما فيها أن أكون لك أودع من حمل وأرق من زهرة، أقرأ في عينيك كل ما تريدين، وآتيك به حتى لو كان في السماء أو الماء، فتعيشين معي ذات مال وافر، شريفة سعيدة. فلا ترتابي، هلمي معي ولا تذكري الفراق!
بارتينيا :
لا تكلمني بهذه النغمة الساحرة .
أنجومار :
ألا تقبلين؟
بارتينيا :
مهلا.
أنجومار :
لا لا، فأنت مرتابة في، بل تكرهينني.
بارتينيا :
كلا، بل أحترمك وأراك شريفا.
أنجومار (مكتئبا) :
ولكن لا تحبينني.
بارتينيا :
أيرضيك أن أهجر أبي وأمي وهما في الشيخوخة؟ وهل أنسى تلك السنين الطويلة التي أولياني فيها الحنان والحب، وهل أهجر تقاليدي ودياري لألحق بقوم أغراب، هم أعداء وطني؟
أنجومار :
أعرف أنك تحتقرينني.
بارتينيا :
لا لا، وأقسم بحياتي! لأني أراك في أرفع منازل النبل والشرف، بل أراك نجما زاهيا زاهرا، لولا سحابة خفيفة تظللك قليلا. فيا ليتك كنت يونانيا تعرف الحقوق والقوانين والنظامات، ولكنك من قوم لا إله لهم غير القوة والبطش، ولا حاكم لهم إلا السيف، ولو لم تكن ذلك (تسكت قليلا) .
أنجومار :
لماذا تسكتين؟ بل قولي واجهري بالقول، قولي لو لم أكن ذلك البربري المتوحش كما تسمينني، قولي لو لم أكن مغتصب القطعان والأغنام، قولي لو لم أكن ذلك اللص السفاح قاطع الطرق، قولي وأعيدي ما قلتيه لي من قبل!
بارتينيا :
أنجومار!
أنجومار :
أعرف كل ذلك، وأعرف الهوة التي تفصل بيننا، وأنك تخجلين من صحبتي وأنك تخافين لوم أهلك ومواطنيك من اليونانيين المتمدينين، الذين يهزءون برجل وحشي مثلي، فصحبتي تجلب لك الخجل، بل العار، وإنك لمحقة في ظنونك، فالوداع!
بارتينيا :
لا تتركني غاضبا!
أنجومار :
غاضبا! آه يا بارتينيا، ليتك تستطيعين أن تري قلبي! أنا أنا ... ولكن كفى ... فالوداع (يخرج مندفعا) .
بارتينيا :
أنجومار! تعال واستمع لي! آه ... إنه لا يكترث لقولي، فذهب ولن أراه إلى الأبد! فما هذا؟ لقد تغيرت الدنيا فجأة؛ إذ كان كل شيء في عيني زاهيا مشرقا، فأمسى مظلما عبوسا، حتى ليخيل لي أن أزهار الوادي قد ذبلت وذوت، وجفت أوراقها الناضرة! فكأن الربيع قد مات ولم يكن من قبل حيا (تبكي)
لماذا أبكي وما هذه الدموع؟ لا لا، لا يجوز لي أن أبكي، وعلي واجبات يجب أن أؤديها، فانهضي يا بارتينيا فإن وطنك ينتظرك، حيث والداي وأصحابي! آه يا أنجومار لقد فقدتك إلى الأبد ولن أجد عنك بديلا (تبكي). (يعود أنجومار وهو يتقدم ببطء.)
أنجومار :
بارتينيا!
بارتينيا :
لقد عدت إلي مرة أخرى.
أنجومار :
لقد عدت ولن نفترق، وسأذهب معك إلى المدينة، وأكون يونانيا.
بارتينيا :
ماذا تقول؟
أنجومار :
نعم سأصير يونانيا حتى لا تحتقريني يا بارتينيا، أو تخجلي من صحبتي. ولقد تركت على الأعشاب درعي ورمحي، كما هجرت من قبل قومي، وسأتخلى عن عوائدي وطباعي، وأتعلم عوائدكم وطباعكم، ومنذ صممت على هذا العزم، شعرت في نفسي بالنشاط والقوة.
بارتينيا :
إذن فستأتي معي.
أنجومار :
ولست أجهل أنه يجب علي فهم أمور كثيرة، ولكنك ستعلمينني كل شيء، وعندها تحبينني؛ لأني أسمع صوتا خارجا من أعماق قلبي، كأنه صوت الآلهة، يوحي إلى نفسي أنك ستحبينني.
بارتينيا (لنفسها على حدة) :
وإذا لم أحبك فمن ذا الذي أحبه في هذا العالم؟ (له)
إذن فستذهب معي إلى ماسيليا، ولكن لا يعرفك هناك أحد، فمن الذي يأويك؟
أنجومار :
يأويني؟ إني أطلب من أول شخص يقابلني شيئا من الملح والوقود ولا أحتاج لغير ذلك، وها أرى شخصين مقبلين نحونا، وأظنهما يونانيين، إذن فل...
بارتينيا :
إنه أبي، نعم أبي (تجري إليه مسرعة) .
أنجومار :
أبوها! يا لحسن حظي (تعود بارتينيا وميرون وإلفينور) .
ميرون :
ابنتي العزيزة عادت إلي؟ وا فرحاه! يجب أن أشكر الشجاع الباسل الذي ... من هذا الذي أرى؟ (إلى إلفينور)
أحد المتوحشين، الهرب الهرب!
بارتينيا :
لا تخف يا أبتاه، فهذا أنجومار الذي رد لي حريتي، ورافقني إلى هنا يحرسني.
ميرون :
ماذا تقولين؟ أهو فعل ذلك؟ وهل أتى وحده؟
بارتينيا :
لقد أتى صديقا مسالما، فاذهب إليه يا أبي، واعطف عليه كما كان يعطف علي، هلم إليه يا أبتاه (تأخذه من يده وتذهب به إلى أنجومار ثم تلتفت إلى إلفينور)
وأنت يا إلفينور، قل لي كيف حال أمي؟
ميرون (على حدة) :
حقيقة لقد أتى وحده وليس معه أحد من قومه، إذن فلأتقدم إليه مطمئنا (يتقدم نحو أنجومار مترددا)
أنا أنا ... أشكرك ... فمرحبا بك ... إني أرحب بك ... جدا، وما كنت لأظن أني سأراك بهذه السرعة ... أظنك أتيت لأجل الفدية؟
أنجومار :
ما هذا؟
ميرون :
لا تغضب، فإني لم أحصل على الفدية بعد، وغاية ما هناك أني حصلت على شيء قليل منها، وسأعطيك ما اقتصدته.
أنجومار :
أيها الشيخ، لقد دفعت ابنتك فديتك بنفسها، وأنا اشتريتها من قومي ورددت عليها حريتها.
ميرون (مندهشا) :
أنت!
أنجومار :
والآن أتيت أخطب ودك وأرجو صحبتك، وأن أعيش معك.
ميرون (متلعثما) :
تعيش معي! أنت؟! إنك لزعيم المتوحشين.
أنجومار :
لا أنكر أني كنت عدوك وأنك كنت أسيري، وأني عاملتك معاملة الأسرى، ولكنني رددت عليك ابنتك وأتيتك مسالما، فتناس الماضي ولعلك تجد من وفائي وإخلاصي أكثر مما وجدت من بغضي وعداوتي، أتخشى أن تضع يدك في يدي؟
ميرون :
أخشى؟ لا لا، اليونانيون لا يخافون، ولكن هل أنت واثق أنك أتيت وحدك؟ فأنا أنا ... لا أخشاك، ولكن بني وطني لو رأوك ...
أنجومار :
قل لهم إن أنجومار قد أتى وحده، يريد الإقامة بينهم، وإذا كان أحدهم يحمل لي ضغينة على سيئة مضت، فليتقدم إلي، وليتقدموا إلي أجمعين.
ميرون :
رحماك أيتها الآلهة، إنه سيقاتل المدينة كلها!
أنجومار :
إني لا أعبا بهم ولا أكترث لهم. أما أنت أيها الشيخ فسأتخذك صديقي بل وأجعلك في منزلة أبي، فناولني يدك، كما لو كنت ولدك (ميرون يناوله يده بعد تردد)
شكرا لك. خذني الآن إلى بيتك، وعلمني عوائدكم، لأكون يونانيا مثلكم.
ميرون (منزعجا) :
آخذك إلى منزلي؟
أنجومار :
نعم وسيكون منزلك مقدسا كمعابد الآلهة.
ميرون :
تريد أن تكون يونانيا وأن أعلمك ذلك! أنا ... أنا ... أنا ... أشكرك كثيرا جدا ولكني رجل فقير، وإذا أضفتك في منزلي، فيجب أن تشاركنا في فقرنا ومتاعبنا وتعاستنا.
أنجومار :
وهل أخشى الفقر وقد هجرت قومي وعشيرتي وبلادي، وخرجت من كل ذلك صفر اليدين؟ أو أخشى المتاعب والتعاسة وبارتينيا إلى جانبي؟! هلم هلم أيها الشيخ ولا تهزأ بي، بل قل لي ما الذي يجب علي فعله؟
ميرون (ضاحكا) :
يجب عليك قبل كل شيء أن تخلع هذه الجلود التي تلبسها.
أنجومار :
أخلع جلدي (ينظر إلى ملابسه)
هاها فليكن ذلك، ثم ماذا؟
ميرون :
وأن تقص شعر رأسك ولحيتك.
أنجومار :
شعري ولحيتي ؟! هذا لا يكون أبدا، فإن هذه الشعور هي فخرنا، والدليل على شرف مولدنا وحريتنا (يلتفت فيرى بارتينيا تنظر إليه)
ومع ذلك ... فليكن، لا بأس سأقص شعري.
ميرون (على حدة) :
تدهشني وداعته، مع أنه كان وحشيا (إليه)
ثم عندي حقول ومزارع تحتاج إلى أيد عاملة، تشتغل فيها بالفأس والمحراث ويجب عليك أن ...
أنجومار :
ماذا؟ أنا أشتغل خلف المحراث، أنا أتناول هذا العمل الدنيء الذي لا يشتغله إلا عبد رقيق؟! كأنك تريد أن تستأسرني وتجعلني عبدك!
ميرون :
لا تغضب لا تغضب، فأنت الذي أردت أن تكون يونانيا، ونحن هنا قوم فقراء يجب علينا أن نكد ونشتغل، فأنا أشتغل وزوجتي تشتغل وبارتينيا تشتغل أيضا ...
أنجومار :
أتقول إن بارتينيا تشتغل أيضا؟
ميرون :
نعم، يجب عليها ذلك.
أنجومار :
بارتينيا؟ لا لا، لن أجعلها تشتغل أبدا، وسأقوم مقامها في كل الأعمال، حتى ولو كان ذلك وراء المحراث، فماذا تريد مني أيضا.
ميرون :
ويجب عليك أيضا أن تشتغل معي في المصنع لتتعلم صنع السيوف والدروع.
أنجومار :
هذا أعمله بكل سرور؛ لأنه عمل مجيد، تستخدم فيه القوة لأجل القوة فما أجمل المطرقة الضخمة وهي تنزل على الحديد بضرباتها الثقيلة، فيلتوي
1 ...
ميرون :
ويكفي لإثبات ذلك أن يراه الإنسان مرة واحدة، وهو يشتغل خلف المحراث في المزرعة، أو بين المطرقة والسندان في المصنع، فيعلم أن أنجومار رجل همة وشرف. ولقد أصبح ربحي الآن يعادل ثلاثة أمثال ما كان عليه من قبل؛ وذلك بفضل نشاطه وأمانته (يتناول حزامه من زوجته ويلبسه)
فلا تخافي ولا تفزعي؛ لأنه يظهر أنهم يطلبونني في المجلس، لاستطلاع رأيي وأفكاري فقط؛ لأني أعرف أولئك المتوحشين حق المعرفة، وقد عشت بينهم حينا من الدهر، فأصبحت لا أخشاهم. هيا بنا يا نيوكليس (يخرجان من الشمال) .
أكتيا :
الأعداء على الأبواب! ويظن ميرون أنهم يطلبونه في المجلس لاستطلاع أفكاره، وربما كانوا يطلبونه لمعاقبته.
بارتينيا :
لا تخافي يا أمي؛ لأن أنجومار قد أقام في المدينة بإذن الحاكم.
أكتيا :
ولكنه قد جلب إلينا المصائب.
بارتينيا :
وهل تنسين أنه هو الذي رد عليك ابنتك ؟
أكتيا :
لا أنسى ذلك، ولكن بوليدور محق في أن يقول ...
بارتينيا :
أماه! يجب ألا تسمعي كلام ذلك الوغد الخبيث النية.
بوليدور (في الخلف) :
أيقال في هذا القول؟
بارتينيا :
ولماذا تسمحين له أن يغير قلبك على أطهر وأشرف ...
أكتيا :
كفى كفى! فإني أقول لك إن بوليدور ...
بارتينيا :
لا أحب أن أسمع اسم هذا الرجل. ويدهشني أنه لا يزال يقتفي آثاري، وأنك لا زلت تستمعين له! ولذلك أقول لك يا أمي: إني أفضل شر أنواع الفقر والموت عن هذا الرجل الذي أكرهه أشد الكره!
بوليدور (وهو لا يزال في الخلف) :
سأخفض من كبريائك وأقتل فيك هذه العاطفة مهما كلفني الأمر.
أكتيا :
ولكنه يتهددنا يا ابنتي ب ...
بارتينيا :
يتهددنا؟ ذلك السفل اللئيم؟ فليفعل ما شاء! فإني أحتقره وأكرهه، ولا أعبأ بتهديداته.
بوليدور (وهو يهدد بقبضة يده) :
إذن فانتظري (يخرج من الشمال) .
أكتيا :
اسكتي لئلا يسمعك! ولكن لماذا تكرهينه إلى هذا الحد، مع أنه على الأقل لم يشهر سيفا في وجهك، كما فعل أنجومار، ولم يستعبد أباك، كما فعل أنجومار؟ وأقول لك الحقيقة، إني أكره منظره، وشعره الطويل ولحيته المتجعدة، وعندما يقع نظري عليه أشعر أن قلبي ينفر منه.
بارتينيا :
ولكنه قد قص شعره ولحيته الآن، فأصبح كسائر اليونانيين في شكله وملابسه.
أكتيا :
نعم، إنه يوناني في زيه وملبسه، ولكنه ما زال وحشيا في شكله ومشيته وصوته، وحشيا في نظراته التي يتجلى فيها احتقاره لقومنا ومواطنينا، وسيظل على هذه الطباع ما دام حيا.
بارتينيا :
وهل في ذلك عيب، وقد نشأ في الغابات والجبال حرا شجاعا قويا؟
أكتيا :
إن شجاعته شجاعة وحشية، ألم تريه بالأمس في المصارعة، حين قذف بخصمه خارج الدائرة؟ أنسيت عندما رمى الكرة فكادت تصيب الحاكم؟
بارتينيا :
وهل نسيت أيضا أنه هو الذي قتل الذئب الذي كان يفتك بماشية المزرعة؟ أنسيت عندما هبت العواصف على الميناء، وعلت الأمواج كالجبال، وكان أحد الصيادين في قاربه يكافح هياج البحر، ويستغيث بالناس وقد أوشك على الغرق، فلم يستطع أحد مساعدته، فقذف أنجومار بنفسه إلى الماء ، وهو يهد الأمواج بساعديه هدا، حتى أنقذ الصياد المسكين وأنقذ قاربه؟ أنسيت أنه هو الذي يشتغل الآن في المزرعة وفي المصنع، بدل أبي المسكين الذي بيضت الأيام شعره وأنهك الزمان قوته؟
أكتيا :
على كل حال لا أستطيع أن أنكر أن أنجومار قد أفادنا، وأنه لا يخلو من صفات يمدح عليها، ولكنه لا يحترمني. ومع ذلك فإني أكرر ما قلته، وهو أنه جاسوس خائن، وأقول له ذلك في وجهه، أين هو؟ (تنادي)
أنجومار!
بارتينيا :
ماذا تريدين أن تفعلي يا أمي؟ احترمي على الأقل واجبات الضيافة.
أكتيا :
انتظري. (تنادي)
أنجومار (لابنتها)
سترين الآن كيف يرتعد ويضطرب عندما يعلم أني أعرف أنه خائن وجاسوس. أنجومار!
بارتينيا :
إنك يا أماه لا تعرفين شيئا عن تلك الروح الطاهرة، وذلك القلب النقي. (يدخل أنجومار من خلف المسرح وهو بزي فلاح يوناني.)
أنجومار :
من يناديني؟
أكتيا :
ها! لقد أتيت أخيرا بعد أن ناديتك ثلاث مرات!
أنجومار :
كنت أغني وأجهز نفسي لألعاب المساء.
أكتيا :
تغني؟ طبعا! لأنه يسرك أن ترى أصحابك مرة أخرى.
أنجومار :
أي أصحاب؟
أكتيا :
لا تتجاهل الأمر وأنت تعرفه، ألا تعلم أن المتوحشين يحاصرون المدينة؟
أنجومار :
أصحيح؟ إذن فقد خرجوا للأخذ بثأرهم من قبيلة أللوبروجي، ومروا بهذه المدينة في طريقهم.
أكتيا :
قبيلة أللوبروجي! حقا إنك لبريء طاهر، وليكن طريقهم ما يكون، إنما بعض الناس يظن أن طريقهم وطريقك واحد.
أنجومار :
طريقهم وطريقي؟
أكتيا :
نعم، ويقولون أيضا إنك قد دخلت المدينة لتفتح أبوابها لقومك.
أنجومار (بغضب) :
أنا؟ من قال ذلك؟
أكتيا :
أنا، وأقوله في وجهك، فأنت جاسوس خائن! وأنت ...
أنجومار (هاجما عليها) :
ويلك يا امرأة (يتراجع متألما)
ولكن لا، لا لا، فأنت أم بارتينيا فلا أجيبك بكلمة (يدخل إلى المنزل) .
أكتيا :
أرأيت الآن كيف يهزأ بغضبي، ولا يراه يستحق أن يبرئ نفسه أمامي؟
بارتينيا (تقترب من الباب وتنادي) :
أنجومار!
أكتيا :
لماذا تنادينه؟ أتريدين أن يواجهني ويهينني مرة أخرى؟
بارتينيا :
لا، بل أريد أن أسأله بعض الأسئلة.
أكتيا :
لا أريد أن تسأليه شيئا، إني أكاد أجن من تصرفاتك! فأبوك يتهدد حياته الخطر، وها أنا ذاهبة إليه في المجلس، فامكثي هنا واسألي هذا الوحش ما تريدين أن تسأليه، وثقي به ما تشائين، أما أنا، فقد عرفته، ولن يستطيع بعد الآن أن يخدعني (تخرج من الشمال) .
بارتينيا (تروح وتجيء) :
لقد أخطات يا أمي، أخطأت جدا! فوا أسفاه لك يا أنجومار! (ترى أنجومار ينزل درج البيت متمهلا فتشير إليه)
تعال يا أنجومار، أتظن أنك احترمت أمي، حين وليت لها ظهرك، وهي تكلمك، ولم تجاوبها؟
أنجومار :
ألم تقولي لي من قبل إنه يجب علي أن أنسحب إذا وجدت أمك غضبى بدون سبب؛ وذلك احتراما لسنها؟ وقد فعلت ذلك، فلم أجاوبها، ودخلت إلى المنزل صامتا.
بارتينيا :
ولكن كان في إمكانك أن تنفي التهمة عن نفسك بلطف، لا أن تتهيج وتغضب، ثم تخرج وتتركني وحدي أتحمل الآلام.
أنجومار :
إني آسف جدا.
بارتينيا :
ليس في إمكاني أن أجعلك تكترث لكلامي.
أنجومار :
أكترث لكلامك؟ إني لا أفكر في شيء مثلما أفكر فيك وفيما تقولينه لي، سواء كنت في المزرعة أو في المصنع، حتى في النوم ! ولكن يظهر أن كل شيء سيذهب عبثا، وكل دروسك لي ستضيع سدى، وعلى ذلك فلن تحبيني.
بارتينيا :
بالعكس، فإنك قد حفظت شيئا كثيرا.
أنجومار :
يا لحنيني إلى غاباتي وموطني في الجبال! هنالك كان قلبي حرا، وتصرفاتي غير مقيدة، وأفكاري لا يحددها شيء. هنالك نشأت، وهذى طباعي، فلا أستطيع تغييرها! ولكني لست أدري، ما الذي يجيش في صدري ويتجلى في نظراتي ويضيء في عيني؟! أهو الحب أم البغض؟ أم السرور أم الحزن؟ إذن فلأبق حرا ما دامت عواطفي لا تقبل القيد.
بارتينيا :
ولن تكون إلا كذلك، ولا يرضيني أن تكون إلا كما أنت، شريف النفس، طاهر القلب. ولكن لا تنسى أن لكل شيء حدا وقيدا؛ ولذلك ترى أن حرية النفس يجب أن يكون لها حد وقيد، وها أنت قد تعلمت شيئا كثيرا، فأصبحت تحترم القانون والنظام، لا تعترف بإله القوة ولا تمجده، وتحب قومي حبا خالصا، فأنت الآن يوناني صميم. ومع ذلك ينقصك شيء من لين العريكة واللطف، وستناله قريبا.
أنجومار :
وعند ذلك يا بارتينيا، هل ...
بارتينيا (ضاحكة) :
قف عند هذا الحد؛ لأنك لم تتعلم بعد، ولا ينتظر أن تتعلم بهذه السرعة.
أنجومار :
آه! هذا ما تقولينه لي دائما، فإنك بدلا من أن تشجعيني، أراك تبعدين عني الغاية كلما اقتربت منها. ويظهر أنك قد تغيرت أيضا؛ لأنك كنت قبلا تشجعيني، وتستنهضين همتي، وتقصين علي الأقاصيص وتنشدين لي الأغاني، أما الآن فأراك بعيدة عني، وعواطفك نحوي قد فترت. وعلى كل حال فإني قانع منك بالنظر إلى عينيك، وحسبي منك ذلك.
ميرون (في الخارج ينادي) :
بارتينيا! بارتينيا!
بارتينيا :
اسمع! إن أبي ينادي (يدخل ميرون من الشمال وخلفه أكتيا) .
ميرون :
بارتينيا! أين أنجومار؟
أنجومار :
ها أنا.
أكتيا (لزوجها) :
ألا تقول لي الآن ما الخبر؟
ميرون :
انتظري قليلا حتى أستريح؛ لأنهم آتون هنا حالا.
أكتيا :
من؟ المتوحشون؟
ميرون :
كلا يا غبية، بل سمو الحاكم وأتباعه.
أكتيا :
آه! هذا ما قلته! إن أنجومار سيجلب علينا المصائب.
ميرون :
كلامك فارغ دائما. إن أنجومار سيجلب لنا الفخر والاعتبار والشرف! ها هم قد أقبلوا (إلى أنجومار)
أنجومار، استعد الآن يا عزيزي؛ لأني سأستقبلهم (يذهب لاستقبال الحاكم) .
أكتيا :
الفخر والاعتبار! إن قلبي يخفق خفوقا شديدا. (يدخل الحاكم وحاشيته فيستقبلهم ميرون بالانحناء.)
الحاكم :
كفى كفى يا ميرون. أين ضيفك؟
ميرون :
هنا يا مولاي، فهل تتنازلون سموكم بتشريف منزلي الحقير؟
الحاكم :
كلا، بل ناده إلى هنا. (يشير ميرون إلى أنجومار فيتقدم. إلى أنجومار)
هل أنت أنجومار يا صاحبي؟
أنجومار :
نعم، هو كما تقول.
ميرون (إلى أنجومار على حدة) :
قل: «سموكم»، ألا تفهم؟
الحاكم :
لقد علمنا أنك تريد أن تكون يونانيا؛ وبذلك تصبح من أهالي ماسيليا.
أنجومار :
تلك رغبتي.
الحاكم :
إن ماسيليا تمنحك هذه الرغبة، وزيادة على ذلك، تعطيك منزلا تقيم فيه ومزرعة واسعة، وأن تتمتع بكل ما يتمتع به الأهالي.
أنجومار :
كل ذلك لي أنا؟
بارتينيا :
يا للآلهة!
ميرون (لزوجته) :
أسمعت الآن يا امرأة؟
الحاكم :
ليس ذلك فقط؛ لأننا علمنا أنك تحب هذه الفتاة، وسنعطيها ثلاثين أوقية من الفضة بصفته مهرا لها، ونزوجها لك.
أنجومار :
بارتينيا!
الحاكم :
إنما نشترط عليك أن تثبت لنا بأجلى برهان أن مصلحة ماسيليا هي أقدس واجباتك، فماذا تفعل لتثبت لنا ذلك؟
أنجومار :
ماذا أفعل؟ إني لا أجد شيئا يستحيل علي فعله! وإذا أردتم، فإني أنزع النجوم من أبراجها، والأرض من محورها! إني لأكاد أجن، ولا أرى شيئا مستحيلا.
الحاكم :
ألم يبلغك الخبر، إن المتوحشين يحاصرون المدينة؟
أنجومار :
لقد أخطات؛ لأنهم لا يقصدون المدينة بسوء، ولكنهم مروا بها في طريقهم لمحاربة قبيلة أللوبروجي.
الحاكم :
فليكن قصدهم ما يكون، إنما ماسيليا ترى هؤلاء القوم أعداء لها، (يأخذ أنجومار إلى ناحية)
وإنك تعرفهم، ويمكنك أن تدخل خيامهم، كأنك تريد أن ترى أصحابك منهم، وتسألهم عن وطنك وبلادك، فتستطلع قوتهم واستعدادهم وكلمة سرهم، ونظام جموعهم، وفي المساء تعود إلينا لتتولى قيادة جندنا إلى النصر والظفر.
أنجومار (بغضب شديد) :
آه (بارتينيا تهدئ روعه) .
الحاكم :
ماذا تقول؟
أنجومار :
أأخون بني وطني وأخدعهم! أأخون من يأتمنني وأقتله في نومه بسيف الغدر وخنجر الخيانة! أأخون من يتكلمون لغتي وكانوا من قبل إخواني؟!
الحاكم : :
فكر في المكافأة: بارتينيا، والشرف والمال.
أنجومار :
خذ ما منحت! وخذ بارتينيا أيضا؛ فإنها أعز شيء علي في الدنيا، بل هي قلبي وحياتي، ومع ذلك خذها؛ لأنها لو عرضت علي ومعها سعادة العالم كلها، لرفضتها ورفضت ما حملت، ولا أدفع ثمنها خيانة وغدرا ومذلة وعارا!
الحاكم :
ألا تريد أن تكون يونانيا؟
أنجومار :
كنت أريد ذلك قبل ما كنت أعلم أنكم خونة، فهجرت قومي وعشيرتي وبلادي راغبا في الإقامة معكم، ولو كنتم دعوتموني إلى القتال الشريف، لسبقتكم إلى ساحاته، وحاربت إلى جانبكم بمنتهى الإخلاص والشهامة (باحتقار)
ولكن سيوف المدنية ليست إلا سيوف غدر وخيانة وجبن، وهذه أمور أجهلها وما تعلمتها قط! فاذهب! اذهب؛ لأننا لا نفهم بعضنا، فأنت متمدن مهذب، وأنا رجل وحشي. اذهب!
الحاكم :
اكفف لسانك الزلق، فقد منحناك ساعة واحدة للتفكير في الأمر، فإما أن تقبل، وإما أن نطهر المدينة من أنفاسك النجسة، فاختر لنفسك ما يحلو! وأنت يا ميرون، إذا آويت هذا الرجل في منزلك أو صاحبته، فإن حياتك في خطر (لأتباعه)
هلموا إلى المجلس (يخرج الحاكم وأتباعه) .
أكتيا :
من المخطئ فينا الآن؟ إن الشرف الذي جلبه إليك هو تهديد حياتك.
ميرون :
لا لا، كفى، فقد قطعت علاقاتي معه نهائيا (إلى أنجومار)
اخرج من هنا، ابتعد عنا، فإني أغلق باب بيتي في وجهك؛ لأني وطني صميم، ادخلي المنزل يا بارتينيا.
أنجومار :
ميرون!
ميرون (لزوجته وابنته) :
ادخلي المنزل يا امرأتي، ادخلي يا ابنتي (تدخلان المنزل) .
أنجومار :
كلمة واحدة.
ميرون :
ولا نصف كلمة! ألم تر الخطر الذي يتهددني بسببك؟ ومع ذلك فلا أنكر فضلك، وأشكرك عليه كثيرا، ولو كان لي رأسان، لخاطرت برأس منهما في سبيلك، ولكن للأسف لا أملك إلا رأسا واحدا، فاذهب عنا، اذهب اذهب (بصوت عال)
فأنا رجل أحب بلادي (يدخل منزله ويغلق الباب خلفه) .
أنجومار :
لقد قضي الأمر، وضاعت آمالي، ولن أرى وجهها بعد اليوم، أو أسمع صوتها. ولم يبق في الإقامة هنا خير أو فائدة، فهيا هيا ، وليغلقوا علي أبواب نذالتهم، فإما أن أموت، أو أشق لي طريقا بين سيوفهم (يهم بالخروج، بارتينيا تنسل من منزلها بدون أن يراها خلال عبارته الأخيرة) .
بارتينيا :
أنجومار، هل أنت راحل عنا؟
أنجومار :
وهل ترتابين في ذلك؟
بارتينيا :
وإلى أين تذهب؟
أنجومار :
لا تسأليني عن مقصدي؛ إذ ليس لي إلا طريقان، طريق إلى السماء حيث تقيمين، وليس لي إليه سبيل، والطريق الآخر إلى الصحاري والقفار حيث أحرم من رؤياك إلى الأبد، فأنا ذاهب إلى حيث ولدت ونشأت، ذاهب إلى موطني في الجبال، ذاهب إلى غاباتي وأحراشي التي أرضعتني لبان الصدق والشهامة، وأورثتني الشمم والإباء، ذاهب إلى حيث أحرص على ما رضعت، وأبقي على ما ورثت، ذاهب عنك ولو أن قلبي يكاد ينفجر!
بارتينيا :
وهل أنت مصمم على تركي؟
أنجومار :
أتريدين أن أبقى لأضيع كرامتي وأفقد شرفي؟ حسبك يا بارتينيا، إني راحل عنك، وصورتك خالدة في ذهني! فالوداع يا بارتينيا.
بارتينيا :
لم يحن الوداع فصبرا.
أنجومار :
خير لي أن أموت مرة واحدة، من أن أموت ألف مرة، فالوداع!
بارتينيا :
لقد نسيت سيفك الذي أعطيته لأبي، عندما دخلت منزلنا.
أنجومار :
لا حاجة لي به، فقد انتزعه الأمل من يدي، والآن ... والآن ...
بارتينيا :
ها هو سيفك، أرده إليك لامعا كما سلمته لنا (يتقدم نحوها ليأخذه)
لا لا، فأنا التي أحمل سيفك.
أنجومار :
أنت يا بارتينيا!
بارتينيا :
لقد حملت معه درعك وحربتك من قبل، فلماذا لا أحمله لك الآن؟
أنجومار :
إذن ... كفى، يجب أن نفترق هنا.
بارتينيا :
لا لا، يجب أن أحمل لك سيفك يا أنجومار.
أنجومار :
أتحملينه إلى آخر هذا الشارع؟
بارتينيا :
بل إلى البوابة، بل إلى أبعد من ذلك، إلى شاطئ البحر، بل إلى الجبال والوديان، إلى مشارق الأرض ومغاربها، بل إلى حيث تذهب إلى حيث تريد، سأكون معك وإلى جانبك، ما دام قلبي يخفق والدماء تجري في عروقي!
أنجومار :
أنت يا بارتينيا؟ ...
بارتينيا :
نعم، سأكون معك، ولن أفارقك (ترمي السيف وتضم أنجومار)
فطريقك طريقي، وحظك حظي، وحيث تريد الإقامة فهنالك أقيم، واللغة التي تتكلمها أتعلمها وأتكلمها، وما يسرك يسرني، وما يحزنك يؤلمني، فأنا لك أنت، ولن يفرقنا بعد اليوم شيء!
أنجومار :
هل أنا في حلم؟ إنك لتهزئين بقلبي! أنت تحبينني؟ أنت ابنة ماسيليا تحبينني أنا! أنا الغريب المتوحش؟!
بارتينيا :
لا تقل هذه الكلمة مرة أخرى؛ لأننا لا نقاس بنبلك وشرفك! فيا للآلهة حين وقفوا أمامك مطرقين خجلا، وأنت الذي أتيت إلينا، لتأخذ عنا الحضارة والنظام، فعلمتنا ما يفيض به قلبك من أقدس العواطف، علمتنا الصدق والشرف والشهامة. فيا لجلال موقفك فيهم، عندما ضحيت الحياة وما حوته من الآمال، لأجل الواجب وحده! ويا لخجلي منك يا سيدي؛ إذ ظننت أني سأعلمك شيئا! فسامحني، سامحني واغفر لي ذنبي.
أنجومار :
أنت لي يا بارتينيا! أنت لي!
بارتينيا :
بل كنت لك من قبل، منذ ذلك اليوم الذي عرفت فيه البكاء والخوف، بل منذ ذلك اليوم الذي سقط فيه سيفك من يدك بعد أن هددت به حياتي . نعم، منذ ذلك اليوم أحببتك، وكلما كان الحياء يمنعني عن إظهار حبي، كلما ازداد حبك في قلبي! لقد ظلمتك بكبريائي، وظلمت نفسي، والآن أجني عاقبة بغيي، فأتوسل إليك بإرادة الهوى، خاضعة ذليلة صاغرة أن تجعلني زوجتك، بل خادمتك وأسيرتك، فأركع في التراب على قدميك (تكاد تركع على ركبتيها فيمنعها أنجومار ويضمها إلى صدره) .
أنجومار :
على قدمي! أسيرتي؟! لا لا، فلنكن فرعين لشجرة مباركة، يسموان إلى السماء، فنحن كما كنت تقولين:
روحان من عالم الأرواح طارا لغاية
وقلبان يضطربان كالفلك في البحر (يخرج إلى المسرح ميرون وزوجته أكتيا من منزلهما.)
ميرون :
ما الذي أرى؟ ادخلي البيت يا شقية!
بارتينيا :
لا أدخله إلا مع أنجومار.
ميرون :
ألم تسمعي تهديد الحاكم؟ ألم تسمعي العقوبة؟ (إلى أنجومار)
اخرج من هنا.
أنجومار :
لا أخرج بدونها؛ لأنها لي أنا، بل لي إلى الأبد. (يدخل بوليدور من الشمال ومعه اثنان من اليونان.)
بوليدور (إلى أنجومار) :
أظنك تستطيع دفع قيمة هذه الوثائق؟ مائتا دراخمة تقريبا، وإذا شئت الدقة في الحساب، فإني أطالبك بمائتين وثلاثة عشر دراخمة.
أنجومار :
ماذا تقول يا رجل، وهل أنا مدين لك بشيء؟
بوليدور :
لا لا، ولكن ميرون مدين لي بهذا المبلغ، ويجب عليه أن يدفعه لآخر دراخمة.
ميرون (إلى بوليدور) :
لست مدينا لك بشيء يا سيدي.
بوليدور :
مائتان وثلاثة عشر دراخمة، فلا تتكلم كثيرا.
ميرون :
إني حقيقة مدين بنحو هذا المبلغ، ولكن لجملة أشخاص.
بوليدور :
كل هذا المبلغ لي أنا؛ لأني اشتريت ديونك منهم، وأصبحت الآن دائنك الوحيد، فادفع لي الدين في الحال.
ميرون :
لا أستطيع.
بوليدور :
إذن فأقبض عليك؛ إذ أصبحت عبدي الرقيق، أنت وزوجتك وابنتك، كلكم عبيدي الأرقاء، وسأبيعك وأبيع زوجتك. أما هذه الفتاة الملعونة، فسأبقيها في قبضتي (يهجم عليه أنجومار ويقبض على عنقه) .
أنجومار :
أيها الكلب الوقح! اركع على قدميها واسألها المعذرة والرحمة.
بوليدور :
النجدة يا قومي!
بارتينيا (إلى أنجومار) :
دعه يا أنجومار، دعه فإنه محق في قوله، والقانون يحكم له بذلك.
أنجومار :
أيحكم القانون بأن تكوني أسيرته!
بارتينيا :
نعم، وا أسفاه! فأطلق سراحه.
أنجومار :
أخلي سبيلك طوعا لأمرها، وإلا سحقتك تحت قدمي، فما الذي تريده الآن؟
بوليدور :
مائتان وثلاثة عشر دراخمة، ولا أتنازل منها عن شيء.
أنجومار :
ولكنهم لا يملكون هذا المبلغ يا رجل.
بوليدور :
إلا أنهم يملكون أنفسهم، وأنا لا أفرط في مالي.
أكتيا (إلى بوليدور) :
إن بارتينيا ستتزوجك.
بوليدور :
لا أريدها، بل أريد أموالي، وإلا فأنتم عبيدي.
أنجومار :
قل لي: هل أنت مصمم على طلبك؟
بوليدور :
كل التصميم، فإما أن أوفى ديني ذهبا أو أجساما.
أنجومار :
ألا تتزعزع؟
بوليدور :
مالي أو عبيدي.
أنجومار :
انتظر ...
بوليدور :
ولا لحظة، هلموا أيها العبيد.
أنجومار :
مهلا! أنت تريد ما يعادل في قيمته مائتا دراخمة؟
بوليدور :
وثلاثة عشر، ولا أتنازل عن شيء مطلقا.
أنجومار :
سأعطيك رقيقا يعادل كل ما تملك من المال.
بوليدور :
أين هو؟
أنجومار :
هنا.
بوليدور :
من هو؟
أنجومار :
أنا!
بارتينيا :
لا لا! لا تسمع كلامه، فهو مجنون لا يعرف شيئا!
أنجومار :
أوكنت مجنونة عندما قدمت نفسك رهينة لمن تحبين؟! فكري في ذلك (يشير إلى والدها)
خذني يا رجل، فإني أسيرك .
بوليدور :
آخذك! أآخذ شيطانا إلى بيتي؟!
أنجومار :
حذار أن تضع أصبعا عليها أو على أهلها، وإلا علمتك كيف تكون الحياة مع عدوك أنجومار. واعلم بأنك معي دائما وعيني لا تغفل عنك، فأنا عدوك اللدود، ويدي تنالك ولو كنت في أبراج مشيدة تحرسها المدينة كلها.
بوليدور :
عفوا عفوا، فقد قبلت رأيك (لنفسه على حدة)
سأنتقم منه بالسياط والأغلال!
أنجومار (يخطف الأوراق من يده) :
إذن أعطني هذه الوثائق (إلى ميرون)
أنت حر الآن يا ميرون، كلكم أحرار!
بارتينيا (ترمي نفسها في أحضان أنجومار) :
يا للتعاسة والشقاء!
أنجومار (إلى بوليدور) :
اسمع الآن أيها الشيخ، لقد وفيت بوعدك مضطرا، أما أنا، فأفي بوعدي مختارا، وسأخدمك بإخلاص وصدق (إلى بارتينيا)
لا تبك يا بارتينيا، ولا تتشبثي بي كذلك؛ لأني لا أجد في كل ما أوليتنيه من السرور ما ترتاح إليه نفسي مثل سرور اليوم؛ لأنه أطهر وأقدس، والعبودية التي تمنحك الحرية لهي في نظري أجمل عزاء، وهي أحب إلى نفسي من كل حرية.
بوليدور :
يجب أن أجربك لأتحقق صدق قولك، فتعال هنا أيها العبد (ينظر إلى الخارج جهة اليمين)
ما الذي أرى؟ الأعداء المتوحشين (يسمع صوت صياح وغوغاء في الخارج)
خيانة خيانة! ضاعت المدينة وضاعت أموالي!
أنجومار (ينظر إلى اليمين) :
صه يا غبي! ألا تراهم يحملون أغصانا خضراء؟ إنهم رسل الطمأنينة والسلام. (يدخل الحاكم وحاشيته ومعه ألستور ونوفيو وبعض المتوحشين يحملون أغصانا خضراء.)
الحاكم :
ها هو الرجل الذي تبحثون عنه!
ألستور :
أنجومار (يسرع إليهم أنجومار ويحييهم) .
أنجومار :
نوفيو، لماذا أتيتم؟
ألستور :
أشيع عندنا أن أحد رجالنا أسير في هذه المدينة، ولما كنا في طريقنا لمقابلة قبيلة أللوبروجي، فضلنا أن نقف هنا قليلا، لنرى مبلغ الإشاعة من الصحة والحقيقة.
الحاكم :
ها أنتم ترونه حرا طليقا.
ألستور :
بل هو يتكلم عن نفسه، تكلم يا أنجومار، تكلم يا فخر قبيلتنا وفخر الجبال، إذا كنت في هذه المدينة أسيرا فإن رجالنا محيطة بالأسوار، مستعدون لدكها دكا وتحريرك عنوة، فقل لنا: هل أنت حر طليق؟
أنجومار (بهدوء) :
لا.
ألستور :
إذن فكيف أنت؟
أنجومار (مبتسما) :
إني هنا أسير.
ألستور :
ويل لهذه المدينة منا، سنجعل عاليها سافلها، ونقضي عليها القضاء الأخير، فإلى السيف، إلى السيف!
أنجومار :
لا لا، لا تهيج الرجال، أتظنون أن أنجومار يقع في الأسر إلا بإرادته؟
ألستور :
إذن فأين ذلك الزعيم القادر الذي استأسرك؟ أريد أن أراه! أين هو؟
أنجومار (مشيرا بيده إلى بوليدور الذي انسل إلى أحد الأركان) :
ها هو هناك.
ألستور :
أهو هذا الرجل (يرفع بلطته فوق رأس بوليدور) .
بوليدور :
النجدة! ارحمني بحق الآلهة! أغيثوني!
الحاكم (يتقدم بعد أن كان يتكلم مع ميرون على حدة)، (إلى أنجومار) :
أيها الشهم الشريف، لقد ردت عليك حريتك.
أنجومار :
كلا أيها الحاكم، إن شرفي يقضي علي بأن أكون أسير ذلك الرجل كما اتفقت معه، وإني لست ممن يخفرون الذمم أو ينكثون بالعهود، إنما من أراد أن يطلق حرية أنجومار فليدفع فديته.
الحاكم :
نحن ندفعها (إلى أتباعه)
اصرفوا مقدار الفدية من خزانتنا ، وهذا هو عين العدل الذي يقضي أيضا بأن يجمع هذا الرجل متاعه وحوائجه (مشيرا إلى بوليدور)
وأن يطرد من هذه المدينة؛ لأنه سبة ماسيليا وعارها.
بوليدور :
الرحمة يا سمو الحاكم الأعظم، إن المتوحشين يحيطون بالمدينة، فيسلبون مالي ومتاعي.
الحاكم (إلى بوليدور) :
هذا يعنيك وحدك، ولا شأن لنا فيه (إلى أتباعه)
فلينفذ أمرنا! اخرجوا به. (الأتباع يسحبون بوليدور ويخرجون به)، (إلى أنجومار)
أيها الشريف أنجومار، ما دام قومك يحملون مثل قلبك الطاهر ونفسك الأبية الحرة، فإنهم جديرون بأن يكونوا أصدقاء ماسيليا وحلفاءها البررة! وإنك تذكر أننا عرضنا عليك منذ لحظة منزلا ومزرعة وهذه الفتاة اليونانية لتكون زوجة لك.
ألستور :
الفتاة اليونانية! إذن فقد خسرنا زعيمنا، فالوداع، ولتهنئي بالأمن والسلم يا ماسيليا!
الحاكم :
إننا نطلب ما هو أكثر من الأمن والسلم، نطلب صحبتكم وصداقتكم، نطلب أن نكون وأنتم إخوانا، نطلب منكم أن تنشئوا لكم مدينة بجوار مدينتنا، ويكون أنجومار حاكما عليها!
الجميع (يصيحون هاتفين) :
لتحيا ماسيليا وليحيا أنجومار!
ميرون (لزوجته) :
أسمعت يا امرأة؟ لقد أصبحت حما حاكم عظيم (إلى أنجومار)
فلتهنأ يا سمو الحاكم، ألا تقول لي كلمة؟
أنجومار :
دعني الآن يا ميرون، فإن رأسي المضطرب لا يتحمل التفكير إلا في شيء واحد، وهو أن بارتينيا أصبحت لي إلى الأبد (يضمها إلى صدره)
وإني لمدين إلى الحب بهذا السرور وهذه النعم.
بارتينيا :
بل إلى الحب والشرف.
أنجومار :
لقد ارتبطنا الآن برابطة لا انفصام لها.
روحان من عالم الأرواح طارا لغاية
وقلبان يضطربان كالفلك في البحر
انتهت الرواية في الساعة السادسة وثلث من مساء يوم الإثنين 13 ربيع الثاني سنة 1335 / 5 فبراير سنة 1917م.
ولله الحمد والشكر على آلائه.
آمين آمين يا رب العالمين.
مخطوطة مسرحية «عبد الرحمن وعمر»
تأليف: مصطفى ممتاز
مثلتها فرقة عبد الرحمن رشدي بمسرح برنتانيا في 13 / 8 / 1920.
الفصل الأول
(المنظر الأول: صالة مفروشة فرشا بسيطا متوسطا.)
عبد الرحمن :
ما حدش شافنا واحنا طالعين ... اقفل الباب وراك.
عثمان :
معاكش كبريت؟
عبد الرحمن :
معايا شمعة، يا خبر أسود دي لسه ما خرجتش!
عثمان :
إحم إحم .
عبد الرحمن :
إذا كحيت تاني حاخنقك.
عثمان :
إذا ما كنتش أكح حاتخنق لوحدي.
عبد الرحمن :
استخبا!
جميلة :
والله ماني عارفة وإتأخرت ولا لسة بدري! نهايته، لما نشوف أبو عوف بيقول لي إيه في جوابه: عزيزتي جميلة منتظر حضورك الليلة في التياترو وفي بنوار نمرة اتنين يمين. «حاشية»: الرجاء عدم التأخير لأن المسألة مهمة جدا.
عبد الرحمن :
والله كانت حاتقفشنا وتبقى حوسة، ولع الشمعة يا سي عثمان!
عثمان :
إنما بس قول لي إيه هيه العبارة؟
عبد الرحمن :
اسكت من فضلك، أنا متفق وياك إنك تيجي معايا وأنت ساكت لا تسأل ولا تتكلم، مش كده الشروط؟
عثمان :
أيوه كده، ودلوقت عايز إيه؟
عبد الرحمن :
اقلع جاكتك واتشمر وساعدني في نهب البيت ده من أوله لآخره.
عثمان :
إيه؟!
عبد الرحمن :
كل ركن وكل دخنوق وكل حتة.
عثمان :
آه، حضرتك بقيت حرامي وإيدك طولت! لا لا يا عم أنا ماليش دعوة سايبك وماشي.
عبد الرحمن :
ما تبقاش عبيط يا سي عثمان! هو أنت مش جاي معايا علشان تساعدني في كل شيء برضه دي شروط! بقى الليلة دي الساعة عشرة حاخدك معايا عند عمر بك، والليلة الجاية يا حظ تحضر كتب كتابي. إنما قبل ده وده فيه شوية شغل في الأودة دي.
عثمان :
ودي أودة مين؟
عبد الرحمن :
أودة جميلة هانم.
عثمان :
جميلة هانم مين؟
عبد الرحمن :
بقى الست دي حكايتها طويلة قوي، إنما بالاختصار أقول لك إنها من ثلاث سنين حبتني وحبيتها وسابت أهلها وجت معايا، قمت أجرت لها الشقة دي.
عثمان :
بقى يعني غويتها وفوتها أهلها!
عبد الرحمن :
أهو زي كده.
عثمان :
إنما على كده جميلة صحيح ولا كل فولة ولها كيال؟
عبد الرحمن :
لا جميلة صحيح تهوس وتجنن، لكن عليها أخلاق إف يا حفيظ يا حفيظ! شيء وحش خالص!
عثمان :
قمتم اتخانقتم.
عبد الرحمن :
معلوم، ومين يطيق أخلاقها؟!
عثمان :
ولا عشان قدمت؟
عبد الرحمن :
لا، وهي دي تقدم؟! دي كل ما تعتق تزيد حسن. لكن العبارة بقى زي ما أنت راسي أنا خطبت، وإذا كانت تعرف أني حافوتها حتسود عيشتي وتبعزق عمري.
عثمان :
لا والجرسة يا أمير، فضيحة لرب السما.
عبد الرحمن :
وبكرة كتب الكتاب وإذا دريت تفضحني عند نسايبي وتتحنجل لي وتروح الجوازة السقع.
عثمان :
مصيبة صحيح آه ربنا يستر!
عبد الرحمن :
أمال هي الداهية إيه بس إذا كنت أعرف أتحصل على جواباتي ما اسألش بقى أبدا، وتبقى هيه مطرح ما تحط راسها تحط رجليها.
عثمان :
خصوصا وإنها تقدر ترفع عليك قضية بواسطة جواباتك.
عبد الرحمن :
أهو كل ما أفتكر في المسألة دي أتكتلت واتنفض، وعشان كده بعت لها النهارده جواب عشان تقابلني في التياترو، وهي زمانها في السكة رايحة آل إيه تقابلني!
عثمان :
لكن دي مجازفة!
عبد الرحمن :
آه للضرورة أحكام، ولكن أعمل إيه؟ آل والأدهى إني كاتب لها تعهد أني أتجوزها؛ وعشان كده بدي أدور عالتعهد ده وأسرقه مع الجوابات كلها وأسيبها لايصة.
عثمان :
واجب.
عبد الرحمن :
وبعدها أقول لها نشوف وشك في خير يا هانم، أنا رايح عند حمايا.
عثمان :
برافو.
عبد الرحمن :
يلا بقى ننكش وندور .
عثمان :
الله وآدي طربوش.
عبد الرحمن :
رجالي؟
عثمان :
لا حريمي.
عبد الرحمن :
طربوش!
عثمان :
وله زر، الله وآدي جونتي.
عبد الرحمن :
نمرة كام؟
عثمان :
سبعة وربع، وآدي علبة دخان، هيه بتشرب دخان؟
عبد الرحمن :
دي علبتي نسيتها عندها أول امبارح. الله وآدي صورة، إخص دي صورتي! آه وآدي رزمة جوابات؛ جواباتي! دور دور لسه كتير وإذا نسينا بس جواب واحد يبقى لوحده كفاية عشان ترفع بيه قضية.
عثمان :
اسمع! حس رجل عالسلالم.
عبد الرحمن :
الله ما داهية تكون رجعت! الحق الحق خش هنا.
عثمان :
عشان إيه؟
عبد الرحمن :
بس خش خش أحسن تكون هيه، لكن لما تخرج أوعك تقول إنك تعرفني.
عثمان :
يا أخي مش فاهم.
عبد الرحمن :
بس خش بلاش غلبة.
جميلة :
إخص على دي مواعيد! عبد الرحمن أنت هنا؟
عبد الرحمن :
أيوه أنا هنا.
جميلة :
ديهده ديهده، كنت بتهبب إيه؟ مال الدنيا منكوشة زي اللي معزلين جديد؟!
عبد الرحمن :
والله وقع الفار في الفخ!
جميلة :
إيه ده يا سيدنا؟
عبد الرحمن :
جميلة! أنا غيران.
جميلة :
من إمتى؟! والنبي تتلهي.
عبد الرحمن :
لا بلاش هزار، إنتي بتحبي واحد تاني.
جميلة :
هاها، جايب الخبر ده منين؟
عبد الرحمن :
جاني جواب من غير إمضاء مكتوب فيه كل شيء، وأتاريني كنت أعمى كنت مغفل، لكن دلوقت خلاص.
جميلة :
طيب وريني الجواب ده!
عبد الرحمن :
شرمطته من غير ما أقراه.
جميلة :
إيه؟!
عبد الرحمن :
يعني شرمطته بعد ما قريته، وما دام دلوقت بقى لك واحد صاحب غيري فده شيء ما يخلصنيش.
جميلة :
بس فهمني التاني ده مين؟
عبد الرحمن :
أنا عارف شكله وأوصافه بالتفصيل، بزيادة بلف بقى، أقول لك: عنيه عسلية وشكله عادة ومناخيره مطرطرة في وشه ولابس ... وعشان كده قلت لك استنيني في التياترو عشان أقدر آجي هنا وأدور على براهين خيانتك.
جميلة :
ولقيتهم؟
عبد الرحمن :
لأ لسه، لكن ما تخافيش مسيري ألاقيهم برضه، وبعدها يبقى آدي وش الضيف. وكمان أقول لك إن قلبي بياكلني وحاسس إن صاحبك مستخبي هنا في الأودة دي.
جميلة :
فشرت قطع لسانك، لكن لا مافيش لزوم للزعل، اجري خش الأودة ودور لوحدك.
عبد الرحمن :
إذا دخلت ولقيته حأقتله أشرب من دمه أفشفشه، افتحي الباب.
جميلة :
اتفضل ... راجل غريب!
عبد الرحمن :
آه، مسكين يا قلبي! آدي اللي كنت خايف منه وعامل له ألف حساب.
جميلة :
ده حرامي حرامي!
عبد الرحمن :
معلوم حرامي سرق سروري وراحة فكري.
عثمان :
لا مؤاخذة.
عبد الرحمن :
اخرس يلا اخرج من هنا أحسن أحتحتك ... استناني تحت.
عثمان :
لكن بس.
عبد الرحمن :
هس مش عاوز كلام إوعك تتنفس ... الوصفة تمام ولا لأ عنيه عسلى وشكله عادة ومناخيره مطرطرة في وشه ولابس ...
جميلة :
والله يا سي عبد الرحمن أحلف لك بالله العظيم.
عبد الرحمن :
بس بس كفاية اللي جرى، ما كنش عشمي إن كل ده يجرى منك يا هانم! ومن دلوقت ما بقتيش رايحة تشوفي لي رقعة وش.
جميلة :
عبد الرحمن حبيبي ... كل ده من تحت راسك يا نحس انطق أنت أخرس؟!
عثمان :
بقى من غير مؤاخذة، أصل العبارة إن سمحتولي بالكلام.
عبد الرحمن :
ما اسمحلكش واحنا هنا مش أفرنج عشان أبارزك وتبارزني، لكن أدوقك بنيات أخليك تتكرع ... ما تخافش ده بس كده وكده ... دوق دي!
عثمان :
ديهده ما تلايمها أمال!
جميلة :
بس بس سيبوا بعض! المسألة لازم فيها غلطة كبيرة.
عبد الرحمن :
كمان ما يصحش نتخانق قدام واحدة هانم، إنما إذا كنت راجل شريف إديني كارتك.
عثمان :
اتفضل آدي الكارت. عاوز كمان؟
عبد الرحمن :
بس يلا امشي انجر أحسن ما يحصلكش طيب ... انده عربية واستناني تحت.
عثمان :
يعني عملتني بلياتشو؟!
عبد الرحمن :
اخرس.
عثمان :
مساء الخير يا هانم واياك كده قريبا إن شا الله.
عبد الرحمن :
يلا يلا ... أهي بقت ثمانية وربع.
جميلة :
أظن إذا كان فيه شوية تمرين زيادة كنت تتقن الدور أحسن من كده!
عبد الرحمن :
أنت ما تكلمنيش يا حضرة الهانم، هاتي لي جواباتي واتفضلي جواباتك أهيه!
جميلة :
لكن صاحبك ما عرفش يمثل زي الناس!
عبد الرحمن :
صاحبي مين؟
جميلة :
عثمان حلمي ما هوش صاحبك؟!
عبد الرحمن :
اتفأست!
جميلة :
شوف أما أقول لك بقى العبارة دي مش علي والعبارة باينة خالص إنت عاوز تفوتني!
عبد الرحمن :
آه ما دام إنتي بقى عرفتي كده ...
جميلة :
خلاص ما بقتش تحبني؟
عبد الرحمن :
الكلمة دي ما أقدرش أطلعها من بقي.
جميلة :
أنت أنت يا سواد بختي!
عبد الرحمن :
آه الساقية دارت ... بقت ثمانية ونص وعثمان بيرن تحت.
جميلة :
ميلت بختي منك لله!
عبد الرحمن :
أوه! جميلة جململ، افهمي أمال، ابن آدم اللي اسمه طول وعرض ما بيعشي للأبد حايبقى الحب اللي حاجة فارغة يعيش طول العمر؟! وغير كده أهو الحبيبة كتير ربنا ما يخلقش حد وينساه.
جميلة :
الكلام ده تقوله للي زيك، إخص على كده! ولكن ده كله لزوم إيه ما تقول إنك حبيت واحدة تانية وبلاش مناكفة.
عبد الرحمن :
أهو المسألة زي كده تقريبا.
جميلة :
آه يا مين يوريها لي الساعة دي! كنت أقرمشها تحت سناني. قل لي اسمها إيه وساكنة فين؟ انطق بالعجل!
عبد الرحمن :
اسمها روحية هانم وساكنة في المنيرة.
جميلة :
كلام فارغ ما أصدقوش أبدا.
عبد الرحمن :
ما دام بقى ما بتصدقيش أمال.
جميلة :
ما تخرجش ... بقى زي ما بيضحك علي لازم أضحك عليه وأبلفه أنا كمان ... لما أقول لك يا عبد الرحمن، بقى أنا ما أحبش أزعلك ولا أقدرش على زعلك أبدا، لكن لما فاجئتني بالمسألة اتأثرت خالص، وأديني بعود روحي عليها شوية شوية وده كله عشان خاطرك لأنك عمرك ما زعلتني وأنا ما أحبش أزعلك خصوصا إكمنك طيب قوي.
عبد الرحمن :
وكمان إيه؟
جميلة :
وجميل خالص والنبي خفافي.
عبد الرحمن :
العفو.
جميلة :
أنت كل حاجة خالص.
عبد الرحمن :
سامحيني يا جميلة!
جميلة :
أسامحك لكن تحت شرط إنك تقول لي كل حاجة وساعة ما نخلص من بعض اتجوزها دغري، احلف لي قبله!
عبد الرحمن :
والله العظيم أتجوزها.
جميلة :
إمته؟
عبد الرحمن :
بكره.
جميلة :
أد إيه أنا متشكرة اللي سمعت كلامي.
عبد الرحمن :
دلوقت أنت بتتكلمي بعقل ونقدر نتكلم في الموضوع ونتناقش فيه زي الناس العقلاء.
جميلة :
هي مين بقى؟
عبد الرحمن :
خيرية هانم.
جميلة :
اسمها خفافي.
عبد الرحمن :
وأبوها راجل عاكم.
جميلة :
بالطبع أبو عوف ما يقعش إلا واقف.
عبد الرحمن :
أمال!
جميلة :
اوعى بقى بكرة تتنفخ وتطلع فيها.
عبد الرحمن :
لا أنا ما أحبش النفخة ... عجيبة والله ما كنتش منتظر منها العقل ده كله ... وبالك أنا كنت في الحقيقة خايف منك لما تسمعي الحكاية، وعشان كده قلت لهم يؤجلوا الفرح علشان ابن أختي زينب هانم عيان بالحصبة وأختي مش قادرة تيجي لكن بقى ما دام أنت ما زعلتيش نكتب الكتاب بكرة وإن شا الله ما عن أختي جت!
جميلة :
أهو كده الهمم أمال.
عبد الرحمن :
والليلة دي حمايا عامل عزومة صغيرة آل ليلة الحنة!
جميلة :
إشخلاك حالق ومغير!
عبد الرحمن :
طبعا أقل منها ... الساعة بقت تسعة ... سامحيني ولو اني مش رايح أنساك طول عمري.
جميلة :
مسمحاك من قلبي.
عبد الرحمن :
ممنون ... بس الوقت جه.
جميلة :
ما تخرجش دلوقت ... حبيبي ... إلا أقول لك يا حبيبي ولا لأ؟
عبد الرحمن :
معلهش قولي لي كده برضه الدقيقتين دول.
جميلة :
اقعد هنا زي ما كنت بتقعد زمان وأما أقعد أشتغل جنبك.
عبد الرحمن :
تسعة وربع.
جميلة :
عرفت أخرتها ... إلخ (تغنى) .
عبد الرحمن :
بقت تسعة وسبعتاشر.
جميلة :
ده شيء مضى وراح ... إلخ.
عبد الرحمن :
سي عثمان بيصفر لي ... بقت تسعة ونص إلا خمسة.
جميلة :
أنا مش عاوزة أأخرك لأني أعرف الواجبات في الأحوال دي، بس كل غرضي إني أشوفك مبسوط.
عبد الرحمن :
باجتهد إني أكون مبسوط ولو عشان خاطرك.
جميلة :
إلا قولي هي جميلة قوي؟
عبد الرحمن :
ميتين فدان وحيلة أبوها وأمها.
جميلة :
وبيضا ولا سمرا؟
عبد الرحمن :
غير المكنوز في الخزان، وأبوها راجل طيب قوي ... ودلوقت قاعد بيستناني.
جميلة :
وساكنين فين؟
عبد الرحمن :
في العباسية ... إنما اعملي معروف اسمحيلي بقى أحسن اتأخرت خالص.
جميلة :
هاها بقى حضرتك فاهم برضه إني حاخليك تخرج من هنا؟! ابقى مسي لي على حماك، هاها.
عبد الرحمن :
إيه ؟!
جميلة :
أديني عرفت كل شيء كنت عاوزة أعرفه، ودلوقت لا أنت رايح ليلة الحنة ولا في كتب الكتاب.
عبد الرحمن :
افتحي الباب ده يا هانم بقولك أنا ... لازم تفتحيه.
جميلة :
في المشمش.
عبد الرحمن :
طاوعيني المعروف أحسن.
جميلة :
ما دام ما انتاش عاوز تتجوزني مانيش حاخليك تتجوز حد أبدا.
عبد الرحمن :
يا شيخة بلاش هوسة ... دلوقت نسايبي يقولوا إيه بس؟
جميلة :
ولازم نموت سوا ... اشرب!
عبد الرحمن :
لأ مرسي.
جميلة :
ده بس محلول سليماني.
عبد الرحمن :
مش واخد عليه.
جميلة :
آه يا ناكر الجميل خايف تموت مع اللي كانت بتحبك! بخاطرك أنا أموت لوحدي.
عبد الرحمن :
على كيفك.
جميلة :
وبعدين تبقى أنت حر وتتجوز خيرية بتاعتك.
عبد الرحمن :
مع السلامة ... لا لا ... بدي أقول اتمسي بالخير.
جميلة :
آه يا ندل عاوزني أموت!
عبد الرحمن :
اتمسي بالخير ... ما تردي ... الله جميلة ... جمالات فتحي ده أنا كنت بهزر أنا ما أحبش حد غيرك ، آه يا دي الداهية السودا! ودي بلوة إيه دي؟ ركبي سابت إنتي متلجة، بس قولي إنك ما متيش وأنا أجوزك، قولي بس كركبتي مصاريني.
جميلة :
ما متش.
عبد الرحمن :
والله وأنا ما كنتش فاهم إنك بتحبيني للدرجة دي تغور خيرية ويغور أبوها وعزبته ونقديته مش عاوزها أبدا.
جميلة :
يسلم فمك.
عبد الرحمن :
لا هو أنا بقى ما عنديش إحساس.
جميلة :
كنت باحسب كده.
عبد الرحمن :
لا ده أنا بس كنت بهزر هاها.
جميلة :
روحي يا عبد الرحمن.
عبد الرحمن :
حاتنكش لي الغرف.
جميلة :
يلا بنا نسيب إسكندرية ونسافر على مصر. مصر واسعة ومحدش يعرفنا فيها.
عبد الرحمن :
بس كده دلوقت حالا أروح البيت ألم عفشي وحاجتي وأوضب أموري، يلا افتحي لي الباب.
جميلة :
طيب ومستعجل على إيه؟! طول بالك حبة.
عبد الرحمن :
يظهر إنك لسه مش مصدقاني، خليني معاكي ... غصب عن عيني ما باليد حيلة ... ولازم أوريلك إنك غلطانة وما يصحش تستخونيني، حاتيلي ورقة وقلم ودواية علشان أكتب جواب لعمر بك اللي كان حايبقى حمايا أقول فيه إني خلاص ما بحبش بنته ومش عاوز أناسبه ولا أشوف وشه. وأديني نازل أشتري ورقة بوسطة، وفي خمس دقايق أكون هنا. افتحي الباب!
جميلة :
ما أقدرش على تعبك أنا عندي هنا ورقة بوسطة.
عبد الرحمن :
دي بقت للشوشة!
جميلة :
خد آدي الريشة والدواية.
عبد الرحمن :
مش ... مش دلوقت، أه... أح... أحسن إيديا قرنصت ونازل علي برد.
جميلة :
يعني إيديك دافية أهيه!
عبد الرحمن :
لكن رجلي زي التلج.
جميلة :
أمال اقعد هنا على الكنبة حط دي على ركبك ... مش أحسن شوية ولا أكلم الجيران من الشباك يبعتوا خدامهم للحكيم.
عبد الرحمن :
ونازل علي نوم حنام خالص، يظهر إنها حمى في الدماغ ... اعملي معروف ابعتي للحكيم خليه ييجي ... إياك أعرف أغفل عشان يفوت على حمايا، آه آه.
جميلة :
برضه لسه ما دفتش اتغطى أمال.
عبد الرحمن :
لسه برتعش برضه، اسمعي سناني عمالة تعمل تك تك تك، اعملي لي حبة شاي من فضلك.
جميلة :
والله الشاي خلص استنى أمال أما أنزل أشوف حبة عند الجيران.
عبد الرحمن :
اع... اع... اعملي معروف أحسن حاموت.
جميلة :
بس خليك كده ما تتحركش عقبال ما أجبلك الشاي.
عبد الرحمن :
مش ... مش قادر أسكت.
جميلة :
إوعك تشيل الغطا من عليك!
عبد الرحمن :
أنا من... من... منتظرك ... لازم أهرب بس إزاي؟ أربط الفرش في بعضه وأنزل م الشباك. عثمان عثمان دور عالمفتاح واطلع ظهري يطأطأ.
عثمان :
كان حيطير مناخيري.
عبد الرحمن :
نام نام.
عثمان :
علشان إيه بس؟ ليه يعني؟
عبد الرحمن :
ما تنكش تسأل يا سي عثمان ... أوعك تتحرك بس افضل قول: آه آه آه كده هو على طول ... وأنا فكيت (يخرج) .
عثمان :
مش عارف بس معناتها إيه أفضل أقول آه. (تدخل جميلة.)
جميلة :
غبتش بقى؟! قوم اشرب، أنت نمت؟ مسكين معلهش برضه أحسن عشانك، ده أنا كنت جايبالك ميه سخنة تحط فيها رجليك.
عثمان :
آه آه.
جميلة :
ده مش عبد الرحمن ده الحرامي ... حرامي حرامي! (تنزل الستار)
الفصل الثاني
(منزل عمر بك، غرفة الاستقبال.)
خليل :
سيدي البيك سيدي البيك! إيه الفاميلية كلها بتأكل رز مع الملائكة، ناموا وهما بيستنوا العريس عبد الرحمن أفندي. وكمان آل سيدي عمر بك يبعتني علشان أدور عالعريس في بيته أتاري العريس مافيش! ودلوقت النهار طلع لازم بقى أصحيهم. عمر بك! سيدي البيك يا سيدي البيك!
عمر بك :
اتفضل مين؟ خليل ... لقيته يا خليل؟
خليل :
أنا رحت له امبارح بالليل زي سعادتك ما قال لي لكن كان هو خرج من الساعة ثمانية.
عمر بك :
لكن دي الساعة ستة الصبح دلوقت.
خليل :
أنا توي جاي يا سعادة البيك وفضلت مرصرص على العتبة بتاعة بيت العريس من امبارح، وبعدين الغفير مسكني بيحسبني حرامي ووداني عالكركون قمت حكيت العبارة للمعاون وهو سيبني.
فاطمة هانم :
ذنبنا في رقبتك يا بيه! أنا قلت لك العريس ده ما ينفعش وأنت تقولي مافيش أحسن منه. اقبض بقى!
عمر بك :
طيب بس بس ضبتك اتخلعت.
فاطمة هانم :
آدي اللي احنا شاطرين فيه يا خي!
عمر بك :
دلوقت مافيش فايدة من ده كله، المهم إننا عاوزين نعرف فين هو عبد الرحمن أفندي؟
فاطمة هانم :
ما هو ده اللي أنا كمان عاوزة أعرفه.
الجميع :
ما هو ده اللي كلنا عاوزين نعرفه.
عمر بك :
توفيق يا خويا أنت راجل عندك فكر كويس، تفتكر عبد الرحمن أفندي فين؟
توفيق :
أنا أفتكر ...
عمر بك :
قل لي قبل ما تتاوب، شوف شوف أديك عديتنا كلنا، حط الفطار والقهوة يا خليل.
خليل :
حاضر.
عمر بك :
اقفل بقك قبيح! إن اتاوبت تاني مرة رايح أطردك.
فاطمة هانم :
إلا قل يا بيه، حانفضل قاعدين ولا نقوم ننام لنا شوية؟
عمر بك :
يا هانم ده احنا الصبح نوم إيه بقى؟!
فاطمة هانم :
مش قادرة أبدا، النوم ماسك فيا قوي.
عمر بك :
لا مؤاخذة يا جماعة لكن دي مش غلطتي، إنما القسمة كده، اتفضلوا في أودة السفرة عشان تفطروا، قوم يا سي توفيق.
توفيق :
طيب.
عمر بك :
خيرية، هاتيلي البالطو والعصاية لما أخرج أشوف الحكاية دي إيه.
خيرية :
مافيش لزوم يا بابا لأنك حتى إذا كنت حاتلاقيه ما بقيتش رايحة أتجوزه بعد الفصل ده.
عمر بك :
بلاش عبط أمال! يمكن حادثة أخرته، يمكن عربية داسته، يمكن وقع من ترامواي! إه الناس أعذار.
خيرية :
كان برضو يقدر يبعت لنا خبر!
عمر بك :
ولا يمكن جاله تلغراف إن أخته زينب هانم جاية، ويمكن لما روحها ما قدرش يرجع تاني.
خيرية :
والله ما أصدق حاجة من دي أبدا، بس هو اللي بيعمل كده علشان يكسر نفسنا (صوت جرس) .
عمر بك :
مين؟ يمكن عبد الرحمن أفندي، مين عارف!
خيرية :
إذا كان ما ماتش، ما بقيتش عاوزة أشوف وشه أبدا! أنا ما استحملشي الإهانة دي كلها.
عمر بك :
طيب بس بس اعملي معروف (تخرج خيرية) . (يدخل عثمان من اليمين.)
عثمان :
حضرتك عمر بك مش كده؟ صباح الخير.
عمر بك :
أيوه أنا. صباح الخير، حضرتك مين؟
عثمان :
أنا عثمان، عثمان حلمي، ابن عم سي عبد الرحمن.
عمر بك :
ابن عمه ... تعالي يا خيرية تعالي، واندهي نينتك، ده ما حدش غريب ده سي عثمان ابن عم العريس.
فاطمة :
صباح الخير يا سي عثمان. أهلا وسهلا. ما تيجي يا خيرية، ده سي عثمان مش غريب، اسم الله عليها حاكم تختشي قوي.
خيرية :
صباح الخير يا سي عثمان ... قيافة!
عثمان :
صباح الخير يا هانم ... خفافي!
عمر بك :
ما قلتش بقى فين سي عبد الرحمن؟
عثمان :
والله باعتني عشان أقول لكم.
فاطمة :
وهو فين ما ماتشي؟
عثمان :
مش قوي.
عمر بك :
واحنا قعدنا نستناه طول الليل امبارح.
فاطمة :
وأظن ده شيء ما يخلصكش أبدا؟
عمر بك :
بس اسكتي أنت وسيبي لي المسألة دي.
عثمان :
سي عبد الرحمن ... قال لي إني أعتذر لكم بالنيابة عنه.
عمر بك :
طيب، ولكن ما جاش ليه ... فيه حادثة إن شاء الله ولا إيه؟ عشان خدامي قعد له عالباب طول الليل.
عثمان :
والله امبارح كنا ناويين نيجي ... الساعة تسعة تقريبا ... وبعدين واحنا في السكة إلا وصاحبنا اتمسك ناحية المحطة.
عمر بك :
إيه ... مسكه البوليس؟
عثمان :
لا بس كده نوبة.
عمر بك :
نوبة إيه.
عثمان :
وبقى غلبان يتلوى، شيء مؤلم خالص.
عمر بك :
يكونش ضرسه بيوجعه.
فاطمة :
ولا طوفة حبان.
عثمان :
أهي دي تمام.
عمر بك :
أنا عارفها كويس. دي تيجي كده على غفلة. عشان مرة كنت في العزبة وواقف في حوض بدنجان ...
فاطمة :
يا شيخ بلاش هوسة ... مش تخلي الجدع يكمل حكايته!
عمر بك :
طيب وهو أنا حابسه؟!
فاطمة :
أمال يعني إيه؟ كل ما ييجي يفتح بقه تقعد ترغي!
عمر بك :
ما تيجي بقى كمان قدام نسايبنا الجداد ... يلا أمال سني لسانك علي وريهم شطارتك!
خيرية :
بابا، نينة ... الله! كمل كمل من فضلك!
عثمان :
وبعد مرهنا عربية! لكن مسكين ما بقاش عارف يخش عشان كانت وارمة قوي.
عمر بك :
العربية؟
عثمان :
لأ خدوده ... فأخدته معايا واحدة واحدة لحد بيتي نيمته ... وحطيت له رجليه في ميه سخنة وخردل.
فاطمة :
عشان يروح الورم!
عمر بك :
آهو مين بقى اللي بيقاطع عليه في الكلام؟ قيدي عندك ... ده شيء ظاهر خالص.
فاطمة :
لأ، مش ظاهر.
عمر بك :
لأ، ظاهر. نهايته حط العربية في مية وخردل ... رجليه ولا أهو إيه ... وبعدين؟
عثمان :
وعشان مافيش عندي دوا ثاني ... أتاري صاحبنا فضل يورم ... يورم.
عمر بك :
مسكين مسكين أظن ما كان شكله عبرة قوي؟
عثمان :
لما تشوفه ما تعرفوش، وشه وارم قد كده!
عمر بك :
ولازم اتألم قوي ... يلا بنا نروح نطل عليه!
خيرية :
وسبته لحد دلوقت منقوع في الخردل؟
عثمان :
لأ طلعته، وحطيته في عربية ... وأهو عالباب تحت.
عمر بك :
آه ... وبعدين ياخد برد ولا يستهوى ... طلعوه هنا!
عثمان :
طيب عن إذنكم أمال أما أنزل له.
عمر بك :
لا، خليك أنت. يا خليل ... انزل تحت تلائي عربية عالباب. جواها واحد أفندي وارم، تجيبه هنا بحساب. هه ... على مهلك قوي.
خليل :
أفندي وارم؟
عمر بك :
أيوه وارم وارم!
عثمان :
حقه إذا كلموه قبل ما أفهمه الحكاية حتبقى العبارة حوسة ودوسة ... إنما لازم لازم نشوف له حاجة طرية يقعد عليها.
عمر بك :
أيوه لازم ... حاجة طرية يحط عليها راسه .
عثمان :
لما أتأطأ بقى وأنزل أقول له عاللي جرا.
عبد الرحمن :
متشكر ... آه متشكر.
عثمان :
اسكت، اسكت العيا مش في رجلك.
عبد الرحمن :
إيه؟
عثمان :
انفخ شدقك!
عبد الرحمن :
أنا قلت لك قول لهم إن رجلي بتوجعني!
عثمان :
وأنا قلت لهم إن وشك اللي وارم ... على كل حال أهي زي بعضها ... انفخ وشك بقى.
عبد الرحمن :
بس إزاي يا سي عثمان؟!
عثمان :
حط دي في شدقك.
عمر بك :
سلامات يا ابني ... والله زعلنا عليك قوي.
عبد الرحمن :
الله يحفظكم ... والله أنا اللي متأسف خالص.
عمر بك :
أهو جه سي عبد الرحمن.
فاطمة :
ده احنا ما كناش فاهمين إنك حاتقدر تخرج أبدا.
خيرية :
ده بقى شكله وحش قوي ... لكن عثمان عال.
عثمان :
ما تتكلم يا أخي بلاش فضيحة!
عبد الرحمن :
ما تآخذونيش عشان مانيش ...
عمر بك :
قابلين عذرك يا ابني، استنى لما أربط لك وشك بالمنديل ده!
فاطمة :
لا، لا. يا بك أنا اللي أربطله.
عبد الرحمن :
أيوه ... أيوه ...
عثمان :
أظن أحسن بلاش رباط؛ لأنه مسكين متألم قوي ... والرباط يتعبه خالص ... غلبان.
عمر بك :
ده حقه أورم صدغ شفته في حياتي!
عبد الرحمن :
أرجوك يا خيرية هانم إنك تسامحيني في تأخير امبارح!
عثمان :
يا أخي بلاش كلام ... الأحسن نتكلم بالإشارة.
خيرية :
أنا مش فاهمة منك حاجة، أنت فاهم يا بيه؟
فاطمة :
معلوم فاهماه كله.
عبد الرحمن :
كل دي غلطتك أنت.
عثمان :
بس الحق حط البندقة في بقك.
عمر بك :
شوف شوف! الورم بيخف أهو ... ده حتى راح راح.
فاطمة :
راح فين ... ده بقى ألعن ... ما تبص!
عثمان :
أب ... ده حط البندقة في شدقه التاني!
عمر بك :
دلوقت بس كان الورم ... كان الورم في الناحية الشمال، وأهو بقى دلوقت في اليمين!
عثمان :
تمام ... تمام والعيا ده ما يتنقلش بالشكل ده إلا لما يكون شديد.
فاطمة :
طيب والكلو اللي كان في رجلك مش كان بيتنقل م الرجل دي للرجل دي.
عمر بك :
لا ما كانش بيتنقل بالسرعة دي!
عبد الرحمن :
كلو إيه وبتاع إيه؟
عثمان :
يا أخي بقى مش تتسد ... يا ساتر يا ساتر ده جايب له البندقة.
عمر بك :
معلهش معلهش ده كويس علشانك. الله ده الورم راح!
فاطمة :
راح؟
عمر بك :
شوفي!
فاطمة :
أما عجايب!
عبد الرحمن :
آه يا خيرية! آه لو تعرفي قد إيه اتعذبت واتألمت!
خيرية :
مش عاوزة أعرف.
عبد الرحمن :
ما تآخذنيش يا حماتي. أنا متأسف خالص!
فاطمة :
لأ يا ابني وتتأسف على إيه ... شيء ما لوش لازمة.
عمر بك :
حيث إن المسألة انتهت بالشكل ده ... نحب بقى نفرفش شوية ... اعمل معروف يا سي توفيق. ونعرف لنا كلمتين عالهامش. دور قصيدة زي ما يعجبك حاكم سي توفيق أخويا يغني كويس.
توفيق : «البلبل الحزين»، «البلبل الحزين».
خليل :
حضرة زينب هانم جت.
عبد الرحمن :
أختي!
عمر بك :
أنت ما كنت قلت لنا إنها موش جاية.
عبد الرحمن :
لازم غلطة.
عمر بك :
أمال روح شوف العبارة إيه!
عبد الرحمن :
جميلة!
عثمان :
زمزمت .
عمر بك :
أهلا ... وسهلا ... زينب هانم. لكن، وأنت كنت قلت في جوابك الأخراني إنك مش قادرة تيجي ... عشان بسلامته كان عيان بالحصبة.
جميلة :
صحيح، صحيح. لكن بسلامته طاب ... الحمد لله وإزيكم انتم؟
عمر بك :
هايصين أهوه.
جميلة :
بلغني كده برضه.
عمر بك :
إحنا متشكرين قوي اللي شرفتينا. لطيفة قوي أخت سي عبد الرحمن.
فاطمة :
بقى عجبتك قوي! يا شيخ اختشي على عرضك، دي زي أولادك!
عمر بك :
لا يعني أقصد إنها بنت حلال.
عثمان :
دي ناوية عالشر والله أعلم.
عبد الرحمن :
اسكت يا عثمان أحسن نازل علي عرق زي التلج.
عمر بك :
يظهر يا ابني إنك ما انبسطش لما جت أختك!
جميلة :
حاكم أخويا يختشي قوي. طول عمره كده. بوسني يا عبده!
عبد الرحمن :
إنت جاية هنا ليه؟
جميلة :
أخلص تاري.
عبد الرحمن :
أنت عقربة.
جميلة :
وناوية ألدغك ... فتح عنيك!
عمر بك :
شفتي بثينا يا زينب هانم ... حاجة حلوة قوي.
فاطمة :
أيوه شايفاه.
جميلة :
حاجة حلوة صحيح. الله ده ابن عمي هنا! أمال مخبي وشك ليه يا سي عثمان ؟ إزاي ليلة امبارح؟ هاها.
عثمان :
هاها ... الأحسن إنك تضحك أنت كمان.
عبد الرحمن :
هاها.
جميلة :
لكن مانتش عارف الحكاية انتهت على إيه! هاها.
عمر بك :
أنستينا يا زينب هانم ... لما أعرفك بعروسة أخوك ... بنتي خيرية هانم.
جميلة :
أهلا وسهلا ... يا حبيبتي تعالي أما أبوسك، عروسة قطن.
خيرية :
آه!
عبد الرحمن :
لازم عضتها.
عمر بك :
لازم عجبتها قوي.
جميلة :
هاهاها.
عمر بك :
يا سي عبده ضحكة أختك غريبة قوي!
عبد الرحمن :
شيء وراثي في عيلتنا.
عمر بك :
أظن ما سمعتيش يا هانم على حادثة سي عبد الرحمن؟
فاطمة :
طول الليل امبارح واحنا قاعدين نستناه، لحد ما نمنا واحنا قاعدين.
جميلة :
هاها. أما عبارة. هاها!
عبد الرحمن :
بس الضحكة دي.
عمر بك :
شدقه كان وارم قد الكرنبة.
جميلة :
شيء يضحك هاها.
عمر بك :
يا سي عبد الرحمن أنا مش مبسوط أبدا من ضحكة أختك دي!
عبد الرحمن :
ما تاخدش في بالك ... دي مسكينة جاية من سفر طويل شوف فين بينا وبين أسيوط؟ وكمان ابنها عيان بالحصبة. غير إنه شيء وراثي في العيلة.
جميلة :
ما لك يا عبده؟ يظهر إنك اندهشت لما شفتني!
عبد الرحمن :
لأ، بس اتنكدت.
جميلة :
عندك خمس دقايق بس تفض فيهم الجوازة دي.
عبد الرحمن :
جميلة!
جميلة :
ولا أرفع عليك قضية.
عبد الرحمن :
خازوق من كل جانب.
عمر بك :
اسمعوا بقى سي توفيق حايغني.
توفيق :
إحم ... إحم.
جميلة :
خمس دقائق بس.
عبد الرحمن :
ما أقدرش.
توفيق : «البلبل الحزين».
عمر بك :
استنى يا سي توفيق، اقعدوا قبله كلكم!
توفيق :
هطل الدمع وفاضا
من مآقي البلبل
عمر بك :
الضحكة دي لازم طلعت فلة؛ لأن موضوع القصيدة.
جميلة :
دانا ماكنتش واخدة بالي ... هاها.
عمر بك :
بس ضحكتها مزعجة قوي.
فاطمة :
يا ترى مبسوطة ولا مجنونة؟!
عمر بك :
تكونيش عيانة يا زينب هانم؟ يعني ملكيش كيف شوية ولا حاجة؟
جميلة :
أبدا أنا في أحسن صحة!
عمر بك :
طيب كمل يا سي توفيق!
توفيق : «البلبل الحزين».
عمر بك :
أحسن تستريحي هنا يا هانم ... مجنونة من غير شك!
خيرية :
نينة! نينة! أنا خفت!
فاطمة :
قولي لأبوك ما تقوليليش أنا.
عمر بك :
إلا ما انتاش ملاحظ شيء على أختك يا سي عبد الرحمن؟
عبد الرحمن :
بس الضحكة دي، وده شيء وراثي.
عمر بك :
طيب كمل يا سي توفيق!
توفيق : «البلبل الحزين».
جميلة :
السح يا نطح يا خروف
نطاح السح النح الدح
يا أبو القرون الملوية
ما يعجبني فيك غير اللية
السح يا نطح يا خروف
نطاح السح النح الدح
عمر بك :
حقه دي المسألة زادت خالص. اعمل معروف يا سي عبد الرحمن سكت أختك ولا شوف لك فيها طريقة ... لا، لا. ده ما حدش يطيق الحالة دي أبدا! دي خرفت خالص ... أظن الأحسن تروحي يا زينب هانم!
جميلة :
تعالى لي يا حبيبي على مهلك
لا تشوف أهلي ولا أهلك
ساعة لحد أما أندهلك
كان قلبي عليك ولهان
عمر بك :
دي حاتعيد الدور من تاني ... يا خليل! اجري انده عربية حالا وشوف الأجرة كام لحد أسيوط!
خليل :
حاضر.
عمر بك :
نشوف وشك في خير يا هانم ... مع السلامة ابقي برضه شرفينا ... يظهر إنها هديت!
جميلة :
نشوف وشكوا في خير.
عمر بك :
وأنت من أهل الخير ... مع سلامة الله.
جميلة :
مين يعرف إمتى نتقابل تاني!
عمر بك :
والله ما احنا متقابلين تاني.
جميلة :
ده كل شيء قسمة ونصيب، وتكون في حنكك وتقسم لغيرك ما أحب غيرك ... (تغني) .
فاطمة :
مجنونة وعايزة المرستان.
عمر بك :
إيه الحكاية دي يا سي عبده ... وإيه قصدها؟
عبد الرحمن :
أوه، مافيش حاجة بس السرور. مشوار السفر ... الحصبة ... التعب ده كله.
عمر بك :
يا سي عبد الرحمن! بقى أنا مش عاوز أقول لك شيء يزعلك، إنما اسمح لي إني أقول لك بصراحة إنه مافيش فايدة من كونك تخبي علينا إن أختك مجنونة خطيرة.
عبد الرحمن :
شيء وراثي ... كده يروح وييجي.
عمر بك :
الأحسن ما تخليهاش هنا أبدا ... شوف لها حتة بعيد.
عبد الرحمن :
لكن الدخلة بكرة؟
عمر بك :
نأجلها.
عبد الرحمن :
برضه عملتها فيا!
خليل :
سيدي! الحق، الحق ... الست الضيفة دخلت في الأودة اللي فيها الحاجات بتاعة ستي خيرية هانم ونزلت فيها نكش وهري.
خيرية :
إيه؟!
فاطمة :
إزاي المجنونة دي تخش جوه؟!
عمر بك :
هس، هس! دي لازم نلاطفها. معلهش خليها تاخد اللي تاخده ... العربية فين؟
خليل :
عالباب تحت ... لكن العربجي بيقول إنه ما يروحش أسيوط.
عمر بك :
معلهش ... معلهش ... زي بعضه خليه يوديها المستشفى وقولوا له إنها هادية ولطيفة ولا تعملش حاجة؛ عشان الراجل يطمئن. اسمعي بقى يا أم خيرية ... لازم ناخدها على هواها وكل شيء تعوزه ندهولها؛ ده احنا حنروح ناخده منها تاني لما تخش المستشفى. اجرى يا سي عبد الرحمن وشوف أختك المجنونة!
خيرية :
دي بتموته!
فاطمة :
ديهده بقى ... أنا موش عاوزة حد يسيح دم حد على بساطنا الجديد.
عمر بك :
لا، لا. دي بتشيله الحاجات والهدايا.
خيرية :
حاجاتي كلها؟!
عبد الرحمن :
استريحتي بقى؟ أهي الحكاية اتفضت!
جميلة :
استريحت قوي ... نهارك سعيد بقى يا سي البك، سلم لي على عزبتك!
خيرية :
بابا بابا! دي خدت طبق الفطرة.
عمر بك :
معلهش ... معلهش أجيب لك غيره ... من فضلك ما تخديش دي!
جميلة :
ما خدهاش ... طيب خدها أنت!
الفصل الثالث
(المنظر ذاته الذي في الفصل الثاني.) (غرفة الاستقبال)
فاطمة :
أهي بقت الساعة عشرة وسي عبد الرحمن لسه ما جاش! ومن نهار ما عرفناه وهو تملي يوعد ويخلف. وأنا مش زعلانة عشان روحي لكن عشان البنية المسكينة اللي حاتخده، وعمر بك ساعة ألاقيه وساعة ما ألاقيهوش. يا عمر بك! يا عمر بك! يا بيك!
عمر بك :
جيت جيت. شايفة بقى يا هانم!
فاطمة :
مش عاوزة أشوف.
عمر بك :
أنا بدي أوريك العملة اللي عملها في الخياط.
فاطمة :
عمل فيك إيه بعد الشر.
عمر بك :
قلت له يفصل لي الجاكتة مضبوطة أتاريه حبكها قوي وخلاني مش قادر أتحرك وإيدي مكتفة خالص؛ يعني إذا ميلت كده ولا كده حاطلع من هدومي.
فاطمة :
سلامتك يا بيه بعد الشر.
عمر بك :
بشويش بشويش يا هانم.
فاطمة :
ما يهمش بكرة تاخد عليها.
عمر بك :
آه طبعا، لكن قوليلي ألا يعني رأيك إيه في الجوازة دي؟
فاطمة :
بس مش صعبان علي إلا فراقها وحافضل طول عمري أعيط عليها.
عمر بك :
أهو بس الستات وحشين في كده، ما يحبكلهمش العياط إلا وقت الجواز، كأن الجواز ده علقة ولا حاجة تموت! أمال يعني بقالك ثلاثين سنة منقوعة في الجواز لحد ما دوبتيني في عرق العافية وأديكي لسه صاحية!
فاطمة :
بعد الشر علي وأنا بنت إمتى؟! غرشى أنا كنت بجمد قلبي. أوعى ما تتنيش كده أمال أحسن الجاكتة تتقطع!
عمر بك :
أيوه خليكي واخدة بالك.
فاطمة :
وكمان بدي أقول للبنت كلمتين ينفعوها.
عمر بك :
وأنا كمان والله بدي أقول لها كلمتين ولو ان الكلام في الظروف اللي زي دي يبقى صعب شوية، وخصوصا لما تكون هدوم الواحد ضيقة.
فاطمة :
بنتي بنتي! بقى حياخدك منا سي عبد الرحمن؟!
خيرية :
بس إن جه!
فاطمة :
أيوه إن جه.
فاطمة :
وحاتفوتينا يا خيرية؟
خيرية :
أيوه يا نينة.
فاطمة :
وأظن بالطبع أنت تعرفي واجبات الواحدة مع جوزها.
خيرية :
عارفه برضه.
فاطمة :
لكن اعرفي يا بنتي إن جوز الواحدة مش زي أمها.
عمر بك :
ولا زي أبوها.
فاطمة :
مش تسكت لحد ما أخلص كلامي! والواحدة لازم تطاوع جوزها.
عمر بك :
ده الواجب، لكن مين بيعمل به؟!
فاطمة :
ولازم تحبيه ولو من ورا قلبك، وتطاوعيه في اللي يقوله. وهو زي ما يمشي معاكي تمشي معاه ولو بالكذب.
عمر بك :
آدي النصايح ولا بلاش! من فضلك اتركيني حبة لما أقول للبنت كلمتين يقعدوا لها في ركبها. بقى يا بنتي الجواز ده زي إيه ... زي حلاوة البخت، والواحدة وإسمتها، إنما اسمه حلاوة والسلام.
فاطمة :
إيه ده يا بيه؟
عمر بك :
سيبينا الساعة دي وخدي نصيبك. وشوفي يا بنتي إذا كنت عاوزة تعيشي مع جوزك مبسوطة متعمليش فيه حاجة زي اللي أمك كانت بتعملها في.
فاطمة :
لا ما أحبش بنتي ما تطلعش زيي، وأنت نسيت اللي أمك عملته فيا؟!
عمر بك :
ما تفتحيش عين البنت ! أهو زي ما قلت لك.
فاطمة :
لا ما أحبش بنتي ما تبقاش زيي.
عمر بك :
كمان ما يصحش نغش البنت.
فاطمة :
الرجالة ما لهمش في الحاجات دي.
عمر بك :
آه، فتحي عينك ومتفوريش دمي! كمان مش عاوزة تلايميها في ليلة مبروكة زي دي، ليلة جواز بنتي ... عملتيها يا ستي؟!
فاطمة :
هي إيه دي اللي عملتها؟ شيء ما يهمش.
عمر بك :
إن كان ما يهمكيش إنتي يهمني أنا عشان ما أقدرش أقابل جوز بنتي بجاكتة مشرمطة ... يا دي الفضيحة!
عثمان :
مسا الخير يا بيك مسا الخير يا تيزه ليلتك سعيدة.
عمر بك :
مسا الخير يا ابني بس عن إذنك دقيقتين. لايميها بقى وتعالي خديها غرزتين!
عثمان :
هو سي عبد الرحمن لسه مجاش ولا إيه.
خيرية :
لا والله يا سي عثمان.
عثمان :
أهو كل شيء إسمة ونصيب، ومين عارف الدنيا حاترسى على إيه؟ إياك ما يجيش!
خيرية :
ده يبقى من بختي.
خليل :
فين سيدي البيك؟
خيرية :
علشان إيه؟ ومش تبقى تستأذن قبل ما تخش؟!
خليل :
وهو أنا غريب؟ ده أنا خليل يا ستي هانم، ومن عشمي أحسب نفسي واحد من الفاميلية.
خيرية :
ونهايته عاوز إيه؟
خليل :
فيه واحد جه عالباب وفضل يزعق بعلو حسه يقول: يا عمر بك يا عمر بك!
عمر بك :
جيت جيت. سرعتني جاك سرعة! وأنا قلت الدنيا ادربكت ولا إيه؟
خليل :
لا يا سعادة البك بس الجواب ده ...
عمر بك :
هات من سي عبد الرحمن من غير شك ... أخبرك بمزيد الأسف أني لا أريد ابنتك!
عثمان وخيرية :
إيه؟!
عمر بك :
فابحث لها عن غيري. عبد الرحمن رشدي. الإمضا إمضته لكن الجواب مش بخطه.
عثمان :
صحيح الجواب مش بخطه لكن ده فيه حاشية: احرق هذا الجواب بدون أن تقرأه. أهي الحاشية دي بخطه تمام.
عمر بك :
آه فهمت، يظهر إن سي عبد الرحمن اتعدى من أخته والله أعلم!
خيرية :
ده ما له كده عمال يتمسخر علينا قوي يا بابا هو احنا مسخرة ولا إيه؟
عمر بك :
الظاهر كده برضه ، بقى أول مرة سامحناه علشان خاطر أخته المجنونة، ودلوقت حانسامحه عشان خاطر مين؟ معلهش يا بنتي ما يصعبش عليك. خلي بالك ويايا يا سي عثمان أحسن البنت تسورق ولا يجرى لها حاجة.
عثمان :
أنا في الحقيقة قلبي معبعب قوي من سي عبد الرحمن، لكن ساكت وحايش كتير، ولكن دلوقت حافرج عن قلبي.
عمر بك :
بس حاسب أحسن تاخد برد، اقفل عبك!
عثمان :
دنا أفتح روحي من جوه كمان، وما دام هو عمل كده خلاص ما بقاش ابن عمي ولا صاحبي ولا باقتش أعرفه، واللي هو غضبان عليها أخدها أنا.
عمر بك :
طيب وأنت عندك إيه يا سي عثمان؟
عثمان :
عندي إيراد 400 جنيه في السنة، وكمان لي خالة كهنة ربابكية وغنية قوي ولا لهاش حد يورثها غيري.
عمر بك :
يعني فوق الثلاثين جنيه شهري! عال قوي، وله خالة كهنة قوي ربابكية، برضه حسبة.
عبد الرحمن :
الحمد لله.
الجميع :
عبد الرحمن!
عبد الرحمن :
أظن اتأخرت عليكم قوي، لا مؤاخذة الناس أعذار والغايب حجته معاه.
عمر بك :
على مين الكلام ده؟!
عبد الرحمن :
عثمان ابن عمي! كتر خيرك قوي.
عثمان :
على إيه؟
عبد الرحمن :
خيرية!
خيرية :
سيبنا منك بقى.
عبد الرحمن :
ديهده ما لكم؟ خبر إيه؟
عمر بك :
قال ما لنا آل؟! ليه مش عارف جوابك؟ هي الناس مهزأة؟ هو ما لاقيتش حد غيرنا تتمسخر عليه؟
عبد الرحمن :
يظهر إنكم بقى ما قريتوش الحاشية.
عمر بك :
يا خي رق الحاشية يا سيدنا الافندي هي الحاشية تتقري قبل الجواب ولا بعده؟
عبد الرحمن :
بقى غلطتي إني ما كتبتش الحاشية قبل الجواب؟!
عمر بك :
خش في عبي خش، لكن ده كله ما لوش لزوم، والغرض إني فهمت من جوابك إنك بقيت مسكين زي أختك يظهر إنها بهتت عليك!
عبد الرحمن :
زي أختي؟!
عمر بك :
معلوم زي ستين أختك كمان. وهو يصح بعد ما تكتب جواب زي ده ترجع تورينا وشك؟! مش جنان ده؟ طيب قول لي كده بذمتك جاي ليه؟
عبد الرحمن :
جاي أتجوز خيرية .
عثمان :
تتجوزها؟!
خيرية :
يتجوزني؟!
عمر بك :
تتجوزها؟!
عبد الرحمن :
بقى حضرتك يا بيه لسه مش قادر تفهم عشان إيه أنا كتبت الجواب ده؟! هاهاها شيء مضحك خالص.
عمر بك :
ما داهية أكون ما فهمتش صحيح وتبقى باردة! لأ فاهم لكن عشان إيه بقى كتبته؟
عبد الرحمن :
عشان أهدي أختي.
عمر بك :
زينب هانم؟
عبد الرحمن :
آه، وحضرتك تعرف طبعا إن الناس اللي كده لازم الواحد يريحهم ويهاودهم.
عمر بك :
كده برضه.
عبد الرحمن :
مسكينة، حكايتها تحزن خالص، بقى أصلها كانت اتجوزت لكن جوزها كان راجل بطال قوي تملي يسكر وتملي يرنها علق لحد ما خلاها اختلت.
عمر بك :
بقى في محله اللي اجننت، لكن ليه كتبت الجواب ده؟
عبد الرحمن :
غصب عني مش بكيفي، وعشان اكمنها مسكينة تعبت في الجواز قوي فبقت دلوقت تكره كل حاجة اسمها جواز. قامت لما دريت إني حاتجوز كتبت الجواب ده وغصبتني إني أمضيه، قمت وأنا بمضيه حطيت الحاشية.
عمر بك :
برضه أنا قلت إن سي عبد الرحمن أفندي ما يخلصوش يعمل فينا كده، إنما أختك فين دلوقت؟
عبد الرحمن :
حبستها وقفلت عليها بالمفتاح. بعتوش حد يستعجل المأذون؟
عمر بك :
لا والله لسه. يا سي عثمان!
عثمان :
نعم.
عمر بك :
اعمل معروف قول لخليل يخطف رجله لحد المأذون.
عثمان :
مأذون إيه وبتاع إيه بقى؟!
عمر بك :
اسعف أمال يا سي عثمان!
عثمان :
أسعف إيه ده أنا عاوز الإسعاف!
عمر بك :
يلا أمال يا سيدي اللي يدور ياما يلاقي، يلا بنا يا خيرية نحضر اللوازم عبال ما ييجي المأذون، وعشان كمان ألحق أحلق دقني. عن إذنك يا سي عبد الرحمن.
عبد الرحمن :
اتفضل يا بيه. الله وأنا عاوز أحلق دقني، أما أشوف موس تاني عند عمر بك.
جميلة :
آه! سناني بتغلي، عاوزة أقرمش حد. آل يستغفلني الندل ويقول لي تعا نسافر إسكندرية وينزل في بنها ويفوتني! لكن برضه رجعت من طنطا وركبنا في قطر واحد وجينا سوا وهو مش عارف. أنا وراه والزمان طويل.
عمر بك :
مش لاقيينه، ما كان هنا دلوقت! ديهده لهو طفش ولا إيه؟
جميلة :
عمر بك.
عمر بك :
زينب هانم! رحنا بلاش، دي هربت م الحبس وجت.
جميلة :
فين عبد الرحمن؟
عمر بك :
مش ... مش عارف والله، أنا ما شو... شو... شوفتوش. الله تعوري نفسك!
جميلة :
مش شغلك.
عمر بك :
لكن أنا خايف أتعور.
جميلة :
وبرضه بنتك حاتتجوز الراجل ده؟
عمر بك :
أيوه ... بدي أقول لأ ولا هو إيه.
جميلة :
وإزاي تديها له وهو خاطب؟ ده راجل غشاش.
عمر بك :
معلهش بس إنت ريحي نفسك ... دي الليلة حالتها ألعن!
جميلة :
كل حتة أكون فيها ما يبقاش فيها راحة لحد أبدا.
عمر بك :
الظاهر كده برضه.
جميلة :
وأنا جاية هنا عشان أعطل كل حاجة.
عمر بك :
دي أدهى والمأذون زمانه جاي. أنا والله زعلت قوي عشان جوازتك دي كانت جوازة مهببة. راجل سكري ما يختشيش فضل يضربك لحد ما جننك ... لا لا يعني زعلك قوي. منه لله البعيد.
جميلة :
بلاش هوسة أنت راجل مخرف.
عمر بك :
زينب هانم!
جميلة :
أنا مش زينب هانم.
عمر بك :
دي بتحسب روحها واحدة ثانية.
جميلة :
أنا اسمي جميلة وبقول لك أوعى تدي بنتك لعبد الرحمن ولا بعدين هيه!
عمر بك :
حاضر حاضر ما اديهالوش أبدا، ما يكونش عندك فكر.
جميلة :
إذا رجعت في كلامك حاتعرف شغلك، أهبب عيشتك!
عمر بك :
مرسي مرسي، بس أنا خايف من الموس ده.
جميلة :
عبد الرحمن فين؟
عمر بك :
أظن هنا جوه.
جميلة :
طيب بس خد بالك إنك وعدتني وعد تمام، فتح عينك.
عمر بك :
مفتحها قوي.
جميلة :
إن رجعت في كلامك حأقتلك.
عمر بك :
بكل ممنونية، بس يمينك شوية أحسن الموس بيلمع. مجنونة وتعملها. بقى الولية دي ناوية عالشر والأذية، يعني بس سي عبد الرحمن راخر ما ودهاش الشرابية ليه؟ والله فكره أما أحبسها ... هس.
عبد الرحمن :
جرى إيه؟
عمر بك :
هس هس!
عبد الرحمن :
إيه بس.
عمر بك :
ولا كلمة، اخرج على طراطيف صوابعك وشوف خيرية فين واهربوا كلكم عالدور الفوقاني، وأديني محصلكم. هس!
جميلة :
آل المغفل بيحبسني وباب الأودة الثاني مفتوح!
عبد الرحمن :
بس العبارة إيه مانيش فاهم!
جميلة :
أهلا وسهلا.
عبد الرحمن :
جميلة أنت ... أنت!
جميلة :
بس بس.
عمر بك :
الأحسن إني أنسلت بقى من بين الاتنين دول.
عبد الرحمن :
حتدبحي حد ولا إيه؟!
جميلة :
لسه شوية ... هيه، يعني فاهم إنك حاتهرب من إيدي!
عبد الرحمن :
بقى في الحقيقة ... إنما جيتي إزاي؟
جميلة :
مش شغلك، أديني جيت وكلمت حماك.
عبد الرحمن :
يا دي الداهية السودا!
جميلة :
واتفقت وياه.
عبد الرحمن :
أنا مش رايح أتجوز بنته.
جميلة :
وأنا ما اتجوزكش ومش رايحة أخليك تتجوز حد أبدا، ودلوقت بقيت أكرهك خالص.
عبد الرحمن :
طيب أمال، اديني التعهد بتاعي اللي عندك وهاتي جواباتي!
جميلة :
لا أديلك جواباتك ولا أتجوزك ولا أخلي حد يتجوزك، وأفضل أناكف في بدنك كده هو.
عبد الرحمن :
أظن الأحسن أشد وياها شوية ... أنت يا هانم، أنا ما أعرفكيش .
جميلة :
معلهش وما له.
عثمان :
اتفضل يا سيدنا اتفضل، أنا جاي حالا.
المأذون :
السلام عليكم.
عبد الرحمن :
زمزمت! وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جميلة :
بونسوار يا سي الشيخ.
المأذون :
بونسوار ورحمة الله وبركاته.
جميلة :
وحضرتك شرفت عشان إيه؟
المأذون :
عشان أكتب كتاب كريمة البك.
جميلة :
على مين؟
المأذون :
على واحد أفندي كده اسمه عبد الرحمن ولا هو إيه.
جميلة :
بقى الافندي ده!
المأذون :
حضرتك العريس، أهلا وسهلا تشرفنا يا سي عبد الرحمن بك.
عبد الرحمن :
طيب يا سيدي.
المأذون :
ده باين إنط.
جميلة :
لكن الافندي ده متهم.
المأذون :
متهم في إيه لا سمح الله؟!
عبد الرحمن :
متهم؟!
جميلة :
متهم بالقتل.
المأذون :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، جريمة شنيعة! يا غفير يا عسكري!
عبد الرحمن :
الله الله.
جميلة :
هاها منك لهم تصطفل.
المأذون :
يا عمر بك يا ناس يا هوه، الحقوني!
عمر بك :
جرى إيه جرى إيه كفى الله الشر؟
المأذون :
الحقني يا بيه الحقني! هو أنا جاي هنا أكتب كتاب ولا أفتح محضر؟!
فاطمة :
هو جرى إيه؟
عمر بك :
يا ستي بس طولي بالك أما أشوف الداهية إيه ... إيه الحكاية؟
عبد الرحمن :
دي حاتبقى فضيحة لرب السما.
المأذون :
بقى يا سيدنا البيه الجدع ده متهم. متهم بالقتل.
عمر بك :
يا ساتر، يا ساتر!
فاطمة :
يا باي!
المأذون :
وإن الله لا يستحي من الحق، فمتآخذنيش أنا ما أقدرش أكتب كتاب واحد بالصفة دي!
عبد الرحمن :
طيب بس مش تطول بالك يا سيدنا لحد البيه ما يفهم العبارة.
المأذون :
لا لا فوتني يا عمر بك فوتني! أنا راجل كبير وصاحب عيال، والعبارة دي فيها مسئولية.
جميلة :
أنت يا عسكري!
العسكري :
نعم.
جميلة :
خد الافندي ده على القسم.
العسكري :
عشان إيه يا ست هانم؟
عمر بك :
دي حاجة تلبش.
جميلة :
الافندي ده قتل واحدة ست اسمها جميلة.
عمر بك :
يا خبر أسود!
المأذون :
مش قلت لك يا بيه؟
فاطمة :
ركبي سابت.
عبد الرحمن :
طيب اسألها يا شويش هي اسمها إيه؟
عمر بك وفاطمة :
زينب هانم.
العسكري :
سمعت يا متهم وفيه شهود.
جميلة :
أيوه أنا شفته بعيني، يلا خده عالقسم وأنا شاهدة. ابقى شوف لك واحد محامي يدافع عنك بقى. هاها جره يا عسكري هاها!
المأذون :
لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم اكفينا شر وزات الشيطان!
عبد الرحمن :
يا عمر بك كلمة بس من فضلك. بقى شفت جنانها حصل لدرجة إيه؟
عمر بك :
الحق عليك مش كنت تحبسها وتقفل عليها كويس! أهي جابت لك داهية تغرق فيها لحد ودانك وتلوصنا حواليك احنا كمان.
عبد الرحمن :
ده مش وقته يا بيه.
عمر بك :
طيب وإيه العمل؟
عبد الرحمن :
نثبت لهم إن جميلة ما ماتتش.
عمر بك :
إزاي؟
عبد الرحمن :
نجيب لهم خيرية ونقول لهم أهي دي اللي اسمها جميلة، والحكاية تنتهي على كده.
عمر بك :
أما فكرة، برافو!
عبد الرحمن :
حنسميكي جميلة مدة دقيقتين بس.
خيرية :
عشان إيه مانيش فاهمة؟!
عمر بك :
بس اعرفي إن اسمك جميلة وخلاص. يا شاويش!
العسكري :
نعم.
عمر بك :
الست اللي اتهمت نسيبي ست مجنونة.
العسكري :
ده شيء يبقى يبان في التحقيق.
عمر بك :
بس خد بالك ويايا أمال، وعشان تتأكد أقول لك إن اللي اسمها جميلة ما ماتتش وأهي صاحية على رجليها.
العسكري :
وهي فين جميلة دي؟
عمر بك :
أهي دي.
العسكري :
حضرتك جميلة اللي بيقولوا عليها؟
عثمان :
خيرية، خيرية هانم، دي خيرية هانم كانت بعتتني أجيب لها حاجة.
العسكري :
يعني ما اسمهاش جميلة؟!
المأذون :
سبحان الله!
عمر بك :
لأ.
عبد الرحمن :
لأ.
عثمان :
ومين قال إن اسمها جميلة؟!
المأذون :
أما ذمم وفضايح!
العسكري :
أنا لازم أقبض عليكم كلكم عشان التزوير ده والتلفيق.
عمر بك :
مجنون.
عبد الرحمن :
مغفل.
عمر بك :
ابن عمك متهوم في قتل واحدة اسمها جميلة يا مغفل.
عثمان :
هو أنت قتلتها بصحيح ولا إيه؟
عمر بك :
ده اسم شيطاني كده بس والمسألة معاكسة، مش فاهم أخته؟!
عثمان :
لكن أنا أعرف إنه فيه واحدة صحيح اسمها جميلة وسي عبد الرحمن يعرفها قوي. وأنا واحد أقول الحق، وإذا كان على أبويا كمان.
عمر بك :
بقى صحيح في واحدة اسمها جميلة؟
عثمان :
فيه قوي.
عمر بك :
بقى على كده تبقى التهمة في محلها!
عبد الرحمن :
طيب وأنت برضه يا بيه يخش عقلك إني أقتل حد.
عمر بك :
يخش عقلي؟! ده أنا دلوقت اتأكدت تمام إنك مجرم. خشي جوه يا هانم روحي مع نينتك يا خيرية أحسن يجروا رجلكم في القضية.
فاطمة :
وش مجرمين.
عبد الرحمن :
بلاش قباحة يا كركوبة.
فاطمة :
ارفع عليه قضية يا بيه!
عمر بك :
بس إن سلم من دي، جره يا عسكري!
خيرية :
قتال قتلة.
عبد الرحمن :
أدحنا اتفضينا دلوقت ما بقاليش حد أعتمد عليه إلا أنت يا عثمان. عثمان ابن عمي!
عثمان :
أنا يا خويه ماليش ولاد عم مجرمين.
عبد الرحمن :
أنا معترف إني خدت جميلة في القطر اللي رايح إسكندرية وسبتها في الوابور ونزلت في بنها، لكن هي رجعت تاني وموجودة هنا.
عثمان :
ارمي!
عبد الرحمن :
وأهي الحوسة اللي احنا فيها دي كلها من تحت راسها عشان تعطل علي الجوازة. إخص عليك يا عثمان! وأنت صاحبي وابن عمي، اعمل معروف خلصني.
عثمان :
أخلصك إزاي؟!
عبد الرحمن :
بس تحلف إنك تعرف جميلة وإن الست صاحبة الحكاية هي نفسها جميلة وعلى كده ينفض المشكل.
عثمان :
بقى يا صاحبي أنا راجل صاحب ذمة وضمير فمتآخذنيش إذا كنت ما أقدرش أشهد شهادة زور. من حق، يخلصك يا سيدنا الشيخ إني أشهد شهادة زور اكمنه ابن عمي؟
عبد الرحمن :
أنت مجنون ولا إيه ده أنت طينتها!
المأذون :
لا إله إلا الله بقى يا يشهد شهادة زور يا يبقى مجنون؟!
عثمان :
خد بالك يا شاويش عاوزني أبيع ذمتي! أنا مش من دول يا سي عبد الرحمن.
العسكري :
يا خي ده القتل باين على وشك، يا مجرم!
عبد الرحمن :
أما حوسة، بقى الكل يتفقوا علي في الظروف الصعبة دي حتى عثمان، لازم عينه ما جت عالبنت جميلة. جميلة اعملي معروف وقولي إنك ما متيش أنا في عرضك!
جميلة :
مش ممكن إلا لما تسيب البنت دي.
عبد الرحمن :
طيب وتعرفي لما أسيبها مش ممكن أتجوزك.
جميلة :
وأنت مين يتجوزك؟! هاها إشحالك يا سي عبد الرحمن هاها!
عبد الرحمن :
طاوعيني فتحي عينك واوعي لنفسك أحسن لك!
جميلة :
أنست يا ابو عوف هاها.
عبد الرحمن :
بقى عاوزين الحق كلكم، أنا صحيح قتلت الست اللي اسمها جميلة.
الجميع :
اعترف!
المأذون :
يا حفيظ يا حفيظ، ده كان حيبقى كتب كتاب بدمه!
عمر بك :
يعني كنت حاروح على طرة من ليلة الدخلة.
عبد الرحمن :
والست دي شريكتي في الجريمة.
جميلة :
أيوه صحيح أنا وهو قتلنا جميلة.
العسكري :
خليكم شاهدين، الاثنين اعترفوا.
عمر بك :
والله عقلي اتبرجل.
المأذون :
أما ليلة زي بعضها.
عثمان :
ساعدته على قتل روحها! هاها.
عمر بك :
الحمد لله اللي ما كنا وقعنا يا سي عثمان! أنا حديلك بنتي.
العسكري :
يلا يا وش التهم!
عبد الرحمن :
بس من فضلك لحظة يا شاويش. يا سي عثمان، أدحنا أهو اتفضينا إنما بالله العظيم عليك تقول الحق، وتقول كل شيء تعرفه.
عثمان :
أنا يا أخي ما أعرفش حاجة.
عبد الرحمن :
ده آخر رجا منك!
جميلة :
عاوزه يقول إيه بقى إذا قال لنسيبك إني أنا اللي اسمي جميلة وإنك متفق معايا من ثلاث سنين عالجواز، خايفة نسيبك يصدق الكلام ده بذمتك الكلام ده معقول؟!
عمر بك :
أنا اللي أعرفه إنك أنت زينب هانم.
جميلة :
وإذا قلتلهم إني أنا اللي عملت ده كله علشان ما أخليكش تتجوز مين رايح يصدقني؟
عمر بك :
مسكينة جوزها كان سكري وتملي يضربها وابنها عيان بالحصبة وشيء وراثي، معذورة.
جميلة :
وأنت يا سي الشيخ بذمتك تصدق الكلام ده؟
المأذون :
والله ما أنا عارف إيه اللي أصدقه وإيه اللي ما أصدقوش!
جميلة :
وأنت يا شاويش آل برضه تصدق؟
العسكري :
أنا أصدق كل حاجة.
عبد الرحمن :
في عرضك اعملي معروف، وأنت يا عثمان ما تطلعش فيها خليك ذوق.
عثمان :
تتنازل عن خيرية!
عبد الرحمن :
والله العظيم ما بقيت عاوزها.
عثمان :
بقى إحنا خلاص اتفقنا إنك تديني بنتك؟
عمر بك :
ودي عاوزة كلام، خليكم شاهدين.
عبد الرحمن :
مبسوطة يا ستي.
جميلة :
قوي.
المأذون :
أهو حترزق والسلام.
عثمان :
طيب اسمع بقى يا حمايا، واسمعوا كلكم، لكن حماتي فين؟
عمر بك :
يا هانم يا هانم! تعالي خشي، يا خيرية!
عثمان :
دلوقت بقت رسمي، اسمعو بقى، الست دي اسمها جميلة وتبقى خطيبة سي عبد الرحمن من ثلاث سنين وعندها تعهد منه وجوابات كثير إنه يتجوزها، وبعدين حب يغدر عليها قامت عملت فيه العمايل دي كلها اللي شفتوها، عشان ما يتجوزش غيرها وآدي الحكاية من أولها لآخرها.
عمر بك :
أما حكاية لكن تجنن.
عبد الرحمن :
لكن هي الحقيقة تمام.
جميلة :
اللي مش عاوزة كلام.
عبد الرحمن :
وقبل المأذون ما يكتب كتاب خيرية وعثمان.
جميلة :
يكتب كتاب جميلة وعبد الرحمن.
مأذون :
لا والله عامت وقرقشت.
جميلة :
أهو كده الواجب، اللي يحب واحدة ما يصحش يخلى بها ولا بس في الأول يبقى زي البغبغان: يا روحي يا عقلي يا قلبي يا ستي، وبعدين يسيبها ترن! مش بالذمة حرام؟
عمر بك :
معلوم حرام.
المأذون :
معلوم حرام.
جميلة :
واللي يغلط غلطة عليه إصلاحها، لكن مش كل واحدة تعرف تخلص بحقها زيي، والعاقلة هي اللي متطاوعشي الرجالة، أديني أهو، مش كنت حاروح بلاش؟
عبد الرحمن :
والله أنا متأسف يا جميلة على اللي جرى مني، والحمد لله اللي خلاني صلحت غلطتي بإيدي وإن شاء الله حاكون وياكي أحسن جوز خلقه ربنا.
جميلة :
وأنا أكون لك أحسن جوزة في الدنيا! أحسن زوجة في الدنيا ولا هو إيه.
الجميع : «البلبل الحزين.» (توفيق لا يكاد يفتح فمه ليغني حتى تقترب منه جميلة وتكبسه على طربوشه فينزل الطربوش على ودانه فيضحك الجميع ... وينزل الستار.) (تمت)
مخطوطة مسرحية المنافقين
اقتباس: مصطفى ممتاز
مثلتها فرقة أولاد عكاشة بتياترو حديقة الأزبكية في 12 / 5 / 1921.
رواية المنافقين
الأشخاص
حسن بك رضوان:
55 سنة موظف في المعاش (عبد العزيز خليل).
1
فريد أفندي:
25 سنة ابن عم حسن بك (الشيخ عبد الحميد).
مرسي أفندي:
50 سنة صديق حسن بك (أحمد فهيم ).
شعبان أفندي:
45 سنة صديق حسن بك (أحمد ثابت).
رمضان أفندي:
42 سنة صديق حسن بك وشقيق شعبان (حسن حبيب).
الصاغ:
50 سنة ضابط في المعاش (بشارة واكيم).
الدكتور زكي:
35 سنة طبيب الصحة، صديق حسن بك (محمد يوسف).
الشيخ خورشد:
40 سنة مأذون الناحية (أحمد فهمي الكبير).
فؤاد:
17 سنة ابن مرسي أفندي (فؤاد فهيم).
خليل:
40 سنة خادم حسن بك (أحمد الصغير).
أمينة هانم:
30 سنة زوجة حسن بك (فكتوريا موسى).
زينب:
20 سنة خادمة حسن بك (فكتوريا سويد).
الجزء العلوي من الصفحة الأولى لمخطوطة مسرحية «المنافقين».
الفصل الأول
(المنظر: خارج قصر حسن بك رضوان في الريف. باب في الوسط يؤدي إلى الحديقة وعلى جانبيه أقاصيص الرياحين، شرفة في اليمين يصعد إليها ببضع درجات تؤدي إلى باب القصر في اليمين، إلى يسار الشرفة منضدة عليها إبريق من الماء وكأس وسكين وطبق به ليمون وسكرية بها سكر، كراسي حديقة منتشرة، على أحد الكراسي في الشمال طربوش، إلى أسفل المسرح منضدة عليها سلة بها ألوان مختلفة من الحرير للتطريز.) (ترفع الستار عن زينب وهي تروي الرياحين برشاشة صغيرة في يدها، فيدخل البستاني خليل بخفة وهو يلتفت حوله.)
خليل (همسا وبدون أن تراه زينب) :
زينب!
زينب (منزعجة) :
من! (تلتفت خلفها)
خليل! والله لقد أزعجتني.
خليل (باهتمام وسرور) :
ماذا تعملين هنا يا بلهاء؟
زينب (ترفع الرشاشة إلى وجهه فيتراجع برأسه إلى الوراء) :
حتى لا تظن سيدتي أني أهمل أزهارها.
خليل (باهتمام) :
ألم يبلغك الخبر؟
زينب :
أي خبر؟
خليل :
أما رأيت الدخان الذي يتصاعد من مدخنة مطبخنا حتى كاد يحجب ضوء الشمس؟ عندنا اليوم وليمة كبرى لنحو مائة شخص أو يزيدون.
زينب (مندهشة) :
وليمة لمائة شخص! ولأي مناسبة يا ترى؟
خليل :
تشبهي بي، فإني خير مثال لمن يريد راحة البال، واهتمي بالأكلات، ودعيك من المناسبات؛ لأنه يتصادف أحيانا ... (تدخل أمينة هانم إلى الشرفة متثاقلة الخطى مفكرة.)
أمينة (لزينب) :
ما هذا يا زينب؟ (إلى البستاني)
وما شأنك معها يا خليل؟
خليل (مرتبكا) :
لا شيء يا سيدتي، وأقسم بالله العظيم، إني ... إني ...
زينب (بسرعة ) :
إنه يقول لي، إن عندنا اليوم وليمة لمائة شخص.
أمينة :
ومن أين هذا الخبر الغريب؟ (تنزل متباطئة) .
خليل :
رأيت الطباخ يا سيدتي، يذبح سبعة خراف وعشرة ديوك رومي، ونحو الثلاثين زوجا من الدجاج والحمام.
أمينة :
إذن فالمسألة مسألة وليمة بلا شك.
خليل :
لمائة شخص يا سيدتي؟
زينب :
هذا سيدي البك قد أتى. (يخرج خليل من باب الحديقة وتصعد زينب إلى القصر، ويدخل حسن بك ضاحكا من باب الحديقة وهو يفيض بشرا وفي يده فأس، أما ملابسه فبيضاء واسعة مما يلبسه العمال عادة.)
حسن بك (ضاحكا) :
هاها! (ينظر إلى ملابسه) .
أمينة :
ما هذه الملابس يا عزيزي؟
حسن بك :
هكذا يلبس الفلاحون في فرنسا، وما دمت قد انقطعت للحياة الريفية، فقد صممت على أن أكون ريفيا حقيقيا، إنما على الطراز الأوروبي! هاها!
أمينة :
لقد علمت الآن ...
حسن بك (مقاطعا) :
انتظري من فضلك، انتظري حتى أفرغ لك كل ما عندي خشية النسيان ... أين كنت هذا الصباح؟
أمينة :
كنت في غرفتي (تذهب إلى المنضدة السفلى وتجلس) .
حسن (متأسفا) :
آه! ليتك كنت معي في الساعة السادسة من هذا الصباح تستنشقين أنفاس الطبيعة المنعشة! (باهتمام)
اسمعي الآن لأحدثك عن الأمنيات الثلاث الكبرى التي أسعدني بها الحظ.
أمينة :
خير إن شاء الله!
حسن :
أما الأولى؛ فهي أن تجاربي في القطن قد أسفرت عن خير نجاح وسيكون للنوع الذي ولدته شأن عظيم.
أمينة :
إذن أهنئك على هذا الفوز، وما هي الثانية؟
حسن :
الثانية هي أني نصبت عدة شراك لذلك الثعلب الملعون الذي زار الدجاج زيارة منكرة، وسيقع الليلة في قبضتي.
أمينة :
فتقتص منه طبعا، وما الثالثة؟
حسن :
الثالثة هو أنه سيزورني اليوم بضعة من أصدقائي.
أمينة :
هذا هو ما أريد أن أسأل عنه؛ فكيف تدعو ضيوفا بدون أن تخبرني؟!
حسن (ضاحكا) :
في الحقيقة يا عزيزتي كنت أخشى أنهم لا يلبون دعوتي، وعلى كل حال فقد أوشكوا أن يصلوا.
أمينة :
وعددهم مائة كما أظن.
حسن (ببساطة ظاهرة) :
ليتهم كانوا مائة! إنهم أربعة فقط.
أمينة (مندهشة) :
أربعة! ولأجل أربعة تأمر بإعداد الطعام بالكثرة التي حدثني عنها البستاني؟
حسن :
خليل؟ يا له من أبله! حقا إن الطعام كثير ولكن هذا الأحمق لم يفكر في أولاده وأولاد غيره من الخدم ولا في الفقراء الذين تموج بهم القرية، ألا يتألم كل هؤلاء عندما يروننا نولم أفخر الولائم وليس لهم فيها نصيب؟ إن للفقراء في أموالنا حقا، وتالله ما بارك الله في مال لم يخرج منه نصيب الفقراء فيه! ولكن أين ابن عمي؟
أمينة (منتعشة) :
لست أدري، ولقد كنت أظنه معك.
حسن :
معي؟ أبدا! مسكين هذا الفتى. كلما أذكر أنه لم ير أباه وما أصيب أخيرا من وفاة أمه حتى لم يصبح له من ذوي قرباه غيري أتألم لحاله وها هو لم يمكث معنا شهرا حتى لزم الفراش شهرين.
أمينة :
والفضل في شفائه يرجع إلى الدكتور زكي ومهارته في فنه.
حسن :
وهل نسيت أنه أنقذ حياتك مرتين؟ إني من ذلك الحين أصبحت أنظر إليه كأنه أحد أفراد أسرتي تماما، ولو أن له بعض نظريات لا أستطيع الإيمان بها. (ينادي)
فريد! فريد! لست أدري أين اختفى هذا الفتى. (تظهر زينب من الشرفة.)
زينب :
فريد أفندي ليس هنا يا سعادة البك.
حسن :
هذا ما قلته (يلمح طربوشه على الكرسي، زينب تدخل المنزل)
ها هو قد ترك طربوشه وخرج يتمشى عاري الرأس!
أمينة :
وماذا يضره لو تمشى في الشمس قليلا؟
حسن :
الدكتور زكي منعه من ذلك.
أمينة :
بل أظن أنه أوصاه بالفسحة عند الشروق.
حسن :
وإذا صح ذلك فإنه يكون برهانا مبينا على أن الدكتور مجنون.
أمينة :
مجنون!
حسن :
وكيف لا وهو يوصي بأن يتمشى في الشمس؟ أولا يكون مجنونا وهو الذي يدعي معرفة أخلاق الناس من شكل جماجمهم وطول أنوفهم؟
أمينة :
ولكن ...
حسن :
ولكن ماذا؟ حقا إني أحترمه وأعترف له بفضله ولكني لا أشعر أنه من أصدقائي، فدعيني منه الآن حتى أبحث عن فريد. (ينادي)
فريد ... فريد! (يخرج مسرعا.)
أمينة (تتناول قطعة الحرير وتفكر لحظة ثم تجلس وقد بدأت تطرز) :
يا لك من مسكين يا فريد ! كم أشفق عليه وكم يتزايد انعطافي إليه حتى لأتمنى ألا يفارقنا أبدا. (صوت فريد من الخارج يغني وصوته يقترب بالتدريج فتتنبه حواس أمينة وتصغي إليه برغبة.)
فريد (يغني) :
لم يطل ليلي ولكن لم أنم
ونفى عني الكرى طيف ألم
روحي عني قليلا واعلمي
أنني يا هند من لحم ودم
إن في بردي جسما ناحلا
لو توكأت عليه لانهدم
أمينة (لنفسها) :
يشجيني صوته الملائكي (يدخل فريد من باب الحديقة)
يسرني جدا أني سمعتك تغني.
فريد :
ولو أني لا أجيد صناعة الغناء ولكنني أغني أحيانا على سبيل الرياضة.
أمينة :
إنك لتجيد الغناء إجادة متفوقة (يحني رأسه خجلا)
ولكن كيف تخرج في الشمس عاري الرأس؟
فريد :
عفوك يا هانم! فإن ما كان ليصح لي أن أترك صحبتك.
أمينة (تنادي ناحية المنزل) :
زينب! (لفريد)
ألم تلتق بابن عمك؟
فريد :
كلا، وهل سأل عني؟
أمينة :
نعم، والآن فقط (تدخل زينب)
هات تلك الصينية يا زينب!
زينب (وقد أتت بالصينية) :
هل أخبر سيدي البك بحضور فريد أفندي؟
فريد :
لا لا ... أظن أنه لا داعي لذلك حتى لا يؤنبني على خروجي إلى الحديقة عاري الرأس.
زينب :
هل تأمرين بشيء يا سيدتي؟
أمينة :
كلا ... بل تعالي يا زينب أعدي غرف النوم للضيوف وسآتي بعد قليل لأرى ماذا عملت (تخرج زينب ... خلال الحديث المتقدم تكون أمينة هانم جهزت شراب الليمون لفريد)
تفضل يا فريد أفندي (تقدم له كأس الليمون) .
فريد (يشرب) :
إني لي شكر يا سيدتي يفي بعض ما تحملينني من المعروف والفضل.
أمينة :
أرجوك ألا تتكلم عن هذا (تقدم إليه كأسا آخر) .
فريد (يتناولها) :
سامحيني فإني لا أستطيع أن أتكلم في غير هذا الموضوع؛ إذ لولاك لما نهضت من فراش سقامي (يشرب ويضع الكأس على المنضدة) .
أمينة :
وهل نسيت فضل الطبيب؟ لا تضطرب فإني ما زلت أخشى عليك الانتكاس.
فريد (بحرارة) :
ليتني أنتكس يا سيدتي فأستمتع مرة أخرى بعذوبة حنانك؛ لأن الألم الذي يصحبه هذا العطف لا يكون ألما بل سرورا.
أمينة (ضاحكة) :
قلت لك دعنا من هذا الموضوع.
فريد :
إن الاعتراف بالجميل هو دين القلوب.
أمينة :
إني لأشكر لك رقة إحساسك، ولكني ألاحظ من اضطرابك أنك لا تزال تحت تأثير الحمى.
فريد :
ربما كنت لا أزال مريضا، ولكن الذي أشعر به وقد ملأ كل قلبي يجب أن أصرح به.
أمينة :
لا تثر عواطفك؛ لأني علمت من الدكتور أن مرضك لم يسببه إلا تهيج العواطف، ومن كان في سنك فإنه يستطيع أن يجد إلى العزاء سبيلا.
فريد :
وكيف يا سيدتي وأنا وحيد كما ترينني وليس لي صديق؟!
أمينة :
ألا تجد في ابن عمك حسن بك أكبر صديق لك؟
فريد :
إن صداقة النساء وحدها هي التي تنزل على القلب بردا وسلاما، فأنا في حاجة إلى حنان كحنانك أنت.
أمينة :
إنما تطيعني كما لو كنت أختك الكبرى؟
فريد (بشغف) :
إذن فقد قبلت أن تكوني صديقتي؟
أمينة (ضاحكة) :
نعم، قبلت مع كل ما يترتب على ذلك من المسئولية.
فريد :
شكرا لك يا سيدتي، بل صديقتي، وألف شكر (تدخل زينب) .
زينب :
الدكتور زكي بك يا سيدتي.
أمينة :
دعيه يتفضل (تخرج زينب ) .
فريد (يقف متأففا) :
لست أدري لماذا أصبحت لا أميل إلى هذا الطبيب؟!
أمينة :
إنه لآية في الأدب وحسن الخلق، وإنك لا تزال تحت رعايته.
فريد :
ولكني لاحظت عليه أخيرا أنه ينظر إلي نظرات لا أفقه سرها (يدخل الطبيب) .
الدكتور :
سلام يا هانم (يصافحها ثم يتقدم إلى فريد ويصافحه وهو ينظر إليه بدقة)
وأنت؟ كيف حالك اليوم؟
أمينة :
ألا ترى تحسينا في صحته يا دكتور؟
فريد :
تحسين كبير (تدخل زينب وتهمس في أذن أمينة هانم) .
أمينة :
عن إذنك برهة يا دكتور (وهي على الدرج ووراءها زينب)
سأعود حالا.
الدكتور :
تفضلي يا هانم (لفريد)
لم تقل لي كيف أنت (يلمح شراب الليمون وقطعة التطريز) .
فريد :
يظهر أن الحمى قد عاودتني (الدكتور يمسك يده ويفحصه ثم يلبس نظارته وينظر إليه من أعلى إلى أسفل) .
الدكتور (بتهكم) :
ظاهر ظاهر!
فريد :
ولكن ما لي أراك تنظر إلي كما لو كنت مرتابا في قولي؟! فهل تنكر أني كنت مريضا؟
الدكتور :
وكيف أنكر ذلك وقد عالجتك شهرين وعرفت السبب الحقيقي الذي سبب لك المرض؟ وبالاختصار فإني أعرف كل شيء.
فريد (على حدة) :
يعرف كل شيء (للدكتور)
وما ذلك الذي تعرفه؟
الدكتور (يتناول قطعة التطريز ويقلبها في يده) :
انظر إلى هذا التطريز نظرة مفكر حكيم، ألا ترى أن هذه الألوان المختلفة قد اختلطت بعضها ببعض اختلاطا لا شيء من التناسب فيه بالمرة؟ وكيف أن عقد الخيوط الحريرية قد أغفلت ظاهر القماش بتأكيد معنوي بسبب عدم العناية وانشغال البال؟ ثم لا تنسى أن هذا التطريز هو إطار ستوضع فيه صورة ابن عمك حسن بك (يتناول كأس الليمون ويملؤه)
وهذا شراب الليمون انظر كيف صنع بمزيد الدقة والعناية! وسل ابن عمك كم مرة في حياته شرب مثل هذا الشراب؟
فريد :
ما هذا؟ أراك قد تدخلت فيما هو ليس من شأنك! ومع ذلك فاعلم أنك قد أخطأت في كل ما ذهبت إليه.
الدكتور :
تالله ما خانتني الفراسة قط!
فريد :
وعلام؟ بثني ظنونك حتى أفند دعواك (يدخل حسن بك) .
حسن (للدكتور) :
أنت هنا؟ مرحبا ... مرحبا (يصافحه)
وفريد أيضا. (فيقول لفريد)
أين كنت يا خبيث؟ (للدكتور)
ما الذي تراه في حالته يا دكتور؟
الدكتور :
تقريبا قد زالت عنه الحمى، إنما لا يزال عنده تهيج في المجموع العصبي.
حسن (يهز رأسه بحالة جد وتخوف) :
آه ... هذا ما ظننته وخشيته!
الدكتور (ينزل مع حسن بك) :
وهو في حاجة إلى الرياضة والرياضة الشديدة كالمشي مثلا، ويحسن أن تصحبه كل يوم في فسحة طويلة على الأقدام.
حسن :
فسحة طويلة!
الدكتور :
نعم نعم، على قدر ما تستطيع، وكلما كان بعيدا عن المنزل كلما كان ذلك في صالحه وصالحك، إنما لا تتركه وحده مطلقا؛ لأن الوحدة تسبب الأفكار.
حسن :
أما من هذه الوجهة فلا تخف؛ لأن أمينة هانم لا تفارقه قط (تدخل أمينة)
وها هي قد أتت فاسألها إذا كانت تفارقه لحظة واحدة.
أمينة :
إني دائما معه.
الدكتور :
آه حسن جدا إذن فلا خوف عليه مطلقا (يتناول طربوشه وعصاه) .
حسن (لنفسه) :
أخشى أن ينتكس المسكين عقب فسحة اليوم؛ إذن يجب أن أدعو الدكتور ليتناول الغداء معنا حتى لا نفتقد معونته عند الحاجة.
الدكتور (مستأذنا في الانصراف) :
أرجو أن تسمح لي يا بك ...
حسن (مقاطعا) :
لا لا، لا تهرب منا فإنك ستتناول الغداء معنا.
الدكتور :
إني يا عزيزي البك ...
حسن (مقاطعا) :
لا لا، لا أستطيع أن أقبل لك عذرا، ويجب ويلزم ويتحتم أن تمكث معنا.
الدكتور :
ما دام الأمر فيه وجوب وإلزام وتحتيم فها أنا معكم (يضع طربوشه وعصاه ... أمينة تطلع قليلا وفريد يتناول جريدة ويلحق بها) .
حسن :
الآن أصبت وأحب أن تشترك معي في الترحيب بالضيوف الذين سيشرفونني بعد قليل.
الدكتور :
إذن فأنت اليوم تنتظر بعض الزائرين؟
حسن :
نعم، ويسرني هذا جدا وبهذه المناسبة أخبرك يا دكتور أن عندنا غرفة فرشناها أخيرا وزيناها أبدع زينة فحيطانها وسقفها أزرق سماوي بديع موشى بماء الذهب وستائرها وفرشها الثمين من هذا اللون أيضا ونوافذها مشرفة على المزارع والحقول فكأنها جنة في البيت، وهذه الغرفة هي التي أسميها غرفة الصديق ولا يروقني أي منزل إلا إذا كان فيه غرفة صديق كهذه.
الدكتور :
إنك ممن يقدسون الصداقة والأصدقاء.
حسن :
كل التقديس، وكم يحلو لي أن أرى أصدقائي حولي تفيض قلوبهم بشرا وحبا، وتعلو شفاههم ابتسامات الإخلاص الطاهر! فما أجمل حياة المرء وحوله أصدقاؤه المخلصون! إني دائما لسعيد، ويزيد سعادتي وجود من يشاركني فيها.
الدكتور (ينظر إلى فريد وأمينة وهما يتحادثان) :
إذا كان الأمر كذلك فهنالك من هو مستعد لمشاركتك في سعادتك.
حسن :
تعني فريدا ابن عمي؟ ولكنه لا يكفي وعندنا غرف أخرى كثيرة ويسرني أن أراها كلها ملأى بالأصدقاء، وعندما كنت في القاهرة في الأسبوع الماضي دعوت كل من صادفته من أصدقائي لتمضية ما يشاء من الأيام في ضيافتي هنا.
الدكتور :
إذن فسيضيق منزلك بالزائرين!
حسن (يضحك مسرورا) :
حبذا حبذا! إن مزاجي يا دكتور اشتراكي محض، حتى إني ألتصق بالناس بمجرد التعارف وعندي خاصية لاتخاذ الأصدقاء، فهل لك مثل هذه الخاصية يا دكتور؟
الدكتور :
كلا يا سيدي، وليس لي أصدقاء.
أمينة :
لا صديق لك يا دكتور؟ ولماذا؟
الدكتور :
لأني يا سيدتي لم أعثر بعد على من يستحق أن يحمل هذا اللقب المقدس؛ إن حسن بك يبحث عن الكمية أما أنا فأبحث عن الجوهر.
حسن :
هذه هي إحدى النظريات التي يختلف نظرنا فيها (إلى أمينة)
هل أعددت لوازم الضيوف يا أمينة؟
أمينة :
لقد تركت زينب تجهز اللازم.
حسن (متأففا) :
زينب! زينب! بل أنت التي تجهزين كل شيء حتى لا يشعر أحد من الضيوف بذرة من الإهمال أو التقصير، أنت ربة الدار يا أمينة فلا تعتمدي إلا على نفسك!
أمينة :
لقد أوضحت لها كل ما يلزم عمله وأشرفت عليها عندما أتى الدكتور، وها أنا ذاهبة أيضا لأرى ماذا عملت (تطلع الدرج)
عن إذنك يا دكتور (تخرج) .
حسن :
لا يمكن للمرأة أن تعترف بخطئها إذا أخطأت، ولكنها دائما تأتي بالمعاذير والمبررات (يدخل خليل من باب الحديقة) .
خليل (لحسن بك) :
بالباب شخصان يقول أحدهما إنه صديق سعادتك ولم يشأ أن يذكر اسمه.
حسن (متهللا) :
صديق! إن طالعي لسعيد (يدخل شعبان أفندي ورمضان أفندي من الوسط يتبعهما عتال يحمل لهما المنضد)
شعبان أفندي ورمضان أفندي! مرحبا مرحبا! هذا فضل منكما عظيم.
شعبان :
نعم ها قد حضرنا، هات ريالا لأصرف العتال؛ إذ ليس معي عملة صغيرة (يتناول النقود ويعطي العتال بعضها ويضع الباقي في جيبه، وخلال ذلك ينقل خليل المنضد إلى أعلى) .
حسن :
تالله إن هذا الفضل منكما حقا! آنستما وشرفتما!
رمضان :
ما دام ليس لنا منزل في الريف ونريد استنشاق الهواء الطلق فليس لنا من سبيل غير الحضور إليك، والمرء مدين لنفسه بالطبع.
شعبان أفندي :
إن مرور السنين يا حسن بك لم يترك على جبينك غضونا ولا أثرا.
حسن :
ببساطة ذلك لأني لا أحمل هما.
الدكتور (على حدة) :
براعة استهلال!
رمضان (وهو يفحص المكان بنفسه) :
يا لله! إنه لقصر حقا!
حسن (ينزل بشعبان وأخيه) :
شعبان أفندي موظف بمصلحة الصحة، وشقيقه رمضان أفندي بمصلحة المساحة (الدكتور وفريد ينحنيان)
الدكتور زكي طبيب صحة المركز وطبيب العائلة أيضا ... فريد ابن عمي.
شعبان ورمضان (بامتعاض) :
تشرفنا!
حسن :
هل تحبان أن تريا الغرفة المعدة لكما؟
شعبان :
لا بأس وليذهب أخي رمضان.
حسن :
فريد، اذهب مع رمضان أفندي وأره الغرفة الزرقاء.
رمضان (على حدة) :
كأن عندهم عشرين غرفة (يخرج مع فريد) .
شعبان (بغيظ) :
إن الحظ وحده هو كل شيء في هذا العالم، فلا الذكاء ينفع ولا الهمة تغني، فسبحان العاطي الوهاب!
الدكتور :
سبحان مالك الملك!
زينب (في الخارج) :
من هنا يا سيدي؟
حسن :
برافو! زائر جديد! (تدخل زينب أمام مرسي أفندي وخلفه فؤاد ولده.)
مرسي :
بالطبع من هنا؛ فهل حسبتيني أعمى لا أرى الباب؟
حسن :
مرسي أفندي! أهلا أهلا!
مرسي :
بالله استرح لا تتعب نفسك؛ لأني أنا شخصيا لا أحب ذلك، خذ هذه (يتناول حقيبة وهي عبارة عن سجادة مطوية داخلها ملابس) .
حسن :
اسمحوا لي يا سادة أن أقدم إليكم صديقي القديم مرسي أفندي.
مرسي :
صديقك القديم! وهل رأيت على وجهي أو على ملابسي ما يدل على القدم، خذ هذه (يتناول المظلة)
إني لا أحب أن أتعب أحدا، هات حقيبتك هنا يا فؤاد (يتناولها من ولده ويعطيها لحسن بك)
ولدي الوحيد أيها السادة أدبته بنفسي وهذبته ... أطهر من زهرة وأودع من حمل!
الدكتور :
من شابه أباه فما ظلم!
حسن :
إني لا أنسى لك فضلك لوفائك بوعدك.
مرسي :
نعم، وتالله ما فعلت هذا من قبل لأحد غيرك؛ لأني لا أحب الريف.
الدكتور :
وهل هذا ممكن؟ (يدخل فريد.)
فريد :
لقد استنسب رمضان أفندي أن يلزم غرفته قليلا.
شعبان :
لا بأس، ولعله في حاجة إلى الراحة.
مرسي (للدكتور) :
لا أطيق الريف قط يا سيدي؛ لأنه قبل كل شيء ترى الأشجار الضخمة التي تحجب ضوء الشمس، والأزهار التي تورث الصداع برائحتها، والطيور التي تصم الآذان بصياحها. والخلاصة أن حسن بك ضايقني كثيرا بإلحاحه علي في الحضور إلى هنا حتى أضجرني، فقلت لولدي هيا بنا يا فؤاد لتلبية هذه الدعوة عسى ألا يضايقنا حسن بك بمثلها في المستقبل!
حسن (يصافحه) :
تالله إنك لكريم جدا!
الدكتور (على حدة) :
كريم ذو انتقام!
حسن :
ولو كنت حضرت قبل الآن بقليل لكنت نزلت في الغرفة الزرقاء، ولكن شعبان أفندي سبقك إليها.
مرسي :
أوه، لا بأس ما دام عندك ما هو خير منها.
حسن :
عندنا الغرفة القرمزية وهي بديعة جدا.
مرسي :
الغرفة القرمزية ...
الدكتور :
وعلى كل حال فمسألة لون الغرفة أمر لا يهم في الظلام.
مرسي :
أنا لا أحب الريف ولا أحب أن أتعب الناس، إنما لا يصح أن يغادر المرء مصر الزاهرة ويهجر فراشه الوثير لأجل غرفة (باحتقار)
في الريف (لولده)
أظن أنه خير لنا يا فؤاد أن نعود إلى مصر بأول قطار!
فؤاد :
نعم يا أبت.
مرسي :
نعم نعم، يجب أن نرحل في الحال (يمشي) .
حسن :
لا لا، هذا لا يكون أبدا، ويمكننا التوفيق فهل تسمح بغرفتك الزرقاء يا شعبان أفندي؟
شعبان (لحسن بك على حدة) :
بالطبع لا، ولماذا أعطيه إياها؛ ألأنه غني وأنا فقير؟
فريد :
لا تتكدر يا شعبان أفندي، فإني متنازل عن غرفتي.
مرسي :
أوه! يا لله، يا لله! إني آسف جدا لأني أتعبتكم هذا التعب وأظن أنه خير لنا أن نرحل عنكم!
حسن (يأخذ منه الحقيبة) :
لا لا، ولقد تنازل فريد أفندي عن غرفته وهي آية في الإبداع كلها بالحرير الأصفر الموشى، وفي داخلها غرفة أخرى وحمام أيضا تام المعدات، فماذا تريد أكثر من ذلك؟
مرسي :
لست مغرما باللون الأصفر ولا أحبه؛ إنما إرضاء لخاطرك ولأني لا أحب أن أتعب أحدا (يدفع الدكتور ناحيته بعنف ويجلس على كرسي)
ولأني أحب أن ...
حسن :
تريح نفسك.
مرسي :
أريح نفسي ... أقصد أن أقول: ولكي أريح كل إنسان؛ فقد عولت على البقاء.
حسن :
شكرا لك يا أخي.
مرسي (إلى الدكتور) :
أرجوك أن تجلس.
الدكتور :
شاكر فضلك؛ فإني لا أحب الجلوس.
مرسي :
تكرم علي واجلس؛ لأني عندما أرفع رأسي أصاب بالصداع.
الدكتور :
إذن فلأجلس.
مرسي :
نعم، ولنرفع الكلفة بيننا فإني وحسن بك كأننا أخوان، وقد افترقنا عندما كان حسن بك كثير الأشغال وفي حالة عسر، ولكني وجدته بعدها وكثيرا ما يعثر المرء بأصدقائه.
حسن :
بالطبع يتقابلون ما داموا على قيد الحياة.
الدكتور :
ولا سيما إذا كان أحدهم قد أصاب نجاحا في حياته!
مرسي :
نعم ... (مرتبكا)
أقصد أن أقول ... إنهم في هذه الحالة ...
الدكتور :
يكون العثور عليهم أسهل.
مرسي :
نعم، هذا ما أريد أن أقوله. (إلى حسن بك على حدة)
متى تعرفت بصديقك هذا؟ (يدخل الصاغ بيومي ببدلة عسكرية تلفت النظر لعدم انتظامها وما هو ظاهر عليها من آثار القدم.)
الصاغ :
سلام أيها السادة! هل هذا منزل صديقي العزيز حسن بك؟
حسن :
صديقي العزيز (اندهاش عام) .
الصاغ :
ما لكم ساكتون؟ أليس فيكم من يستطيع الجواب؟
حسن :
عفوا يا صديقي العزيز؛ فإنك ما دمت صديقا لي عزيزا فإني أنا حسن بك.
الصاغ :
ولماذا لم تقل ذلك يا خبيث في الحال؟! (يأخذه بين ذراعيه بشكل يضايق كثيرا حتى يتململ حسن بك) .
حسن (يتنفس الصعداء ويمسح جبينه من العرق) :
إنما يظهر أني ضعيف الذاكرة جدا؛ لأني لا أذكر تماما ...
الصاغ :
ماذا؟ أنسيت أيام الدعارة التي أمضيناها معا في صبانا ؟ أنسيتني بهذه السرعة؟
حسن (مرتبكا خجلا) :
لم أنس ولكن يظهر أن مضي السنين الطويلة ...
الصاغ :
على كل حال يسرني جدا أن أراك يا حسن بك، والآن أين أضع حوائجي ومتاعي؟ (يخرج من الوسط ويعود ومعه أحمال كثيرة منها صندوق من الخشب يجلس عليه) .
شعبان :
شيء غريب! أهذا الرجل صديقك حقيقة؟
حسن :
إنه يزعم ذلك، وأعتقد أنه لا بد أن يكون من أصدقائي.
شعبان :
إذن فأنت مصدق دعواه؟
حسن :
الحقيقة إن لي أصدقاء كثيرين وترجع معرفتي ببعضهم إلى عشرين أو ثلاثين سنة مضت؛ لذلك أراني معذورا إذا التبس علي الأمر، ومع هذا فإني دائما أميل إلى حسن الظن.
مرسي :
وما اسمه؟
حسن :
هذا هو أدهى ما في الأمر؛ إني لا أعرف اسمه!
شعبان :
يمكنك أن تسأله!
مرسي :
نعم سله عن اسمه، ولكن لا تدعه إلى تناول الطعام معنا؛ لأن مجرد النظر إلى صورته يفقدني الشهية للطعام.
حسن :
ولكن يا عزيزي ...
الصاغ :
علام تتهامسون وتتغامزون؟ لقد انتظرت عليكم طويلا لعلكم تستحون فما استحى منكم أحد، فما الخبر؟
حسن :
لا شيء، ولكني أحب أن أعرف يا عزيزي ...
الصاغ :
ماذا؟ تكلم! قل!
حسن :
أظن يا عزيزي أنك ... لعلك ... أظنك لا تنوي الإقامة.
الصاغ :
لا لا لن أقيم طويلا! شهر واحد فقط.
الجميع :
شهر!
الصاغ :
نعم شهر واحد فقط مع مزيد الأسف! وعلى كل حال فيمكنكم انتهاز هذه الفرصة لتستمتعوا بوجودي بينكم هذه الفترة القصيرة (إلى حسن بك)
ياه لا أنسى آخر مرة قابلتك فيها في منزل ... هاها! وكنت ليلتها في أشد أحوال السكر!
حسن :
أحوال السكر! تالله ما ذقت الخمر في حياتي!
الصاغ :
لعلك مستح من السادة الموجودين؟
حسن :
ليس الأمر كذلك، ولكن المسألة في الحقيقة ... والله لا أدري ماذا أقول!
مرسي (على حدة) :
يظهر أنه سكران ولا شك.
الصاغ :
لقد كان حسن بك فيما مضى متهتكا عربيدا (يدخل خليل ويهمس في أذن سيده ثم يخرج) .
حسن :
تفضلوا الغداء يا سادة!
مرسي :
الغذاء! (ينظر في ساعته)
لا لا! هذا موعد باكر جدا؛ فإني لا أتغدى قبل الساعة الثانية. أليس كذلك يا فؤاد؟
فؤاد :
نعم يا أبت.
الدكتور :
وموعدي أيضا.
حسن :
أؤكد لك يا مرسي أفندي أننا هنا نجد قابلية للطعام قبل أذان الظهر، فما بالك والساعة الآن الواحدة بعد الظهر؟
مرسي :
نعم يا عزيزي، ولكن كم يكون مقدار هذه القابلية في الساعة الثانية؟
فريد :
إذن حسما للنزاع فلنجعل الغداء في منتصف الساعة الثانية، وأظن هذا الموعد يناسب الجميع.
مرسي :
أرجو ألا تحدثوا أي تغيير في مواعيدكم مراعاة لي؛ لأني لا أحب أن أتعب أحدا ولست محبا لنفسي فلا داعي للتأخير هيا بنا.
حسن :
لا لا، يمكننا أن ننتظر (مرسي يقترب من الباب) .
فريد :
يا لله! انتظر يا مرسي أفندي!
مرسي :
إني لا أحب أن أتعب أحدا.
الدكتور :
إنك لتولينا فضلا عظيما إذا انتظرت.
مرسي :
ما دمت أوليكم فضلا بانتظاري إذن ...
رمضان (نازلا من المنزل) :
لو لم أسمع هذه الضجة لكنتم نسيتموني من الطعام.
حسن :
لا والله يا رمضان أفندي، ولقد كنت على وشك أن أدعوك بنفسي.
شعبان (لرمضان على حدة) :
هذا لأننا فقراء يا أخي، ولكن انظر إلى هذا الرجل فإنهم لأجل خاطره قد أخروا موعد الطعام نصف ساعة!
حسن :
إذن فليكن كل منا يا سادة على حريته حتى يحين وقت الغداء، فمن كان منكم لا يقر بقابليته فيمكنه أن يستنشق الهواء الطلق في البستان. (يدخل خليل من الوسط يحمل الجرائد.)
خليل :
الجرائد يا سيدي.
شعبان (يخطفها من الخادم) :
دعني أرى الأخبار المحلية أولا (يذهب يمينا مع أخيه حيث يقتسمان الجرائد ويخرجان من الوسط إلى الحديقة، وحسن بك يخرج سجارة من علبته ويضعها في فمه) .
الصاغ :
سجارة! شكرا لك (يخطفها من فمه)
لا لا ... لا تتعب نفسك فإن معي كبريت (يذهب شمالا حيث يشعل سجارته ويخرج وهو يدخن) .
فريد :
فلأذهب لتناول دوائي قبل الغذاء (يدخل المنزل) .
مرسي :
أين طربوشي؟ إني لا أستطيع أن أخرج في الشمس عاري الرأس (يتناول طربوش حسن بك من على رأسه)
كأنه طربوشي تمام (يخرج مع ابنه من الوسط) .
الدكتور (ينظر إلى حسن بك لحظة) :
أما أنا يا عزيزي حسن بك فأرجو أن تسمح لي ... بالانصراف (ينحني)
أسعد الله صباحك (يخرج من الوسط، ويظل حسن بك واقفا في وسط المسرح مندهشا مبهوتا عاري الرأس). (تنزل الستار)
الفصل الثاني
(المنظر: غرفة تطل على الحديقة وبابها في الوسط يؤدي إليها بابان آخران؛ أحدهما في اليمين والآخر في الشمال، ثلاثة كراسي في اليمين، كنبة وكرسيان في الشمال، منضدة في الوسط إلى جانبها كرسيان.) (ترفع الستار عن زينب وهي ترتب الأثاث. الفتى فؤاد جالس على الكنبة في الشمال يتظاهر بالمطالعة في كتاب في يده وهو في الواقع يراقب زينب.)
زينب (على حدة) :
يتظاهر بالمطالعة وهو في الحقيقة يختلس النظرات إلي. (يدخل الشيخ خورشد من الوسط.)
خورشد :
يا زينب! هل صديقي العزيز حسن بك هنا؟
زينب :
نعم يا شيخ خورشد، ولكنه لم يستيقظ بعد.
خورشد :
لا توقظيه؛ لأني أريد فقط أن أدخل المكتبة.
زينب :
هل تحتاج إلى شيء منها فأحضره لك؟
خورشد :
لا داعي لأن تتعبي نفسك يا ابنتي والمفتاح في الباب بالطبع (يدخل يمينا) .
زينب :
تلك عادته فإنه يدخل إلى المكتبة بغير تكليف ويخرج منها محملا بنفائس الكتب؛ وذلك على سبيل الاستعارة ولكنه لا يردها.
فؤاد :
ومن يكون الشيخ خورشد هذا؟
زينب :
مأذون الناحية وخطيب وإمام في الجامع يزورنا كثيرا؛ ليحمل من منزلنا كل ما تصل إليه يده لأنه من أصدقاء سيدي البك.
فؤاد :
وهل هو صديقه حقيقة؟
زينب :
كل الناس أصدقاء لسيدي. (يدخل الشيخ خورشد من اليمين يحمل حملا من الكتب.)
خورشد :
قولي لحسن بك إني قد استعرت من مكتبته كتابين أو ثلاثة.
زينب :
ولكني أرى يا شيخ خورشد ...
خورشد :
لا بأس لا بأس ما دمت سأردها مع الكتب الأخرى.
زينب :
ومتى هذا الوعد؟
خورشد (متمما) :
إن كنتم صادقين؟ (ضاحكا)
آه يا خبيثة! إننا جيران وحسن بك رجل طيب (يخرج من الوسط) .
زينب :
يتخذ من الجوار والطيبة مبررا لنقل المكتبة إلى داره. (إلى فؤاد)
ما هذا الذي تقرؤه؟
فؤاد :
هذا كتاب اسمه (يلتفت حوله) «صناعة الحب» يحوي أرق وأظرف الأشعار الغرامية التي كتبت في اللغة العربية.
زينب :
وهل يعطون في المدارس كتبا كهذا؟
فؤاد :
المدارس؟ إني ولله الحمد لم أذهب إلى مدرسة قط.
زينب :
إذن فكيف تعلمت القراءة والكتابة؟
فؤاد :
أبي هو الذي علمني؛ لأنه يقول إن المدارس تفسد الأخلاق! مبدأ غريب أليس كذلك؟
زينب :
جدا.
فؤاد :
إنما لاحظي ألا يرانا معا.
زينب :
ولماذا؟
فؤاد :
لأنه يحرم علي النظر إلى الفتيات الجميلات أو التكلم مع النساء على العموم.
زينب :
وأيضا لا تكلم النساء على العموم؟
فؤاد :
نعم ... إلا عمتي.
زينب :
إذن فعمتك ليست امرأة.
فؤاد (ضاحكا) :
غالبا، ولكني أحب التحدث معك.
زينب (ضاحكة بدلال) :
ولكني من النساء!
فؤاد (ضاحكا) :
وأحب الضحك معك.
زينب :
وإذا رآنا والدك؟
فؤاد :
أوه! دعينا من أبي فإني لا أخبره، وأنت بالطبع أليس كذلك؟
زينب :
من غير شك.
فؤاد :
وأقول لك فيما بيننا (يتلفت حوله) .
زينب :
ماذا؟
فؤاد :
كلمة في أذنك (يقترب منها ويضع يده حول رقبتها ويقبلها. في هذه اللحظة يدخل الدكتور من الوسط فيقع الكتاب من يد فؤاد وهو يجري بسرعة خارجا من الشمال وزينب تجري من اليمين) .
الدكتور :
أطهر من زهرة وأودع من حمل! (يتناول الكتاب ويقرأ عنوانه «صناعة الحب»)
إذن فقد كان يطبق العلم على العمل (يفكر قليلا)
ولكنهما فتى وفتاة وربما كان لهما من الشباب وسوء التربية عذر يلتمس، آه! ها قد أقبل اثنان من الأصدقاء! (بلهجة تهكم وازدراء ... يذهب يمينا ويراقب دخول شعبان أفندي ورمضان أفندي من الوسط) .
شعبان (بضحكة متكلفة دون أن يريا الدكتور) :
هاها! لقد أصبحت لا أكترث لهذا المنزل كثيرا.
رمضان :
كذلك أنا.
الدكتور (على حدة) :
نعم الأصدقاء!
شعبان :
والبستان يا أخي (بازدراء)
أقبح ما رأيت في حياتي ... لا تنسيق ولا نظام.
رمضان :
وهل نسيت الدجاج والحمام؟
شعبان (هازئا) :
أكوام من العظام!
رمضان :
عناية فائقة جدا في تربية الطيور هاهاها (الدكتور يسعل فيستلفت نظرهما) .
شعبان :
الدكتور؟! (مرتبكا)
صباح الخير يا دكتور.
الدكتور :
أسعد الله صباحك يا شعبان أفندي، إنك تستيقظ مبكرا حتى لأخشى أنك لا تحتاج إلى طبي في يوم ما.
شعبان :
حقا لقد استيقظت أنا وأخي مبكرين؛ رغبة منا في مشاهدة المزرعة.
رمضان :
المزرعة! بل المملكة يا أخي! هاها!
الدكتور :
ثروة طيبة أليس كذلك؟
شعبان (يقلب بعض أوراق على المنضدة) :
يجب أن تكون كذلك بناء على الجعجعة التي سمعنا عنها من حسن بك.
رمضان :
ولطالما ألح علينا لنرى قصره ومزارعه.
الدكتور :
ذلك لطيبة قلبه؛ فإنها تأبى عليه إلا أن يشاركه أصدقاؤه في سعادته.
شعبان :
ولكن هذا لا يصح أن يدعوه للترنم دائما بثروته.
الدكتور :
لأن هذا قد يكدر من يكون بلا ثروة.
رمضان :
إنه لا يكدر فقط، بل يؤلم جدا وهذه شيمة كل ذوي نعمة حديثة.
شعبان :
نعم، ولو لم يكن صديقي لما كنت أكترث للأمر، ولكن الذي يكدرني هو أن يكون صديقي ...
الدكتور :
غنيا سعيدا؟
رمضان :
بل تحدثه بثروته وسعادته.
شعبان :
وإنه يعلم أننا فقراء؛ ولذلك ليس من حسن الذوق أو الأدب ألا يدور حديثه معنا إلا على ثروته وعظمته.
الدكتور :
ولكنه لا يتأخر مطلقا عن إعطاء أصدقائه كل ما يطلبون.
شعبان :
وهذا مؤلم أيضا وينافي ما يقتضيه الذوق؛ لأنه دائما يعطي حتى بدون أن يسأل!
الدكتور (متهكما) :
صدقت!
رمضان :
كما أنه يدل على فساد القلب وسوء النية.
الدكتور (متهكما) :
بلا شك!
شعبان :
ولا سيما إذا كان المرء فقيرا فإنه ليس من المستحسن أن ...
الدكتور :
يسدى إليه معروف؟ بالطبع لا؛ لأن هذا يعتبر حنانا قاتلا.
شعبان :
لا لا، إنك لم تفهم قصدي.
الدكتور :
بل أفهمه جيدا جدا (إلى مرسي أفندي وقد دخل من الوسط)
أسعد الله صباحك يا سيدي العزيز!
مرسي (بغضب) :
أسعد الله صباحك!
الدكتور :
لعلك استمتعت بنومك في هذا الهواء النقي.
مرسي (بغضب) :
نومي؟! لم يغمض لي جفن قط! ولا لحظة!
رمضان :
أخشى أن أقول إننا أيضا لم ننم؛ لأن الفراش في الريف غير ناعم ولا وثير.
مرسي (غاضبا) :
آه من السرير في الريف! إنه آلة التعذيب! وتالله لقد كانت ليلتي بالأمس ليلة مشهودة! فإننا عندما جلسنا في كشك الحديقة لتناول الشاي فإذا بالناموس وقد تناولنا لدغا وعضا! فضلا عن قذارة الفناجيل وما في السكر من النمل وقد نسجت العناكب خيامها على الزبدة والبسكوت (يهز كتفه اشمئزازا)
فهذه الحال تناسب من كان مشتغلا بعلم الحشرات!
رمضان :
ولكن كيف نمت؟
مرسي :
عندما دخلت قالوا لي إنها غرفة النوم لم أجد إلى النوم سبيلا، وبعد إجهاد ومحاولة ابتدأ النوم يعبث بأجفاني، وعندها ما أشعر إلا بشيء وقد زن في أذني - ولعله نحلة - ثم استقر على طرف أنفي ولدغني لدغة أفاقتني فإذا بي وقد هشمت أنفي بكفي!
شعبان :
وقتلتها بالطبع؟
مرسي :
كلا يا سيدي لم أقتلها، بل أفضت الدم من منخري!
الجميع :
هاهاها!
مرسي :
وبعد أن أوقفت النزيف واسترحت قليلا وابتدأ النعاس يداعبني فإذا بتلك الحشرة وقد عادت إلي، فانتفضت من فراشي مدة وفي يدي طاقية نومي ولا يستر جسمي إلا قميصي وسروالي فجعلت أجري في الغرفة نحو الساعتين وأنا كما وصفت أقتفي أثر الحشرة الملعونة من السرير إلى الشماعة ومن الشماعة إلى الدولاب ومن الدولاب إلى المنضدة ثم إلى السرير مرة أخرى ... وهكذا إلى أن قبضت عليها وفقعتها!
شعبان :
لقد خدمك التوفيق أخيرا.
مرسي :
التوفيق! أي توفيق يا سيدي وقد جرحت كفي وكسرت المرآة؟! وتالله إن هذه الليلة ستمنع عني سعود الحظ سبع سنين!
رمضان :
إنما نمت بعد ذلك؟
مرسي :
كلا يا سيدي فإني ما شرعت أستريح حتى أخذ كلب ينبح فسمعه كلب آخر فاستنسب أن يرد عليه، وهكذا جعل الكلبان ينبحان طول الليل وما إن أغمضت الطبيعة جفنيها طلبا للراحة قبيل الفجر حتى ابتدأ كوكوكو يصيح مؤذنا بطلوع النهار، فقمت من فراشي يائسا!
رمضان :
شيء مكدر جدا!
مرسي :
جدا جدا! ولكن ما حيلتي وقد ألح علي حسن بك أن أزوره وأبت علي مروءتي إلا أن أجيب دعوته (يتناول كرسيا فيجلس)
وهو مسكين مثلي أفقه طيبة قلبه، آه فيا ليتني كنت أنانيا (صوت عيار ناري من الخارج) .
حسن (في الخارج) :
دع هذا الحمام بربك ففي الغيطان حمام بري كثير (يدخل من الوسط وهو يدق يدا بيد)
لعنة الله على هذه الحال! إنها تجعلني أكره الدنيا والحياة!
الجميع :
ما الذي جرى؟
حسن :
لا شيء غير أن صديقي الصاغ قد وجد في طيور الحديقة خصوما له وأعداء فهو دائما يطاردها ويصطادها؛ فأتلف المزروعات وأهلك الداجنات. والأدهى من ذلك كله أني لم أعرف اسمه!
الدكتور :
ألم يقل لك اسمه بعد؟
حسن :
كلا، وليس من الأدب بالمرة أن أسأله عن اسمه، وعندما أقول له يا عزيزي ... آه؟ فإنه لا ينطق باسمه قط! ومما زاد نكدي اليوم أن ثعلبا خبيثا انسل إلى غرفة الدجاج الهندي وعاث فيها فسادا.
مرسي :
أسأل الله ألا يكون قد نسي الديوك!
حسن :
لا لا يا مرسي أفندي؛ فإني لا أحب أن أسمع كلمة ضدها، ولكن من ذا الذي يكره أن يستقبل الصباح بصياح الديك؟!
مرسي (بازدراء) :
مزاح ريفي ولا شك!
حسن (ضاحكا ببساطة ونية سليمة) :
هاها! ألم تستنشق نسمات الصبح في البستان؟ المكان جميل ويروقك جدا، ألا ترى ذلك يا شعبان أفندي؟!
شعبان (يقلب صفحات كتاب أمامه) :
على العموم لا بأس، ولكن المناظر ليست كما يجب.
رمضان :
والجهة رطبة.
حسن :
رطبة؟!
مرسي :
بالتأكيد ألا تشعر بالهواء؟! إنه مشبع بالرطوبة.
حسن :
تالله إننا لم نعرف الرطوبة هنا من قبل!
شعبان :
ولكنك ستشعر بها عندما يقيد الروماتزم يديك ورجليك.
حسن :
الروماتزم!
رمضان :
هذه هي حال كل المساكين المجاورة للماء.
مرسي :
والموقع منخفض جدا.
شعبان :
وهذا الانخفاض يسبب شر أنواع الحميات.
حسن (مبهوتا وهو شائع العينين من واحد لآخر) :
والحميات أيضا!
مرسي :
وإني لأذكر أن صديقا لي كان قد استأجر منزلا على شاطئ النيل في هذه الجهة كما أظن، فأصيب المسكين بالحمى ولم يلبث قليلا حتى مات ودفن.
حسن :
يا حفيظ يا حفيظ! إنك تزعجني.
رمضان :
والقصر غير مناسب.
شعبان :
لأنه يليق لأمير.
مرسي :
أو وزير خطير.
رمضان :
أو على الأقل شخص ذي همة ووجاهة وحيثية.
شعبان :
وحرام على المرء أن يخدع نفسه.
مرسي :
وحسن بك رجل عاقل يفهم.
رمضان :
وصديقنا أيضا.
مرسي (إلى حسن بك في وجهه) :
ولو لم أكن صديقك لما كلمتك بهذا الإخلاص.
شعبان :
والصديق مكلف بأداء ما يقتضيه واجب الصداقة.
رمضان :
واسمح لي يا حسن بك أن أقول لك بكل حرية إنك هنا موضع للعجب!
حسن (وقد غص بريقه) :
أترى ذلك؟
شعبان :
أنت بالطبع أدرى بنفسك.
مرسي :
أمر بديهي فإن من يراه قد يظنه بوابا!
رمضان :
وهذا مظهر قبيح.
شعبان :
ويجعل للناس مجالا للتقولات.
مرسي :
ولقد سمعت بعضهم يقول: «ما الذي عمله حسن بك في حياته ليستحق ما هو فيه من النعمة في حين أن كثيرين ممن هم أفضل منه لا يملكون شيئا؟!»
رمضان :
لا ذكاء ولا نبوغ! الناس معذورون بحكم الضرورة.
حسن (بجهد وألم) :
بحكم الضرورة!
شعبان :
ولا حزم ولا بصيرة.
مرسي :
حتى يصل إلى هذه الثروة من طريق شريف.
حسن (محتدا) :
طريق شريف! إني أقسم بحياتي!
شعبان :
هذا ما يقوله الناس.
حسن (غاضبا) :
كذب وبهتان! محض اختلاق!
رمضان :
ربما، ولكن هكذا يقول الناس.
حسن (بحدة وألم) :
ناس! أي ناس! ألا لعنة الله على هذا كله! أشعر كأن الأرض تميد تحت قدمي وأكاد أسقط من الدوار!
مرسي :
لقد أبدينا لك آراءنا بكل صراحة وإخلاص (يمد له يده فيتناولها) .
شعبان :
وبطريقة أخوية محضة (يطلع مع مرسي) .
رمضان :
ولم نلجأ للمحاباة أو المجاملة لأننا أصدقاؤك ويهمنا شأنك (يخرج يمينا) .
حسن :
شكرا لكم (على حدة)
ربما كان ذلك بدافع الصداقة، ولكني لا أحب هذا الأسلوب.
الدكتور (ينزل) :
ليت فريدا كان معنا لعلنا نسمع منه أيضا رأيا في الموضوع!
حسن :
لقد خرج للنزهة مع زوجتي (يذهب إلى المنضدة ويكتب) .
الدكتور :
إذن يجب علي أن أراه؛ لأني لم أره هذا الصباح (يتناول طربوشه وعصاه) .
مرسي (إلى شعبان) :
إن هذا الدكتور خبيث ولا يعتقد في الصداقة.
الدكتور (ينزل إليهما وقد سمعهما ويحملق فيهما) :
أصحيح هذا؟ وهل تعرفان الصداقة؟!
شعبان :
ربما كنت أنا يا دكتور أصوب منك نظرا في الأمور ومن رأيي أن الصداقة ليست طلسما معجزا ولا شرا لا يدرك كنهه، بل شيء عادي محض.
الدكتور :
بالطبع ... وشائع أيضا؛ فإن مجرد التعارف يعتبر صداقة. وهذه الصداقة يقاس معيارها بكيفية التحية؛ فإنه عندما يتقابل الصديقان ويظهر كل منهما بيد صديقه يتباريان في هز الأيدي بعنف وشدة حتى ليكاد أحدهم أن ينزع ذراع صديقه من كتفه، بينما يكاد الآخر يوقع زميله على الأرض من شدة التحية! وبعد ذلك يتجلى الحقد والنميمة والحسد والتطفل، كل هذا يتجلى بدافع تلك الصداقة أيضا، أليس كذلك؟ (شعبان أفندي ومرسي يهزان رأسيهما بامتعاض) .
حسن :
ما هذا يا دكتور؟ إنك لقاس جدا، فليس كل الأصدقاء سواء!
الدكتور :
حقا إنهم ليسوا سواء فمنهم من يسخر أصدقاءه لخدمته، ومنهم من يتخذ من أصدقائه موضوع هزء وسخرية، ومنهم من يفضح عيوب أصدقائه أمام الناس، ومنهم من يضايق أصدقاءه بمسكنه، ومنهم من يتجر بأصدقائه، ومنهم من يستعير كتبك ولا يردها، ومن يسلبك زوجتك ويفسدها عليك ... وغير هؤلاء كثير.
مرسي :
ولكن الصديق المخلص ...
شعبان (متمما) :
هو الذي يكرس حياته لأجل صديقه.
مرسي (بزهو) :
ألم يقع نظرك قط على صديق كهذا؟!
الدكتور :
أعرف اثنين كما وصفتما.
مرسي وشعبان (باستفهام مشوب بالسرور) :
آه؟
الدكتور :
إنهما ليسا هنا.
مرسي وشعبان (باستياء وكآبة) :
أوه!
الدكتور :
نعم، فقد عرفت صديقين بمعنى الصداقة الحقة التي أعرفها، فإنهما عندما كانا غلامين قذف أحدهما بنفسه إلى النيل مخاطرا بحياته لينقذ حياة رفيقه، وعندما كانا رجلين حاربا جنبا في فتح السودان، وبينما القتال محتدم وإذا بحربة كادت تخترق صدر أحدهما فما كان من الآخر إلا أن ذكر في هذه اللحظة الهائلة أنه مدين بحياته لصديقه فرمى بنفسه على تلك الحربة المصوبة وتلقى بصدره طعنتها القاتلة؛ فخر مضرجا بدمائه الطاهرة. أما المسكين الذي قتل فقد كان أبي أيها السادة! فكفلني من بعده صديقه الذي نجا. ولما كانت هذه الحادثة قد انطبعت على صفحات قلبي منذ طفولتي؛ فلذلك ترونني معذورا إذا تطلبت الصداقة ما يعد خارقا للمألوف!
مرسي :
ولكن في حياتنا العادية البسيطة - وأقصد حياتنا الواقعية - أظن أنه لا يمكن لأي إنسان أن يتلقى بصدره طعنة من حربة حتى لو حدثته نفسه بإتيان هذا العمل الجنوني!
شعبان (هازئا) :
أو يلقي نفسه إلى الماء لينقذ آخر، اللهم إلا إذا وقع في الماء رغم إرادته!
مرسي :
هذا ما يسمونه تضحية النفس، ولكن في الواقع ... (لا يدري ماذا يقول فيهز رأسه بامتعاض) .
الدكتور :
نعم نعم، إنكم لتشعرون بشدة وقع ما أقول، وحقا إن المعارف والزملاء ليسوا أصدقاء بالمعنى الذي يدل عليه معنى الصداقة السامي، فالصداقة الحقة أصبحت اسما على غير مسمى، فهي كالفروسية القديمة التي تتلمس أخبارها في بطون التواريخ!
حسن :
لا فض فوك يا دكتور، ولكني لا أرى بأسا من أن يتغاضى المرء عن كثير.
مرسي :
إنك بالطبع ما دمت تتكلم عن الدموع وتضحية النفس ...
شعبان (مقاطعا) :
وأين تجد أصدقاء كما تصف؟
الدكتور (ينزل) :
من يدري؟ ربما أجد صديقي حيث لا أتوقع وفيمن لا أنتظر، وقد أكون في غفلة عن شأني وعينه ترعاني بدون أن أدري وبدون أن يعلن عن نفسه، لا ابتغاء أجر ولا طمعا في كلمة شكر؛ ولكن قياما بواجب الإخلاص النقي والصداقة المطهرة ... أسعد الله صباحكم أيها السادة (ينحني ويخرج من الوسط) .
شعبان :
مدع ولا شك!
مرسي :
نعم ولا قلب له، آه! كم أتمنى لو كنت أنانيا! (يدخل الصاغ بيومي وهو يدخن سجارا وينفخ الدخان في وجه حسن بك، وبيده رأس كرنبة يهزها.)
الصاغ :
ما هذه؟ (يناولها إلى مرسي فيقلبها):
هذا! (ويهز رأسه ويناولها إلى شعبان فيأخذها):
هذا! (ويعطيها إلى الصاغ فيرمي بها إلى حسن بك) .
حسن (يسعل) :
هذه ... هذه ... شيء مكدر للغاية ... مكدر جدا ...
الصاغ :
بصفتك بحاثة في علم النبات قل لي ما هذه؟
حسن (بأسف وحيرة) :
هذه رأس كرنبة، والكرنب والكرنبيت يرجعان إلى أصل واحد.
الصاغ :
ومن يكون صاحبها؟ لأني بينما كنت أتنزه في البستان مفكرا مطمئنا وإذا برأس الكرنبة هذه وقد لطمتني على أذني فأطارت صوابي، وتبع ذلك أعواد قذرة وأوراق شجر جافة وقشر خرشوف انهالت على رأسي كالمطر!
الجميع :
أعواد قذرة؟ وممن؟
الصاغ :
لست أدري ممن، ولكني عرفت من أين نزلت علي.
حسن :
نعم نعم، من حديقة جاري أسعد بك بلا ريب؛ فإنه لا يجاورنا غيره، وعنده بستاني لا يرعى حرمة الجوار.
الصاغ :
لا تهمني مسألة الحرمة بقدر ما يهمني أني عرفت اسم جارك وهو المسئول أمامي شخصيا، وتالله لأؤدبنه أدبا شديدا! ولا أظنك تسكت قط عن هذه المسألة. أويرضيك أن يضرب ضيوفك بما تنبته حديقة جارك؟!
حسن (مرتبكا حائرا) : ... المسألة ... قضاء وقدر بلا ريب ...
الصاغ :
ولكنه سبك ولعنك وقال إنك نذل جبان، فهل هذا أيضا بالقضاء والقدر؟
الجميع :
نذل وجبان؟!
حسن :
ولكنه لم يقصدني أنا بهذه الشتائم.
الصاغ :
أما من هذه الوجهة فاطمئن جدا؛ لأني سألته قائلا: أتعي ما تقول أيها الوقح؟ فأجابني بقوله: نعم أيها اللص المتشرد! وقد كلمته بالنيابة عنك بالطبع، فهل كل هذا قضاء وقدر أيضا؟
حسن :
تالله إنه لحادث عادي بالمرة!
مرسي :
وإنه لغير عادي أيضا أن تسكت عن هذه المسألة.
شعبان :
لا لا، هذه المسألة لا يمكن أبدا أن تنتهي على هذه الصورة.
حسن :
إذن فسأرمي إليه برأس الكرنبة (يدخل خليل من الوسط مسرعا) .
خليل :
سيدي البك سيدي البك! أظن أننا قد عرفنا مخبأه أخيرا.
حسن :
مخبأ الثعلب؟ حسن جدا ها أنا آت حالا، اسمحوا لي برهة يا سادة ريثما أمزق لحمه وأعود (يخرج مسرعا) .
الصاغ :
هذا واجب عليه أؤيده فيه كل التأييد، ولا إخالكما إلا فاعلين مثلي يا سيدي!
شعبان :
بكل تأكيد!
مرسي :
إننا لا نتخلى عن صديق لنا.
الصاغ :
ويجب أن نجعل جاره يعتذر اعتذارا صريحا واضحا عن تلك الإهانة.
شعبان :
وعن رأس الكرنبة أيضا.
مرسي :
إنما ماذا تكون الحال إذا رفض الاعتذار؟
الصاغ :
إذا رفض الاعتذار؟ فليجرأ على الرفض! ألا تريان أن الإهانة كبرى وأنها موجهة ضد الشرف مباشرة؟ وكل الإهانات الموجهة ضد الشرف لا يغسلها إلا الدم، فإذا رفض الاعتذار فإننا ندعوه إلى مبارزة حسن بك في الحال. هذا رأيي بصفتي رجلا عسكريا متقاعدا، فماذا تقولان؟
شعبان :
حقا إنها إهانة كبرى ولا يغسلها إلا الدم، ونحن موافقان على رأيك.
الصاغ :
إذن هلموا بنا نقوم بواجب الصداقة نحو حسن بك (يظهر الدكتور في الخارج ثم يختفي في الخارج أيضا بجوار الباب المؤدي إلى الحديقة للمراقبة) .
مرسي :
اذهب معه يا شعبان أفندي ولا تتردد إنما أوصيك بالحزم!
شعبان :
نعم، وسنعلم ذلك اللعين كيف يهين صديقا لنا (يخرج مع الصاغ) .
مرسي :
لولا حدة طباعي وأني لا أستطيع أن أملك زمام غضبي إذا أهين صديق لي لكنت خرجت معهما (يجلس على المنضدة يقلب الأوراق) .
الدكتور (يدخل وينزل متمهلا على حدة) :
ما الخبر يا ترى؟
مرسي (يراه ويقول لنفسه) :
صاحبنا الفيلسوف. (له)
فليقل غيري ما يشاء إنما لحسن حظ حسن بك أني هنا معه لأني أدافع عن شرف صديقي، ولو أنني لا أتلقى طعنة حربة بصدري ولا ألقي بنفسي إلى النيل.
الدكتور :
وهذا لمما يزيد الأسف!
مرسي :
سيدي! إني ... آه! رجل لا قلب! كم أتمنى لو كنت أنانيا (يخرج من اليمين) .
الدكتور :
أمكيدة أخرى بدافع الصداقة أيضا ؟ ولكن ما أقرب هزيمتهم وما أسهلها (صوت فريد يغني من الخارج وصوته يقترب بالتدريج)
ذلك هو الخصم العنيد.
فريد (يدخل) :
خذ بيدي فقد ذبت اصطبارا
وفي قلبي أثار الوجد نارا
وما وعدت فأحيا بالتأسي
كأن لم تتقي في البوارا
حياة المرء آمال ترجى
فنحن لما نؤمله أسارى
الدكتور :
أتعرف يا فريد ماذا يجب عليك الآن فعله؟
فريد :
ماذا؟
الدكتور :
يجب أن ترحل عن هذا البيت في الحال.
فريد :
أرحل في الحال!
الدكتور :
نعم إلى العاصمة، وقطار الإكسبريس سيقوم بعد ساعة.
فريد :
أراك تتعجل في ترحيلي من بيت ابن عمي!
الدكتور :
صحتك في أشد الحاجة إلى تبديل هواء هذا البيت.
فريد :
صحتي؟!
الدكتور :
نعم، صحتك النفسانية إن لم تكن صحتك الجسمانية. وإني ما زلت أقدرك كصديق حتى لأتمنى لو كنت مريضا حقيقة وأن أقف بجانب فراش موتك عن أن أراك تنصب حبالتك لإيقاع زوجة من هو ابن عمك وصديقك وولي نعمتك ومن أنت مدين له بحياتك وشرفك.
فريد (متأثرا) :
سيدي!
الدكتور :
هيا هيا يا فريد اتبع نصحي واعمل به؛ فإن في فؤادك بذور مرض خبيث وداء قتال فأسرع باستئصال الداء قبل استفحاله، والرجل الشريف يلبي خالص النصح.
فريد (متأثرا) :
ما أسهل إسداء النصيحة! إنك لا تعرف آلام القلوب.
الدكتور :
إني لأعرف كل شيء وأعرف أنك فتى في الخامسة والعشرين من عمرك خال من كل ما يلهيك وفي حاجة إلى حادث كبير يملأ فراغ وقتك ويشبع مطامعك، هذا هو كل ما في الأمر وليس هنالك ما هو أكثر من ذلك.
فريد :
كلا، وأصرح لك بأن ما أشعر به وقد ملأ كل ناحية من قلبي ونفسي ليس إلا الحب، الحب الخالص ولا شيء سواه.
الدكتور :
يا للهول! الحب! بل قل السفالة، قل النذالة، قل الوحشية! إن لها زوجا يا رجل وهذا الزوج صديقك وابن عمك!
فريد :
بل عدوي ومزاحمي! وليكن ما يكون!
الدكتور (مقاطعا) :
وبعد هذا لا ترحل؟
فريد :
أبدا فبح بسري إن استطعت (يخرج من الوسط إلى الشمال) .
الدكتور :
أبوح بسره! كلا وإني لأكثر من ذلك حكمة وأسد رأيا، بل أنقذه رغما عنه (يفكر)
لقد اكتشفت الداء فماذا عسى أن يكون الدواء؟ (تظهر أمينة هانم في الباب اليمين تنظر فيلمحها خلسة ويقول لنفسه)
ها هي منبع الداء ومستودع الدواء.
أمينة :
دكتور! دكتور!
الدكتور (يلتفت إليها) :
عفوا يا هانم فإني لم أرك إذ كنت منهمكا في الكتابة.
أمينة :
تذكرة طبية؟
الدكتور :
نعم يا سيدتي.
أمينة :
لعزيزي ... (مستدركة)
لفريد أفندي؟
الدكتور :
نعم يا هانم لفريد أفندي.
أمينة :
لقد تقدمت صحته كثيرا أليس كذلك؟
الدكتور :
هذا ما يلوح عليه.
أمينة :
إذن فقد زال الخطر؟
الدكتور :
أراني ... أظن ... على كل حال يظهر أن ...
أمينة :
أراك مرتابا!
الدكتور :
كلا، ولكني أفكر بدقة وعناية واهتمام بشأن عظيم وأظن أنه لو اتبع ما في هذه التذكرة ...
أمينة (تأخذها منه بلهف) :
نعم يا دكتور؟
الدكتور :
فإننا نحصل على نتيجة باهرة، ولكنه لسوء الحظ شاب في ريعان الصبا وبلا أم أو أخت فهو مرغم على أن يعيش وحيدا ولكن إذا أسعده الحظ وأقام تحت كنفك وفي رعايتك مدة كافية واستمتع بما هنا من الدعة والطمأنينة وحياة السكون والراحة!
أمينة :
إننا لا نسمح له بمفارقتنا حتى يشفى تماما.
الدكتور :
أؤكد لك يا سيدتي أنك بقولك هذا قد رفعت عن عاتقي عبئا ثقيلا؛ لأني كلما أفكر في أن هذا الشاب المسكين سيعود إلى العاصمة ويعيش عيشة الشبان أمثاله يخفق قلبي إشفاقا عليه، وعندما أفكر في أنه ربما يستهدف لعاطفة قاتلة تصطك ركبتاي من الفزع.
أمينة (برعب) :
عاطفة قاتلة؟!
الدكتور :
نعم يا سيدتي، وأقول لك فيما بيننا وأوصيك بالكتمان إن أشد ما أخافه عليه هو ... (يلتفت حوله) .
أمينة (خائفة وجلة) :
هو ... ماذا؟
الدكتور (متصنعا الحذر) :
اضطراب الفكر وحمى الأرواح؛ ذلك الذي يسمونه الحب.
أمينة :
الحب؟!
الدكتور :
نعم يا هانم؛ فإن الحب في حالته الحاضرة (يهز رأسه يائسا)
آه!
أمينة :
في حالته الحاضرة! إنك تفزعني يا دكتور! إذن فما حالته؟
الدكتور :
قلبه يا سيدتي، قلبه عليل سقيم.
أمينة :
هذا مخيف!
الدكتور :
وهذه الحالة مرتبطة بالحياة أشد ارتباط، ولكن لا تخافي فقد يعمر طويلا إلى الستين أو الثمانين، ومن يدري فقد يصل إلى المائة!
أمينة :
ليته يعيش مائة سنة!
الدكتور :
هذا تحت شرط أن يتجنب كل ما من شأنه إثارة العواطف كالمجاهرة بالحب مثلا، وتالله إن الدماء لتجمد في عروقي عندما أفكر في ذلك، وإذا لف ذراعه حول عنق فتاة أو استعطفها بحرارة وجد فإنه يتعرض لخطر عظيم، أما إذا ركع على ركبتيه فإني ضعيف الأمل في أنه يستطيع النهوض.
أمينة :
هذا مزعج مخيف!
الدكتور :
وا أسفاه يا سيدتي! فإن لكل منا تكوينا عجيبا خاصا به، فسبحان الخلاق العظيم!
أمينة :
إذن فالمسكين عرضة لخطر داهم؛ لأن الحب يأتي عفوا، والميل الاختياري شيء والانعطاف القهري شيء آخر، والممنوع مرغوب فيه كما تعلم وربما كان تحريم الحب عليه سببا لتعلقه بالحب.
الدكتور :
لا أخفي عليك يا سيدتي أن ثقتي فيه ضعيفة؛ ولهذا السبب أتركه في رعايتك فتكونين له صديقة أو أختا.
أمينة :
ولكن يا دكتور ...
الدكتور :
كفى يا سيدتي فقد اقتنعت تماما وأستأذنك في الانصراف (يخرج من الوسط) .
أمينة (وحدها) :
يا لتعاسة هذا الشاب! جميل وظريف ومهذب ولكنه غير سعيد (تلمح فريدا مقبلا)
ها هو قد أتى فكيف أحذره مما يتهدده من الخطر (يدخل فريد فتتشاغل أمينة بما على المنضدة من الورق وظهرها إلى الباب) .
فريد (على حدة) :
راقبته حتى انصرف فماذا عساه يكون قد قال لها؟
أمينة (لنفسها) :
يا له من نفس! (تلتفت إليه)
ها قد أتيت أخيرا يا كسول!
فريد (على حدة) :
لم يقل لها شيئا. (لها)
ظننتك في الحديقة فبحثت عنك هناك.
أمينة :
وأنا كنت هنا مع الدكتور.
فريد (يجعل المنضدة بينه وبينها ويواجهها) :
ماذا قال لك بشأني؟
أمينة :
أمرني بتمريضك ومراقبتك مراقبة دقيقة شديدة.
فريد (على حدة) :
لا ريب أنه لم يقل لها شيئا.
أمينة :
وعلى ذلك (تجلس في اليمين)
لا يجوز لك مطلقا أن تغادرنا حتى تصدر إليك أوامري.
فريد :
إذن لا يجوز لي السفر حتى ولو أردت؟
أمينة :
نعم، وثانيا لا يجوز لك مطلقا أن تبرح هذا البيت.
فريد (مندهشا) :
وهل هذه هي أوامر الطبيب؟
أمينة :
أوامره كما هي، فلا تتنزه إلا معي ولا تتحدث إلا معي ولا تطالع إلا معي، وبالاختصار فإني لا أفارقك قط.
فريد :
تالله إن هذا الطبيب لنابغة الأطباء؛ لأن هذا العلاج سيعيد إلي الحياة ولو كنت ميتا (يقبل يدها) .
أمينة (تخطف يدها بسرعة ... على حدة) :
يا لله! لقد ابتدأ يتهيج.
فريد :
ويجب علي أن أقدم إليه مزيد شكري الخارج من أعماق قلبي (يقف ويدفع الكرسي إلى الخلف) .
أمينة (على حدة) :
أعماق قلبه، أدهى وأمر! هدئ روعك يا فريد!
فريد (مندهشا) :
عفوا!
أمينة (بقلق) :
لا تهيج عواطفك؛ لأن هذا محرم عليك تحريما باتا.
فريد :
وكيف الوسيلة يا سيدتي وبين جنبي قلب يتجاذبه عاملان؛ عامل الحب وآخر من الوجل؟!
أمينة (على حدة مضطربة) :
يا لله!
فريد :
وقد استقر في سويدائه حب ...
أمينة (مقاطعة مضطربة) :
حب؟!
فريد :
نعم حب سرى في دمي وملك علي نفسي.
أمينة (لنفسها مضطربة) :
إن هذا سيكلفه حياته. (له)
كفى كفى يا فريد فقد خالفت أوامر الطبيب، فاحذر وإلا فإنك تنتكس لا محالة!
فريد :
حبذا الموت في سبيلك؛ فإني أحبك يا أمينة (متأثرا)
أحبك بحرارة وجنون (منفعلا) .
أمينة :
وجنون (تبتعد خطوة)
يظهر ذلك!
فريد (يقترب منها) :
فاستمعي لي! (يمسك يدها ويركع مستعطفا، فتصرخ مستغيثة، فيدخل مرسي أفندي من الوسط ومعه ولده فؤاد ويحملق في أمينة وفريد وقد وضع يده على عيني ولده حتى لا يرى هذا المشهد وهو واقف عند الباب بشكل مضحك متظاهرا بالتأوب، فتجري أمينة مسرعة صارخة من اليمين، وتنزل الستار بسرعة.)
الفصل الثالث
(المنظر: غرفة ذات أثاث ورياش في منزل حسن بك رضوان. في الخلف باب يؤدي إلى بلكون مشرف على الحديقة، باب في الشمال يؤدي إلى الحديقة، بابان في اليمين يؤديان إلى داخل المنزل وثانيهما مغلق، مكتبة في اليمين وأخرى في الشمال، كراسي منثورة، منضدة في الوسط إلى اليمين باب البلكون حبل جرس مدلى، نافذة في الشمال.) (ترفع الستار عن حسن بك داخلا من الشمال وخلفه خليل.)
حسن (متكدرا) :
أكل الدجاج! إنه ليس بثعلب إذن بل وحش أو تنين هائج!
خليل :
لم يبق يا سيدي إلا دجاجة واحدة أفلتت لطول عمرها.
حسن :
وفي رابعة النهار أيضا! هذا مريع ومخيف!
خليل :
وبماذا تأمر الآن يا سيدي؟
حسن :
لقد سئمت الحبائل والشراك لأني فشلت فيها، فانصب حواجز لدى كل ثغرة أو باب في سور الحديقة واحفر كثيرا من الحفر وغطها بالأعشاب عسى أن يقع اللعين في إحداها.
خليل :
أمرك يا سيدي (يخرج شمالا) .
حسن :
آه لو يقع اللعين في قبضتي! تالله لكنت ... (يدخل شعبان ورمضان أفندي)
أهلا وسهلا.
شعبان :
لقد أخبروني أنك تريد أن تكلمني في هذه الغرفة.
حسن :
نعم، والمسألة خدمة بسيطة أحب أن ...
شعبان (مقاطعا) :
تعملها لي؟
حسن :
لا بالعكس، فإني أحب أن تخدمني خدمة صغيرة. ولكن ما لك قد تغيرت؟
شعبان :
كأنك تعني أنك دائما تولينا أفضالك وأننا نتقبل منك هذه الأفضال وأنك ...
حسن :
لا لا، فإني لا أعني شيئا من هذا القبيل.
رمضان :
أو أننا ننتهز فرصة كرم أخلاقك لإرهاقك ...
حسن :
لا لا، فإني لم أقل ذلك.
شعبان :
نعم إنك لم تقل ذلك بنصه، ولكن ...
رمضان :
يستدل من وجهك أنك تعنيه.
حسن :
بالله! ما بكما؟ فهل لم أخدمكما قط؟
شعبان :
وهل أنكرنا فضلك حتى تذكرنا به؟
حسن :
ما هذا أيها الصديقان؟ وعلام تتحدثان؟ كأني بكما تريدان خلق سبب لمشاحنتي.
رمضان :
بل أنت يا بك الذي تريد مشاحنتنا.
حسن :
أبدا أبدا والمسألة في غاية البساطة، فهل تحبان أن تولياني فضلا؟
شعبان :
بالطبع ولم لا؟!
رمضان :
إنك تعرف أن الواجب يقضي علينا بذلك.
حسن :
هذه لهجة قاسية كما أظن، ولكن لعلها طريقتكما في التعبير.
شعبان :
وما هي المسألة؟
حسن :
المسألة أن لي شابا أحبه كما لو كان ولدي، وأرغب في أن تجد له وظيفة.
شعبان (يجلس على كرسي ذي جنبين) :
وما الذي دعاك لأن تلجأ في ذلك إلي؟
حسن :
دعاني كونك رئيسا في مصلحتك وأن الشاب الذي أقدمه إليك ذكي حقيقة وحاصل على الشهادات اللازمة، وإذا قلت لك اسمه ...
شعبان (مقاطعا بسرعة) :
لا، لا أحب أن أعرف اسمه!
رمضان :
لأن هذا يزيد في أسف أخي لاضطراره إلى الرفض.
حسن :
الرفض!
شعبان :
يا صديقي العزيز المسألة مسألة مبدأ، وأنا شديد التمسك بمبدئي.
رمضان :
فضلا عن أنها مسألة اجتماعية لها نتائج كبرى.
حسن :
طريقة طيبة للتخلص من الموضوع، ولكن لماذا لا تعمل شيئا خاصا لأجلي؟
شعبان :
لأني صديقك؟
رمضان :
بلا شك، واسمح لي أن أقول إن هذا الطلب غير شريف.
حسن :
تالله ما كنت لأعرف أن ...
شعبان (مقاطعا) :
إنك تريد أن يتقدم فتاك عن غيره من المرشحين بواسطة الأيدي الخفية والمحاولات.
رمضان :
ويحتمل جدا أن يكونوا خيرا منه.
شعبان :
وتريد أن تجعلني شريكك في هذا العمل، واسمح لي أن أقول إنك تريد أن تجعلني شريكا في هذه المؤامرة!
رمضان :
مؤامرة بلا نزاع، لا أكثر ولا أقل.
حسن (غاضبا) :
بل خير من ذلك أن تقولا الرشوة وشراء الذمم والتلفيق والتدليس وأني محتال ونصاب وغشاش!
شعبان (يطلع ويجلس على الكنبة) :
لا لا، فإننا لا نقول ذلك.
حسن :
هذا لحسن الحظ (وقد غلبته سلامة نيته)
ولكني على كل حال لا أظن هذا كله إلا من قبيل المزاح؛ لأني لو كنت أجبتكما بمثل هذه الأجوبة كلها ما سألتماني شيئا ...
شعبان :
آه! رجعنا إلى النغمة القديمة والمن.
حسن :
لا لا، ولكني أريد أن أقول ...
رمضان :
تالله لو كنا نعرف أن قبولنا لأفضالك ...
شعبان (متمما) :
يجعلنا نبيع ضميرينا ...
حسن (مقاطعا محتدا) :
ضميريكما! ألا لعنة الله على هذين الضميرين! إن هذا ليزيد عن الحد بكثير! أي شيطان رجيم وسوس إليكما أني في حاجة إلى ضميريكما؟ احتفظا بهما! ضميريكما! ماذا الذي استفدته من هذين الضميرين خلال ثلاثين سنة مضت؟! (يدخل الصاغ حاملا علبة بها مسدسان وخلفه مرسي أفندي والشيخ خورشد.)
الصاغ :
تفضل يا عزيزي البك (يقدم له علبة المسدسين) .
حسن (ينظر فيها) :
ما هذا؟
مرسي :
علبة المسدسين.
الصاغ :
لتأخذ روح جارك!
شعبان :
بطل موقعة الكرنبة.
مرسي :
وقد عملنا الترتيب اللازم لندعو جارك أسعد بك لمبارزتك.
حسن (مندهشا مبهوتا) :
مبارزتي! ماذا؟ أنا أبارز؟ في أي بلد نحن وفي أي عصر؟ وكيف تظنون أني ...
الصاغ (مقاطعا) :
لا لا، نحن لا نظن شيئا قط، وليس لك مجال لأن تقول كلمة؛ لأن الأمر يعنينا أكثر مما يعنيك. اجلسوا يا سادة (يجلسون) .
خورشد (يقف) :
إنما أرجو أن تسمحوا لي بكلمة في الموضوع لأن حسن بك له علي أفضال كثيرة، ويهمني جدا ما دمتم قد أخبرتموني بالمسألة كلها أن ينتهي الأمر فيها بحل يرضي الجميع.
حسن (يحاول القيام فيجلسونه بالقوة) :
أنا أشكرك جدا يا شيخ خورشد (يمد يده) .
الصاغ :
اطمئن واترك المسألة لأصدقائك.
مرسي :
إننا لا نمانع حلا يكون فيه إرضاء لضمائرنا بالنسبة للإهانات التي وجهها أسعد بك لصديقنا هذا (مشيرا إلى حسن بك) .
حسن (محاولا النهوض) :
أظن أنه ليس ضروريا أن ...
الصاغ ومرسي وشعبان (يمنعونه عن النهوض) :
اسكت. (إلى الشيخ خورشد)
نعم؟
خورشد :
أسعد بك يا سادة في ساعة غيظ وغضب مال إلى الهوى أكثر من ميله إلى الحكمة وأخرج من بين شفتيه كلمة «جبان».
رمضان :
هل لنا أن نفهم من ذلك أنك موافق على هذه الكلمة؟
خورشد :
نعم.
مرسي :
هذا قبيح جدا!
شعبان والصاغ :
لآية في القبح!
حسن (يقف) :
إني لا أرى ...
الصاغ (يجلسه) :
قلنا لك اترك المسألة لأصدقائك!
رمضان (إلى الشيخ خورشد) :
إذا كنت تهزأ بعواطفنا وإحساسنا فخير لك أن تجلس!
خورشد :
كلا يا سادة، وإن كلمة «جبان» كثيرا ما استعملت في مواقف مضحكة!
الجميع (باستغراب) :
مضحكة؟!
خورشد :
نعم، وهي الصفة التي يصح أن ...
مرسي :
إنها صفة لا تصح مطلقا.
خورشد :
إذن اسمحوا لي بالتفسير!
شعبان :
إنك لتسيء التفسير وتشوه معنى الكلمة.
حسن :
أنا أرجوك التفسير (يحاول النهوض فيسحبونه ناحية) .
مرسي والصاغ وشعبان :
قلنا لك اترك الأمر لأصدقائك! لا تتدخل!
خورشد :
كلمة جبان يا سادة تدل على شخص ضعيف القلب، وهذا الصنف فطري ولا حيلة لصاحبه فيه، وهي من هذه الوجهة تعتبر تقرير حقيقة لا إهانة مقصودة، ويقولون في اللغة: فلان جبان الكلب؛ أي كريم لأن كلبه لا ينبح عندما يرى ضيفا، فهي في هذه الوجهة مدح لا ذم!
الجميع :
تفسير مدهش!
حسن (يفلت من أيديهم ويسرع إلى الشيخ خورشد ويصافحه) :
ممنون جدا يا شيخ خورشد؛ لأنه لم يبق مجال لكلمة في الموضوع.
الصاغ (يدفع حسن بك إلى مرسي) :
لقد صدق حسن بك؛ لأنه لم يبق مجال لكلمة في الموضوع ما دمنا لا نقبل مثل هذا التفسير.
حسن :
آه!
مرسي (يدفع حسن بك إلى شعبان) :
نحن نصمم على طلب الاعتذار وإلا فالمبارزة!
حسن :
ولكني لا أريد اعتذارا ولا أطلب اعتذارا!
الصاغ :
أسمعتم يا سادة؟ إن زعيمنا وصاحب الحق فينا يرفض قبول الاعتذار!
شعبان :
ولو أن هذا يسوءنا جدا إلا أننا لا نرى مفرا من إعداد معدات المبارزة.
رمضان :
وله أن يختار نوع السلاح الذي يرتضيه.
الصاغ (إلى حسن بك) :
ليس أفضل من المسدسات! اسمع كلامي.
حسن :
لا لا.
الصاغ :
كما تريد، هل تفضل السيوف؟
مرسي :
وتكون المبارزة باكرا صباحا.
حسن :
لا لا، أبدا!
مرسي :
صديقنا أيها سادة يريد أن تكون المبارزة في الحال.
الصاغ :
لأنه لا يغسل الإهانة إلا نقط من الدماء.
حسن :
لا لا!
الصاغ (إلى حسن بك) :
هل فهمتم قصده أيها السادة؟ إنه راض بنقط من الدماء؛ إذن فستكون المبارزة عنيفة هائلة!
حسن :
كلمة واحدة أقولها في الموضوع وهي آخر وأول ما أقوله؛ وهي أني لا أقاتل مطلقا!
الجميع (باندهاش) :
لا تقاتل؟!
حسن :
بالطبع لا أقاتل، وكيف أبارز مبارزة مميتة لأجل رأس كرنبة؟!
مرسي :
اسكت يا عزيزي لئلا يسمعك أحد.
الصاغ :
هل تريد أن تلحق العار بأصدقائك؟
شعبان :
وتجعلنا أضحوكة بين الناس؟
رمضان :
إذا كنت شخصيا لا تخجل فلا تلحق الفضيحة بنا!
مرسي :
هذا جبن حقيقة.
الصاغ :
وسفالة! هل تراني أرتعش؟
شعبان :
جبان ولا شك!
حسن (بإجهاد متضايقا) :
جبان! ما دمتم تريدون أن أقاتل فها أنا مستعد، وسأقاتل كل إنسان؛ أسعد بك أولا وبعده أنتم واحدا بعد واحد! هيا بنا فقد غلت دمائي في عروقي وما عدت لأطيق على هذا صبرا.
الصاغ :
هكذا الشهامة! هيا بنا. (يدخل الدكتور من الباب الأعلى اليمين.)
حسن :
نعم هيا بنا!
الدكتور :
عفوا يا سادة ربما تحتاجون في أمركم إلى طبيب جراح، وها أنا في خدمتكم!
حسن :
نعم هلم معنا يا دكتور، أسرع!
الدكتور :
إنما أرجو أن تمهلوني لحظة واحدة حتى أعد حقيبتي!
مرسي :
حقيبة الأسلحة والمشارط؟
الدكتور :
لا لا، بل حقيبة ملابسي، أولسنا مسافرين إلى بلجيكا؟
الجميع :
بلجيكا؟!
الدكتور :
أنسيتم يا سادة أنكم هنا في مصر وأن القانون المصري لا يبيح المبارزة، ويعتبرها قتلا معاقب عليه بالإعدام، والشهود يحكم عليهم بالأشغال الشاقة؟!
الجميع :
الأشغال الشاقة؟!
حسن :
هذا لا يهم، لقد دعوتموني جبانا، وها أنا لست جبانا ولا يهمني الموت ولا الأشغال الشاقة!
الدكتور :
أرجو أن تخفض صوتك حتى لا يسمعك أحد؛ لأن هذا يعتبر شروعا في قتل وهذه جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس.
الجميع :
الحبس؟!
حسن :
لا لا، لا يهمني، لقد أهنت كثيرا وسمعت كثيرا فلا أبالي مطلقا.
مرسي :
على كل حال لا أظن أن هناك ما يدعو إلى هذا كله يا عزيزي حسن بك!
شعبان :
كما أنه لا يصح أن تخاطر بحياتك إلى هذا الحد.
حسن :
أقول مرة أخرى إني مستعد!
رمضان :
المسألة أبسط من البساطة.
خورشد :
وإنك يا بك رجل رب أسرة.
الصاغ :
أتريد أن تتقهقر؟
مرسي :
إنه ليس مثلك متعطشا إلى الدماء.
حسن :
إذن لا تريدون أن أقاتل؟
الجميع :
لا لا، أبدا.
خورشد (يصافح حسن بك) :
أنا أهنئك من صميم قلبي يا حسن بك!
حسن :
متشكر جدا يا شيخ خورشد (يخرج الشيخ خورشد) .
الدكتور :
عن إذنك يا حسن بك؛ لأني أريد أن أرى فريدا (يخرج من اليمين) .
الصاغ :
جبناء (يتناول علبة المسدسين ويخرج بهما من الشمال) .
شعبان :
إننا نهنئك من صميم قلوبنا يا حسن بك!
مرسي :
لقد أخرجناك من هذه الورطة على أحسن ما يكون.
حسن :
الحمد لله على كل حال، لقد كنت كالمجرم المحكوم عليه بالإعدام ثم أطلق سراحه حتى لقد اشتقت لأن أرى زوجتي ... (مرسي وشعبان يتبادلان النظرات ... إلى مرسي)
ماذا تقول ؟
مرسي :
أنا؟ أنا لم أقل شيئا.
حسن :
إذن تفضلوا إلى الحديقة لو شئتم.
مرسي :
لا لا، قد يحتمل أن يكونا هناك فنفاجئهما.
حسن :
تفاجئونهما؟ من هما؟
شعبان :
دعك منه يا عزيزي، نسأل الله الستر والسلامة! هلموا بنا على شاطئ النيل.
حسن :
الستر والسلامة! بل قفوا هنا لأن هذه النظرات المريبة وهذه العبارات الغامضة قد أثارت غضبي.
رمضان :
إذا كنت لا تملك زمام نفسك فإننا لا نستطيع ...
حسن :
ها أنا متغلب على عواطفي فأوضحوا ما في أنفسكم لأني مصر على معرفته.
مرسي :
ما دمت مصرا فاسأل شعبان أفندي!
شعبان :
الموضوع مؤلم فقل أنت يا مرسي أفندي.
مرسي :
آه! ليتني كنت أنانيا! ولكن الصداقة تحتم على المرء أن يضحي عواطفه.
رمضان :
حبذا لو اتصلت بك المسألة من غيرنا.
حسن (بعزم وإصرار) :
هل تريدون أن تقولوا أم لا؟
شعبان :
لا شك أنه يؤلمك جدا أن تسمع ...
حسن :
أن أسمع ماذا؟
مرسي :
أن الهانم حرمك وفريد أفندي.
حسن :
ماذا؟
مرسي :
بينهما علاقة أكثر مما يلزم ...
حسن (غاضبا محتدا) :
زوجتي وفريد! كيف اجترأتم على هذا القول؟!
رمضان :
الصداقة تجرئ على كل شيء.
حسن (بغضب شديد) :
الصداقة! كيف اجترأتم على إهانتي في عرضي! ماذا؟! هل انتهى بنا الأمر إلى هذا الحد لدرجة أن من يدعون أنهم أصدقائي يقولون في وجهي وفي منزلي إن زوجتي ... زوجتي التي أحبها من كل جوارحي ... آه! لقد طعنتموني في قلبي طعنة نجلاء!
مرسي :
الموضوع مؤلم حقيقة ولكن لا أستطيع أن أتجاهل ما رأيته بعيني.
حسن (مختنقا) :
وماذا رأيت؟
مرسي :
رأيت (متمهلا ببرود)
رأيتهما يتناجيان. وماذا أيضا يا شعبان أفندي؟
حسن (تائها) :
يتناجيان؟
شعبان :
إني في الحقيقة ...
حسن :
هل أبت عليكم الصداقة إلا أن تلوثوا أحب وأطهر ما لدي في الدنيا؟! إذن فماذا يفعل البغض وماذا تفعل الكراهية؟!
مرسي :
ولكن إذا ...
حسن :
إذا ماذا! قل يا سيدي قل ما عندك! أتريد أن تقول ماذا تكون الحال إذا كان الأمر صحيحا؟ كان يجب أن تدعوني في ظلمة جهلي لا أن تلقوا بي في أتون من النار.
مرسي :
لقد قمنا بواجبنا وانتهى الأمر، فلا داعي لإطالة المناقشة فيه.
حسن :
انتهى الأمر! كلا كلا! بل يجب أن تطول فيه المناقشة! أتظنون أني أرضى بترك زوجتي ترزح تحت نير هذه الشبهة المنكرة؟ أو أنني أدع شرفي وشرف زوجتي وشرف ابن عمي تحت رحمة هذه الصداقة؟ كلا كلا! لقد علمتموني أن الطهر لا يكون طهرا حتى يقوم عليه الدليل، ولا بد من إقامة هذا الدليل اليوم بل الآن في هذه الساعة، ولو أني لست أدري الوسيلة إنما يجب إقامة البينة (يختنق صوته ويقع على مقعد خائرا) .
مرسي :
يا صديقي العزيز إنه ليسرنا جدا أن يتضح لنا خطؤنا، فاعمل بنصيحتي كما عمل صديق لي من قبل في ظروف كهذه تماما، فإنه ادعى أنه مسافر وأنه لا يعود إلا في اليوم التالي، وخرج من منزله ثم عاد فجأة في نفس اليوم وفتح الباب بمفتاح كان في جيبه وانسل داخلا بخفة دون أن يشعر به أحد، وعندما فتحت غرفة النوم رأيت ...
شعبان :
أنت؟!
مرسي :
لا لا، بل صديقي فإنه رأى ... بالاختصار اقتنع تماما.
حسن :
وتريدني أن ألجأ إلى هذه الحيلة القذرة؟ وكيف أستطيع أن أرى وجهها بعد ذلك؟ وكيف أقول لها إني مرتاب في أمانتها؟ تالله إن الكلمات لتخنقني خنقا!
شعبان :
لا لا، ويكفي أنك تعتذر بأنك لم تدرك القطار.
رمضان :
أو نسيت منديلك أو كيس نقودك.
حسن :
أو أية أكذوبة أخرى.
مرسي :
أكذوبة؟ نحن إنما نريد أن نتأكد الخبر.
شعبان :
وتكشف الحقيقة بنفسك.
حسن (محتدا) :
الحقيقة! أية حقيقة؟!
مرسي :
يظهر أنك غير مصدق.
حسن :
مصدق! تالله لا أدري ماذا أصدق ومن أصدق؟ فقد كدت أخبل بينكم ولا ريب عندي أنكم كاذبون! أتخدعني امرأتي؟ ولماذا؟ إني أحبها بل أكاد أعبدها، ولم يشغلني في حياتي إلا البحث وراء ما يسعدها ويسرها! ثم ها أنتم تقولون إنها تخونني؟ ومع من؟ مع فريد ابن عمي بل ابن دمي ولحمي؟! يا للهول! لا لا، المسألة مكذوبة بلا شك وكل شيء ينطق بكذبها (يفكر)
ولكن لو صح الخبر ماذا يكون مصيري؟! (يرتمي على مقعد خائرا ووجهه بين يديه ثم ينهض فجأة)
لا لا! هذا كذب! كذب! كذب!
مرسي :
أظن أنه خير لنا أن نتركك وحدك لتفكر في أمرك بحرية تامة.
شعبان :
نعم هيا بنا (يخرجون من الشمال) .
حسن :
ألهبوا النار في قلبي وخلفوني أصطلي لظاها (يدخل الدكتور من اليمين) .
الدكتور :
كيف حالك الآن يا عزيزي البك؟
حسن (تائها) :
من؟ أنا! تسأل عن حالي؟
الدكتور :
نعم، ولقد تركت أمينة هانم الآن وهي في أشد الشوق إلى رؤيتك؛ لأنها لم ترك طول النهار.
حسن (ذاهلا) :
في أشد الشوق إلى رؤيتي! وهل رؤيتي مما يشتاق إليه؟
الدكتور :
ما الخبر يا حسن بك؟ وما الذي جرى؟
حسن (متنهدا بألم) :
آه! لا شيء غير أني ... غير أني (لنفسه)
رحماك يا رب! (له)
سأسافر.
الدكتور (مندهشا) :
تسافر؟ ومتى؟ وإلى أين؟ ولأي غرض؟
حسن :
لا أدري ولكني مسافر الليلة إلى مصر (تدخل أمينة هانم من اليمين) .
الدكتور (لحسن بك) :
ها هي الهانم قد أتت، تفضلي يا هانم فإننا هنا وحدنا (تدخل ) .
أمينة :
أين كنت يا بك طول هذا اليوم فلم أرك؟ ما بالك مهموما؟
حسن :
لا شيء، ولكني مسافر الليلة إلى مصر.
أمينة (باندهاش) :
مسافر الليلة إلى مصر؟ ولأي سبب؟
حسن (متألما) :
مضطر، ولكني سأعود في صباح الغد.
أمينة :
ولماذا لا تسافر غدا صباحا وتعود في المساء إذا كان لا بد من هذا السفر؟
حسن :
مرغم يا أمينة (لنفسه وقد نزل)
ليس في قولها ما يدعو لسوء الظن، ولكن كيف يمكن اختلاق جريمة كبرى كهذه بدون أساس.
أمينة (للدكتور على حدة) :
ألا تعلم سبب سفره؟
الدكتور :
لا والله، ولكن أين فريد؟ فإني لم أره اليوم قط.
أمينة :
خرج للصيد منذ الصباح ولم يعد بعد. (لزوجها)
وهل لا تزال مصمما على السفر؟
حسن :
نعم لأن الأمر هام جدا. (لنفسه)
يا لهول الشك!
أمينة :
إنما يجب أن تعدنا بالعودة غدا بقطار الظهر!
حسن :
إن شاء الله (يخرج مذهولا دون تحية) .
أمينة :
ماذا؟ أتخرج بدون أن تسألنا عما إذا كنا نحتاج إلى شيء من مصر أو تودعنا على الأقل؟
حسن (يعود) :
لقد نسيت، إلى الملتقى يا عزيزتي (يصافحها)
إلى الملتقى يا دكتور (يصافحه)
إن المنزل في رعايتك (يخرج من الشمال) .
أمينة (تشيعه بنظراتها حتى الباب) :
يدهشني جدا هذا السفر الفجائي (تهز رأسها متحيرة)
عن إذنك يا دكتور، أسعد الله مساءك (تخرج من اليمين) .
الدكتور :
تفضلي يا هانم أسعد الله مساءك (وحده) «إن منزلي في رعايتك»؛ مسئولية كبرى ألقيت على كاهلي ولكني أقدرها قدرها وما يفعله الله يكون (يطل من البلكون فيدخل فريد من الشمال ومعه بندقية الصيد) .
فريد (لا يرى الدكتور) :
الجو خال صاف، وهذا لحسن الحظ!
الدكتور (وهو في البلكون) :
من هناك؟ (ينزل) .
فريد (يتثاءب) :
الدكتور؟ أنت هنا؟ تالله لقد أنهكني الصيد اليوم حتى تعبت جدا وأشعر بحاجة شديدة إلى النوم، أسعد الله مساءك (يدخل من اليمين) .
الدكتور (وهو يتبعه) :
أسعد الله مساءك، أسعد الله مساءك! ما معنى هذا الكلام! يتغيب اليوم بطوله ولا يعود إلا في اللحظة التي يخلو فيها البيت من صاحبه. لا بد أن في الأمر خبثا يدبر فكيف السبيل إلى منع حدوثه؟ (يفكر)
وكيف أحتال للمبيت هنا الليلة؟ (ينظر في ساعته)
الساعة العاشرة. (يدخل فؤاد من الشمال وإحدى يديه على رأسه والأخرى على معدته مصفر اللون جدا وهو يتعثر في مشيه)
آه! آه!
الدكتور :
ما الخبر يا بني؟
فؤاد :
لا أدري يا دكتور ولكني مريض جدا وأشعر بدوار شديد!
الدكتور :
مبادئ إغماء، لا بأس لا بأس فالأمر يسير.
فؤاد :
وكأن الأرض تدور بي، آه (يقع على كرسي) .
الدكتور (يذهب لمساعدته) :
تشجع تشجع! لقد كان الوغد يدخن.
فؤاد :
سيجارة واحدة أخذتها من جيب أبي.
الدكتور :
ولكنها كثير بالنسبة إليك.
فؤاد :
آه! سأموت! سأموت!
الدكتور :
نعم بالطبع ستموت، ولكن ليس الآن.
فؤاد :
ها، أنا سأموت؟ آه!
الدكتور :
بل ستنام ستنام. (ينادي)
زينب زينب! قليلا من الماء بسرعة (تدخل زينب) .
زينب (تقدم كأس الماء) :
ها هو الماء يا سيدي، ما الذي جرى؟
الدكتور :
لا شيء وسيفيق في الحال رشي الماء على وجهه (يتركها ترش الماء وينزل ... لنفسه)
إن سوء تصرف هذا الغلام قد خدمني أجل خدمة؛ إذ سأتخذ من حالته وسيلة لبقائي إلى جنبه طول الليل فأتمكن من مراقبة فريد مراقبة دقيقة وأقوم بحق رعاية البيت كما أراد صاحبه. (لفؤاد)
كيف حالك الآن يا فؤاد؟
فؤاد :
مريض جدا يا دكتور.
الدكتور :
إذن قم إلى فراشك لأعطيك دواء منوما.
فؤاد :
لا أستطيع المشي يا دكتور.
الدكتور :
لا بأس فأنا أمشي بالنيابة عنك (يحمله ويدخل من اليمين) .
زينب :
أيكون هذا رجلا وسيجارة كادت تقضي عليه؟! (تدخل أمينة من الباب الثاني اليمين.)
أمينة (وهي عند الباب) :
هاتي شمعة هنا في غرفتي فإني أريد أن أنام في الحال ... أغلقي الباب.
زينب (تذهب إلى الباب الشمال) :
المفتاح ليس في الباب يا سيدتي فهل أخذه أحد؟
أمينة (تتقدم) :
ليس في الباب (تجلس)
أغلقيه بالأكرة وباب البلكون أيضا.
زينب (وهي عند البلكون) :
ما أبدع ضوء القمر الليلة!
أمينة :
اتركي أحد البابين مفتوحا (لنفسها)
ما أغرب حاله الليلة! فهل تراه قد عرف ما جرى؟ مستحيل! ولكن لماذا لا أخبره وليس في الأمر ما أخجل له؟ لا لا، إنه ابن عمه ويعزه كثيرا، وإذا أخبرته فلا يعلم العاقبة عندئذ إلا الله.
زينب :
إنك يا سيدتي إذا ظللت جالسة هكذا فلا تلبثين أن تنامي وأنت جالسة كما نمت بالأمس.
أمينة :
لا لا، أخلي غرفة نومي وأغلقي النوافذ هناك وانتظريني.
زينب :
أمرك يا سيدتي (تخرج من الباب الثاني اليمين) .
أمينة (وحدها) :
إنه يحبني وأحبه وعندما ودعني ذلك الوداع المريب شعرت كأنه قد أخذ قلبي معه، ولكن كيف أجسر أن أقول له إن ابن عمك الذي تحبه كما لو كان ولدك ... ولكن هل تراه يصدقني إذا أخبرته؟ أولا يرتاب في أيضا ويظنني شريكة في هذا الجرم؟ إن الوقت لا يزال فيه متسع ويجب أن هذا الشاب يهجر هذا البيت! ولقد وعدته أن يقابلني هنا وسأرجوه بل آمره أن يرحل عنا! آه! أشعر كأن في عيني نارا تلتهب وأتمنى لو أن تفارقني هذه الوساوس وأن أجد إلى النوم سبيلا (تخفي وجهها في يديها فتدخل زينب من الباب اليمين الثاني) .
زينب :
نامت! هل تأمرين بشيء يا سيدتي؟
أمينة (منتبهة) :
كلا! ألم أقل لك انتظريني في غرفتي؟ اذهبي الآن إلى غرفتك فإني لم أعد في حاجة إليك.
زينب :
أمرك يا سيدتي (تخرج من الباب اليمين). (يدخل فريد من الباب الأول اليمين ويغلقه بالمفتاح ويضع المفتاح في جيبه فتتنبه أمينة هانم.)
أمينة :
أتزالين هنا يا زينب؟
فريد :
هس! إنه أنا (يقترب منها بالتدريج)
ولكن ما بالك مضطربة؟ لقد فوجئنا بالأمس أما الليلة ...
أمينة :
إذا كنت نادما على ما فرط منك بالأمس فإني أتقبل عذرك، ولكن يجب أن تعلم أنه بعد الذي جرى لا يمكن أن تبقى في المنزل، فعدنا بمغادرة القرية كلها في صباح الغد وأنا أعفو عما سلف، وأسعد الله مساءك (ذاهبة إلى غرفتها) .
فريد (محاولا أن يمسكها) :
لا لا ... لا تهجريني!
أمينة :
سيدي! أرجوك (تذهب خلف الكنبة) .
فريد :
بل أنا الذي أرجوك بل ألتمس بل أتوسل وأبتهل! دعيني أفرغ لك هنا كل ما في قلبي على قدميك (يمسك يدها وهي تحاول إفلاتها)
استمعي يجب أن تستمعي!
أمينة :
اتركني بربك وحسبك هوسا (تحاول التخلص) .
فريد :
أتركك؟ أبدا! وإذا كنت متهوسا فبجمالك وفي حبك.
أمينة :
سيدي ... بربك دعني! (تفلت منه وتقع على كرسي وتخفي وجهها بيديها)
لقد اجترمت أكثر مما كنت أتصور وهذا قصاص شديد.
فريد :
اجترمت؟ وهل في الحب جريمة؟
أمينة :
الحب؟ كذب وبهتان! فأنا لا أحبك ولم أنظر إليك نظرة حب قط.
فريد :
يا للمغالطة! وكيف تفرقين بين قلبي وقلبك؟
أمينة :
حسبك لا تزد! فقد خدعتني ونصبت لي حبائل من ريائك وملقك، واتخذت من مراعاتي لك وعطفي عليك وسيلة للتغرير بي فاعتبرت مراعاتي غراما وعطفي حبا.
فريد :
لا تهزئي بقلبك وما استكن فيه؛ لأن هذا الصدود هو اعتراف صريح.
أمينة :
كفى يا سيدي اتركني (تبتعد) .
فريد :
هذا ما لا يمكن أن يكون قط (يقترب منها) .
أمينة :
إذن فلا أبقى هنا لأهان (تذهب إلى الباب الأول اليمين)
مغلق! وهل رأيتني قد تشغلت إلى حد أنك تجسر ...
فريد (يتقدم إليها) :
الحب يشجعني على كل شيء!
أمينة (ترمي كرسيا بينها وبينه) :
اقترب مني وأنا أصرخ مستنجدة (تقترب من البلكون) .
فريد :
إنك لا تجسرين على ذلك حرصا على سمعتك (يعترضها) .
أمينة (تذهب إلى حبل الجرس المدلى) :
لا أجسر؟ سترى!
فريد (يتناول حبل الجرس بإحدى يديه ويقطعه بالأخرى) :
قضي الأمر!
أمينة (تقترب إلى المنضدة) :
آه يا سيدي! ارحمني! وإذا كان لا يزال لديك بقية شرف أو شهامة فاتركني أتوسل إليك!
فريد (يتناول يدها) :
اعترفي بأنك تحبينني، إن لم يكن بكلام فبنظرة.
أمينة (تلمح خيالا على زجاج النافذة في الشمال) :
ويلاه! لقد انكشف الأمر.
فريد :
مستحيل.
أمينة (وهي تكاد أن يغمى عليها) :
لمحت خيالا على زجاج النافذة.
فريد :
آه (يندفع إلى البلكون ليختفي فيه فتسرع أمينة بإغلاق الباب عليه ثم تعود متعثرة خائرة القوى إلى كرسي في الوسط ترتمي عليه) .
أمينة :
لقد نجوت. (يدخل حسن بك من الباب الشمالي بسكون وتؤدة.)
حسن :
وجدتك! كذب ولا شك!
أمينة (مضطربة) :
رباه! زوجي. (تسرع إليه وتطوق عنقه بذراعيها.)
حسن (ملاطفا) :
إنه أنا يا حبيبتي فلا تنزعجي.
أمينة :
لم أنزعج ولكم سررت جدا لعودتك.
حسن :
أظنك لم تتوقعي حضوري بهذه السرعة يا أمينة؟ لقد تخلفت عن القطار، ولكن ما بالك مضطربة؟
أمينة :
المفاجأة أدهشتني.
حسن (بحنان) :
كيف أطلب إليك العفو؟
أمينة (مندهشة) :
العفو؟ عن أي شيء يا عزيزي البك؟
حسن :
لأني ظننت أن ...
أمينة :
ماذا ظننت؟
حسن (مترددا مرتبكا) :
لقد ظننت ... في الحقيقة أنا ... آسف جدا ... لأني ... أزعجتك على هذه الصورة (يمشي فيرى الكرسي الذي سبق أن وقع على الأرض)
من الذي أوقع هذا الكرسي؟ آه، ومن قطع حبل الجرس؟ (يدخل الدكتور شمالا) .
الدكتور :
هس!
حسن بك وأمينة :
الدكتور!
الدكتور :
أرجوك المعذرة يا بك، فإني ما كنت أظن أنه أنت الذي يتكلم هنا.
حسن (مرتابا) :
لقد تخلفت عن القطار، ولكن ...
الدكتور :
أرجوك أن تخفض صوتك؛ لأنه لم ينم إلا الآن فقط.
حسن :
من؟
الدكتور :
الفتى فؤاد.
حسن :
فؤاد؟
الدكتور :
نعم، فقد أصيب بالدوار من جراء سيجارة دخنها (إلى أمينة)
ولكن ما بالك قلقة عليه إلى هذا الحد يا هانم؟ لقد تحسنت حالته الآن كثيرا.
حسن (مندهشا) :
هذا الفتى الصغير يدخن؟
الدكتور :
يظهر أنه دخن الليلة لأول مرة فأصيب بإغماء ودخل علي مصفر الوجه كالأموات، وما لبث أن سقط على الأرض من شدة الدوار، ثم جعل يتدحرج حتى قلب الكراسي وأتلف نظام الغرفة كما ترى.
حسن :
آه، إذن فهذا هو السبب، ولكن من قطع حبل الجرس؟
الدكتور :
أنا، فقد أذهلني الشقي حتى إني عندما أردت أن أدعو زينب لمساعدتي جذبت الحبل بعنف فانقطع في يدي، ويظهر أن الهانم كانت نائمة هنا في غرفتها (يشير إلى الغرفة)
واستيقظت على صوت الجلبة فجريت علينا ولما رأت تلك الجلبة قلقت على الفتى كثيرا.
حسن :
ذلك لأنها رقيقة القلب جدا (لنفسه)
إنها الطهارة مجسمة وقد كذب الواشون.
الدكتور :
وتالله لقد أصابت الهانم إذ أشارت علي بألا نخبر والد الفتى؛ لأنه قد تعافى والحمد لله.
أمينة :
لقد طمأنتني يا دكتور (للدكتور على حدة)
إنك لكريم جدا يا سيدي!
حسن :
لماذا لا تتنفسين إذن يا أمينة؟ أتراك تشكين شيئا؟
أمينة (بضعف) :
لا شيء، لا شيء.
الدكتور :
لا تنس يا بك أن ما تعانيه الهانم الآن من الضعف ليس إلا نتيجة ما أصابها من الاضطراب.
حسن :
نعم نعم، أضف إلى ذلك أن هواء الغرفة حار جدا يجعل المرء يكاد يختنق ويجب أن أفتح باب البلكون (ذاهبا) .
أمينة (للدكتور همسا) :
إنه هناك.
الدكتور (على حدة) :
فهمت. (لحسن بك بسرعة)
انتظر يا حسن بك، انتظر حتى لا تتعرض الهانم لالتهاب في الرئة. (لها على حدة)
يجب أن يخرج.
حسن (وقد سمعه) :
من؟ من الذي يخرج يا دكتور؟
الدكتور (يخرج من جيبه زجاجة صغيرة بسرعة) :
غطاء هذه الزجاجة؛ فإن فيها دواء منعشا وقد حاولت فتحها عندما كان فؤاد مغمى عليه فلم أفلح. هل معك مبراة يا حسن بك ؟
حسن :
تفضل (يناوله المبراة) .
الدكتور :
شكرا لك (يخبط على الزجاجة بالمبراة)
يجب أن تخرج ولا بد من خروجك: واحد اثنين ثلاثة، نط (يفتح الزجاجة) .
حسن :
ها لقد نط!
الدكتور (باهتمام وسرور) :
لا شك في ذلك (يناول الزجاجة لأمينة هانم)
استنشقي الآن يا هانم (إلى حسن بك)
يمكنك أن تفتح الباب إذا أردت يا بك (حسن بك يفتح الباب) .
حسن (ينزل لأمينة هانم) :
لعلك أحسن الآن يا أمينة؟
أمينة (تنظر نحو البلكون) :
نعم أحسن كثيرا.
حسن (يتسمع) :
هس! هس (يجري نحو البلكون مسرعا ويدخله) .
الدكتور (قلقا) :
ما الخبر؟
أمينة (على حدة) :
رآه وقضي علي (لزوجها وقد أسرع نحو الباب الشمال)
ما الذي جرى يا بك؟ إلى أين؟
حسن (وهو خارج بسرعة من الشمال) :
سمعت حركة في الحديقة (يخرج بسرعة) .
أمينة :
دكتور! دكتور! أشعر بالدوار الشديد! آه! وقد مادت الأرض تحت قدمي! (تسقط على كرسي مغمى عليها وتنزل الستار بسرعة.) (ستار)
الفصل الرابع
(المنظر: كما في الفصل الثالث تماما غير أن المنضدة التي في الوسط عليها أوراق وأدوات للكتابة ...) (ترفع الستار عن أمينة هانم جالسة في كرسي في اليمين وهي صفراء اللون تائهة الفكر وأمامها زينب.)
أمينة (ترفع رأسها قليلا) :
ألم تري سيدك البك هذا الصباح يا زينب؟
زينب :
كلا يا سيدتي ولست أدري أين ذهب، وكذلك لم أر فريد أفندي.
أمينة (باستياء وفتور) :
لم أسألك عن هذا (يدخل الدكتور من الشمال) .
الدكتور :
صباح الخير يا هانم.
أمينة (تقف) :
صباح الخير يا دكتور (تنظر إلى زينب فتخرج من اليمين)
كيف أستطيع أن أشكرك على ما فعلت بالأمس؟! (الدكتور يطأطئ رأسه) .
الدكتور :
لم أفعل يا سيدتي إلا ما يقتضيه الواجب في مثل ذلك الموقف الحرج.
أمينة :
حقا لقد كان موقفي بالأمس أسوأ موقف تقفه سيدة أمام زوجها وأمام صديق مثلك، إنما كيف ساقتك العناية إلي في تلك اللحظة؟
الدكتور :
الحقيقة يا سيدتي أني كنت أبحث عن فريد، ولما لم أجده في غرفته رجحت وجوده هنا، غير أني وجدت ذلك الباب موصدا (يشير إلى الباب الأول اليمين)
فنزلت إلى الحديقة من الناحية الأخرى وأتيت من هذا الباب (يشير إلى الباب الشمال)
وتالله ما كان أشد خجلي عندما وجدتك هنا مع حسن بك! إنما كيف انتهت ليلة أمس؟
أمينة :
آه يا دكتور! لقد أمضيت بالأمس ليلة هي أسود الليالي.
الدكتور :
هل قال لك شيئا آلم عواطفك؟
أمينة :
كلا، ولم نتحادث بالأمس؛ لأنه بعد أن خرج من هنا مسرعا كما رأيت لم يعد إلا في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وعندما سمعت وقع أقدامه تولاني رعب شديد وفزع أكبر فارتميت على المقعد الطويل وتظاهرت بالنوم.
الدكتور :
فتركك ونام؟
أمينة :
بل ظل واقفا إلى جانبي يتفرس في فعلت دقات قلبي حتى لا أشك في أنه سمعها ولم أجسر على أن أختلس النظر إلى عينيه، ولكني شعرت بما يتجلى فيها، ثم جعل يتمشى في الغرفة وهو يفكر تفكيرا عميقا، وما لبث أن اندفع نحو النافذة وفتحها وظل يسرح ناظره حتى تنفس الصباح، فانسل خارجا وخلفني أكاد أموت من الفزع.
الدكتور :
ولم تريه إلى الآن؟
أمينة :
لم أره حتى إني شديدة الرغبة في رؤيته، ومع ذلك أخشى أن أرفع عيني في عينيه.
الدكتور :
تشجعي تشجعي.
أمينة :
إن أفكار الليل كادت تذهب بصوابي وكان يجب علي أن أخبره بكل شيء، أما وقد أضعت الفرصة فمن ذا الذي يصدقني الآن؟!
الدكتور :
أرجو أن تهدئي روعك؛ لأنك ربما تكونين قد أقلقت بالك أكثر مما يجب.
أمينة :
لا لا، ولقد هممت أن أقول له إن هذا كله محض افتراء، ولكني لم أقو على القول.
الدكتور :
أنصفت أما إذا كان قد رأى فريدا هنا ...
أمينة :
ماذا؟ أنت أيضا يا دكتور تعتقد أن ...
الدكتور :
معاذ الله يا سيدتي! فإني لا أعتقد في شيء يمسك وإلا لما كنت أطأ أرض هذا البيت، ولكن كيف يعلل وجود فريد في البلكون في تلك الساعة من الليل؟
أمينة (بشيء من الأنفة) :
إذن لا بد أن أخبر زوجي بالأمر كله في الحال؛ لأن كرامتي تأبى علي قبول الاتهام.
الدكتور :
تبصري يا سيدتي؛ لأن هذا سيؤدي إلى أوخم العواقب وقد ينتهي بسفك الدماء!
أمينة :
لا لا، سأخبر زوجي بكل شيء وسيصدقني بل يجب أن يصدقني (ذاهبة نحو الباب اليمين الأول) .
الدكتور :
ولكن أين البرهان؟
أمينة :
البرهان؟ لدي البراهين؛ فإني أستطيع أن أثبت له ... لا لا ... لا أستطيع وكل شيء يتهمني وكل شيء يمكن اتخاذه دليلا ضدي، وقد وقعت في أحبولة من الإفك والبهتان ولا أملك تبرئة نفسي (تقع على كرسي خائرة القوى وتغطي وجهها بيديها) .
الدكتور (ينظر ناحية الباب الشمال) :
هس! فقد أتى فريد.
أمينة :
أيزال هنا! وكيف يجسر على البقاء؟ إني لا أحب أن أراه (ذاهبة إلى الباب) .
الدكتور :
ولكن يجب أن نعرف ما إذا كان قد قابل حسن بك أو لم يقابله.
أمينة :
إذن فاسأله أنت ما شئت؛ لأن رؤية هذا الرجل تخيفني وتملؤني رعبا (تخرج من الشمال) .
الدكتور (وحده) :
يا لها من امرأة مسكينة! ولكن لا غرابة في الأمر؛ لأن إطلاق الحرية للنساء في مخالطة الرجال يجر إلى ما هو أشر من ذلك وأوخم عاقبة (يدخل فريد من الشمال متباطئا) .
فريد (وقد أخفى ذراعه اليمنى في صدره) :
صباح الخير يا دكتور، لقد كنت أبحث عنك.
الدكتور :
كذلك أنا، هل رآك أحد بالأمس؟
فريد :
لا أظن ذلك، وقد عملت بنصيحتك الثمينة فقفزت من البلكون ولكن السقطة آلمتني لحظة وما كدت أنهض وأتسلل خلال الأشجار حتى لمحت شخصا في البلكون ينظر ناحيتي وما لبث أن نزل إلى الحديقة يبحث في كل مكان فاختفيت وكتمت أنفاسي حتى إذا تجاوز ناحيتي تسللت بخفة وجريت من البستان، وقضيت ليلتي في الحقل المجاور بين أشجار القطن أفكر فيما جره علي هذا الطيش.
الدكتور :
الطيش ... بل قل ...
فريد :
جريمة؟ سمها ما شئت، ولكن ثق يا صديقي العزيز أني أسفت أشد الأسف وندمت جد الندم وسأبذل كل جهدي لعلي أستطيع إصلاح ما جرى.
الدكتور :
الآن فقط تكلمت كما يتكلم رجل شريف، فهات يدك (يصافحه) .
فريد (متألما من المصافحة) :
آه!
الدكتور :
ماذا؟
فريد :
عندما قفزت من البلكون وقعت على معصمي فانثنى كما ترى.
الدكتور :
رضوض ... جزاء عادل، لقد كوفئت على ما اقترفت. (تدخل أمينة هانم من الباب الأول اليمين وهي متألمة مضطربة)
هل عاد حسن بك يا هانم؟
أمينة :
كلا يا دكتور ولكني أرسلت زينب لتبحث عنه فوجدته في آخر البستان يتمشى مفكرا فانتهرها؛ لأنها عكرت عليه صفاء خلوته.
الدكتور :
كان يحسن أن تدعيه وحده وألا ترسلي إليه أحدا.
أمينة :
تلك غلطتي ولذلك جئت أقصها عليك (ينظر ناحية الباب الشمال)
وها هو آت هناك (فريد عندما يسمع ذلك يهم بالخروج من الباب الأول اليمين) .
الدكتور (إلى فريد) :
ابق يا فريد هنا (ينظر إليه فريد نظرة المتردد ويجلس في أعلى المسرح متشاغلا بكتاب أو غيره مما على المنضدة)
وأنت يا هانم أرجوك البقاء معنا (تجلس على كرسي في اليمين مفكرة بائسة. الدكتور كأنه يتمم حديثا معها)
وأنا معك في هذا الرأي؛ إذ يجب حقيقة أن يكون تعليم البنات أكثر انطباقا على العوائد والتقاليد الشرقية، وإلا ضاعت قوميتنا وأصبحت الأسرة المصرية لا شرقية ولا غربية (خلال هذا الحديث يدخل حسن بك من الشمال متمهلا وهو يقرأ جريدة في يده وتحت ذراعه جرائد أخرى. ينزل بتؤدة) .
أمينة :
بلا ريب (على حدة)
هذا عذاب وجحيم!
حسن (يقرأ في الجريدة) :
وليس ببعيد على هذه الأمة العريقة في المجد أن تتبوأ مركزها اللائق بها بين الأمم وتصبح من أكبر عوامل الرقي والحضارة في العالم.
الدكتور (إلى حسن بك) :
يظهر أن شئون البلاد قد شغلتك يا حسن بك وألهتك عن كل ما عداها.
حسن :
معذرة يا عزيزي الدكتور صباح الخير كيف حالك؟
الدكتور :
بخير ولله الحمد.
أمينة (على حدة) :
إنه مصفر اللون.
حسن (لزوجته) :
أنت هنا؟ تالله لم أرك، لقد تركتك ليلة الأمس بغتة وعندما عدت وجدتك نائمة نوما عميقا فلم أشأ أن أقلق راحتك، أما أنا فلم يغمض لي جفن طول الليل؛ لأن الصداع الشديد تولاني حتى الصباح. (يلمح فريدا)
فريد؟ أين كنت هذا الصباح لأني لم أجدك في غرفتك؟
فريد :
آه، لقد خرجت اليوم مبكرا جدا لأستنشق نسمات الصباح المنعشة في المزارع والحقول.
حسن :
هذا يفيدك جدا، أليس كذلك يا دكتور؟
الدكتور :
بالطبع، ولقد عمل ذلك بناء على نصيحتي.
حسن (إلى فريد) :
ولكن ما بالك رافع يدك كما لو كانت مصابة بشيء؟!
فريد (متجلدا ومخفيا شعوره) :
أوه، لا شيء بها.
حسن :
يجب أن تحرص على يدك أشد الحرص؛ لأنك ستحتاج إليها قريبا. (للدكتور)
ألم تقرأ الجرائد اليوم يا دكتور؟
الدكتور :
كلا، وهل فيها شيء جديد؟
حسن :
لقد وقع نظري في أحدها على حادث عظيم (الكل يصغون)
ذلك أن زوجا اتضح له أن زوجته سلكت مسلكا صعيبا شائنا فتغلب اليأس على المسكين وانتحر (اندهاش عام)
والحادث طبيعي جدا، والجريدة فصلته أحسن تفصيل.
الدكتور :
ولكني لا أظن الحادث طبيعيا بل إنه نادر الوقوع على هذه الصورة، لا سيما وأن الانتحار أمر محزن جدا.
حسن :
أوكنت تنتظر أن ينظر الزوج إلى خيانة زوجته نظرته إلى شيء مضحك مفرح؟
الدكتور :
أنا لم أنتظر ذلك ولم أقل ذلك، ولكني أقول إن مسألة الانتحار ...
حسن (مقاطعا) :
آه يا صديقي العزيز! لو كنت متزوجا لاستطعت أن تدرك مقدار العذاب الذي يشعر به المرء لمجرد الغيرة وحدها، فما بالك بالزوج عندما يرتاب في زوجته ثم يتضح له أن هذه الريبة أمر حقيقي! ماذا عساك تظنه يفعل؟ أيقتل العشيق؟ أم يقتل الخائنة؟ أم يقتلهما معا؟ أم يقتل نفسه؟ أم يتركهما ويعيش تحت نير العار والفضيحة؟ أم تظنه يعفو ويصفح؟ ربما كان في وسع البعض أن يصفح ويغتفر ولكن ليس في وسعه أن ينسى؛ فيظل شبح الجريمة ماثلا أمامه ما دام حيا. ومن رأيي أن هذا الزوج الذي نحن بصدده قد أنصف بانتحاره؛ أعذاب لحظة أم عذاب الأيام يبقى ما بقيت الحياة؟ إن بين العذابين لفرق كبير، ولا يسعني إلا أن أقول إني أفضل الانتحار.
أمينة (مرتبكة مضطربة) :
الانتحار!
حسن (مسترسلا ولم يسمعها) :
وعلى رأس الشريكين في الجريمة يقع دم المنتحر. فماذا ترى يا دكتور؟
الدكتور (مرتبكا) :
إني أرى ... إني من رأيك .
حسن :
بالطبع لأنك رجل يعرف قيمة الشرف (لزوجته)
خذي واقرئي يا أمينة، وإني واثق من أنك توافقين على رأيي.
فريد (ينهض ويقترب من الباب الشمال، على حدة) :
ما عدت لأطيق على هذا صبرا.
حسن :
إلى أين يا فريد؟
فريد :
مسافر الليلة إلى العاصمة لأمر هام، فهل تأمر بخدمة؟
حسن :
كلا، شكرا لك. ولكن هل ستعود في المساء؟
فريد :
يحتمل.
حسن :
لا لا، بل عدني وعدا قاطعا بأنك ستعود؛ لأني أتوقع أمرا يخصك.
فريد (يتبادل النظرات إلى الدكتور) :
ما دام الأمر كذلك فإني أعدك بالعودة (ذاهبا)
ألست بخارج يا دكتور (يقع نظره على نظر أمينة فتنظر إليه نظرة ملؤها الاحتقار) .
حسن :
ماذا؟ أتسافر بدون أن تودعني (يصافحه)
سر في حراسة الله يا بني!
فريد (يغالب نفسه المتأثرة) :
شكرا لك يا بك (يتعثر حتى يكاد يسقط فيسنده الدكتور. للدكتور على حدة)
خذ بيدي وإلا خانتني قواي (يخرج من الباب الشمال متكئا على الدكتور) . (حسن بك يجلس إلى يمين المنضدة مفكرا قليلا ثم يبحث في جيوبه ويخرج سيجارة يشعلها وهو تائه. أمينة هانم تنهض وتذهب خلفه قاصدة الباب اليمين، ثم تقف لحظة تنظر إليه بقلق واضطراب، وبعد أن تخطو بضع خطوات نحو الباب تعود إليه.)
أمينة :
هل أنت في حاجة إلي يا عزيزي؟
حسن (بلا اهتمام) :
كلا.
أمينة (مترددة) :
أولا تريد أن تقول لي شيئا؟
حسن :
كلا ... بل ناوليني ما ورد لي من الرسائل، ولكن لا ها هي (يراها على المنضدة) .
أمينة (على حدة) :
يخيفني من عدم اكتراثه لي وليتني أستطيع أن ... ليتني (بعزم)
لا بد أن أقول له (تكاد تفتح فمها بالقول فتسمع صوت أصدقائه يتكلمون في الخارج ناحية الباب الشمال)
أضعت فرصتي الوحيدة مرة أخرى.
حسن (وهو يقرأ في رسائله) :
ماذا تقولين؟
أمينة :
لا شيء (تخرج من الباب الشمال متمهلة وهي تحدق في زوجها بكآبة وحزن) . (يدخل من الباب اليمين شعبان بهدوء وسكينة ثم يشير إلى مرسي بالدخول فيدخل هذا ووراءه رمضان ثم الصاغ وينزلون خلف بعضهم.)
شعبان :
صباح الخير يا حسن بك (يمد يده) .
حسن (بدون أن ينظر إليه أو يرى يده لانهماكه في أوراقه) :
صباح الخير (يرى يد شعبان فيصافحه بغير انتباه)
لا تؤاخذني (يحتاطون جميعا بحسن بك) .
رمضان (متنهدا) :
كيف حالك يا عزيزي البك؟
الجميع (يهزون رءوسهم بأسف) :
نعم كيف حالك؟
حسن (يضع رسالة في ظرفها ويضع الظرف في جيبه) :
كيف قضيتم ليلتكم؟ (الجميع يندهشون لسكونه) .
شعبان :
ليلتنا!
حسن :
نعم، فهل استمتعتم بنومكم؟
مرسي :
أوه! أما من جهتنا فقد نمنا نوما هنيئا ملء الجفون، ولكن كيف أنت؟
حسن :
أنا (يقف)
الحقيقة أنه لم يغمض لي جفن طول الليل.
مرسي :
معذور!
شعبان :
لا سيما في ليلة كتلك ... آه!
الجميع (يهزون رءوسهم بأسف) :
آه!
حسن :
أتسمحون لي حتى أتم كتابة رسائلي؟ (يجلس إلى المنضدة ويظل يكتب خلال الحديث الآتي. أما الأصدقاء فينزلون جميعا إلى أسفل المسرح ويتحادثون بصوت منخفض.)
الصاغ :
ما هذه الحكاية التي أخبرتموني بها عن زوجته؟
شعبان :
حكاية غريبة!
مرسي :
ولا نفهم سرها!
رمضان :
لا بد أنها اختلقت له قصة ملفقة وأدخلت عليه الغفلة.
الصاغ (بأسف) :
إذن فقد انتهت المسألة بسلام.
شعبان :
بالطبع، ما دام الزوج قد قبل معاشرة زوجته.
مرسي (متهكما) :
ويا له من قبول حسن!
رمضان :
إن الموضوع شائن جدا ولكنه درس لنا في المستقبل.
شعبان :
لقد ضحينا عواطفنا على مذبح الصداقة.
مرسي :
من سعادة المرء أن يكون أنانيا فكم أتمنى لو كنت أنانيا! (يدخل خليل بسرعة ويهمس في أذن سيده حسن بك همسا)
سيدي البك، سيدي البك (يهمس في أذنه كلاما غير مسموع) .
حسن (يقف منتفضا) :
ها أنا آت (يخرج مسرعا من الشمال وخلفه خليل) .
مرسي :
يظهر أنه لم يصطلح بعد؛ لأن الغضب ما زال ينجلي في وجهه.
الصاغ :
وكيف لا يغضب والمسألة تتعلق بشرفه؟!
شعبان :
لقد فهمت الآن أن جموده ليس إلا تظاهرا فقط، وأخشى أنه سيحدث شيء مخيف!
مرسي :
يلوح ذلك ويحسن أننا لا نتداخل في الموضوع، وحسبنا ما فعلت إلى الآن.
رمضان :
نعم نعم، والعاقل الحازم من لا يتداخل في مثل هذه المشاكل.
مرسي :
ولا بد أن سيكون في المسألة قضية تنظر في المحاكم ويدخلوننا فيها بصفة شهود.
شعبان :
وهذا يمس كرامتنا.
رمضان :
يكفينا على كل حال أننا قمنا إلى هذا الحد بواجبنا نحوه بصفتنا أصدقاء.
مرسي :
بلا شك، وأحسن ما نفعله الآن هو أن نقول إننا لا نعرف شيئا ولم نسمع شيئا.
شعبان :
والحقيقة أننا لا نعرف شيئا.
رمضان :
بالمرة، ويحسن أننا نخرج من الطريق.
مرسي :
وبكل ما يمكن من السكون.
شعبان :
هلموا بنا (يتجمعون أعلى المسرح ثم يخرج شعبان ورمضان ومرسي من الشمال) .
الصاغ (وحده) :
يا لهم من جبناء! يتخلون عن صديقهم وقت الشدة!
مرسي (راجعا) :
جبناء! هذا واجب المرء نحو نفسه، ولو كنت أعرف أن المسألة ستنتهي على هذه الصورة لكنت سافرت من الصباح فكم أتمنى لو كنت أنانيا (يخرج) .
الصاغ :
جبناء ولا شك! ولكني لا أتخلى عن صديقي العزيز حسن بك وسأظل إلى جانبه حتى يحصل على الترضية الكافية (يخرج من الشمال) .
أمينة (تدخل من اليمين قلقة) :
رباه! رباه! إنه يعدو في الحديقة مسرعا ويبحث تحت البلكون ولا شيء هناك غير ما تركه فريد من الأثر عندما قفز! كل شيء يتهددني بالفضيحة والعار فكيف أتقي هذا الخطر؟! (يظهر فريد من اليمين في الباب بملابس السفر) .
فريد (لنفسه) :
لقد صدقت ولو تركتها الآن أكون جبانا (يرمي بالطو السفر على كرسي فتلتفت إليه) .
أمينة (بكبرياء وغضب) :
أنت لا تزال هنا؟!
فريد :
سمعتك يا سيدتي تتكلمين عن الخطر، وإذا كان ثمة خطر فأنا سببه ويقضي علي الواجب بالبقاء حتى أدفع عنك ما يتهددك وأثبت براءتك للملأ وأتحمل على نفسي تبعة طيشي وجنوني.
أمينة (بأنفة وكبرياء) :
لست في حاجة لأن تبرئني ولا أقبل دفاعك عني (تخطو يمينا) .
فريد :
سيدتي أتوسل إليك أن ...
أمينة (مقاطعة) :
أرجو أن تتركني يا سيدي فإني أستطيع الدفاع عن نفسي.
فريد :
ولكنك نسيت يا هانم ...
أمينة :
نسيت؟ كلا لم أنس شيئا فإنك أنت الذي كدت أن تلقي بي في هاوية العار والفضيحة والخراب، وهذا ما لا أنساه وما لا يمكن أن أغفره لنفسي، أما أنت فشأنك مع نفسك إذا شئت اغتفرت لها أو لم تغتفر.
فريد :
اسمحي لي على الأقل ...
أمينة :
أستحلفك يا سيدي بحق من بسط الأرض ورفع السماء ألا تضيف شرا جديدا إلى ما عملت! فاتركني في الحال؛ إذ لو رآك أحد هنا الآن ...
فريد :
إذن فطوعا لأمرك يا سيدتي أخرج من هنا (ذاهبا نحو الباب الشمال، فيلمح حسن بك داخلا فيختفي خلف الباب الشمال) .
أمينة (وقد دخل زوجها) :
زوجي (تسقط جالسة على كرسي مختفية فيه. حسن بك يدخل بدون أن يرى أحدا ويقصد إلى الباب الأول اليمين حيث يدخل) .
أمينة :
ماذا عساه يريد يا ترى؟ إنه مشغول الفكر جدا! (يدخل حسن بك من الباب الأول اليمين ومعه علبة بها مسدس، يضع العلبة على المنضدة ويتناول المسدس ويخرج مسرعا من الشمال. عقب خروج حسن بك يظهر فريد.)
أمينة (مسرعة إلى المنضدة) :
ما الذي عمله؟ (ترى علبة المسدس)
رباه! المسدس!
فريد (متقدما) :
المسدس! وإلى أين ذهب؟
أمينة :
لست أدري فلا تقف تنظر إلي هكذا، أسرع إليه ! ولكن لا ... قف فأنا التي أذهب إليه بنفسي، آه! لا أستطيع المشي، أكاد أسقط على الأرض (يحاول فريد أن يأخذ بيدها فتنفر منه)
لا لا، لا تقترب مني ولا تلمسني (يتعثر إلى حبل الجرس)
النجدة النجدة! (صوت طلق ناري بعيد. تضرب جبتها بيدها وتسقط على كرسي في الشمال الوسط)
ويلاه! لقد مات وأنا قاتلته! (تسمع وقع أقدام فتنهض متثاقلة شاحبة اللون متجهة نحو اليمين وهي تكاد لا تستطيع المشي، فيدخل الدكتور من الشمال.)
الدكتور :
ما الذي جرى يا هانم؟
فريد (يشير إلى علبة المسدس على المنضدة) :
انظر ... إن حسن بك ...
الدكتور (مصعوقا) :
قتل نفسه؟!
أمينة :
مات زوجي يا دكتور! انتحر المسكين! بل قتل وأنا قاتلته (تسقط على كرسي وقد انعقد لسانها. أما الدكتور وفريد فإنهما في ذهول) .
حسن (يدخل من الباب الشمال وبيده ثعلب قتيل قد أمسكه من ذيله، وبيده الأخرى مسدس. ضاحكا ملء شدقيه) :
هاهاها! قتلته قتلا (اندهاش عام)
من أول رصاصة!
الجميع :
الثعلب!
أمينة (مسرعة إليه بلهف) :
آه يا عزيزي! لقد خشيت أن ... (تتغلب على عواطفها) .
حسن :
لا تخافي يا عزيزتي لا تخافي، فإنه ميت الآن (يدلي الثعلب من ذيله)
أنت الذي أطرت النوم من أجفاني طول ليلة الأمس.
الدكتور :
طول ليلة الأمس؟
حسن :
بالطبع، وإنك لتذكرين يا أمينة أني تركتك بالأمس بغتة؛ وذلك لأني سمعت حركة تحت البلكون فأيقنت أنه لا بد أن يكون هذا الملعون هو صاحب الحركة، فإذا به وقد أتلف الأزهار. ولكني أحمد الله إذ لم يفتك بفرختي الجميلة. ولقد أمضيت ليلتي في النافذة أراقب عودته ولكنه لم يعد فتيقظت جدا، وأظنك لاحظت علي يا عزيزتي أني كنت مضطربا وشارد الفكر هذا الصباح!
أمينة :
نعم نعم.
حسن :
وهذا هو اللعين صاحب القصة (يرمي الثعلب من يده)
أما الآن فقد ارتاح ضميري ولو أن الخبيث قد كلفني كثيرا. وتالله إن ليلة الأمس مما لا ينسى مدى الحياة.
أمينة :
تالله لن أنساها ما حييت! عن إذنك يا دكتور؛ لأني تعبة جدا وفي أشد الحاجة إلى الراحة .
الدكتور :
تفضلي يا سيدتي (تخرج من الباب الثاني اليمين. يدخل خليل من الشمال ومعه جواب) .
خليل (يقدم الجواب لسيده) :
تفضل يا سيدي (يخرج خليل) .
حسن (يتناول الجواب) :
جواب رسمي. (يفتحه ويقرؤه)
برافو برافو (إلى فريد)
فريد، مبروك أهنئك! (للدكتور)
هنئه يا دكتور!
الدكتور :
مبارك.
فريد (متثاقلا) :
وعلام التهنئة؟
حسن :
خذ واقرأ (يناوله الرسالة)
لقد عينوك معاون إدارة بمديرية أسيوط، الحمد لله الذي كلل مساعي بالنجاح.
الدكتور :
الآن أهنئك من صميم قلبي يا فريد أفندي.
فريد :
شكرا لك يا دكتور ... حسن بك يا ابن عمي العزيز، إن طهارة قلبك وصفاء نفسك وعزيز فضلك علي وكرمك قد عقدت لساني عن أن يفيك حق شكرك! فالوداع لأتمكن من السفر الآن، وأسأل الله ألا ترى في المستقبل ... إني ما كنت لأستحق منك هذه العناية وهذا الفضل.
حسن (يقبله بحنان وعطف) :
أستغفر الله يا بني أستغفر الله! إنك لست ابن عمي فقط بل تكاد تكون ولدي يا فريد، وإني دائما مستعد لمساعدتك في كل شيء، فاذهب الآن وسلم على أمينة وودعها قبل رحيلك.
فريد (ينظر في ساعته متأثرا) :
لم يبق على قيام القطار غير ربع ساعة (ينظر إلى الدكتور نظرة خاصة) .
الدكتور :
لا بأس إذا أعفيته يا بك من هذه التحية؛ لضيق وقته من جهة ولأن الهانم قد تركتنا تعبة وفي حاجة إلى الراحة ... اذهب يا فريد في حراسة الله!
فريد (متأثرا متألما) :
الوداع يا ابن عمي (يقبل يد حسن بك وهو منفعل مغرورق العينين ويخرج من الشمال فيلتقي بالأصدقاء داخلين فيحييهم بيده ويخرج فيدخل الأصدقاء) .
حسن (إلى الدكتور) :
مسكين هذا الفتى يا دكتور! رقيق العواطف جدا. (يرى شعبان فيوجه إليه الحديث)
شعبان أفندي! كيف أنت الآن؟
شعبان (متأففا) :
كيف أنا الآن؟ نغمة جديدة لم أسمعها من قبل!
حسن (ببساطة وسلامة نية) :
نغمة جديدة! المسألة بسيطة جدا؛ وهي أن فريدا ابن عمي قد عين معاون إدارة في أسيوط والحمد لله، فهل نسيت أنك رفضت أن تساعده في توظيفه؟
شعبان :
إهانة أخرى يا حسن بك، وإنك لتعرفني رجلا لا أفرط في ذرة من كرامتي. (لرمضان)
هلم بنا يا أخي وحسبنا إهانة وتحقيرا!
رمضان (بشيء من الغضب) :
ألم أقل لك ذلك من قبل؟ لو كنت عملت برأيي ورفضت الحضور إلى هنا لكنت كفيتنا ما تحملناه من المن والتجريح وألم العواطف!
شعبان :
صدقت يا أخي. (لحسن بك)
إننا يا سيدي نترك بيتك وننفض غباره عنا (يخرجان شمالا) .
حسن :
تالله لم أفهم مما قالاه حرفا! فهل تراني كدرتهما بشيء دون أن أشعر؟
مرسي :
لا تتكدر يا صديقي العزيز؛ لأن أخلاقهما جافة حقيقة وأنا وولدي فؤاد لا نهجرك (متلفتا حوله)
ولكن أين الغلام الطاهر؟
الصاغ :
لقد رأيته منذ نحو الساعتين ذاهبا إلى المحطة.
مرسي :
ولدي؟!
الصاغ :
نعم ولدك خيبة الله عليه! وكانت تسير إلى جانبه فتاة قروية يغازلها وتغازله.
مرسي (مندهشا مبهوتا) :
ولدي أنا! ولدي الذي هو أطهر من زهرة وأودع من حمل!
الصاغ :
نعم، وقد كلفني أن أخبرك بأنه مسافر إلى العاصمة لحضور حفلة سباق الخيل التي ستقام في الجزيرة غدا.
مرسي (نادبا) :
هذه هي نتيجة اهتمامي بمصلحة غيري وإهمالي شئون ولدي. (لحسن بك)
هذا كله بسببك!
حسن :
بسببي!
مرسي :
نعم، وقد كنت له أسوة وقدوة.
حسن :
قدوة! إني لا أغازل فتاة ولا أحضر حفلة سباق.
مرسي (محتدا) :
إن هذا لكثير! بل كثير جدا! لا يكفيك أنك أتلفت الطفل الصغير حتى تهزأ بعواطف أبيه! يا لضياعي وخيبة آمالي! حسبي الله فيك يا حسن بك يا رضوان!
حسن :
ولكن ...
مرسي :
كفى يا سيدي كفى! ولتصب على رأسك لعنات أب كليم الفؤاد!
حسن :
ولكن ما دخلي وما ذنبي؟
مرسي :
ذنبك؟ ألم تدعني لزيارتك؟ ألم تدع طفلي معي؟ ألم تدعنا إلى هذه البؤرة؟ ولكن كفى! ولأبحث الآن عن الغلام التعس. لقد اتخذت من صداقتي سلما لشقائي وتعاستي فيا ليتني كنت أنانيا (يخرج من الشمال) .
الصاغ :
إنه يدعوك حسن بك رضوان!
حسن :
نعم، لأن اسمي حسن رضوان.
الصاغ :
إذن، فأنت لست حسن بك شكري الذي كان مفتشا في الدائرة السنية؟
حسن :
كلا.
الصاغ :
هل أنت متأكد؟
حسن :
جدا.
الصاغ :
إذن فيا لك! ماذا عساني أعمل هنا؟!
حسن :
لقد تحيرت وقتا طويلا في البحث عن جواب لهذا السؤال.
الصاغ :
إذن فلم يكن بيني وبينك معرفة من قبل؟
حسن :
أبدا.
الصاغ :
ولكن كيف أمضيت هذين اليومين هنا، آكلا شاربا نائما لاهيا كأني في منزل صديق عزيز! هذا مكدر للغاية!
حسن :
بالطبع مكدر للغاية.
الصاغ :
إذن فلماذا لم تقل لي من قبل أنك ... (يصافحه)
ولكن ما باليد حيلة وهذه غلطة بالطبع، ولكنك رجل طيب. وعلى كل حال فالمسألة بسيطة جدا وإذا خطر لك في المستقبل أن تدعو صديقا فاكتب لي بمركز كفر الشيخ غربية تجدني عندك في الحال، والآن وداعا يا سيدي (ينحني ويخرج من الشمال) .
حسن :
ولكنه لم يقل لنا اسمه!
الدكتور :
لأنه واثق من أننا لن نحتاج إليه. (تدخل أمينة هانم من الباب الثاني اليمين.)
أمينة (تطل من الباب) :
وحدكما؟
الدكتور :
كما ترين (تدخل) .
أمينة :
وأين الأصدقاء؟
حسن :
هجروني يا عزيزتي بعد أن أوسعوني ما أوسعوني مما لا داعي لذكره، وعفا الله عما سلف ... أما أنت يا دكتور فإنك الصديق الوفي حقا؛ لأنك أخلصت حين ندر الإخلاص ووفيت حين غاض الوفاء حتى لا أدري بماذا أكافئك اعترافا مني بطهر صداقتك.
الدكتور :
تالله ما كنت لأقبل على الوفاء أجرا.
حسن :
وتالله لن أكون أقل منك فضلا، ولك نصف ثروتي هدية أرجوك أن تقبلها!
الدكتور :
ليس الإخلاص يا سيدي مرتزقا.
أمينة :
إنها هدية يا دكتور فبربك إلا ما قبلتها!
الدكتور :
قبلتها يا سيدتي لأجعلها وقفا على تعليم أبناء الفقراء، وبذلك تكون يا حسن بك أول من وضع حجرا أساسيا في سبيل نهضة مصر. (ستار)
مخطوطة مسرحية «المرحوم»
بقلم: الأديب مصطفى ممتاز، والدكتور وصفي عمر
مثلتها فرقة يوسف وهبي بمسرح رمسيس في 29 / 3 / 1923.
الفصل الأول
(المنظر: غرفة الاستقبال في منزل خميس أفندي تشمل ما يناسب من الأثاث ... عند رفع الستار يكون سيد الخادم واقفا وبيده مهفة من الريش.)
سيد :
حاضر حاضر! ... أما والله بقى بيت أنتيكة! الدنيا اتغيرت ! فين أيام زمان؟! فين أيام المرحوم؟! كنت على كيفي، لكن دلوقت! آه! أنا عارف ستي اتجوزت تاني ليه بقى؟! وقسمة إيه دي اللي وقعتنا في سي خميس أفندي ده؟! خد يا خي!
خميس :
سيد! سيد! سيد!
سيد :
آدي سي خميس أفندي! آدي سيدي! أهو تملي من ده.
خميس :
سيد! سيد!
سيد :
حاضر! يا ترى فيه إيه؟
خميس :
إنت إزاي ما عملتش زي ما قلت لك؟
سيد :
عشان الصورة يا سيدي؟
خميس :
أيوه عشان الصورة يا سيدي!
سيد :
أنا يا سيدي. يعني كنت افتكرت ...
خميس :
أنت مش لازم تفتكر أبدا! أنا الوحيد في البيت ده المكلف أنه يفتكر. يلا امشي اعمل زي ما قلت لك!
سيد :
لكن يا سيدي ...
خميس :
مافيش كلام!
سيد :
بس يا سيدي ...
خميس :
أنا بقول لك خد صورة رجب أفندي من أودة النوم وعلقها هنا ... فاهم ولا لأ؟
سيد :
ما هي الصورة يا سيدي ...
خميس :
هو كلامي مش مفهوم؟
سيد :
لأ مش مفهوم.
خميس :
بتقول إيه؟
سيد :
مافيش.
خميس :
يلا امشي!
سنية :
سيد!
سيد :
حاضر يا ستي.
خميس :
سيد! أنت حاتنزل الصورة ولا لأ؟
سيد :
مش قادر أشوف طلباتك دلوقت؛ عشان ستي بتندهلي.
سنية :
سيد! أنت مش جاي ولا إيه؟
سيد :
حاضر يا ستي.
خميس :
وقح! قليل الأدب! أنا لازم أكلم مراتي عشان الخدام ده. آهي جت.
سنية :
ساعة ما أنده لك لازم تيجي دغري.
سيد :
يا ستي وصي سيدي علي؛ تملي مزعلني.
سنية :
خبر إيه يا خميس؟
خميس :
مافيش حاجة. بس سيد حاطط نقره من نقري زي العادة.
سيد :
المرحوم عمره ما كلمني زي سيدي ده ما بيكلمني.
خميس :
الله يلعن المرحوم!
سيد :
المرحوم كان بيعتبرني زيه تمام. لكن حضرتك أهنتني. معلوم ... أهنتني خالص.
سنية :
اجري يا سيد هات بالطو سيدك وطربوشه.
سيد :
حاضر يا ستي ... كنا مبسوطين كلنا أيام المرحوم. أنا عارف ستي اتجوزت تاني ليه بس!
خميس :
الراجل ده كينه تمام!
سنية :
ده خدام طيب وأمين، ولا فيش منه الزمان ده.
خميس :
اللي ما بيعمل حاجة من صباحية ربنا لآخر النهار.
سنية :
يا سلام يا عزيزي! خدامين اليوم ما بقوش زي خدامين زمان.
خميس :
صحيح صحيح؛ أجرة زيادة وشغل مافيش.
سنية :
لكن سيد خدام أمين. بس مش عارفة تملي زعلان منه ليه؟!
خميس :
عشان ... آه، والله جاتني فكرة.
سنية :
فكرة إيه؟
خميس :
عشان صورة جوزك الأولاني.
سنية :
الله يرحمه!
خميس :
ما عنديش مانع إن ربنا يرحمه، لكن كون صورته تفضل معلقة في أودة النوم، أظن مش كويس. وعشان كده قلت لسيد ينزلها.
سنية :
مش كويس ليه؟
خميس :
عشان أودة النوم مهياش المحل المناسب لصورة المرحوم.
سنية :
ليه؟
خميس :
أيوه بقى قلتيلي ليه. أيوه؛ أولا: المحل مش مناسب.
سنية :
أبدا.
خميس :
وثانيا: الضوء مش معكوس عليها تمام.
سنية :
بالعكس دي في وش الشباك دغري.
خميس :
وثالثا: أقول لك بكل صراحة، أنا ماحبش أشوفها هناك! ماحبش أبدا.
سنية :
والله انك عبيط.
خميس :
لأ، ده شيء يزعل صحيح ؛ لأني عمري ما ضايقت المرحوم في عيشته، ولا عمري شفته ولا أحب أشوفه.
سنية :
يا خي ربنا يديلك طولة العمر ولا تشوفوش بدري.
خميس :
الله يحفظك.
سيد :
البالطو آهه يا ستي والطربوش.
سنية :
طيب خليهم عندك ... قول لسيد كلمتين بقى يراضو خاطره!
خميس :
يراضو خاطره؟!
سنية :
أكون ممنونة قوي.
خميس :
مافيش مانع ... سيد!
سيد :
أفندم.
خميس :
أنت دلوقت بقى لك في خدمة ستك اتناشر سنة، ومن النهارده مش حانعاملك بصفة خدام، وحانعتبرك كأنك واحد من العيلة.
سيد :
يا سلام يا سيدي!
خميس :
ومن هنا ورايح ما بقناش نديلك ماهية.
سيد :
إيه؟
سنية :
إنت بتقول له إيه؟
خميس :
يلا بقى شوف الصورة.
سيد :
حاضر يا سيدي. قال وكنت حاقول له زودني!
سنية :
ما كانش لازم انك تكركب مصارينه بالشكل ده!
خميس :
ليه؟ مش راضيت خاطره؟
سنية :
لأ، انت طلعته لفوق قوي ورجعت خسفت به الأرض ثاني.
خميس :
ما افتكرش.
سنية :
لأ لأ، أنا لازم أشوفه. إنما قول لي، أنت حاتعمل إيه في الصورة؟
خميس :
تعرفي لو كنت أقول لك عن ضميري بصحيح لكنت أمسك الصورة دي وأروح ... لكن عشان خاطرك أنا حاعلقها هنا في أودة الاستقبال، في الحتة دي، أحسن حتة علشانها. مبسوطة بقى؟
سنية :
متشكرة.
خميس :
إنما ... أنا قلت لسيد إذا حد سأله صورة مين دي يقول له دي صورة واحد من قرايب سيدي.
سنية :
يا سلام؟ وعشان إيه؟
خميس :
عشان مافيش حد من أصحابي يقول علي إني احتفظت بصورة سلفي ويقعدوا يضحكوا علي. ويمكن حد منهم يسألني في شيء من تاريخ حياته، فأضطر إني أخش في تفاصيل تفور دمي.
سنية :
إياك أنت غاير من المرحوم؟
خميس :
غاير؟ أبدا!
سنية :
طيب زعلان اللي اجوزته قبلك؟
خميس :
بالعكس، ده أنا مبسوط جدا؛ عشان شايفك مخلصة خالص لتذكار المرحوم.
سنية :
وإن شاء الله أكون مخلصة أكثر لتذكارك.
خميس :
متشكر يا عزيزتي، متشكر.
سنية :
ده شيء واجب.
خميس :
إنما يا ترى أنا أحسن ولا المرحوم؟
سنية :
المرحوم عمره ما فارقنيش.
خميس :
أبدا؟ هو أنت نسيتي انك قلت لي إنه كان بيسافر السودان عشان تجارته؟
سنية :
لأ مانستش لكن دايما كان بيخدني معاه ... والله كان بيسبني في السنة أربع تشهر!
خميس :
شيء جميل.
سنية :
يلا بقى البس البالطو أحسن اتأخرنا.
خميس :
هو احنا خارجين ولا إيه؟
سنية :
طبعا، أنت مش عارف؟
خميس :
ولا على بالي خروج. وعلى فين كده بإذن الله؟
سنية :
هو مش النهارده جمعة رجب وطالعين على المرحوم؟!
خميس :
رجعنا للمرحوم!
سنية :
فات عليه سنتين دلوقت.
خميس :
طيب بس بس، ماتتشنهفيش كده؛ لأن الأسف والزعل اللي في الدنيا كلها مش حايرجعوه لك ثاني.
سنية :
صحيح، لكني أنا تملي كده أقل حاجة تعكرني.
خميس :
إنما طبعا ما تنتظريش مني إني أعيط عليه. مش كده؟ أنا مش متأسف أبدا على موت المرحوم.
سنية :
بقى ما يصعبش عليك المرحوم؟
خميس :
لأ؛ لأن المرحوم إذا كان لسه عايش ما كنتش بقيت جوزك. ولا كنتش بقيت أسعد الأزواج اللي خلقهم ربنا.
سنية :
أنت ظريف خالص.
خميس :
الله يحفظك، تحبي أعمل إيه؟ أأمري بس!
سنية :
تعالى معايا القرافة!
خميس :
بكل سرور أوصلك لحد ترامواي الإمام وارجع تاني.
سنية :
لأ، تروح معايا الحوش وتوصي الطربي وتقعد مع الفقها.
خميس :
والله لو تكسبي فيا ثواب تعتقيني من المأمورية دي؛ لأنها حاتعكر مزاجي تمام وتعكنني من جمعة رجب لحد الجمعة اليتيمة.
سنية :
يعني تكسفني؟
خميس :
لأ العفو ... لكن ... يعني ... يلا بنا وفي السكة يحلها ألف حلال.
سنية :
بس اقلع الكرافت ده!
خميس :
وأروح سادة؟
سنية :
لأ يا سلام! خد البس ده.
خميس :
عاوزاني أروح كمان حزايني! ده شيء كتير.
سنية :
الواجب يتعمل. يلا بنا!
خميس :
ما شاء الله! أظن لو حد خد خبر بالعمايل دي اللي باعملها عشان جوزك الأولاني ما كانش يقول علي إلا مغفل تمام.
سنية :
ومافيش لازمة إن حد ياخد خبر، يلا أمال!
سيد :
آه يا سيدي يا حبيبي يا مأسوف عليك! طردوك من أودة النوم! النهارده يرموك في أودة الضيوف، وبكرة يرموك في الكرار، وبعد بكرة على سوق الكانتو. وآدي أخرتها! مين قال لك تترسم وتموت قبل امراتك يا سيدي ... مين؟ أهلا وسهلا اتفضلوا.
عزت :
سي خميس أخويا هنا؟
سيد :
لأ يا سيدي.
لبيبة :
أمال راح فين؟
سيد :
خرج مع ستي دلوقت، وقال لي إنه رايح عند الماوردي يقطع هدوم الشتا.
عزت :
طيب لما ييجي ابقى قول له إني فت عليه. اجري هات لي كباية ميه، بس اغسلها كويس!
سيد :
ما نعمل لكم قهوة؟
لبيبة :
لأ.
سيد :
ده احنا طاحنين بن جديد النهارده.
لبيبة :
يا سيدي قلنا لأ! ديهده.
سيد :
طيب طيب! بلاش بلاش! وحضرتك ما تشربش قهوة يا سيدي؟
عزت :
قلت لك لأ. ميه ميه!
سيد :
طيب طيب، الحق علي!
لبيبة :
برده لسه عاوز تيجي معايا؟
عزت :
من غير شك.
لبيبة :
طول السكة؟
عزت :
مطرح ما تروحي.
لبيبة :
إنما لاحظ إن عملك ده مش لطيف.
عزت :
ما افتكرش.
لبيبة :
أنت تعرف المرحوم منين علشان تطلع عليه؟
عزت :
وانت عشان إيه تطلعي عليه؟
لبيبة :
ليه ما كانش جوزي؟ ما كانش مهنيني؟
عزت :
صحيح كان جوزك لكن ما كانش مهنيك، كان بيسيبك في الخرطوم تمن تشهر ولا يقعدش معاك إلا أربعة.
لبيبة :
كان راجل تاجر وشغله بيجبره.
عزت :
بقى شوفي، البلف ده مش علي؛ لأني عارف كل حاجة من أيام ما كنت لسه على ذمة المرحوم.
لبيبة :
إيه اللي أنت عارفه؟
عزت :
بقى ما كنتيش ناوية تتجوزي كمال ابن اختي إذا فاتك المرحوم؟
لبيبة :
لكن لما مات المرحوم اتجوزتك أنت.
عزت :
لأ ده بس عشان كمال اتنقل بحر الغزال، وحضرتك خفت من الناموس اللي بيقولوا عليه هناك.
لبيبة :
ونهايته عايز تقول إيه؟
عزت :
عاوز أقول لك فتحي عينك؛ عشان أنا ما اسمحلكيش انك تستعبطيني زي ما كنت بتستعبطي المرحوم.
لبيبة :
وعشان كده عاوز تيجي معايا القرافة؟
عزت :
رجلي على رجلك.
لبيبة :
طيب مش ضروري القرافة، يلا بنا على سمعان!
عزت :
بقى من القرافة لسمعان؟!
لبيبة :
معلوم، اشمعنى أخوك خد مراته ورايح يكسيها؟
عزت :
يا ستي أخويا مراته غنية ورايحة تكسي روحها، وقليل إن ما كسته راخر.
لبيبة :
يا سلام! وعاوزني أدور أأفأف في البرد؟
سيد :
اتفضل يا سيدي الميه.
لبيبة :
إيه؟ فيه إيه يا زينب؟
زينب :
حضرتك نسيتي الشنطة.
لبيبة :
آه. هاتيها ... يلا بقى!
عزت :
على فين؟
لبيبة :
على سمعان.
عزت :
والأمر لله (يخرجان) .
سيد :
الا قولي لي يا زينب، سالم خرج من عندكم ليه؟
زينب :
سيدي لقاه لتات وقليل الأدب وكل ما يبعته مشوار في السوق يروح يموت.
سيد :
ودلوقت أنت بتشتغلي شغله وشغلك؟
زينب :
حاعمل إيه؟
سيد :
ده ظلم! حرام عليهم! قولي لهم يزودوك شوية ما تبقيش عبيطة!
زينب :
آهي ستي باين رايحة عند سمعان. إياك أمال تفتكرني بجلابية كستور ... الله؟ ده مين ده؟
سيد :
ده المرحوم!
زينب :
المرحوم مين؟
سيد :
جوز ستي الأولاني! بس اوعي تجيبي سيرة أحسن سيدي يعفرتني.
زينب :
استنى استنى! الغرابة كل ما أبص لها ألقيها تشابه ... أيوه تمام ... صحيح يخلق من الشبه أربعين!
سيد :
تشابه مين؟
زينب :
تشابه صورة عندنا، بس بروازها انكسر في العزال، وبعتناها نعمل لها برواز جديد . لكن صورتنا صورة راجل هلهلي، باين على وشه إنه راجل مدردح وعفريت.
سيد :
لأ يا اختي المرحوم ما كانش مدردح ولا عفريت، كان راجل طيب مصلي الخمس ... شوفي مين يا زينب!
زينب :
ده عم الشيخ رفاعي الجابي بتاع صاحب العمارة، ومعاه راجل غريب.
سيد :
راجل غريب! اتفضل يا عم الشيخ رفاعي ... أهلا أهلا أهلا. أهلا يا حاج بسيوني، يا ميت مرحبا، يا ريحة الحبايب ... أنت فين من زمان يا سيدي! ياللي ما بقاش من ريحة المرحوم إلا أنت وستي وأنا يا حاج بسيوني.
بسيوني :
بس بس ما تعيطش يا سيد! شد حيلك.
سيد :
على الله يا حاج بسيوني ... ارتاح يا عم الشيخ رفاعي.
زينب :
أنا مروحة يا سيد.
سيد :
طيب ... أنا واخد بالي يا عم الشيخ رفاعي انك بتبص للصورة دي قوي.
رفاعي :
صورة مين دي يا سيد؟
سيد :
آه يا عم الشيخ رفاعي ... دي صورة ... صورة واحد من قرايب سيدي خميس أفندي.
بسيوني :
دي صورة المرحوم رجب أفندي!
سيد :
أيوه يا سيدي.
رفاعي :
أمال بتكذب علي يا ابني ليه؟
سيد :
التنبيه اللي علي كده يا عم الشيخ رفاعي.
بسيوني :
تنبيه مين؟
سيد :
تنبيه سيدي خميس أفندي.
بسيوني :
وهو فين سي خميس أفندي؟
سيد :
خرج من الصبح مع ستي لحد الماوردي.
بسيوني :
يعني أقدر أستناه؟
سيد :
زمانه جاي يا حاج بسيوني ... بس عن إذنكم أما أعمل لكم فنجانين قهوة.
رفاعي :
بس تكون مظبوطة يا سيد!
سيد :
من عنيا.
بسيوني :
أنا ملخوم قوي يا شيخ رفاعي.
رفاعي :
ليه؟
بسيوني :
عشان المرحوم.
رفاعي :
إزاي بقى؟ ده باين عليه راجل طيب.
بسيوني :
ما هو طيب طيب، ولا بقاش يجوز عليه إلا الرحمة. إنما الحكاية إنه كان شريكي في التجارة وكل سره معايا.
رفاعي :
لحد هنا طيب.
بسيوني :
وكان كل سنة يسافر السودان ويقعد هناك زي أربع تشهر، يسوق فيهم صمغ وريش نعام وسن فيل وحاجات كتير.
رفاعي :
عال خالص.
بسيوني :
قام يا سيدي في سنة من السنين راح متجوز من هناك بنت واحد قائم مقام في المعاش ومستوطن في الخرطوم.
رفاعي :
وما له؟ مش خدها عالكتاب والسنة؟
بسيوني :
الداهية إنه اتجوز الجوازة دي من غير علم مراته اللي في مصر، اللي تبقى دلوقت مجوزة سي خميس أفندي.
رفاعي :
طيب وما قالش لمراته اللي في مصر ليه؟
بسيوني :
بقى تبقى هيه أصل نعمته، وتجارته كلها من مالها ويروح يتجوز عليها؟!
رفاعي :
آه! آهو هنا المشكل.
بسيوني :
لأ والأدهى إنه كمان ما جبش سيرة لصاحبتنا بتاعة السودان إنه متجوز هنا في مصر!
رفاعي :
ده يظهر إن المرحوم كان حلنجي!
بسيوني :
وابن حظ على كيفك! إنما بالحق كان راجل صاحب ذمة ... عشان لما زرته آخر مرة وهو عيان قال لي: يا حاج بسيوني ما حدش يعرف الموت من الحيا وإذا مت ما حدش يورثني إلا مراتي بتاعة مصر؛ عشان المال كله مالها.
رفاعي :
معلوم عنده حق.
بسيوني :
كنت قلت له وبتاعة السودان؟ قال لي: بزياداها اللي كانت بتاخده مني.
رفاعي :
هيه.
بسيوني :
وبعد ما مات بقى وقعت أنا في المشكل بتاع التركة؛ لأني أولا صفيت حساب الشركة اللي بيني وبينه. والتاجر دايما عليه فلوس، وله بره فلوس. إنما اللي يهمني دلوقت هو إن سر المرحوم ما ينكشفش.
رفاعي :
طيب ومراته بتاعة السودان راحت فين دلوقت؟
بسيوني :
فوق دماغنا.
رفاعي :
ارمي! بقى هنا في الدور الفوقاني! أوعى تكون مراة سي عزت أفندي؟
بسيوني :
هي بعينها. وسي عزت اجوزها في السودان أيام ما كان خوجة في كلية غردوق.
رفاعي :
ده أخو سي خميس!
بسيوني :
ما هي الحوسة هنا!
سيد :
اتفضل يا حاج بسيوني ... اتفضل يا عم الشيخ رفاعي!
رفاعي :
سادة، مش كده؟
سيد :
أيوه سادة.
رفاعي :
وحاتعمل إزاي دلوقت يا حاج؟
بسيوني :
حاقول الحكاية كلها لخميس أفندي. ودي أول مرة حاقابله فيها، عشان الست كانت بتقول لي على طلباتها كلها عن يد سيد. مش كده يا سيد؟
سيد :
واحنا بقى لنا مين غيرك بعد المرحوم يا حاج بسيوني؟
رفاعي :
طيب بقى ساعة ما ييجي حاعرفك بيه.
بسيوني :
أهو ده مقصودي.
سيد :
حاضر!
رفاعي :
أظن سي خميس.
خميس :
أهلا عم الشيخ رفاعي ... إنت هنا من زمان ولا إيه؟ نهارك سعيد يا سيدنا.
بسيوني :
نهارك سعيد مبارك.
خميس :
اجري اعمل قهوة يا سيد.
رفاعي :
تونا شاربين وحياتك ... حضرته الحاج بسيوني الخطيب.
خميس :
تشرفنا يا حاج بسيوني.
بسيوني :
العفو يا افندم.
رفاعي :
ويبقى شريك المرحوم رجب أفندي.
خميس :
الله يلعن المرحوم ... خير إن شاء الله؟
بسيوني :
بس فيه قضية صغيرة!
خميس :
قضية؟ قضية إيه؟ أنا ... أنا ... ماليش قضايا أبدا ... أنا مافيش حاجة في الدنيا أخاف منها قد القضايا ... صحيح كده يا عم الشيخ رفاعي. ما أحبش القضايا أبدا.
بسيوني :
المسألة مش قضية زي حضرتك ما فهمت ...
خميس :
أمال بس تبقى قضية إزاي إذا ما كانتش زي ما فهمت؟
رفاعي :
لأ، يعني الحاج بسيوني بده يكلم حضرتك شوية.
بسيوني :
في مسألة التركة اللي فاتها المرحوم.
خميس :
الله يلعن المرحوم ... آه! لا مؤاخذة. بقى المسألة دي ماليش فيها؛ لأنها تخص الست بتاعتي. وأنا معنديش مانع أبدا إن حضرتك تكلمها فيها.
بسيوني :
لكن بس يعني ...
خميس :
أنا ما أحبش اتحشر في حاجات زي دي أبدا.
بسيوني :
إنما المسألة فيها نقطة دقيقة خالص ومهمة جدا وعشان كده أشوف ...
خميس :
يمكن حضرتك تشوف كده وأنا أشوف غير كده ... وحضرتك طبعا عندك أسباب، وأنا كمان عندي أسباب أكتر. وربما أسبابي وجيهة جدا عن أسباب حضرتك. فاعمل معروف اعفيني من سمع موضوع ما أحبوش أبدا.
بسيوني :
زي ما تحب ... زمزمت يا رفاعي!
خميس :
شوف مين يا سيد!
سيد :
حاضر! مافيش حد يا سيدي.
خميس :
شوف يمكن الباب التاني ... والست مش هنا دلوقت، وإذا كان تقدر تفوت علينا كمان شوية مافيش مانع.
بسيوني :
أفوت كمان شوية.
خميس :
وما تآخذنيش؛ لأني ماحبش أتداخل في مسألة شخصية زي دي. وخصوصا إذا كان لها علاقة بالمرحوم.
بسيوني :
المسألة مسألة مبدأ.
خميس :
عمرك طويل وأنا ثابت على مبدئي قوي قوي ... مع السلامة. شرفت يا عم الشيخ رفاعي.
رفاعي :
السلام عليكم.
خميس :
وعليكم السلام ورحمة الله ... ده ما كانش مرحوم ده اللي كل ساعة قالب دماغي! إخص على المراحيم اللي كده. إيه يا واد الغياب ده كله؟ مين اللي جه؟
سيد :
ده واحد ظابط بيسأل على حضرتك.
خميس :
ظابط مين يا واد؟ الله يجازيك يا حاج بسيوني؛ الغرابة ما قال عاوزني في قضية عيني رفت على طول. وادي ظابط جاي في رجليه.
سيد :
والله يا سيدي الحاج بسيوني راجل طيب خالص.
خميس :
وانت مالك؟ بتشهد له ليه؟ لا هو راخر مرحوم ولا إيه؟
سيد :
لأ يا سيدي ربنا يبارك لنا فيه.
خميس :
يبارك ليه فيه لوحدك ماتختشيش! فين يا واد الظابط اللي بتقول عليه؟
سيد :
يا سيدي يا دوب أنا فتحت له الباب ودخل الا وراح مسورق مني واترمى على الكنبة اللي في الصالة.
خميس :
وإزاي تسمح له يسورق عندنا؟
سيد :
يا سيدي غصب عني. أروح ألحقه بفص ليمون؟
خميس :
ليمون في عينك! هو الليمون يفوق المسورقين؟ استنى لما نشوف له شوية نشادر ولا كلونيا ... شوف مين قبله اللي جه! هي ما لها ضربت لخمة؟!
سيد :
تلغراف يا سيدي.
خميس :
من مين؟
سيد :
وهو أنا دخلت جواه!
خميس :
وهو يعني لازم انك ترد علي؟
سيد :
أمال يا سيدي أسيبك تتكلم لوحدك؟
خميس :
يا سيدي هو أنت خدام في البيت ده ولا محامي؟! أما عجايب! سي كمال! أهلا وسهلا. الحمد لله بالسلامة يا ابني ... تو ما وصلني تلغرافك.
كمال :
الله يسلمك يا خالي.
خميس :
بقى يا واد أنت، ابن اختي يسورق ولا تدنيش خبر؟
كمال :
دي عبارة بسيطة والحمد لله.
خميس :
الحمد لله يا ابني.
سيد :
أروح أشوف له فص ليمون يا سيدي؟
خميس :
امشي يا راجل أنت من قدامي، أحسن الشيطان بيلعب في عيني!
سيد :
طيب يا سيدي وأنا حاعمل له إيه؟ اقرأ عليه سورة.
خميس :
يا راجل أنت امشي من قدامي الساعة دي!
سيد :
حاضر يا سيدي ... يا سيدي وصي سيدي علي.
كمال :
ده خدامك ده باين إنه بلوة.
خميس :
بلوة وبس؟ ده فارسني.
كمال :
اطرده.
خميس :
كل ما آجي أطرده الست بتاعتي ما ترضاش، وتتشفع له.
كمال :
إيه إيه؟ الست بتاعتك؟ هاها؟ هو أنت اتجوزت يا خالي؟
خميس :
آه، وماله؟ هو الجواز عجبة؟!
كمال :
لأ. لكن المدهش إنك أنت تتجوز!
خميس :
وليه ما اتجوزش ما دام لقيت اللي على كيفي؟
كمال :
لكن أنت كنت مصمم انك ما تتجوزش أبدا.
خميس :
صحيح، عشان الغيرة اللي عندي وحشة قوي، وساعة بعيد عنك ما تنقلب علي دمي يفور واتعفرت، حتى أبقى خايف من روحي. إنما ازيك دلوقت؟
كمال :
أحسن كتير الحمد لله.
خميس :
وريني إيدك ... لأ كويس.
كمال :
وعلى كده مبسوط في جوازتك يا خالي؟
خميس :
قوي! دي ملكة من السما اللي أنا متجوزها. ودلوقت تيجي من بره وتشوفها.
كمال :
والله كنت خايف لتخبيها علي.
خميس :
يا سلام يا كمال، ده أنت ابني. وإذا كنت تسمع نصيحة خالك خميس دور لك على واحدة عازبة.
كمال :
عازبة ! إخص!
خميس :
إخص؟ والله ما تعرف حاجة! العازبة أحسن زوجة؛ لأن ماضيها أحسن ضمان لمستقبلها وأنا أؤكد لك إني سعيد خالص.
كمال :
بقى الست اللي خدتها عازبة؟
خميس :
أيوه عازبة. إنما بالحق مهنياني وباسطاني ومدلعاني وتقدر تقول إنها مخسراني بالحاجات دي. اسمع كلامي وشوف لك واحدة عازبة.
كمال :
أنا أتجوز عازبة؟!
خميس :
يا شيخ سيبك من البنات الصغيرين دول بتوع الأيام دي، دول مالهمش إلا في الزينة والبهرجة والدلع، ولا فيش فيهم واحدة تعرف تدور بيت.
كمال :
عاوز الحق يا خالي، أنا قرفان؛ لأني لا عاوز بنت ولا عازبة لأن ستات اليوم بقوا كوايين.
خميس :
ليه؟ لا هو خلاص ما بقاش في الدنيا عازبة بنت حلال؟!
كمال :
إنت بس ماسك لي العازبة ومستقلع، مع إنه في السودان اللي بالنسبة لمصر اسمه حتة مقطوعة، كان فيه بنت واحدة في البيت اللي جنب بيتنا أنا وخالي عزت، لكن عفريتة.
خميس :
لازم ما كانتش عازبة! أنا أراهن!
كمال :
الداهية إنها كانت متجوزة. ويظهر إنها كانت على وش عزوبية وجوزها راجل كبير، وزي ما تقول بقى إنها مستلخماه.
خميس :
يعني كانت ماشية مش كويس؟
كمال :
لأ، مش بطالة لا سمح الله، إنما لعبية وتحب المشاغلة زي عنيها وعافيتها.
خميس :
ومين ده اللي كان متجوزها؟
كمال :
راجل تاجر من مصر، اسمه ... اسمه رجب أفندي إسماعيل.
خميس :
اسمه رجب أفندي إيه؟
كمال :
إسماعيل، تعرفه؟
خميس :
مستحيل! لأ لأ، ما اعرفوش! وكان اسمها إيه الست دي؟ دمي بيغلي!
كمال :
والله مش عارف عشان كانوا مسمينها «سمانة».
خميس :
وأظن كنت واقع فيها؟
كمال :
مش أنا لوحدي، آهو كان خالي عزت واثنين ثلاثة ظباط. إنما كانت بتلعب بعقلنا كلنا.
خميس :
إف! دي بقى كانت بتحب بالجملة! لازم أتأكد ... وجوزها ده تملي قاعد في السودان؟
كمال :
لأ، كان بيقعد في السودان زي حسبة أربع تشهر، والباقي في مصر.
خميس :
آه ... لو شاف الصورة رحت بلاش!
كمال :
ما لك يا خالي؟ عيان؟
خميس :
لأ يا ابني، بس الدم طلع على دماغي ؛ عشان ... عشان ... ما فطرتش الصبح وتلاقيني هفتان شوية.
كمال :
إنتم بتتغدوا الساعة كام؟
خميس :
الساعة اثنين.
كمال :
طيب عن إذنك لما أوصل مشوار صغير وارجع تاني.
خميس :
إنما ضروري ترجع؛ عشان تحكي لي شوية على السمانة.
كمال :
يظهر إن الحكاية دي جت على مزاجك.
خميس :
سمانة! اسم لطيف!
كمال :
ديهده؟ أنت حاتتغزل فيها؟ ... العلبة راحت فين؟
خميس :
لقيتها؟
كمال :
آه ... الله؟ ده إيه ده؟ انتم دايما بتعلقوا الصور بالشكل ده؟
خميس :
أيوه ... لأ ... ده بس النهارده كانوا بينضفوا.
كمال :
وصورة إيه دي يا ترى؟
خميس :
مافيش حاجة، دي ما فيهاش رسم.
كمال :
إلا ما فيهاش رسم! أنا جاي حالا. سلام عليكم.
خميس :
وعليكم السلام! إيه ده اللي سمعته! بقى الواحد بيقول ياخد عازبة عشان تكون مضمونة تكون دي النتيجة؟ مغفل صحيح! أمال كنت بتهبب إيه؟ المغفل اللي زيك ما كانش يصح إنه يتجوز أبدا. إيش خلاها كانت تروح وياه السودان؟ أما مصيبة! بقى كمال من ناحية وأخويا عزت الملعون من ناحية! لكن عزت اتجوز وباين عليه إنه عقل. لكن مين عارف إذا ما كانش يرجع يحن لها تاني! حاجة تجنن! ومش عارف أحوش منين ولا منين! وإنت يا أهبل يا عبيط تعيش وتموت ولا أنت حاسس. على كل حال اللي فات مات، والمسئول عن الماضي حضرة المرحوم. إيش خلاها بتقول عليه كان راجل طيب. سيد! سيد! شوف مين بيخبط.
سيد :
جواب يا سيدي.
خميس :
من مين؟ ما ترد.
سيد :
أرد أقول إيه؟ مش حضرتك قايل لي إنه مش لازم أرد عليك؟
خميس :
يعني إيه؟ يعني تسيبني أرن يا قليل الحيا؟
سيد :
بقى إن اتكلمنا ماحناش عاجبين، وإن سكتنا ماحناش عاجبين! دي حاجة تحير!
خميس :
طيب، بعدين أنا أعرف شغلي. هات الجواب وامشي من هنا! «سليمان وشركاه. جواهرجية بمصر» ... سيد! أما أبلفه! إنت زعلان مني يا سيد؟
سيد :
حافرقع يا سيدي.
خميس :
معلهش يا سيد. أنا حاكم بس خلقي ضيق شوية، وإنت لتات كتير!
سيد :
يا سيدي أنا عمري ما حد قال علي لتات.
خميس :
إلا قول لي يا سيد!
سيد :
نعم يا سيدي.
خميس :
أيوه زوار، يعني ناس بييجوا مثلا يسألوا على صحتها. يقولولها وحشتينا إزيك.
سيد :
أنا يا سيدي ما أعرفش. وإذا كنت أعرف كمان. ما يصحش إني أقول لحضرتك.
خميس :
طول بالك يا حظ! طيب يا سيد، كتر خيرك.
سيد :
المرحوم عمره ما سألني سؤال زي ده أبدا؛ عشان عيب.
خميس :
طيب امشي اطلع بره!
سيد :
معلوم عيب! بيحسبني بوليس سري!
خميس :
الملعون ده يظهر إنه يعرف عن سته مجلدات بس مش عاوز يقر. إخص، ده أنا نسيت الجواب ... حضرة المحترم، الرجا من حضرتكم تسديد مبلغ متين جنيه ثمن عقد ألماظ بدلاية ... أما بلاوي! الله ده الجواب مش لي؟ المبلغ المذكور مقيد على حساب المرحوم رجب أفندي إسماعيل - يلعن المرحوم - بدفاتر فرع محلنا بالخرطوم. وقد علمنا أن حضرتكم تزوجتم الست حرمه - ما شاء الله! أنا لازم أوريها إني عبيط مش عارف حاجة - سيد! سيد! شوف مين.
سنية :
هيه؟ غبتش بقى؟
خميس :
لأ، مش كتير.
سنية :
ومبسوط بقى اللي ما أخدتكش معايا؟
خميس :
ممنون! آه لو تعرفي اللي عرفته!
سنية :
صحيح لك حق. الصورة هنا أحسن قوي ... الله يرحمك ... والله لولا إني ما أحبش الوحدة ماكنتش اتجوزت تاني.
خميس :
يعني متأسفة اللي اتجوزتيني؟
سنية :
متأسفة إزاي؟ وأنا قلبي بيقول لي إنك زي المرحوم تمام.
خميس :
ممنون خالص ... صاحبتنا ناوية.
سنية :
والطيبة باينة على وشك زي المرحوم.
خميس :
يظهر إن التغفيل باين على وشي ... متشكر، بالكيش وأنا راجع، بعد ما فتك؟
سنية :
هيه؟
خميس :
قابلت راجل معاه سمان ... وكل سمانة وسمانة!
سنية :
واشتريت لنا منه؟
خميس :
لأ.
سنية :
ليه؟
خميس :
وإيه يعني لما الواحد ياكل له سمانة! ولا كام سمانة! ما بتتهزش أبدا! إيه يعني سمانة! سمانة!
سنية :
الله! ما لك؟ سيد!
خميس :
شيء يجنن! أنا حاطق.
سنية :
خد يا سيد!
خميس :
السكرتير الخصوصي، باين على شكله! سيد!
سنية :
عاوزه ليه؟
خميس :
وضبت لي أودة المكتب ولا لأ؟
سيد :
يا سيدي أترجاك تعمل معروف، ما تكلفنيش بحاجة النهارده، بزيادة علي أفتح الباب وأشوف مين.
خميس :
ليه يا سي سيد؟
سيد :
النهارده يا سيدي جمعة رجب، وقلبي حزين.
خميس :
وقح! قليل الأدب! امشي اطلع بره ما تختشيش! سمعت بيقول إيه؟
سنية :
طيب بس روق بالك ما تزعلش.
خميس :
أنا مش فاهم الخدام ده بيعمل إيه! قولي لي بس إيه اللي بيعمله في البيت ده!
سنية :
ده خدام طيب وأمين.
خميس :
الكلام ده سمعته كتير وشبعت منه، والخدام ده لازم يطلع حالا.
سنية :
طول بالك.
خميس :
أبدا! مش عاوز أشوف صدغه! وإذا أنصفت كمان، إديله الصورة دي تونسه!
سنية :
إنت بتقول إيه؟
خميس :
كلمة واحدة! أنا لازم أكون سيد بيتي! وصاحب الكلمة فيه! فاهمة ولا لأ؟ مين؟
سنية :
المرحوم عمره ما زعق لي كده.
خميس :
اتفضل يا حاج بسيوني ... الحاج بسيوني عاوز يكلمك شوية في حكاية ماليش فيها.
سنية :
اتفضل يا حاج بسيوني.
بسيوني :
نهارك سعيد يا ست هانم.
سنية :
نهارك سعيد يا حاج.
خميس :
ما تآخذنيش يا حاج بسيوني؛ لأن المسألة زي ما أنت عارف.
بسيوني :
الحساب دلوقت خالص كله. وجبت لحضرتك الأوراق والمخالصات، وإذا حبيت أفوتهم لحضرتك عشان تطلعي عليهم، وبعد يومين تلاتة أفوت تاني.
سنية :
لأ لأ، الأحسن إننا نشوف المسألة دي سوا ونتفض منها.
بسيوني :
زي ما تشوفي حضرتك ... مش حاعرف أفلت ... آدي كشف الحساب وبيان الملك.
سنية :
اقرأهولي.
بسيوني :
57 فدان بعزبتهم وأدوات الزراعة كاملة بقليوب.
سنية :
مسكين يا حبيبي!
بسيوني :
دلوقت نشوف حاتقول إيه ... إحم.
سنية :
هيه؟
بسيوني :
دخلنا في الجد ... بيت بجنينة في الخرطوم.
سنية :
إيه من فضلك؟
بسيوني :
حاجة فارغة. بيت بجنينة في الخرطوم.
سنية :
إيه؟ جوزي كان له بيت بجنينة في الخرطوم؟
بسيوني :
هو حضرتك ما عندكيش خبر؟
سنية :
أبدا! وعمري ما سمعت سيرة حاجة زي دي!
بسيوني :
لازم كان المرحوم ما بيستريحش في اللوكاندة.
سنية :
كلام فارغ! وإزاي يخبي علي حاجة زي دي؟
بسيوني :
يمكن نسي.
سنية :
ما حدش يفضل ناسي سنين! وجاب كام البيت ده؟
بسيوني :
975 جنيه.
سنية :
كام كام؟
بسيوني :
آه! 975 جنيه. وده عمل تجاري بديع؛ لأنه كان اشتراه بحسبة 700 جنيه.
سنية :
ما شاء الله! وكان شاري بيت زي ده ليه يا ترى؟ والموبيليات جابت كام؟
بسيوني :
إحم.
سنية :
كام؟
بسيوني :
843 جنيه.
سنية :
وطبعا لما اشتراها كان تمنها أد كده نوبتين. وأظن ده راخر عمل تجاري بديع! اقرأ لي كشف الموبيليا.
بسيوني :
جينا للجد ... سريرين معدن أبيض بعامود مربع.
سنية :
سريرين! مش واحد! هيه؟
بسيوني :
بيانو كبير.
سنية :
طيب بس بس! قفل! ده بالتأكيد ما كانش لوحده في البيت ده.
بسيوني :
طبعا كان له أصحاب بيزوروه.
سنية :
أصحاب ستات أظن؟
بسيوني :
مش قادر أقول لها إنه كان متجوز.
سنية :
ما ترد؟ أصحاب ستات ولا لأ؟
بسيوني :
أنا ... أنا ... ما تآخذنيش ... ما أعرفش.
سنية :
المسألة ظاهرة خالص ... يا خاين! يا خباص! يا ندل! إيش خلاه كل ما أقول له أروح معاك السودان يقول لي الجو وحش. والدنيا حر عليك والحميات كتير. وأنا من عبطي أصدقه! آه حاتخنق من الغيظ!
بسيوني :
أظن حضرتك تحبي إني أفوت في وقت تاني؟
سنية :
لأ لأ، لازم أشطب على كل حاجة واتفض من السيرة النجسة دي.
بسيوني :
دلوقت تسورق ... الديون.
سنية :
المنافق الغشاش!
بسيوني :
فيه شوية ديون صغيرة. زي مثلا ...
سنية :
زي إيه؟ قول!
بسيوني :
آخر ضربة! 150 جنيه للخياطة و76 جنيه أدوات زينة و...
سنية :
بس بس! اتفضل اتفضل! مش عاوزة أشوف حاجة ولا عاوزة أسمع سيرة الملعون ده مرة تانية.
بسيوني :
مافيش مانع ... مافيش مانع!
سنية :
150 جنيه للخياطة! ده شيء يجنن!
يسوني :
ما هي الحاجات غالية نار في الخرطوم!
سنية :
طيب بس بس! بلاش ترقيع من فضلك. وإذا كان حد غيرك يا حاج بسيوني اللي قال لي الحكاية المهببة دي ما كانش حصل له طيب.
بسيوني :
العفو العفو!
سنية :
والحمد لله إن الحكاية لها آخر. إنما أرجوك كل الرجا إن خميس أفندي ما ياخدش خبر إن الملعون كان ... كان ...
بسيوني :
ما يكونش عندك فكر أبدا.
سنية :
أحسن يعمل زيه.
بسيوني :
نهارك سعيد.
سنية :
نهارك سعيد مبارك.
سنية :
كنت بتستغفلني يا ندل! يا خاين! يا سافل! منين أعرف إن خميس راخر مش زيه! كل الرجالة زي بعض ... سيد! حقه بعد الفصل ده ما بقتش اعتقد في حد أبدا! سيدك فين يا سيد؟
سيد :
خرج دلوقت يا ستي.
سنية :
راح فين؟
سيد :
ما قاليش يا ستي. بس ساب لي البالطو بتاعه وقال أديه للمكوجي.
سنية :
لازم أنضف البيت، ومش عاوزه هنا مراحيم ... سيد!
سيد :
أفندم.
سنية :
لم عزالك ويلا انكشح!
سيد :
حضرتك بتطرديني يا ستي؟!
سنية :
كلام كتير مش عاوزة ... أنت تحب الصورة دي؟
سيد :
قوي يا ستي.
سنية :
الفعها روخرة. يلا نزلها حالا! يلا! يلا! خلي البيت ينضف! شهل! (ستار)
الفصل الثاني
(المنظر: كما في الفصل الأول.) (ترفع الستار عن سيد وهو ينفض صورة المرحوم بذيل ثيابه.)
سيد :
ما تآخذنيش يا سيدي، الوقعة دي غصب عني، وستي هي اللي كربستني مع حضرتك من على السلم. بقينا كخة يا سيدي! لكن معلهش، برضو لنا رب، وادي حال الدنيا، وأنا وأنت يا سيدي على الله.
سنية :
إنت لسه بتعمل إيه هنا؟
سيد :
بنفض المرحوم يا ستي.
سنية :
هو أنا مش حاخلص منك بقى ومن المرحوم؟ يلا امشي لم هدومك وانكشح!
سيد :
حاضر يا ستي، وأنا عارف طيب إنك بتقولي لي الكلام ده من ورا قلبك.
سنية :
إزاي يعني؟
سيد :
عشان أنا ما أهونش عليك، اكمني من ريحة المرحوم.
سنية :
اخرس!
سيد :
معلهش يا ستي، أنا برضو فاهم، وعارف الوزة دي من مين.
سنية :
آل ما يهونش علي اكمنه من ريحة المرحوم! ده أنا مش قادرة أتصوره اكمنه من ريحة المرحوم. ولازم الملعون ده كان عارف أسراره كلها، ومين يعلم؟ يمكن ماشي كمان مع ده زي ما كان مع ديكها ... هو أنت لسه هنا؟
سيد :
يا ستي هانت، ربنا يكون في عونك. اتفضلي البالطو بتاع سيدي آهه عشان ما لحقتش أوديه للمكوجي.
سنية :
سيبه هنا واجري يلا شوف هدومك.
سيد :
حاضر بس اعملي معروف يا ستي خلي بالك من الصورة عبال ما أجيب صندوق هدومي!
سنية :
يا ترى خرج راح فين؟ ما داهية يكون راخر زي المرحوم؟ والله لشوف في جيوبه إيه ... الله! وادي جواب ... «سليمان وشركاه جواهرجية بمصر» دي فاتورة. هيه «حضرة المحترم. الرجا من حضرتكم تسديد مبلغ 200 جنيه؛ ثمن عقد ألماظ بدلاية.» عقد ألماظ! وعشان مين يا ترى؟ آه يا سوء بختي! يا قسمتي! ده راخر بيلعب بديله زي المرحوم! لكن لأ. ما ينضحكش علي نوبتين. ولازم أفتح عينيه أد كده! انت حاتفضل داخل خارج؟ هو أنا مش حانفض منك بقى؟
سيد :
يا ستي هانت هانت ... تعالى معايا يا سيدي يا حبيبي أحسن ما حدش بقى عاوزنا هنا ... أنا مش زعلان من حضرتك يا ستي، ولو إني صحيح واخد على خاطري شوية، لكن القسمة كدة.
سنية :
لسه عاوز تقول حاجة كمان؟ ده شيء يضايق؟
سيد :
وإذا حصل يا ستي - وإن شاء الله يكون قريب يا رب - إنك تطلقي من سيدي ده ...
سنية :
إنت بتقول إيه يا قليل الأدب!
سيد :
بس تبقي تديني خبر وأنا أرجع لك تاني مع المرحوم.
سنية :
طيب يلا بقى يلا، يلا!
سيد :
بس كمان كلمة يا ستي، عشان برضينا كلنا مع بعض عيش وملح.
سنية :
عاوز تقول إيه؟
سيد :
فتحي عينك حضرتك كويس قوي؛ عشان سيدي بيراقبك من تحت لتحت.
سنية :
بيراقبني؟ أنا جوزي يراقبني؟!
سيد :
قوي يا ستي، وقبل ما يخرج سألني وقال لي: مافيش حد يا سيد بييجي يزور ستك وأنا بره؟ قمت فهمت غرضه.
سنية :
يعني غرضه إيه؟
سيد :
يعني بده يقول مافيش رجالة تزور حضرتك وهو بره ولا لأ؟
سنية :
قطع لسانه على لسانك! بس لما أشوف وشه، وأشوف العقد الألماظ شاريه لمين! الخباص ده راخر.
سيد :
الدنيا حاتشعلل هنا!
سنية :
لكن لأ، الأحسن إني أروح للجواهرجي بنفسي.
سيد :
حاضر.
خميس :
إيه يا واد ده؟
سيد :
هدومي يا سيدي.
خميس :
وإيه ده اللي تحت باطك؟
سيد :
ده سيدي المرحوم.
خميس :
عال عال مع السلامة. إنما قول لي قبله، سي كمال ما جاش؟
سيد :
لأ يا سيدي، وإذا كنت حضرتك تحب تحجز الصورة، معلهش.
خميس :
لأ لأ، أبدا.
سيد :
أمرك يا سيدي. بس ما تآخذنيش يا سيدي، عشان مش مالك أحط إيدي في إيد حضرتك!
خميس :
معلهش معلهش، داهية لا ترجعك لا انت ولا المرحوم بتاعك! الغرابة مانيش عارف كمال ده راح فين! وكل خوفي إنه دلوقت ييجي هنا ويشوف سنية ويلاقيها السمانة! ومين عارف، يمكن صاحبتنا ترجع تحن! لكن لأ، أنا مش مغفل، وساعة ما ييجي دغري أروح واخده على اللوكاندة.
سنية :
إنت كنت بره فين دلوقت؟
خميس :
أنا؟
سنية :
أيوه إنت.
خميس :
الجرس بيرن! لازم كمال ... إخص! مافيش حد.
سنية :
بتسمع إيه عندك؟
خميس :
مافيش، بس افتكرت إن حد بيضرب الجرس.
سنية :
والله إنكم كلكم يا رجالة زي بعض.
خميس :
طبعا، عشان رجالة.
سنية :
من فضلك ما تستعبطش روحك.
خميس :
يعني إيه؟ أنا مش فاهم أنت عاوزة تقولي إيه!
سنية :
بدي أقول إنهم لو يجيبوا أطهر راجل في الدنيا، ويكتبوا له سيئاته على قورته، كان ينزل طربوشه على عينيه من الكسوف.
خميس :
ده بيتهيألك بس ... الجرس ولا إيه؟
سنية :
انت مستني مين؟
خميس :
مافيش حد ... يظهر إن وداني بتطن.
سنية :
ما لك؟
خميس :
ولا حاجة ... كمال، كمال! الكمال في الملاح ... الكمال ... اللي ما بتتهز أبدا.
سنية :
إنت بتغني عشان تاخدني في دوكة؟ قول لي إنت كنت فين؟
خميس :
كنت في شغل.
سنية :
الشغل ده إيه؟ وكان فين؟
خميس :
آه! يعني حضرتك عاوزة تفتحي لي محضر؟ لأ، أنا ما أسمحلكيش أبدا إنك تقرريني.
سنية :
أنا ما جبتش شيء من عندي، أنا بعمل زيك تمام، وعندي ذوق أكتر منك عشان ما بسألش الخدامين.
خميس :
إخص! هو الملعون سيد قال لك؟ أنا ... أنا ... في الحقيقة. إنت عاوزة الحق؟ الراجل سيد ده، أنا ما بحبوش أبدا.
سنية :
شوف أما أقول لك، لا تهوش ولا تغالط، وافهم طيب إنك في إيدي.
خميس :
أنا في إيدك إنت؟ ليه الدنيا جرى لها إيه؟
سنية :
أنا بكلمة صغيرة خالص، أخليك قدامي زي القط.
خميس :
إنت تخليني زي القط؟ إنت فاهمة إنت بتقول إيه؟ لازم هو النوبة دي!
سنية :
لازم المسألة فيها سر.
خميس :
يظهر إن وداني بترن.
حميدة :
أحضر السفرة فين يا ستي؟
خميس :
في أودة الأكل طبعا.
سنية :
الراجل هناك بيركب القزاز المكسور ... حضري السفرة هنا.
خميس :
هنا هناك زي بعضه، عشان أنا حاتغدى في اللوكاندة.
سنية :
واشمعنا تتغدى بره؟
خميس :
عشان كده.
سنية :
لوحدك؟
خميس :
لأ، مع واحد صاحبي.
سنية :
صاحبك ده مين؟ واسمه إيه؟
خميس :
احم! اسمه ... وانت مالك ومال اسمه؟!
سنية :
طيب! وأنا كمان خارجة.
خميس :
على فين؟
سنية :
وإنت مالك؟! عندي شغل.
خميس :
وإن شاء الله حاتغيبي كتير؟
سنية :
زي ساعة، فيه حاجة كمان؟
خميس :
لأ ... المهم إنها تخرج الساعة دي.
سنية :
لازم أخبي طرابيشه كلهم واشوف حايخرج إزاي!
خميس :
على رأي المثل: اللي تحمل همه، ما يجيش أحسن منه. وتوه صاحبتنا ما خرجت، الدنيا تروق. ولما تبقى ترجع يبقى يحلها ألف حلال ... ستك فين يا حميدة؟
حميدة :
بتلبس الملاية يا سيدي.
خميس :
عال خالص ... حضرتك خارجة؟
سنية :
أيوه مش شغلك.
خميس :
إلا مش شغلي! لكن أعمل إيه، الظروف حاكمة. لكن ما داهية كمال يقابلها على السلالم! لازم ألحقها. طربوشي فين؟ حميدة! حميدة!
حميدة :
أفندم.
خميس :
طربوشي فين؟
حميدة :
ما شفتوش يا سيدي.
خميس :
إزاي! الله! الطربوش!
حميدة :
والنبي يا سيدي ما شفته.
خميس :
يعني إيه؟ يعني الطربوش اتسرب؟ أنا كنت حاطه هنا على الترابيزة ساعة ما دخلت. يبقى راح فين؟
حميدة :
وأنا إيش عرفني يا سيدي؟
خميس :
خدوه الملايكة؟ الملايكة ما بيلبسوش طرابيش.
حميدة :
يمكن ستي ...
خميس :
إيه؟ يمكن ستك لبسته وخرجت بيه؟ إنت حاتجننيني!
حميدة :
يا سيدي أنا ما قلتش كده.
خميس :
طيب بس بس! بلاش غلبة ... شوفي مين، عبال ما اشوف لي طربوش تاني.
حميدة :
مين؟ أهلا وسهلا يا ستي. اتفضلي.
لبيبة :
ستك هنا؟
حميدة :
لأ يا ستي، خرجت من شوية صغيرة. لكن سيدي هنا.
لبيبة :
طيب اعملي معروف اديله خبر.
حميدة :
حاضر.
لبيبة :
مين كان يفتكر إني أشوف كمال تاني! والله خلاني نطيت ساعة ما قال لي: «سمانة»
لكن برضو عرفت أزوغ منه تمام.
خميس :
مش شغلي، لازم تشوفي لي طربوش من تحت الأرض.
حميدة :
حاضر يا سيدي.
خميس :
أهلا وسهلا لبيبة هانم. إزاي صحتك؟
لبيبة :
الله يحفظك. إلا قول لي من فضلك!
خميس :
نعم!
لبيبة :
حضرتك طردت سيد الخدام؟
خميس :
أيوه، يعني الست هي اللي طردته.
لبيبة :
وعشان إيه من فضلك؟
خميس :
حاقول لك إيه بس، عشان لتات قوي وغلباوي، وفي الحقيقة ما حدش يطيقه أبدا.
لبيبة :
لكن مش حرامي؟
خميس :
لأ، مش حرامي.
لبيبة :
ده اللي يهمني.
خميس :
ليه؟ أنتم عاوزين تاخدوه عندكم؟
لبيبة :
أما أشوف سي عزت يرضى ولا لأ. عشان من نهار ما طردنا سالم، واحنا لايصين، والمخدم مغلبنا قوي.
خميس :
إنما أنا أؤكد لك إن المخدم إذا كان مغلبكم قيراط، الواد سيد حايغلبكم أربعة وعشرين!
لبيبة :
يا خي ولو موقتا. أما نشوف . نهارك سعيد.
خميس :
نهارك سعيد مبارك ... حميدة! حميدة! ده ما كانش طربوش! إيه آخر أخبار عن الطربوش؟
حميدة :
والله يا سيدي ما لقتش أبدا غير ده.
خميس :
إيه ده؟ ده مش طربوش ده!
حميدة :
ده طربوش سيد ونسيه لما خرج.
خميس :
يظهر كده؛ عشان ريحته خدامين خالص ... شوفي مين! دي حاجة عرة قوي.
كمال :
أظن استغيبتني؟ والله ما تآخذنيش. دلوقت أحكي لك الحكاية.
خميس :
وأنا من ساعتها قاعد أستناك عشان نخرج سوا.
كمال :
نخرج؟ ده أنا نفسي انقطع من السلالم بتوعكم.
خميس :
بالشفا، إنما اسمع!
كمال :
نعم؟
خميس :
أنت عارف شارع محمد علي؟
كمال :
قوي.
خميس :
أما فيه هناك راجل بيعمل سمك، لكن على ذوقك. يلا بينا يلا!
كمال :
لا لا، وهو أنا غريب؟ الموجود في البيت ناكل منه والسلام.
خميس :
اعمل معروف ما تضيعش الوقت، عشان بدي أقعد وياك قعدة زي الناس، وكمان الخدام بتاعنا طردناه ولا فيش حد يخدم علينا .
كمال :
والبت دي ما تعرفش تخدم علينا ليه؟
خميس :
حميدة؟ لا يا شيخ دي لخمة قوي، وخدمتها تعل. يلا بينا!
كمال :
ما تعرفيش يا حميدة تجيبي لنا ناكل؟
حميدة :
ما أعرفش إزاي يا سيدي؟!
كمال :
طيب اجري يا شاطرة هاتي لنا اللي عندكم والسلام.
حميدة :
حاضر يا سيدي.
خميس :
انت باين مش حاتجبيها البر!
كمال :
بر إيه وبحر إيه؟! ده اللقمة يا خالي اللي الواحد ياكلها في البيت - وإذا كانت بملح - أحسن من ستين أكلة في اللوكاندة!
خميس :
بس اسمع يا كمال، بقى الشطارة دلوقت إننا ناكل زي الوابور، فاهم! قبل صاحبتنا ما تيجي.
كمال :
هي مقاولة ولا إيه؟
خميس :
لأ بس أنا عامل حساب إن القطر بعدين يفوتك وترجع تلومني. أنت مسافر في قطر كام؟
كمال :
مش مسافر النهارده.
خميس :
يا خبر أسود! إزاي يا شيخ أنت ما تسافرش النهارده؟ حد في الدنيا يغيب في السودان الغيبة الكبيرة دي كلها ولا يروحش يشوف أهله؟
كمال :
قدامي إجازة تلات تشهر.
خميس :
يا قلبك! يا مصيبتي!
كمال :
سيبنا من الحكاية دي بقى يا خالي.
خميس :
بس أسيبك من الحكاية دي إزاي ودي مسألة واجبات؟ خازوق!
كمال :
بالك يا خالي، نظريتك في العازبة مظبوطة تمام.
خميس :
جالك كلامي؟
كمال :
بس شوف الصدفة ...
خميس :
يا ترى فيه إيه؟
كمال :
وأنا جاي في السكة، قابلت واحدة ست، وجه وشي في وشها تمام. تفتكر مين؟
خميس :
مراتي طبعا ... مين يا ترى؟
كمال :
السمانة!
خميس :
ما أنا برضو قلت كده.
كمال :
إنما عاوز الحق يا خالي؟ السمانة حليت في عيني عن زمان.
خميس :
عفريت يلهفك!
كمال :
رأيك إيه بقى؟
خميس :
رأيي ... بس حاقول له إيه ... ولا حاجة.
كمال :
ولا حاجة إزاي؟ والحب القديم اتحرك في قلبي. ومن ساعة ماشفتها دماغي اتبرجلت.
خميس :
وأنا قلبي مغص علي وعقلي اتلخبط.
كمال :
طيب وانت ما لك؟
خميس :
إلا أنا ما لي! هي دي حاجه شوية؟ بقى تفتكر إنك لما تكون في ورطة زي دي ما أشارككش في عواطفك؟ سبحان الله يا سي كمال!
كمال :
الله يحفظك يا خالي.
خميس :
إنما ما تكونش عينك زاغت في واحدة تانية، وافتكرتها السمانة؟
كمال :
إزاي؟ ده أنا كلمتها.
خميس :
آه! آهو البلوة هنا ... يا ترى قالت له إيه؟
كمال :
تفتكر قالت لي إيه؟
خميس :
اعمل معروف ما توجعش بطني ... وقل لي قالت لك إيه؟
كمال :
قالت لي رجب أفندي مات.
خميس :
ديهده! ما هو مات.
كمال :
من قال لك؟
خميس :
أما عجيبة! أنت يا أخي مش بتقول إنها قالت لك إنه مات؟ قلت لك آهو مات. ولا عاوز أقول لك لأ؟
كمال :
يظهر إنك مش مبسوط النهارده.
خميس :
اتفضل يا سي علي أفندي يا صادق.
كمال :
علي أفندي صادق مين؟
خميس :
هس هس! بس لي غرض إني أسميك كده دلوقت.
كمال :
غرض إيه؟
خميس :
البت حميدة كان لها أخ اسمه كمال، وبعيد عنك مات قريب، وكل ما تفتكره بينقلب كيانها خالص. مسكينة الله يصبرها!
كمال :
آه، لك حق بقى، مسكينة! أما نثبتها. وفضل صاحبنا يقول لي إزيك يا علي أفندي يا صادق. وحشتنا يا علي أفندي يا صادق. آنستنا يا علي أفندي يا صادق.
خميس :
لحد ما زهقك يا علي أفندي يا صادق! هاهاها. دلوقت لما سنية تقرر الخدامة ما تعرفش تاخد منها حق ولا باطل ... اتفضل يا علي أفندي، بس كل بالعجل.
كمال :
أنا مش مستعجل.
خميس :
لكن أنا مستعجل ... عاوز ميه؟
كمال :
هو أنا كلت حاجة أشرب عليها؟!
خميس :
يظهر إن مالكش نفس للأكل، اجري هاتي كباية ميه يا حميدة، الميه تفتح الشهية.
كمال :
حقه عمري ما سمعت.
خميس :
لأ، دي قال لي عليها واحد حكيم صاحبي.
كمال :
جايز. إنما إزاي إحنا ناكل قبل الست ما تيجي؟
خميس :
ما هي معزومة بره النهارده؟
حميدة :
الميه يا سيدي.
كمال :
خليها هنا.
خميس :
وروحي بقى، ولما نعوزك نندهلك.
كمال :
إنما بالك يا خالي؟
خميس :
هيه؟
كمال :
يظهر إن الحظ معاكسني. علشان الملعونة قالت لي إنها اتجوزت تاني.
خميس :
صدق! لكن ما قالت لكش اتجوزت مين؟
كمال :
دي عفريتة! بقول لها اتجوزت مين؟ قامت قالت لي اتجوزت راجل مغفل، هاهاها!
خميس :
بقى قالت لك إنها اتجوزت راجل مغفل؟
كمال :
طيب وانت ما لك زعلان ليه؟
خميس :
بس ما يعجبنيش الحال المايل. وما يخلصنيش إن أي واحدة في الدنيا تقول على جوزها كده.
كمال :
يا خالي ده ملك مدبره صاحبه.
خميس :
إنت مش خلاص شبعت؟
كمال :
ليه؟ لا هو غداكم النهارده مكرونة بس؟
خميس :
أيوه. حميدة! حاجة خفيفة على المعدة.
حميدة :
أفندم.
خميس :
شيلي الأكل بقى.
كمال :
مافيش حاجة عندكم النهارده إلا المكرونة؟
حميدة :
عندنا يا سيدي، أما أروح أجيب.
خميس :
تجيبي إيه؟ تعالي هنا. إنت مش عاوز ميه قبله؟ هاتي ميه لعلي أفندي صادق.
حميدة :
حاضر.
كمال :
لا هو غداكم النهارده ميه؟ طيب شوف لنا ولو حتة جبنة، ولا أي حاجة نغمس والسلام!
خميس :
حد بيخبط! مراتي يا خبر اسود!
كمال :
إنت مستني حد؟
خميس :
لا مش مستني حد لكن خايف لحد ييجي.
كمال :
أما دي أدهى!
خميس :
الحمد لله مش عندنا ، إنت يا أخي لسه ما شبعتش؟
كمال :
وهو أنا كلت حاجة!
خميس :
طيب اشرب دي، اشرب.
كمال :
أشرب إزاي وأنا مش عطشان؟ هو بالإكراه؟!
خميس :
اشرب وعلي أنا مالكش دعوه.
كمال :
طيب سيب الكباية هنا ... اجري يا شاطرة شوفي لي حتة جبنة.
حميدة :
حاضر.
خميس :
يا سي علي جبنة إيه وبتاع إيه. يا بت أنت روحي من هنا! بس مش راضي أقرفك، الجبنة كلها دود بتشغي. نهايته، والسمانة قالت لك جوزها مين؟
كمال :
المكارة ما رضيتش تقول لي على اسمه أبدا، وسهتني وزاغت مني في وسط الزحمة.
خميس :
طيب يلا امسح إيديك بقى ... حميدة!
كمال :
أنا في الحقيقة مش قادر أفهم إنت مالك النهارده!
حميدة :
أفندم.
خميس :
شيلي الأكل بقى. كلنا وشبعنا والحمد لله!
كمال :
طيب شوفوا لنا فنجال شاي وبسكوتتين.
خميس :
شاي؟ ده أضر حاجة بعد الأكل! اعملي شوية قهوة أحسن. ولا تفتكر بلاش؟ بلاش؟ بلاش قهوة يا حميدة.
كمال :
إلا بلاش قهوة! ضروري أشرب قهوة.
خميس :
حيرتني يا علي أفندي! دور عاوز قهوة، ودور تقول لأ. دي ذبذبة في الرأي الواحد لازم يكون له مبدأ.
كمال :
عاوز قهوة ضروري.
خميس :
طيب ما قلتش كده ليه من الصبح، بس خليتنا نضيع وقتنا. قهوة حالا، وهاتيها لنا في أودة النوم.
حميدة :
حاضر.
كمال :
حقه كله كوم وشرب القهوة في أودة النوم كوم!
خميس :
ده أنت يا أخي يظهر إن مالكش مزاج أبدا!
كمال :
ليه؟
خميس :
الواحد بعد الغدا مش يحب يرتاح شوية؟
كمال :
لكن أنا مش عاوز أنام.
خميس :
ولو! إنما ضروري تتمد شوية. ضروري جدا ... يا سيدي خش خش!
كمال :
الله الله! هو جرى إيه.
خميس :
بس خش. أنا جاي لك حالا ... دي داهية وطبلت ... يلا! يلا! دلوقت أخلص من مراتي. عزت! إخص!
عزت :
إخص؟!
خميس :
إخص إيه؟
عزت :
أنا عارف؟ بقى ساعة ما تشوف وشي تقول لي إخص؟!
خميس :
والله يا خويا ما تآخذنيش ... ما خدتش بالي أبدا إلا إخص!
عزت :
مالك؟ فيه إيه؟ باين عليك مرتبك خالص .
خميس :
لا يا شيخ؟ بقى باين على وشي صحيح؟ آهي دي بلوة ما عملتش حسابها.
عزت :
باين قوي.
خميس :
بس الحقيقة ...
عزت :
إيه ده؟
خميس :
مافيش، ده ... ده ... واحد صاحبي.
عزت :
وحابسه ليه؟ ما بيبانش على رجاله ولا إيه؟
كمال :
ده مش هزار ده!
خميس :
المجنون ده حايخلع الباب!
كمال :
خالي عزت!
عزت :
سي كمال! أهلا وسهلا! الحمد الله بالسلامة.
كمال :
الله يسلمك، شفت يا سيدي هزار خالي خميس؟
خميس :
هزار إيه؟ إذا كان ده بعد ما دبغ غدوة تمام، قال: عاوز أنام شوية! مش بذمتك يلزم إني أقفل عليه الباب عشان ياخد راحته؟
عزت :
واجب ... ما داهية يشوف مراتي! مش حاتبقى تزورني يا كمال؟
كمال :
الله! طبعا.
عزت :
ما تقولوش إني اتجوزت.
خميس :
ليه؟ خالك عزت اتبسط قوي اللي شافك. ما تجيبش سيرة السمانة.
عزت :
عن إذنكم بقى أحسن عندي ميعاد ضروري قوي. إنما ضروري أشوفك يا كمال قبل ما تروح البلد.
كمال :
حاضر.
عزت :
ناوي تسهر يا خويا الليلة ولا لأ؟ سلام عليكم.
خميس :
أما أشوف. وعليكم السلام.
كمال :
وعليكم السلام يا نمس ... بالك يا خالي خميس؟
خميس :
إيه؟
كمال :
دلوقت فهمت السمانة زاغت مني ليه؟ لازم لاضمة مع خالي عزت.
خميس :
ما تقولش كده أمال!
كمال :
ده بالتأكيد! إنما لازم أفقسهم لك.
خميس :
مش طايق! مراتي مع أخويا!
كمال :
الله؟ القهوة فين؟
خميس :
القهوة؟! آه، لازم مافيش قهوة. لازم مافيش بن ولا هو إيه!
كمال :
مالك؟
خميس :
مين؟ أنا؟ مافيش حاجة.
كمال :
تكونش البنت نسيت القهوة؟
خميس :
أنا سمعت حاجة دبت. لازم البت اتشقلبت في المطبخ.
كمال :
ما تقولش كده. ده يظهر إني النهارده متعوس قوي.
خميس :
طيب يلا بينا بقى. وتشرب القهوة في بوفيه المحطة ... بترتعش ليه؟ يلا بينا!
كمال :
اسكت يا خالي! أحسن متلج قوي. ده بيتكم ده برد خالص.
خميس :
بعدين نبقى نعزل. يلا نمشي وانت تدفا.
كمال :
طول بالك علي، أحسن بتكتك.
خميس :
يا سيدي يلا! مش حاعرف أخلص منه.
كمال :
الحقني يا خالي خميس! الحق! آه!
خميس :
يا نهار زي بعضه! جرى لك إيه؟
كمال :
حاسس ... حاسس ... حوشني يا خالي!
خميس :
أحوش فيك إيه بس! يلا بينا بره تفوق.
كمال :
دي باينها حمى، حمى! آه آه!
خميس :
يا سيدي مش وقته! ما يجيش كده! يا كمال ما تعملهاش في! يا أخي استذوق!
كمال :
ما تتخضش يا خالي، دي ما تاخدلهاش كام يوم وأروق تاني ... آه آه!
خميس :
كام يوم؟! بلاش هزار أمال اعمل معروف! أبوس إيدك!
كمال :
غطيني يا خالي. غطيني في عرضك! آه ... آه! حاموت يا خالي حاموت!
خميس :
في الجنة ونعيمها ... خد اشرب دي تفوقك.
كمال :
دي ... دي ... دي ملهلبة! آه!
حميدة :
سيدي ما له يا سيدي؟
خميس :
ما انتيش شايفة؟ عيي من كتر الأكل، وكنت عاوزة تجيبي له كمان؛ عشان يموت!
كمال :
آه! آه! رحت بلاش.
حميدة :
ده بيقول راح بلاش.
خميس :
أيوه! أيوه! سامع إنه راح بلاش. وأنا رحت بلاش ! اجري شوفي بطانية! اسعفي! عال، صاحبنا بقى روسبيت في البيت ده! واللي زي ده ما دام لزق ما يطلعش بقى إلا بالطبل البلدي.
حميدة :
البطانية آهه يا سيدي.
خميس :
لفي معايا لفي! أنا مش عارف النهارده اصطبحت بوش مين! لفي قوي!
حميدة :
ده بيزوم يا سيدي.
كمال :
سمانة! آه!
حميدة :
يا خبر اسود!
خميس :
ده بيخطرف! يا نهار مهبب! اجري هاتي بشكير نلفه على دماغه.
حميدة :
حاضر.
خميس :
دي حوستي بقت للشوشة، والإيش لو طبت صاحبتنا الساعة دي! عملتها يا سي كمال؟!
حميدة :
البشكير يا سيدي.
خميس :
هاتي.
كمال :
آه آه!
خميس :
اجري سخني حبة ميه على النار وحطي فيهم شوية خردل. بس بسرعة عشان نحط له رجليه في الميه السخنة.
حميدة :
حاضر.
كمال :
آه آه!
خميس :
يا سيدي ما تزعقش كده! الله! البيت فيه سكان، بلاش فضيحة!
كمال :
آه ياني! أنا فين يا خالي؟
خميس :
أنت على قلبي يا حبيبي.
كمال :
حاموت يا خالي!
خميس :
يا أخي ده والله عيب! مش كده خليك ذوق. كمال، ما فقتش حبة؟ تقوم بقى؟
كمال :
نيمني في السرير.
خميس :
ما بقاش ناقص إلا هي!
كمال :
نيمني في السرير!
خميس :
طيب هس هس!
كمال :
سمانة!
خميس :
لأ ده مش شغل! لازم أقفل لك بقك ما دام أنت مش عارف تقفله ... أما أروح أوضب له السرير.
حميدة :
يا ترى مين؟ أظن ستي جت ... إيه ده؟ بتاعتنا دي؟
الرجل :
أيوه يا ستي. صلحناها وعملنا لها برواز جديد معتبر، وخليناها ألسطه.
حميدة :
طيب خليها هنا.
الرجل :
لأ يا ستي، المعلم قال لي علقها أحسن حد يلطها ولا حاجة.
حميدة :
طيب علقها هنا. المسمار آهه. بس اعمل معروف ما تعملش دوشة، أحسن فيه واحد عيان هنا.
الرجل :
يا ستي ما تخافيش ... نهارك سعيد.
حميدة :
نهارك سعيد ... زمان الميه غليت.
كمال :
سمانة! سمانة!
حميدة :
يا ندامتي ده الرجل بيخطرف.
خميس :
هو أنت لسه في الدنيا ... حميدة! حميدة!
حميدة :
حاضر.
خميس :
كمال، ما رقتش حبة وتفضنا من الورطة دي؟
كمال :
آه آه!
خميس :
والله ما حد حقه يقول آه إلا أنا يا حبيبي. أنت عيان وأشيتك معدن، لكن ما داهية إلا أنا غرقان لشوشتي وحوستي تقيلة.
حميدة :
المية السخنة آهه يا سيدي.
خميس :
يلا قلعيه جزمته ودلي له رجليه في الميه.
كمال :
آه آه!
خميس :
يا سيدي انسد! إن كان الرباط معقود فكيه باسنانك ولا اقطعيه. رحنا بلاش! رحنا بلاش! نشوف مين ... مين؟
حميدة :
دي ستي.
خميس :
جالك الموت يا تارك الصلاة.
سنية :
إيه ده؟ مين ده؟
خميس :
ده مسكين! جه يزورني سورق ولخمني داهية تلخمه.
كمال :
حازدور!
سنية :
ده بيقول حازدور.
خميس :
الحمد لله اللي ما قال حاجة تانية! ما هي الحمى بتخليه يخرف.
كمال :
حبيبتي يا سم ...
خميس :
ما ينفعش إلا كده! شيلي معايا يا حميدة، أحسن ده باين مش حايجبها البر.
سنية :
أما عجايب! ديهده، وميه سخنة كمان! بقى مسافة ما أخرج وآجي ألاقي الدنيا انقلب كيانها؟ وصاحبه ده مين يا ترى؟ والغرابة إني من ساعة سيرة الملعون رجب أفندي وأنا عقلي ملخبط ... عجايب! إياك الصورة دي معفرتة! ده باين بيضحك الملعون! ده بيضحك صحيح، إياك بيتمسخر علي! طيب، أنا أوريك تضحك إزاي! وأشوف إزاي ترجع تاني بعد ما طردتك مع خدامك سيد!
حميدة :
ده نهار إيه ده اللي زي بعضه! ده أنا مش خالصة النهارده من فتح الباب ... اتفضل يا سيدي.
الرجل :
يعني الحمد لله اللي قابلت حضرتك في السكة.
عزت :
معلهش. العبارة بسيطة. يلا نزلها!
الرجل :
ما تآخذنيش يا بيه! أنا كنت بحسب ساعدتك ساكن هنا.
عزت :
حصل خير. يلا بقى طلعها فوق.
الرجل :
حاضر.
عزت :
سيدك ما قالش حاجة لما شافها؟
حميدة :
ولا خد باله منها.
عزت :
برضو أحسن. ما تجيبيلوش سيرة يا شاطرة.
حميدة :
حاضر يا سيدي.
سنية :
أنا أوريك شغلك يا خباص!
عزت :
أنا خباص يا سنية هانم؟
سنية :
عزت أفندي!
عزت :
وبالمقشة كمان يا هانم؟
سنية :
ما تآخذنيش. هي راحت فين؟
عزت :
مين هي يا هانم؟
سنية :
لازم الأودة دي معفرتة ! ده مستحيل!
عزت :
حضرتك مالكيش كيف شوية؟!
سنية :
وإزاي يبقى لي كيف واللي جرى لي النهارده عمره ما جرى؟!
عزت :
آهو أنا بقول كده برضو؛ يعني يظهر إن حضرتك عيانة، ولا سمح الله!
سنية :
لأ، أنا مش عيانة!
عزت :
عينيها مبحلقة، وبتلمع قوي! أنا غلطان ما تآخذنيش!
سنية :
لأ، حضرتك مش غلطان؛ لأني صحيح معفرتة النهارده.
عزت :
غير كده.
سنية :
عشان خرجت من ساعة لحد واحد جواهرجي في الموسكي. لقيته قافل، أتاري النهارده عيد اليهود.
عزت :
صحيح، تمام.
سنية :
وساعة ما رجعت البيت، لقيت فيه راجل ملفوف ببطانية وجوزي بيخنق فيه ولا بيداويه، مانيش عارفة!
عزت :
لا حول ولا ... عقلها بياخد ويدي.
سنية :
ويا دوب شالوا العيان شيلة بيلة ودخلوا بيه أودة النوم إلا ولقيت قدامي خيال واحد كنت أعرفه زمان.
عزت :
الصبح ما كانش عندها حاجة أبدا.
سنية :
بتقول إيه؟
عزت :
لا، ولا حاجة.
سنية :
وكل ما أبص للخيال ألاقيه بيضحك علي.
عزت :
مالوش حق.
سنية :
مين؟
عزت :
الخيال قليل الحيا.
سنية :
إنت كمان يا عزت أفندي بتتمسخر علي؟
عزت :
لأ يا هانم العفو، يا سلام!
لبيبة :
صباح الخير يا سنية هانم.
سنية :
صباح الخير يا حبيبتي.
لبيبة :
إنت مش جاي بقى تشوف حاتحط البتاعة فين؟
عزت :
حاضر، جاي حالا.
خميس :
اتهمد داهية تهمده ... أهلا وسهلا.
كمال :
السمانة! (ستار سريعة)
الفصل الثالث
(المنظر: في منزل عزت أفندي.) (ترفع الستار عن المنزل خاليا ... الجرس يدق ... يدخل سيد.)
سيد :
طيب طيب ... إيه هيه الدنيا طارت؟! هو حضرتك؟ لا مؤاخذة يا سيدي!
خميس :
بقى شوف لما أقول لك ...
سيد :
أفندم.
خميس :
اسمع اللي أقول لك عليه من غير ما ترد أحسن أخلاقي ضيقة وراكبني ستين عفريت ... ستين عفريت تمام.
سيد :
حاضر يا سيدي، واخد بالي برضه.
خميس :
واخد بالك إزاي يعني؟! هو أنا أخرس بتعمل لي إيدك كده!
سيد :
يا سيدي اعمل معروف ما تكلمنيش ما دام حضرتك ما بتستحملش الكلام!
خميس :
اللهم اخزيك يا شيطان ... يا راجل أنت كلامك ده مش عاجبني!
سيد :
يا سيدي بس قولي أتكلم إزاي؟
خميس :
يا سيد أنا مش رايق لك، والشيطان بيلعب في عنيا فالأحسن إنك تنفد بعمرك الساعة دي ... سيد.
سيد :
يا سيدي الشيطان بيلعب في عينيك وأنا مش مستغني عن عمري.
خميس :
ده شغل مسخرة، الواحد مش عارف يلاقيها منين ومنين! مش ممكن. لكن يمكن ... مستحيل! مين عارف؟ يا عالم يا هوه! أنا عقلي حيون ... يا مسكين يا خميس كل المصايب اتكببت على دماغك!
عزت :
أهلا وسهلا أنا كنت نازلك.
خميس :
علشان إيه.
عزت :
علشان الفصل اللي عمله كمال ساعة ما دخل على الستات على غفلة وخلاهم اتخضم.
خميس :
أنا عندي موضوع أهم من كده عايز أكلمك فيه.
عزت :
خير إن شاء الله.
خميس :
بقى اسمع يا سيدي!
سنية :
ده حال ما يطولش أبدا، أنا لازم أشوف لي طريقة معاه.
عزت :
فيه إيه يا هانم؟
سنية :
فيه إني كنت افتكرت إني حاعيش سعيدة لقيت الحكاية بالعكس، مين كان يصدق كده؟ مين؟
خميس :
اسمعي يا سنية! لايميها أحسن بعدين مش حايحصل طيب !
سنية :
إنت كمان لم لسانك!
عزت :
بس إيه اللي جرى؟
سنية :
جرى زي ما انت شايف، طول النهار لاويلي بوزه ولانيش عارفة أكلمه كلمة.
عزت :
يمكن العيان اللي عنده عداه؟
سنية :
لا، ده حال محدش يقدر عليه.
خميس :
يظهر إنهم بيتوشوشو.
عزت :
إزاي حالة عيانك دلوقت؟
خميس :
أحسن، آهو نايم.
زينب :
يا سيدي، ستي بتسألك حاتعلق الصورة فين؟
عزت :
حاضر أنا جاي ... أنا راجع لك حالا، دقيقة واحدة ... ما تتفضلي جوه يا سنية هانم عند الست، هيه في أودة المسافرين. عن إذنكم.
سنية :
إنت تحب إن أخوك اللي أصغر منك يعرف إزاي بتعامل الست بتاعتك؟
خميس :
أنا ما احبش حاجة أبدا وما احبش إنك تيجي هنا أبدا.
سنية :
هيه هيه. حضرتك بدك تاخدني في دوكة. لكن لأ طول بالك، عيد اليهود كان النهارده لكن بكرة الدكان مفتوح.
خميس :
أنا مش فاهم بتقولي إيه؟
سنية :
إن شاء الله لما بكرة تشوف الحساب كام تبقى تفهم كويس.
خميس :
أنت قصدك إنك تبرجلي دماغي بالكلام ده؟
سنية :
من هنا لبكرة الصبح كل شيء ينتهي.
خميس :
الغرابة مش قادر أفهم حاجة أبدا؛ لأن الطهارة باينة على وشهم. ومش عارف يا ترى الملعون كمال كان بيبالغ في الحكاية ولا إيه؟ إنما أحسن طريقة إني أراقبهم كلهم تمام، وافتح عيني كويس ...
عزت :
لا مؤاخذة أنا أتأخرت عليك!
خميس :
بقى اسمع أما أقول لك، أنا شايف إن الدور ده اللي انتم فيه ضيق عليكم.
عزت :
بالعكس ده احنا مبحبحين فيه قوي وقرفته كويسة علي خالص.
خميس :
ما هو علشان قرفته دي أنا جيت انصحك تدور لك على شقه تانية في حتة صحية؛ مصر العتيقة، الدقي ... تكون متطرفة.
عزت :
إيه بس السر في كده؟
خميس :
يا أخي أنا أخوك أكبر منك وقصدتك في حاجة ما تعملهاش؟
عزت :
لكن دي مسألة غريبة!
خميس :
غريبة قريبة كمان حتة طلب زي ده ما تعملوش؟!
عزت :
طلب إيه؟ إنت يا خميس يا خويا حالتك متغيرة خالص، الست بتاعتك اللي زي الملايكة، اللي زي حتة السكرة تزعلها وتعمل فيها كده، ودلوقت جاي تطلب مني طلب زي ده؟ أنت لازم فيه حاجة تعباك ومخبي عنا!
خميس :
يا سيدي مصلحة الإحصاء بتقول إنه فيه في البلد دي ... على بيت فعشان إيه يعني ما تحبش تسكن إلا في نفس العمارة اللي أنا ساكن فيها؟
عزت :
مسكين! حالته صعب خالص.
سيد :
الحلاق جه يا سيدي.
خميس :
خد لي بالك، حتى الخدام اللي أطرده من عندي تاخده عندك على طول، علشان إيه؟
عزت :
مين؟ سيد؟ أنا ما خدتوش عندي إلا بناء على شهادتك فيه للست بتاعتي، وأنا كمان سألت سنية هانم عليه ومدحت لي فيه قوي.
خميس :
مدحت لك فيه قوي؟ طبعا علشان يبقى قريب، فكرة طيبة خالص ومعمول حسابها عال.
عزت :
هو إيه ده اللي معمول حسابه؟! نظراته فيها شيء.
خميس :
بقى المعرفة ابتدأت من أيام رجب أفندي إسماعيل؟
عزت :
رجب أفندي، أنت تعرفه؟
خميس :
لأ، أنا بتكلم على مراته، على السمانة.
عزت :
إيه؟
خميس :
سمانة الخرطوم.
عزت :
هو أنت تعرف؟ هو كمال قالك حاجة؟
خميس :
وده شيء يدهشك؟
عزت :
لكن مين اللي قالك؟
خميس :
أظن عقلك كان بيقول لك إني مش حاعرف حاجة، لكن لأ، فتح عينك طيب أنا مش مغفل زي سي رجب.
عزت :
إيه العبارة؟ مين قال عليك كده؟ لكن أقول لك الحق يا خويا وأحلف لك بنزاهتي وشرفي إني صبرت عليها لحد ما بقت أرملة!
خميس :
والله العظيم مجهود كبير، إنما تقدر تقول لي كده بصراحة، لسه بتحبك؟
عزت :
عاوز الحق، والله أنا بحبها خالص.
خميس :
أوه! مش قادر أحوش نفسي، وبتعترف بكده؟!
عزت :
وعشان إيه ما اعترفش؟ ده ما له كده؟!
خميس :
دمي بيغلي ... والشغل ده يعني لسه داير بينكم؟
عزت :
ده أنا عندي عشم كبير إن حبنا ده يفضل دايم للأبد.
خميس :
حقه خلاص مش قادر أحوش روحي!
عزت :
لكن أنا مش عارف إيه قصدك م الأسئلة دي؟ أنا شايف إنك لازم تستريح لك كام يوم تسافر فيهم تغير هوى ... إنت حالتك النفسانية تعبانة خالص.
خميس :
يا عالم أنا عقلي حيون!
عزت :
ما لك بس يا خويا مالك؟
خميس :
بيسألني ما لك ... بقى مش حرام عليك ده؟!
عزت :
لا لا، ده شيء ظاهر قوي إنك تعبان. الله يكون في عونك! أظن تسمح لي بثلاث دقايق آخذ فيهم دقني أحسن زمان المزين قلق، وارجع لك تاني؟ استريح يا خميس يا خويا. استريح أحسن لك. مسكين ... مسكين! جاي حالا.
خميس :
أنا خلاص، إنما أنا باستغرب ... مش عارف مراتي بتحب إيه في العبيط ده؟ وآدي صاحبنا الثاني راخر ... لازم جاي يضحك علي كمان. الولية مراتي دي كانت مستلبخة الراجل رجب ده بتكلم اتنين؟! الله يحسن إليك مطرح ما رحت يا رجب أفندي! إيش خلاه مات بدري.
كمال :
إزاي تسيبني لوحدي كده ... مالكش حق! فين أمال خالي عزت؟ كان قال لي ابقى فوت علينا. من حق على فكرة إزاي الست؟
خميس :
مراتي؟
كمال :
أيوه، أرملة المرحوم.
خميس :
أنت عرفت إني اتجوزتها؟
كمال :
أمال مين الست التانية؟
خميس :
دي مرات خالك عزت.
كمال :
بقى السمانة تبقى مراتك؟
خميس :
أيوه مراتي، قول لي بقى الحكاية اللي كنت بتحكيها عنها صحيح ... ولا؟
كمال :
بقى أنت تصدق كلام زي ده!
خميس :
بقى يعني حضرتك كنت بتهزر.
كمال :
إنما إزيك بقى في الفصل ده ... مش عال بذمتك؟
خميس :
عال قوي ... بقى اللي قلته عليها ...
كمال :
كله كذب.
خميس :
لكن أنا عرفت منين؟ بقى ما كنتش تعرفها؟
كمال :
أيوه أعرفها ... إنما في السودان ... وكنت شوية استلطفتها. لكن الكلام ده كان على أيام جوزها دكها طبعا.
خميس :
طيب وخالك عزت ... الكلام اللي حكيته لي عنه؟
كمال :
هو أنا حكيت لك عنه حاجة؟
خميس :
إيه ... حاتنكر؟
كمال :
لا مش حانكر ... إنما كان بس استنتاج أو تخمين.
خميس :
طيب وتخبي علي ليه ... مع إنه هو نفسه اعترف لي دلوقت حالا؟
كمال :
إيه؟!
خميس :
وقال لي إنها بتحبه.
كمال :
خالي عزت قال لك كده؟ أما راجل مجنون يقول لجوزها في وشه.
خميس :
هو بيحبها وهي بتحبه وعنده عشم كبير إن الحب بتاعهم يدوم للأبد.
كمال :
خالي عزت قال لك كده؟
خميس :
زي ما باقول لك تمام، بالحرف الواحد. والأدهى إني كل ما أدقق معاه في الكلام يزوغ مني، لكن على مين؟ أنا لازم أشوف آخرتها معاه. عن إذنك هو بيحلق فين يا خويا؟!
كمال :
أما والله جماعة لكن مرستان خالص! دي العيلة يا خويا كلها صنف واحد! يظهر إنهم ناويين يلحسوا لي عقلي في الكام يوم اللي حاقعدهم هنا. يعني بس ما قاليش من الأول ليه إنه متجوز السمانة ... آه، آهي جت ...
لبيبة :
كمال هنا ... حقه ده زادها خالص ... أنا عاوزة أكلمك.
كمال :
وأنا كمان عاوز أقول لك حاجة ...
خميس :
آه ... لكن ضروري تقول لي قبله!
لبيبة :
ولا كلمة ... هس!
كمال :
جوزها.
لبيبة :
اصرفه.
كمال :
إيه ... حاضر.
خميس :
إيه ده ... إيه ده ... أنا باقول.
كمال :
عن إذنك بس دقيقة واحدة.
خميس :
ليه هو أنا ضايقتكم.
كمال :
أيوه ، لأ. عشان عاوزة تكلمني.
خميس :
والله طيب.
كمال :
تسمح لي مش كده؟
خميس :
أنا أسمح لك بكل حاجة، وكمان إذا كنت عاوز تبسطني وتخليني أشمت في عزت ... خليها بس تقول إنها بتحبك أنت.
كمال :
إنت بتقول إيه؟
خميس :
أنا عارفك ما تتوصاش ... يلا وريني همتك!
كمال :
بقى أنت عاوزني ... أخليها ...
خميس :
من كل جوارحي.
كمال :
من كل جوارحك ... ده شيء يسرك؟
خميس :
جدا.
كمال :
ده لازم اختل!
خميس :
عشان عزت ... لأنه لما يشوف واحد ينتصر عليه يقوم يتهوش.
كمال :
بقى عشان كده عاوزني أنا ...
خميس :
طبعا ... ما تضيعش الوقت ... يلا وريني أمال!
كمال :
يعني عاوزني أخلي مراته تقول إنها بتحبني أكتر من أخوه عزت ... أما نادرة! يكونش المسألة فيها لغز وعاوز يكعبلني فيه؟ زي بعضه ... إيه الظرف واللطف ده ... قوام نسيتي ... ليه كده بس؟
لبيبة :
اعمل معروف خليك ذوق! ولا بقيتش تفتكر في بقى؟
كمال :
يا حبيبتي يا سمانة!
لبيبة :
السمانة طارت ... ما بقاش هنا سمان ... وأنا قلت كده الصبح ... أنا باحب جوزي.
كمال :
ولكن ...
لبيبة :
وجوزي مآمني . ولا عندوش أي سوء ظن من جهتي ...
كمال :
إحم ...
لبيبة :
عاوز تقول إيه؟
كمال :
جوزك يعرف كل حاجة؟
لبيبة :
أبدا.
كمال :
وأنا عاوز أنبهك للخطر ده.
لبيبة :
ومين ده اللي يكون قال له؟
كمال :
أنا.
لبيبة :
انت؟
كمال :
غصب عني طبعا.
لبيبة :
ممنونة منك قوي على كل حال.
كمال :
إنما دي كلها غلطتك.
لبيبة :
غلطتي أنا!
كمال :
معلوم ... ليه ما قلتليش بصراحة أنت اتجوزت مين؟ لو كنت قلت لي ما كانش جرى اللي جرى. والصبح باسألك اتجوزت مين؟ قلت لي اتجوزت راجل مغفل، وده طبعا مش تعريف كفاية عشان أعرف اتجوزت مين؟
لبيبة :
أنا قلت لك كده ... عشان ساعتها كنت زعلانة معاه. بقى أنت قلت له كل حاجة؟
كمال :
الكلام جرجر بعضه ... أعمل إيه؟
لبيبة :
وقال لك إيه؟
كمال :
طبعا ما انبسطش.
لبيبة :
وإيه رأيك بقى؟!
كمال :
رأيي إن اللي فات فات ... والمغازلة والمداعبة والكلام الفارغ سيبك منه بقى ... وأنا أعتقد إن جوزك يسامحك بس بشرط.
لبيبة :
إيه هو الشرط ده؟ ما تقول!
كمال :
بشرط إنك تمشي دغري ... وتحسني سيرك.
لبيبة :
إيه ... بتقول إيه؟! أنا والله ما بصيت لجنس راجل من نهار ما اتجوزته ... فشرت!
كمال :
شفتي بقى أديكي برضه بتخبي علي!
لبيبة :
إنت مش مصدقني؟
كمال :
بقى شوفي لما أقول لك، خليكي صريحة معايا.
لبيبة :
أنا مش مخبية حاجة أبدا!
كمال :
طيب سؤال ... بتحبي عزت؟
لبيبة :
طبعا أحبه خالص ... وحافضل أحبه لحد ما أموت.
كمال :
يعني مش عاوزة ترجعي عنه؟
لبيبة :
وعشان إيه بس؟
كمال :
وما دام انت مصممة على كدة، فأنا بقى ماليش دعوة وأشيل إيدي م الموضوع.
لبيبة :
طيب وعاوزني أفوته عشان إيه؟
كمال :
عشان مافيش غير طريقة واحدة اللي تخلصك م الورطة دي!
لبيبة :
ورطة إيه وطريقة إيه؟
كمال :
اقطعي كل علاقة مع عزت ... ولا بقتيش تشوفيه أبدا.
لبيبة :
ليه؟
كمال :
ماتشوفيهش أبدا، دي الطريقة الوحيدة اللي تدفع عنك الفضيحة.
لبيبة :
إنت لازم عيان ... وانصحك تروح تنام حبة!
عزت :
أهلا سي كمال ... إنت هنا م الصبح ... آديني يا ستي حانقل لك صورة المرحوم من أودة السفرة، عاوزة أحطها فين؟
لبيبة :
أظن هنا يكون أحسن.
عزت :
من عيني.
لبيبة :
تسلم عينك.
عزت :
مبسوطة بقى يا ستي؟
لبيبة :
وإزاي ما انبسطش وانت قدام عيني؟!
عزت :
يا روحي يا لبيبة!
كمال :
لا لا ... اتفضل خد حريتك ... والله عال!
لبيبة :
احلف لي إن مافيش حاجة في الدنيا تفرق بيننا.
عزت :
مافيش حاجة تفرق بيننا إلا الموت.
كمال :
وجوزها في الأودة اللي جنبنا ويقدر يفاجئنا في أي لحظة ... ده جنون ... ده جنون!
عزت :
ومين ده اللي دخل أفكار زي دي في دماغك؟
لبيبة :
سي كمال.
عزت :
كمال!
كمال :
سيبكم مني ... وافرضو إني ما قلتش حاجة.
عزت :
إنما يعني إزاي إنك ...
كمال :
أنا مجنون ومغفل اللي أدفس روحي في حاجات ما تخصنيش! وأنا تبت من دلوقت وانتم تعرفوا شغلكم مع بعض ... تحبوا بعض، تلزقوا في بعض ... على كيفكم.
عزت :
أما شيء غريب وهو حد سألك في موضوع زي ده؟!
لبيبة :
إنت مش بتحبني؟
عزت :
أدوب.
كمال :
ده يظهر إنهم مش عاوزين يجيبوها البر.
عزت :
ده أنا عامل حسابي في الصيفية دي بإذن الله نفك عجلنا على راس البر.
لبيبة :
والنبي؟
كمال :
يهرب بيها؟! أهي دي اللي كانت ناقصة!
لبيبة :
دي تبقى فسحة عال خالص.
كمال :
طيب بس من فضلك تسمح لي بسؤال بسيط ... وإيه اللي حايعمله خالي خميس؟
عزت :
خالك خميس؟ إيش عرفنا ... يعمل اللي يعمله!
كمال :
إنتم بتقولوا إنكم حاتسافروا سوا؟
عزت :
طبعا.
كمال :
ما هو عشان كده أنا باسألك ... إيه اللي حايعمله خالي خميس؟
عزت :
يفضل قاعد هنا ... هو حر.
كمال :
إحم!
لبيبة :
ولا يروح مطرح ما يعجبه ... الهوا اللي يلائم صحته ...
كمال :
كويس خالص ... لكن بس أنا بودي أقول إيه رأيكم ... فيه هو ... في خالي خميس؟
عزت :
أنت ما لك؟ جرى لك إيه النهارده؟ طالع عليك عفريت اسمه خميس!
كمال :
طيب بس بس ... بزيادة بقى ... كفاية.
عزت :
فيه سؤال تاني؟
كمال :
أقول لك الحق ... أنا مش مبسوط أبدا.
عزت :
لأ بقى شوف أما أقول لك ... أنا مش عاوزك تعيالي هنا!
كمال :
لأ ... ما تخافش ... المسألة إني زي دايخ شوية ويظهر عشان ما عرفتش اتغدى زي الناس. وحانزل تحت للطباخة أشوف عندها حاجة. تلات دقايق وأرجع لكم تاني ... أنا مش عارف إيه الحكاية مع العيلة دي؟!
سيد :
مش لاقيه يا ستي.
عزت :
هو إيه؟
لبيبة :
مفتاح الشكمجية بتاعتي ... طيب أنا جاية.
عزت :
علشان إيه؟
لبيبة :
بس قلت لزينب تحضر لي العقد بتاعي.
عزت :
ليه هو أنت لسه مصممة تروحي فرح الجماعة الجيران اللي جنبنا؟
لبيبة :
مؤكد ... يقولوا إيه ... يا ترى ما استعنوناش؟
عزت :
أنت سبت سنية هانم لوحدها؟
لبيبة :
قاعدة في أودة المسافرين تتناقر هي وخميس أخوك.
عزت :
طيب ... ما عرفتيش تصالحيهم على بعض؟
لبيبة :
غلبت. اجري أنت وريني شطارتك!
عزت :
الجماعة دول نكتة خالص ... أما أروح أشوف جرى إيه؟
لبيبة :
اجرى يا سيد هات صورة المرحوم وعلقها هنا. يلا أمال، اعمل لك مروه!
سيد :
صورة سيدي المرحوم ... يظهر إنها شافتها معايا قامت عجبتها ... طيب وهو اللي يشحت حاجة من حد مش يستعمل حبة ذوق!
سنية :
أنا عاوزة بقى صبر أيوب عشان أعرف أعيش معاك.
خميس :
يعملوها وينطلوا!
عزت :
يا جماعة فضوها بقى.
خميس :
بس من فضلك إنت ابعد عنا الساعة دي!
سنية :
أنا ما أقدرش أعيش على كده أبدا ... أنا شبعت منك إشارات وغمز وتلقيح! إذا كان فيه عندك حاجة عاوز تقولها يلا قول ولا اقعد ساكت!
خميس :
طيب ... فليكن ... أنا أوضح لك كل حاجة.
سنية :
واعمل معروف.
خميس :
انتي قلت لي كتير إن عمرك ما كنت بتفوتي المرحوم.
سنية :
آه أهي البلوة جت ... خميس!
خميس :
وخصوصا لما كان بيسافر السودان.
سنية :
يا خميس أفندي!
خميس :
قلت لي كده ... ولا لأ؟
سنية :
أيوه ... إنما خليني أتكلم ...
خميس :
بس طولي بالك ... إنما كنت دايما تخبي علي السبب الحقيقي اللي كان بيخليكي تملي راكبة على نفسه، علشان إيه؟
سنية :
السبب؟
خميس :
أنا عرفت السبب ده دلوقت.
سنية :
صحيح؟
خميس :
صحيح.
سنية :
طيب بقى قول لي إيه هو السبب ده؟
خميس :
حاقولك حالا ... «سمانة».
سنية :
سمانة؟
خميس : «سمانة السودان!»
سنية :
إيه مش فاهمة أنت عاوز تقول إيه!
خميس :
طبعا مانتيش فاهمة ... وانا ما كنتش منتظر إنك تفهميني، والحقيقة يا ستي ... إنك كنت بتروحي السودان عشان تشوفي كمال وغيره ... وغيره.
سنية :
كمال؟
خميس :
أيوه كمال ابن أختي ... أظن راخر مانتيش عارفاه؟
سنية :
ولا عمري سمعت عليه.
خميس :
لأ، وهو أنت بتعرفي حد؟ أبدا. ولا فاكرة حاجة؟ أبدا ... كل شيء اتنسى خلاص.
سنية :
اسمع يا خميس!
خميس :
الله يرحم أيام الهنا والسرور اللي فاتت ...
سنية :
أنا حاقول لك الحقيقة.
خميس :
طيب دلوقت بقى نسمع حاجة.
سنية :
مش حاجة بس ... أنا حاقول لك كل حاجة.
خميس :
يبقى أحسن.
سنية :
أولا ... أنا عمري ما رحت السودان أبدا.
خميس :
إيه؟ ده فيه ناس شايفينك هناك!
سنية :
أنا؟!
خميس :
أيوه انتي.
سنية :
مين شافني هناك؟
خميس :
كمال.
سنية :
كمال ده مين؟
خميس :
حاتنكري ولا إيه؟ أنا عارف ... وعارف كمان إنك لسه بتخدعيني لحد دلوقت.
سنية :
أبدا ... أنا حاقول لك دلوقت كل حاجة. شوف، أنا عمري ما رحت السودان دي أبدا ... أبدا ... أبدا، وكان المرحوم بيسبني هنا لوحدي وداير هناك على كيفه.
خميس :
عال، ده برضو طيب ... ده من جهة المرحوم ... الراجل الطيب الأمين المخلص.
سنية :
أنت مش مصدقني؟
خميس :
طيب وأخويا عزت؟
سنية :
أخوك عزت؟!
خميس :
أيوه أخويا عزت ... أظن حاتنكري كمان إنه ما كانش بيحبك من أيام المرحوم؟!
سنية :
طبعا، لأنه ما حصلش من ده حاجة.
خميس :
إزاي بس مع إنه هو بنفسه اعترف لي دلوقت آهه بعضمة لسانه!
سنية :
كلام فارغ ... وإذا كان قال لك يبقى كداب في أصل وشه.
خميس :
طيب وكمال؟
سنية :
أظن بزيادة كلام فارغ بقى ... إنت فلقتني بكمال بتاعك ده. مين هو ... وريهولي على الأقل أشوفه بس؟
خميس :
أظن راخر عمرك ما شفتيه؟
سنية :
باقول لك ما اعرفوش أبدا.
خميس :
ده انتي كنت بتكلميه النهارده الصبح!
سنية :
أنا؟!
خميس :
أيوه.
سنية :
فين من فضلك؟
خميس :
في الشارع.
سنية :
إيه ... أنا؟!
خميس :
وقلتي له إنك اتجوزت راجل مغفل.
سنية :
أبدا ما حصلش.
خميس :
بقى ما حصلش؟
سنية :
أيوه ما حصلش. ده انا متأسفة خالص اللي ما حصلش.
خميس :
يا سنية نخسر بعض!
سنية :
لا، أنت خليتها خل خالص.
خميس :
من فضل حضرتك ... ما شفتش كمال؟
عزت :
كمال نزل ياكل وزمانه طلع فوق.
خميس :
بياكل تاني؟! متشكر ... اتفضلي معايا.
عزت :
الجماعة دول سراية خالص ... صورة فالصو ما تسواش أكتر من 150 قرش. وطالعة لي بيها السما. والله لابيعها بس بعد الليلة!
سيد :
تعالى يا سيدي تعالى، وخلي نورك يملا الأودة ويزهزها. الله دي واحدة تانية أهيه ... ده سيدي! أما غريبة خالص، لازم المرحوم كان يعرف سيدي عزت. بقى معرض من المرحوم! هنا المرحوم مكشر، وهنا المرحوم بيضحك.
لبيبة :
سيد، سيد!
سيد :
أفندم.
لبيبة :
اجري اربط النسناس لحسن قطع السلسلة وساب.
سيد :
يا عيني عليك يا سيد!
لبيبة :
بقى لسه سي خميس زعلان؟
سنية :
اعملي معروف يا اختي ما تجيبيليش سيرته! وانتي إذا كنت شفتي بس اللي عمله في دلوقت كنت تعذريني! إنما تعرفي دي غلطة كبيرة خالص من الواحدة اللي يموت جوزها وترجع تتجوز تاني.
لبيبة :
لكن أنا يا اختي مش متأسفة اللي اتجوزت تاني.
سنية :
إيه؟ إنت كمان كنت عازبة؟
لبيبة :
أيوه. إنما مبسوطة مع جوزي ده من ما كنت مع جوزي الأولاني.
سنية :
يا بختك!
لبيبة :
إياك بقى سي خميس ...
سنية :
أهو كلهم ألعن من بعض! ده أقربها آهو بس راح اشترى عقد ألماظ بميتين جنيه، وماني عارفة لمين؟ إنما مش لي والسلام.
لبيبة :
إخص يا دي الفضيحة!
سنية :
معلهش الصبر طيب. بكره حاعرف كل حاجة أما جوزي الأولاني آهو كان يسبني ويسافر يعط يمين وشمال وداير هايص مع النسوان.
لبيبة :
العياذ بالله! صحيح أنا ما كنتش مبسوطة مع جوزي الأولاني لكن أقول لك بالحق إنه ما كانش خباص.
سنية :
يا بختك، يا بختك!
لبيبة :
انتي ما شفتيش صورته؟
سنية :
لأ.
لبيبة :
صورته آهي.
سنية :
أعوذ بالله!
لبيبة :
دول اتنين!
سنية :
رجب؟!
لبيبة :
بتقولي إيه؟!
سنية :
وهو بتقولي كان جوزك الأولاني؟
لبيبة :
أيوه.
سنية :
وكنت معاه في السودان؟
لبيبة :
أيوه في السودان ... إنت عارفة؟
سنية :
بقى هو إنت ... إنت! آه آه آه آه!
لبيبة :
فيه إيه؟ مالك؟
سنية :
أنا مرات رجب أفندي إسماعيل!
لبيبة :
وأنا كده كمان!
سنية : ؟
لبيبة :
إنت؟!
سنية :
أيوه. وإمتى اتجوزتيه؟
لبيبة :
من أربع سنين دلوقت.
سنية :
وأنا من سبع سنين. هاهاها!
لبيبة :
آه من الخاين ... أنت يا مجرم يا نحس.
سنية :
بقى إنت ... إنت ... إنت «السمانة»! مش كده؟
لبيبة :
ده الاسم اللي كانوا أصحابي مطلعينه علي أيام المرحوم رجب.
سنية :
أنا ما اسمحلكيش إنك تنطقي باسمه!
زينب :
العقد أبو دلاية أهو يا ستي.
سنية :
آه!
لبيبة :
هاتي ... جسمي كله بيرتعش.
سنية :
العقد أبو دلاية ... يا دي الفضيحة! دي بقى ماشية مع خميس زي ما كانت مع المرحوم ... بقى بتستلميهم واحد بعد واحد؟!
لبيبة :
عاوزة تقولي إيه؟
سنية :
العقد ده مين جابهولك؟ مش جوزي اللي اشتراه لك؟
لبيبة :
الله ... طيب وماله؟!
سنية :
طيب يا خميس طيب، طول بالك!
خميس :
اتفضلي آدي كمال!
سنية :
وانت اتفضل ده!
خميس :
إيه؟
كمال :
كمان بتضربه قدام مراته!
خميس :
هي وصلت للدرجة دي؟!
سنية :
تعرف تدي عقد ألماظ للست دي؟ أنا ظبطت الفاتورة في جيبك.
خميس :
الفاتورة دي بقالها تلات سنين، من أيام رجب أفندي. بقى بتضربيني عشان المرحوم؟! داهية تجحمه مطرح ما راح!
كمال :
الست اللي ضربتك دي مين؟
خميس :
ما تطلعش فيها بقى وتعمل عبيط؟ بقى مش عارف دي مين؟ دي مراتي.
كمال :
مراتك؟! بتستغفلني ... أمال دي مين دي؟!
عزت :
دي مراتي.
كمال :
الله ... هو أنت مش قايل لي انك أخذت مراة المرحوم رجب أفندي؟
عزت :
مراة المرحوم رجب أفندي؟!
سنية :
ده كان متجوز اتنين.
عزت :
اتنين!
لبيبة :
شوفوا الصورة!
عزت :
طيب وده معناه إيه؟
سنية :
معناه إنه كان متجوز اتنين ... متجوزني ومتجوز مراتك.
عزت :
أما غريبة!
سنية :
أنا اتجوزته سنة 1902.
لبيبة :
وانا كنت باحسبه عازب واتجوزته بعد كده بتلات سنين.
كمال :
ما هي دي «السمانة».
خميس :
إخص!
سنية :
تمام.
خميس :
رأيك إيه بقى في القلم؟
سنية :
غصب عني.
كمال :
وإيه رأيكم في المرحوم؟
سنية :
بكفاه بقى مافيش لزوم.
كمال :
وبني آدم مش معصوم.
سنية :
أنا والله متأسفة عشان كنت بغير من غير داعي.
خميس :
وأنا كمان.
عزت :
وأنا راخر.
سنية :
صحيح إن المرحوم قلب كياننا النهارده كلنا. لكن برضو عشمي إن كل واحد يسامحه ويقول ربنا يرحم المرحوم! (ستار) (انتهت الرواية)
مخطوطة مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال»
أوبريت شرقية في أربعة فصول
بقلم: مصطفى ممتاز
رواية «جلنار بين ثلاثة رجال»
شهرمان:
الأمير 40 سنة.
بهروز:
الوزير 40 سنة.
قطبزار:
الفارس 38 سنة.
بهادر:
فتى 18 سنة.
شابور:
سجان.
ميزار:
أمين سر الإمارة 55 سنة.
رسول القاضي.
ضابط.
جلنار:
نورية راقصة 25 سنة.
فيروزة:
زوجة أمين سر الإمارة 55 سنة.
سيدات - رجال - جنود - شعب.
الحوادث:
في إمارة داهشتان في أواسط آسيا.
الملابس :
شرقية تمثل العصور الوسطى في آسيا.
مصطفى ممتاز
صفحة شخصيات مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال»
كما جاءت في المخطوطة.
الفصل الأول
(المنظر: ساحة عامة في مدينة داهشتان، خان في الشمال، أشجار إلى الخلف ناحية اليمين، بابان في الشمال غير باب الخان، باب في اليمين.) (ترفع الستار عن جمع من المغنين والراقصين وهم يغنون ويرقصون وبينهم جلنار.)
الجميع :
يا أيها الإخوان
وقت الصفا قد حان
فامضوا بنا نلهو
بالرقص والألحان
جلنار :
يا بلبل الفنن
حركت من شجني
فارفق بمفتتن
إن الغرام هوان
الجميع :
يا أيها الإخوان
وقت الصفا قد حان
فامضوا بنا نلهو
بالرقص والألحان
جلنار :
يا من لها قلبي
أسرفت في عتبي
رحماك بالصب
يا ربة الإحسان
الجميع :
يا أيها الإخوان
وقت الصفا قد حان
فامضوا بنا نلهو
بالرقص والألحان
جلنار والجميع :
كفي الملام ولا
تصغي لمن عذلا
وحققي الأملا
إذ حسبي الهجران (قبل نهاية الغناء يدخل الأمير مرتديا عباءة وملثما فلا يرى منه إلا عيناه، وينظر إلى جلنار باهتمام. الوزير بهروز ملثما يدخل في نفس اللحظة من الباب الأول الشمال، وهو يراقب الأمير عن بعد. جلنار معها طار.)
جلنار (للأمير) :
إحسان يا سيدي، إحسان! (الأمير يخرج كيس نقوده)
لعلي قد فقدت خاصيتي في إخراج الدراهم من الجيوب! (الأمير يلقي قطعة ذهبية في طارها ويخرج مسرعا من اليمين)
لا لا! ماذا؟! قطعة ذهبية! دينار! نعم، ومع ذلك كنت أخشى أن أقترب من هذا الفارس الشريف؛ لما يلوح عليه من الكآبة والأسى (تلتفت إلى الجمع وتحادثه كأنها تقص عليه حسن حظها).
بهروز (في الشمال وهو ينظر خلف الأمير) :
لم تخدعني عيناي، فإنه الأمير، وهذه هي المرة الثالثة التي رأيته فيها يقتفي أثر هذه النورية الجميلة، وكأني به وقد فتنته بجمالها الساحر!
جلنار :
نعم أيها الأصحاب اليوم هو يوم عيدي؛ ولذلك جعلت هذه الدراهم وقفا على اللهو والسرور (ترمي إليهم نقودا)
خذوا! خذوا! وسأشاطركم اللهو حالا (يدخلون الخان، أما هي فتتردد لحظة، ثم تفكر قليلا)
قطعة ذهبية! إن غنائي أو رقصي لا يساوي مثل هذا المبلغ العظيم!
بهروز (يقترب منها) :
إن سعود طالعك جعلك تفكرين.
جلنار :
سيدي! أوه! لا لا.
بهروز :
ألم تأخذي قطعة ذهبية؟ (يعطيها قطعة)
هذه أختها.
جلنار :
لي أنا؟
بهروز :
نعم أيتها الجميلة، لك أنت.
جلنار :
شكرا لك يا سيدي، ولكن ...
بهروز :
ولكن ماذا؟
جلنار :
ولكني أخاف بريق هذا الذهب الوهاج (تمسك القطعة في يدها)
ولما كنت صغيرة، كنت أنقل قدمي برشاقة وخفة طبيعيتين، وكان غنائي الشجي مرآة لقلبي الطروب الفرح. أما الآن، فإن الآمال والمخاوف التي أثقلت قلبي وأثقلت خطواتي جعلت مكافأتي على إنشادي ورقصي أكثر من ذي قبل، وهذا هو ما يخيفني.
بهروز :
لست أفهم ما تعنين!
جلنار :
ولن تفهمه يا سيدي. ولكن أتظنني وأنا امرأة جميلة أجهل ما أنا عليه من الجمال؟ إن الرجال ليحدثونني عن جمالي ألف مرة في اليوم، وتبعا لما تقضي به طبيعة المرأة أتقبل منهم هذا الثناء، كما أني أحاول أيضا أن يزيد جمالي؛ ليكون فتنة للناس ومعبودا.
بهروز :
ما زلت لا أرى لمخاوفك سببا.
جلنار :
آه! ها أنت لم تفهم بعد. اعلم يا سيدي أن هذه الراقصة التي تجوب الطرقات لأجل إدخال السرور على قلب الجماهير لا تجهل منزلتها بين الرجال، فأنا أتصيد المال من الجيوب ليكون وسيلة أكسر بها أغلال ضعة قدري؛ لأني أطمع في مستوى أرقى مما أنا فيه، وكأن كل كلمة مديح أو ثناء، ريح تهب على نار مطامعي فتذكيها، وكل هبة أعطاها ليست إلا وقودا يزيد تلك النار لهيبا وضراما.
بهروز (لنفسه) :
تالله إنها لضالتي!
جلنار :
أفلا يحق لي إذن أن أخشى عاقبة أمري؟
بهروز :
لست أرى ذلك.
جلنار :
لست ترى ذلك؟ وها أنت تراني أغرى بالمال (تريه القطعة الذهبية)
ولي مطامع مستكنة في نفسي! إني مذ لفت جمالي نظر أميرة البلاد، ازدادت آمالي، وقويت أطماعي.
بهروز :
دعيني أتنبأ لك بما ستنالينه في المستقبل من الرفعة والجاه، إن لك كل ما صبت نفسك إليه.
جلنار :
كل ما صبت نفسي إليه؟
بهروز :
إني لقادر على أن أجعل أحلامك حقيقة ملموسة، وأن تصبح رغباتك قانونا يسري على رقاب الأشراف.
جلنار (على حدة، مبهوتة من السرور) :
أكاد أختنق من ضيق أنفاسي!
بهروز :
هلمي معي، فغدا سترين مجد هذه الإمارة (يأخذ يدها) .
جلنار :
لا لا (صوت بوق ناحية الباب الأول الشمال) .
أصوات في الخارج :
فلتحيا سمو الأميرة! فلتحيا سمو الأميرة!
جلنار :
آه! سمو الأميرة! لن أثق إلا بها (تخرج مسرعة من الباب الأول الشمال) .
بهروز :
صدقت أيتها الحسناء! لقد كابدت الدهر، فلم أر أمرا أشد من محاولة التغلب على المرأة (يفكر)
إنها لقطعة من العدم، ولكن الأمير مفتون بها فتونا، ومتى أصبحت حظيته فإنها لا تنسى فضل الرجل الذي رفعها إلى منزلة الأشراف، وليس أمامي إلا عقبة واحدة، وهي أن جلنار وضيعة الأصل، وهذا ما يجب كتمانه، وستعلم الأميرة خطأها، ثم لا تلبث أن تتغلب عليها طبيعتها النسوية فأحظى بجمالها دون ذلك الذي لا يقدرها (يطلع قليلا)
ولكن هل يا ترى أستطيع تحقيق آمالي الهائلة؟!
أصوات في الخارج (ناحية الباب الأول الشمال) :
أمسكوه! أمسكوه!
بهروز :
ما هذه الضوضاء؟! (ينظر ناحية الضجيج)
لعلهم أتباع جلنار؟ هل هي معهم؟ وعندما رأوها التزموا الصمت. (وهو ينظر إلى الخارج)
من هذا الشخص الغريب؟! (يدخل قطبزار من الخان يتبعه جمهور صاخب، وجلنار تحضهم على الابتعاد عنه، فيخرجون من حيث دخلوا. تخرج جلنار بعدهم.)
قطبزار (في اليمين) :
أوغاد! تالله لولا أني خشيت أن ألوث سيفي بدمهم النجس، لمزقت جمعهم شر ممزق (إلى الخارج ناحية جلنار)
ولولا حضورك أيتها الراقصة الجميلة، لتمكن ذلك السفل من إغماد خنجره في جسم الفارس قطبزار الشريف النبيل (لنفسه)
ولكن أين سبق لي أن رأيت هذه المرأة؟ آه تذكرت، فقد رأيتها لأول مرة في مدينة سمرقند، وكنت إذ ذاك فتى متهتكا مفتونا بحمرة شفتيها (يخطو شمالا) .
بهروز (لنفسه) :
حقا لم تخدعني عيناي، فهذا الفارس قطبزار الذي كان زميلي في الدراسة في سمرقند.
قطبزار (يتفقد جيوبه) :
ولا درهم! لقد جردني أولئك السفلة المقامرون من كل دراهمي، كأنهم من الأشراف والنبلاء، فليس لي إذن إلا أن أعتمد على السماء في غطائي، وعلى الأرض في فراشي. وعلى ذلك فستكون ليلتي سعيدة.
بهروز :
ألست الفارس قطبزار، أم تراني أخطأت (يرفع اللثام) ؟
قطبزار :
نعم، أنا قطبزار، أولست بهروز؟
بهروز (يمد له يده) :
نعم أنا بهروز.
قطبزار (على حدة) :
ملابس فاخرة ثمينة، فماذا عساه يريد مني؟!
بهروز :
لقد افترقنا وكنت إذ ذاك فتى شابا وأحسن حالا منك الآن!
قطبزار :
يظهر أنك لاحظت تغير حالي (ينظر إلى ملابسه)
إني دائما مغرم بالتغيير والتبديل.
بهروز :
ولقد ورثت ثروة طائلة وحزت لقب الفروسية؟
قطبزار :
حقيقة، فاحتفظت باللقب وأضعت الثروة، فهل أنت في حاجة إلى لقبي؟
بهروز :
لا شكرا لك، وإنما أظن أنك قد أتيت أعمالا عظيمة يا قطبزار!
قطبزار :
لقد عملت كثيرا، وإذا لم تصدقني فاسأل دائني.
بهروز :
ولكن سبق أن أباك دفع عنك ديونك، عندما كنت في سمرقند.
قطبزار :
هذا صحيح، فرحمة الله عليه، ولكن تبعا لحكم العادة استدنت ديونا جديدة.
بهروز :
يظهر أنك اشتريت حياة اللهو بأبهظ الأثمان!
قطبزار :
ربما. ولكني قد أرحت بالي من كل ما يشغله ، فأنا الآن لا أمتلك مالا؛ ولذلك لا يضايقني أحد من أقاربي الفقراء، ولا أمتلك أرضا، فلا يتذمر لي المستأجرون، وليس لي وجهة معينة، فلا أخطئ الطريق، وليس لي من أعوله إلا سيفي (يشير إلى غمده المكسور)
وهو حاد بطبيعته.
بهروز :
ولماذا تركت سمرقند؟
قطبزار (بحنان) :
سمرقند! مسقط رأسي، وحيث نشأت وترعرعت، وحيث استمتعت بالسرور واللهو، وحيث أضعت كل شيء (يخفي وجهه بين يديه صامتا)
نعم، تركتها حيث لم يعد لي بها مقام، وأرض الله واسعة.
بهروز :
تلك غلطتك.
قطبزار :
كلا، فقد خدعتني الأيام، وإني وإن كنت قد أضعت كل شيء، فما زلت أحتفظ بمن يذكرونني؛ وأولئك هم الدائنون، والدائنون لا يموتون، بل كل يوم يزيدون.
بهروز :
وكيف ذلك؟
قطبزار :
إن لأكثرهم أبناء، وما أكثر أبناء الدائنين! وهؤلاء يرثون مضايقتي ومطالبتي فيما يرثون عن آبائهم.
بهروز :
وعلام عولت للارتزاق؟
قطبزار :
لم أعول على شيء قط (يخرج جيوبه الفارغة)
وليس معي ما أقامر به حتى المتسولين في الطرقات.
بهروز :
إذن فلهوك الآن قليل؛ لأن اللهو يقتضي النفقة!
قطبزار :
إني لقانع بما تصل إليه يدي، فإنه ليس أسهل علي من خلق سبب للمشاحنة مع أي إنسان، والمشاحنة تجر إلى القتال، وفي القتال تسلية لي ولهو (يخطو شمالا) .
بهروز :
وفي هذا أيضا أرى الحظ يعاكسك.
قطبزار :
وكيف ذلك؟
بهروز :
لأن عندنا هنا في داهشتان لا يجوز القتال، ومن يقاتل رجلا فيقتله يحكم عليه بالإعدام.
قطبزار (مندهشا) :
ماذا؟! يحكم بالإعدام لأجل ضربة سيف! تالله لقد تسفل بنو الإنسان.
بهروز :
لا لا! فهذا قانون أميرنا هنا في داهشتان.
قطبزار :
إنه لقانون جائر حقا، لا سيما على من كان حاد الطبع، ولا يهدئ ثورة دمه إلا السيف! ولكن قل لي يا بهروز، فيما تشتغل؟ ما حرفتك؟
بهروز :
أنا ... أنا ... لا شيء (يضع اللثام) .
قطبزار :
إذن فنحن لا نزال في مستوى واحد! (يدخل الفتى بهادر ومعه رجل آخر من الباب الثاني الشمال.)
الرجل :
هذا صحيح يا بهادر، فقد أساءوا معاملتك.
بهادر (في الوسط) :
شكرا لك يا أخي، شكرا لك، ولا تظن أني ناكر فضلك؛ وليس لي إلا أمنية واحدة، وهي أن أموت (يذهب شمالا. بهروز يفكر على حدة) .
قطبزار (إلى بهادر) :
تتمنى الموت، قبل أن تنبت لحيتك؟
الرجل :
نعم يا سيدي؛ فقد حاول أن يلقي بنفسه إلى الماء ليموت غرقا.
قطبزار (مندهشا) :
يموت غرقا! ويستبدل بهذه الدنيا الزاهرة ماء وطينا؟! إن هذا لمدهش جدا! في مثل هذا الشباب، وتتمنى الموت؟! لا أظن أن لك مثلي دائنين حتى تكره الحياة!
بهادر :
كلا يا سيدي، وإني أشتغل في تنظيف أسلحة حرس الأمير.
قطبزار :
هذا لا يدعو لأن تغرق نفسك.
بهادر :
نعم يا سيدي، ولكن حدث في هذا الصباح أن قائد الحرس ادعى أني أهملت السلاح، وقرر أن أجلد خمسين جلدة.
قطبزار (بحدة) :
خمسين جلدة!
بهادر :
لا يهمني المقدار يا سيدي؛ لأني لا أكترث للألم، ولكن جلدة واحدة تكفي لإسقاط شرفي.
قطبزار :
ومن أي البلاد أنت يا فتى؟
بهادر :
من سمرقند يا سيدي .
قطبزار :
إنك لشريف حقا، وقد وجبت علينا معونتك (إلى الوزير، بلا تكليف)
يجب أن نتوسط له يا بهروز!
بهادر :
لقد تدخل أحد الضباط في أمري، ولكن على غير جدوى.
قطبزار (بشيء من الزهو) :
يجوز! ولكني لا أظن قائد الحرس يرفض رجاء رجلين من الأشراف مثلنا (يأخذ ذراع بهروز) .
بهروز :
أرجو أن تعفيني (يسحب ذراعه بلطف)
لأن لدي من الأسباب ما يمنعني عن التدخل في هذا الموضوع.
قطبزار (بثقة) :
أوه، لا بأس! ويمكن للغلام أن يعتمد على نفوذي أنا (صوت وقع أقدام ناحية الباب الأعلى الشمال) .
بهادر (ينظر ناحية الباب الأعلى الشمال) :
آه! إنهم يقتفون أثري، وسيقبضون علي (يحاول الهرب) .
قطبزار (يمسك بهادر) :
بل ابق هنا! وقف خلفي، فنحن سندافع عنك (بعظمة) .
بهروز (منكرا) :
نحن!
قطبزار :
نعم، نحن قطبزار وسيفه (يشرع أن يستل سيفه) .
بهروز :
وهل نسيت قانون الأمير؟
قطبزار :
قبح الله ...! (يترك السيف.) (صوت بوق، يدخل القائد وجنود من الباب الثاني الشمال، ويذهبون إلى الخلف ناحية اليمين.)
القائد :
ها هو أسيركم، فاقبضوا عليه (يهم الجنود بالتقدم) .
قطبزار (يتدخل بخضوع) :
لحظة واحدة أيها القائد، اسمح لي أن أرجوك بكل خضوع أن تعفو عن هذا الغلام!
القائد (إلى الجنود الذين توقفوا، وبدون اكتراث إلى قطبزار) :
لماذا لم تتقدموا أيها الجند؟! (يتقدم الجنود.)
بهادر :
الرحمة، الرحمة يا مولاي القائد!
قطبزار :
ألا تسمع رجاء الغلام؟ إنه يرجو العفو، واسمح لي أن أضم رجائي إلى رجائه!
القائد (إلى بهادر) :
عد إلى عملك أيها الغلام، فإني لا أكترث لدموعك ولا لتطفل هذا السكير الوقح.
قطبزار (بحدة) :
ماذا؟ (يثوب إلى رشده)
لعنة الله على ذلك القانون! حبذا لو لم نكن في داهشتان (بهدوء)
ولكن، لو عاد إلى عمله، لا تضر به؟ انظر إلى دموعه، إن هذه الدموع لا تذرف من العيون بسهولة، لا سيما وأنه غلام شجاع (القائد يذهب يمينا)
فاعف عنه (يمسك عباءة القائد من خلف) .
القائد (يستخلص عباءته) :
دعني (يقطع المسرح) .
قطبزار (بغضب) :
أتجسر ... (يتغلب على عواطفه)
القانون! القانون الملعون!
بهروز (إلى قطبزار همسا) :
هذه كلمات جارحة يا قطبزار.
قطبزار (يطلع إلى القائد) :
كلمة واحدة! أنت رجل شريف، وجندي أيضا، كذلك أنا، ولقد وقفت شرفي على حماية هذا الغلام، فهل فهمت؟ ولقد رجوتك وتوسلت إليك أن تعفو عنه.
القائد :
وقد أجبتك (يذهب شمالا) .
قطبزار :
كلا! وما رجوتك لأجله سدى سأناله بالقوة.
القائد :
وقح!
قطبزار :
كفى! ورغما عن قانون الأمير، يجب أن أصل إلى غرضي أيها القائد.
القائد :
كيف؟
قطبزار :
كيف؟ بسيفي، سيفي الذي يشرف سيفك بملامسته! فأنا الفارس قطبزار من سمرقند، وقد سارت الركبان بشجاعتي وفعالي، وقد توسلت إليك بمذلة وخضوع، فأهنتني وأهنت قانون الأمير (يجرد سيفه) .
القائد :
أتدعوني إلى القتال؟
قطبزار :
نعم، وإذا رفضت دعوتي تكون إما نذلا أو جبانا!
القائد :
سأجعلك تعترف بشجاعتي، هلم معي أرك البرهان (يخرج من الباب الثاني الشمال) .
بهادر (في اليمين)، (إلى قطبزار) :
أتقاتل في سبيلي! لا لا! ها أنا عائد يا قطبزار.
قطبزار (في الوسط إلى اليمين) :
عد إلى الضابط الذي توسط لأجلك ولم يرضه أن تجلد فيهان شرفك، واصبر قليلا؛ إذ بعد عشرة دقائق سأجعله قائد الحرس (يخرجون جميعا من الباب الثاني الشمال إلا بهروز) .
بهروز :
لقد كان قطبزار أمهر لاعب بالسيف في سمرقند، فإذا كان محتفظا بأسبقيته فسيكلل مشروعي بالنجاح قريبا. وما دام القانون نافذا، فإن شجاعة قطبزار ستكون أهم وسيلة لرقي جلنار ورفعها من هذا المستوى. آه، ها هي قد أقبلت، ها هي فاتنة أمير داهشتان ومعبودته! (تدخل جلنار من الباب الأول الشمال متشحة بوشاح زاهي اللون.)
جلنار :
لقد ابتسمت لي الأميرة مرة أخرى، وليس ما أراه في عالم الآمال بخيال قط، ولا بد أن حادثا سيرفعني إلى الدرجة التي تشبع مطامعي (ترى بهروز)
آه! أنت لا تزال هنا يا سيدي!
بهروز :
نعم. وأتمنى لو أن تكاشفيني بما يجيش في صدرك، فجعلك تبتسمين هذه البسمات العذبة!
جلنار :
الأميرة يا سيدي، الأميرة! انظر يا سيدي (تريه الوشاح)
حتى لا تظن أني ضننت على نفسي بما جدت به علي.
بهروز :
وهل ترين نفسك سعيدة باقتناء مثل هذا الشيء التافه؟ ثقي بي، وبعد قليل ترين أجمل امرأة في بلاط الأمير تطأطئ لك رأسها.
جلنار :
لا أستطيع أن أستمع لك، ولا أجسر على مطاوعة قلبي فيما يوحي به إلي.
بهروز :
ولماذا؟
جلنار :
إن حياة التجول قد علمتني حقائق أكثر مما يسمح لي سني بتعلمه، فعرفت أن الرجل الغني ينبذ اليوم ما كان يعبده بالأمس (تصمت قليلا)
لا لا (بحزن)
إني لا أجهل مستقبلي.
بهروز :
إنك لا تثقين فيما تتنبئين به لنفسك، ولك أن تكذبي من يتنبئون لك بعلم الغيب، إنما اسمحي لي أن أريك حذقي في معرفة علم الكف، هاتي يدك (يتناول يدها)
ستكونين في الغد ... ستكونين زوجة فارس عظيم!
جلنار (جذلة) :
زوجة فارس ... (تسكت لحظة)
لعل ذلك في الأحلام!
بهروز :
كلا، بل في اليقظة، إنك لا تعرفينني وإلا لما شككت في أن لي من القوة والنفوذ ما هو كفيل بتحقيق ما أحييته فيك من آمالك (يرفع اللثام)
أنا بهروز؛ الوزير الأول في بلاط الأمير شهرمان أمير داهشتان.
جلنار (مأخوذة) :
أنت!
بهروز :
نعم أنا. ولقد أنقذت الآن من أيدي عصابتك رجلا لا تعرفينه.
جلنار :
نعم نعم. ولقد سبق له أن دفع عني إهانة كادت تلحق بي؛ ولذلك وفيت ديني له.
بهروز :
ولو أنه الآن كما ترين إلا أنه نبيل شريف، وهو يحبك يا جلنار.
جلنار (متأثرة) :
أتقول حقا يا سيدي؟!
بهروز :
لقد وعدته أن أكلمك بشأنه، حتى إذا وافقت على أن تحملي اسمه الشريف، فإني أعيد إليه مكانته الأولى.
جلنار :
وهل تستطيع ذلك؟
بهروز :
ألم أقل لك إني الوزير الأول في إمارة داهشتان، أفلا أستطيع أن أفعل ما هو أكثر؟
جلنار (حالمة) :
أيمكن أن أصبح ...
بهروز (متمما) :
تصبحين في مكانة رفيعة، وفضلا عن ذلك، فأنا مكلف من قبل مولاتي الأميرة أن أرفع النورية جلنار إلى مرتبة الشرف والمجد.
جلنار :
أتقول حقا؟
بهروز :
وقبل أن تشرق شمس الغد سأجعلها حقيقة (يبدو التأثر على جلنار) .
جلنار :
أتراي يقظى أم تراني نائمة؟!
بهروز :
بل أنت يقظى، فانظري! ... ...
جلنار : ... ... ... ... بل حالمة!
لو أن آمالي جميعا حققت
وغدوت في ظل الحياة الناعمة
لاهتز قلبي شاكرا فضل الذي
أسدى الجميل ولم أكن بالظالمة
بهروز (بهروز ينظر إلى الخارج ناحية الشمال. لنفسه) :
آه! لا يزال طالعي سعيدا، فقد فاز قطبزار، وها هو بين أيدي الجنود (يسرع ويأخذ جلنار ويخرج بها من اليمين)
يدك أيتها الحسناء، ودعيني أرقى بك إلى قمة الشرف (في نفس اللحظة يدخل قطبزار بين يدي الجند) .
قطبزار :
ماذا جنى
قطبزار!
الجنود :
هيا فما
يجدي اعتذار
قطبزار :
إن كان
ذنبي نجدتي
للضعيف
ونصرتي
هيا فما
في الموت عار! (ستار)
الفصل الثاني
(المنظر: سجن في مدينة داهشتان، بابان في الشمال وآخر في اليمين، منضدة صغيرة في الوسط إلى اليمين، مقاعد، ساعة حائط كبيرة تشير إلى الساعة الخامسة.) (ترفع الستار عن قطبزار وبهادر جالسين في اليمين.)
بهادر :
يقبض عليك، وتقدم إلى المحاكمة، ويحكم عليك، كل ذلك في ساعة واحدة، ولم يبق من حياتك إلا ساعتان!
قطبزار (ينظر إلى الساعة وهو جالس في اليمين) :
نعم لم يبق إلا ساعتان، فكيف أقضيهما؟ أكاد أموت من السآمة والضجر (يتناول كرسيا ويجلس في الشمال الوسط. بعد برهة سكوت)
لو كنت في مركزي، ولم يبق من حياتك إلا ساعتان، فكيف تقضيهما؟
بهادر :
أقضيهما في تذكار ذنوبي الماضية.
قطبزار :
في ساعتين؟! يظهر أنك لا تعرف تاريخ حياتي! أذكر ذنوبي! لا، ليس في الوقت متسع لذلك، بل الأولى أن أكتب وصيتي ... ولكن كتابة الوصية لا تستغرق دقيقة واحدة!
بهادر :
آه يا سيدي (يتناول يده ويبكي)
لقد كنت أنا سبب ذلك كله؛ ولأجلي أنت الآن تموت، فهلا يمكنني أن أقوم لك بأية خدمة تكون دليلا على أسفي لما حل بك، أو برهانا على شكري لك؟ (يمسك عباءته) .
قطبزار :
نعم يمكنك أن تخدمني خدمة جليلة.
بهادر :
كيف يا سيدي؟ (بلهفة)
قل لي بربك (يتشبث بالعباءة) .
قطبزار :
باحترام عباءتي قليلا؛ فقد تمزقت في سبيلك!
بهادر :
وا أسفاه! ألا يوجد من يطلب إلى الأمير العفو عنك؟ إني لم أر إلى الآن أحدا توسط لدى الأمير من أجلك .
قطبزار :
كلا يا فتى؛ فإنهم ليسوا كلهم غير مكترثين لما يصيبني، فقد حدث مرة أن شيخا وقورا قد جلله الشيب رمى بنفسه أمام عربة الأمير في سمرقند تحت سنابك الخيل، وقد مد ذراعيه المرتعشتين، وزادته الدموع المنحدرة على وجنتيه الشاحبتين جلالا ووقارا، وبصوته المتقطع التمس لي العفو من الأمير قائلا: «اعف يا سمو الأمير عن قطبزار!»
بهادر :
لعله الفارس أبوك يا سيدي؟
قطبزار :
كلا. بل أحد الدائنين، فانظر الآن إلى مبلغ خطئك في الظن!
بهادر :
ولكني للآن لم أر أحدا من إخوانك الأشراف أتى لزيارتك.
قطبزار :
هذا دليل على شرف عواطفهم يا بهادر؛ لأنه يشق عليهم أن يروني في هذا الموقف المحزن، فمن باب الشفقة بي وبأنفسهم يفضلون عدم زيارتي وأنا على هذا الحال. (يدخل بهروز.)
بهروز (وهو ينزل يمينا) :
إلا أنا (يشير إلى بهادر فيخرج يمينا) .
قطبزار :
بهروز!
بهروز :
يظهر أن زيارتي أدهشتك، ولكني أحب ألا تظن بي سوءا، فإني صديقك دائما، بدليل زيارتي لك الآن بعد أن قضي كل شيء.
قطبزار :
لو كانت زيارتك خالصة حقا ، لكنت زرتني قبل الآن بقليل. ومع ذلك فإني أعترف لك بأني إذا كنت أرجو التعزية من أحد فأنت آخر من أرجوها منه.
بهروز :
إني لا أزال مستعدا لخدمتك؛ إذ لم يبق من حياتك إلا ساعتان.
قطبزار :
عفوا (ينظر إلى الساعة وهي خمسة وربع)
بل ساعة وثلاثة أرباع الساعة؛ ومع ذلك فالخطأ لا قيمة له، ويجب أن ننظر إلى الحقائق بقدر ما يستطاع من السرعة؛ لأن الحياة قصيرة جدا.
بهروز :
إن ما بقي من حياتك يكفي جدا لأن نتفاهم، فدعنا نجلس لأني أحب أن أحادثك قليلا.
قطبزار :
بكل سرور (يجلسان)
ووقتي كله رهن تصرفك.
بهروز :
اسمع يا قطبزار!
قطبزار :
نعم يا بهروز.
بهروز :
لو كان في قدرتي أن ألبي أي طلب، فماذا تطلب إلي قبل موتك؟
قطبزار :
ماذا أطلب قبل موتي؟ أطلب الحياة بلا شك!
بهروز :
بصفتي كبير وزراء الأمير وأحبهم إليه وصديقك أيضا، سأعرض عليك اقتراحا، فإذا قبلته فإني أقسم لك بشرفي أني مستعد لتلبية كل ما تطلبه، إلا الحياة، فلا أستطيع أن أعدك بها.
قطبزار :
إذن فلا قيمة لكل ذلك؛ لأني كنت على وشك أن أطلب الحياة بلا ريب.
بهروز :
أوليس لك رغبة أخرى؟
قطبزار :
كلا ... ولكن انتظر، عندما دخلت الآن، ألم تر غلاما؟
بهروز :
لعلك تعني الغلام الذي أنت مدين له بموقفك الحاضر؟
قطبزار :
نعم، فإياه أعني، وإني لمدين له حقيقة بما أنا فيه الآن، كما أني مدين لكل إنسان، ورغبتي هي ألا يترك هذا الفتى تحت رحمة الأقدار بعد موتي، فهل تعد بمساعدته؟
بهروز :
أعدك بذلك.
قطبزار :
هذا كرم منك، فأقدم لك ألف شكر.
بهروز :
أليست لك رغبة أخرى؟ فكر قليلا.
قطبزار (بعد لحظة) :
أظن أنه ليست لي رغبات.
بهروز (على حدة) :
لم يطرق باب مشروعي بعد. (له)
قطبزار، ألم تفكر في الكيفية التي ستعدم بها؟
قطبزار :
كلا. وعلى كل حال فإني أعرف كل شيء (يقف)
فالمسألة مسألة حبل! آه، ولكن حبذا لو كان موتي بالسيف أو الرصاص! بهروز، لي رغبة واحدة!
بهروز :
وما هي؟
قطبزار :
أحب ألا يتزاحم دائني على المشنقة، وليكن موتي من رصاص ستة من الجنود الشجعان الأبطال؛ وبالاختصار، أحب أن أموت شريفا.
بهروز :
لك ذلك.
قطبزار :
حذار أن تخدعني؟
بهروز :
أقسم لك بشرفي.
قطبزار :
لقد منحتني حياة جديدة (مستدركا)
أقصد أن أقول، إنك قد خففت عني نصف غضاضة الموت، إنما يجب أن يكون الجنود الستة من الأبطال، وأحب أن أشرب معهم أولا.
بهروز :
تشرب معهم، وأنت الفارس قطبزار؟
قطبزار :
لقد شربت مع من هم أحط من ذلك بكثير، هذا بصرف النظر عن أني ولو كنت الآن أشرف منهم إلا أنهم سينالون مني. ولقد وعدتني بتنفيذ رغبتي.
بهروز :
وما زلت على وعدي، وسآمر الآن بإعداد وليمة لك، تذكرك بولائم لهوك فيما سلف من أيامك، فماذا تريد أيضا؟
قطبزار :
هذا كل ما أريد، فقل لي الآن شروطك، وما تريده مني (يجلسان) .
بهروز :
إني لا أشترط شروطا ثقيلة، لا سيما وأنت في مثل هذا الموقف، وغاية ما أريده هو أن تتزوج (الساعة تدق النصف بعد الخامسة) .
قطبزار :
أتزوج! وما الفائدة من الزواج لمدة ساعة ونصف؟
بهروز :
هذا سر غامض.
قطبزار :
حقا إنه لسر غامض، ولا أظن أن الغرض من هذه الزوجية هو المال؛ لأني معدم، ولن أخلف شيئا يورث من بعدي، اللهم إلا ديوني واسمي. آه! إن اسمي لا يزال له شيء من القيمة، وقد فهمت، فإن إحدى النساء تريد أن تحمل اسمي، أليس كذلك؟
بهروز :
ربما.
قطبزار :
لا بأس. وستحمل هذا الاسم لأنه لا يفيدني شيئا. وبما أني أحب أن أملأ وقتي بالحوادث فالزواج حادث لا بأس به، وحيث إن مدة الزوجية قصيرة، فلن يقع فيها بيننا شيء من الخلاف أو الخصام.
بهروز :
إذن فقد اتفقنا!
قطبزار :
نعم، ومستعد أن أورثها كل ما أمتلكه في سمرقند، إذا كنت أمتلك هناك شيئا! وبهذه المناسبة، أحب أن تبوح لي باسم زوجتي، وهل هي صغيرة وجميلة؟
بهروز :
لا تسأل شيئا.
قطبزار :
آه فهمت (يقف)
إذن فزوجتي في نحو الخمسين. ولكن هذا لا يهم ما دمت قد اتفقت على ذلك، وسأتزوج وعيناي مغمضتان.
بهروز :
لا، بل سأكفيك مئونة ذلك بنقاب كثيف على وجهها؛ حتى لا يتيسر لها أن ترى وجهك.
قطبزار :
شكرا لك على رقة عواطفك، فإنك في الحقيقة ستكفيني مئونة النظر إلى مقدار التضحية التي سأضحيها، كما أنك ستكفي المسكينة آلام النظر إلى حالة زوجها.
بهروز :
ولكن ملابسك هذه لا تصلح للزفاف.
قطبزار :
هذه ملابس السفر (ينظر إلى ملابسه فاحصا)
مبقعة قليلا، ولكني لبستها لأني لا أملك سواها.
بهروز (يطلع إلى الشمال) :
لقد أعددت لك الملابس التي تليق بالزفاف، وفي الغرفة المجاورة تجد كل ما أعددته لأجلك (يخرج قطبزار شمالا. الساعة السادسة إلا ربع)
رجال السياسة العاديون يدعون مثل هذا الرجل يموت دون أن يستفيدوا منه شيئا، أما أنا، فبحذقي ودهائي سأجعله وسيلة أنال بها ما أرجوه وأتمناه (ينادي)
شابور (يدخل شابور من اليمين)
فلتولم هنا وليمة في الحال، وأرسل لي الفتى بهادر الذي دخل مع السجين (يخرج شابور من اليمين)
ها قد كادت تصدق نبوءتي لك يا جلنار الجميلة! وهذه الخطوة ستدنيك من الأمير، وليس بينك وبينه الآن إلا أن يموت ذلك السكير المسرف، وبعدها أنال كل شيء.
بهادر :
هل أرسلت في طلبي يا سيدي؟
بهروز :
نعم، اقترب مني يا فتى، هل والداك على قيد الحياة؟
بهادر :
كلا يا سيدي. فوا أسفاه!
بهروز :
أوليس لك أصدقاء؟
بهادر :
لا صديق لي إلا شخص واحد، ولأجلي سينفذ فيه الليلة حكم الإعدام، نعم لأجلي وفي سبيلي!
بهروز :
تعني قطبزار، إنه لصديقك حقا، وبناء على رغبته سأدخلك في خدمتي اليوم، بل من الآن.
بهادر :
من الآن؟ بل اسمح لي يا سيدي أن أبقى في خدمة قطبزار المدة الباقية له في الدنيا.
بهروز (على حدة) :
يا له من وفي أمين! يوثق به ويعتمد عليه. (له)
فليكن ما تريد، وابتداء من الغد سيكون منزلي مأواك.
بهادر :
وابتداء من الغد سأقوم على خدمتك بمنتهى الوفاء والأمانة كما أخدم اليوم قطبزار.
بهروز :
إذن فاذهب الآن، وقل لقطبزار أن ينتقي ستة من الجنود، ليكونوا ضيوف وليمته (يخرج بهادر من الشمال، تدق الساعة الآن السادسة) .
بهروز (وحده) :
الساعة الآن السادسة، وبعد ساعة واحدة يعدم قطبزار (يخرج ورقة من جيبه)
وهذه الورقة تتضمن عفو الأمير عن قطبزار، وسأعلنها بعد ساعة من تنفيذ الحكم فيتحدث الناس عن منزلتي لدى الأمير، ويقولون إن الذي أخر إعلان العفو هو حادث غير منتظر، ولا يعلم سر هذا الحادث إلا أنا (يدخل بهادر من اليمين) .
بهادر :
لقد أعد كل شيء يا مولاي، وقد انتقى قطبزار ضيوف مأدبته. (يدخل قطبزار من الشمال بملابس فاخرة.)
قطبزار :
انظر الآن يا بهروز، كأن هذا الخز والديباج وهذا الذهب الوهاج قد خلقت لي أنا، ألا ترى ذلك؟ (أثناء ذلك يدخل الخدم يحملون مائدة نفيسة، تحوي زجاجات الخمر والأقداح والورود ... إلخ، ويخرجون من اليمين كما دخلوا.)
بهروز :
بلا ريب! وها هي مأدبتك الفاخرة!
قطبزار :
آه! خمر وذهب! كأني أرى صحيفة من حياتي الماضية! كل شيء هنا، ولا ينقصني إلا الجواري الحسان . الجواري الحسان! هذه الكلمة تذكرني بزوجتي التي حدثتني عنها.
بهروز :
حقا. ولكن الوقت قصير، وبعد قليل سأحظى بتقديمك لزوجتك.
قطبزار :
شكرا لك (يخرج بهروز يمينا)، (إلى بهادر)
ادع ضيوفي الأعزاء! (بهادر ينحني ويقف لدى الباب اليمين ويشير إلى الجنود أن يدخلوا. يدخل ستة من الجنود ببنادقهم ويحيون بها قطبزار تحية عسكرية ويسندونها إلى الحائط في الخلف.)
الجنود (ينشدون) :
عم مساء قطبزاريا
ابن أشراف كبار
أنت صنو للمعالي
أنت خدن للفخار
قطبزار :
شكرا لكم أيها الرفاق. اجلسوا اجلسوا (يجلسون حول المائدة وقطبزار في الصدر)
واملئوا كئوسكم؛ لأني بعد أقل من ساعة سأضطر إلى مفارقتكم؛ لأني على موعد هام كما تعلمون، هاها (يرفع كأسه في يده)
آه، أيها الكأس! يا صديقي منذ صباي، لئن كنا قد افترقنا منذ عهد بعيد، إلا أننا نلتقي الآن، فما أعرق أصلك يا ابن الكروم! تالله إن رائحتك الذكية لتبعث الحياة إلى أنفي، وتغريني أن آخذك بين ذراعي! املئوا كئوسكم أيها الرفاق إلى حافتها، واشربوا ابتهاجا بزواجي.
الجميع (يقفون) :
ابتهاجا بزواج الفارس قطبزار.
قطبزار :
ابتهاجا بزواج الأرملة السعيدة (ينشد) :
سر يا نسيم إلى التي
بالصد أضنت مهجتي
لم يكفها من لوعتي
أني رضيت بمحنتي
حتى تمادت في الملام
الجميع (ينشدون) :
رحماك يا ذات السنا
ماذا محبك قد جنى؟!
حتى تذيقيه العنا
في حين يأمل في المنى
رحماك فالبحر جرام
قطبزار :
فتدللت وتبسمت
وبلحظها نحوي رنت
قلت: ارحمي! قالت: رحمت
وما جنيت قد غفرت
وانتهى عهد الخصام (الساعة تدق النصف بعد السادسة، ينظر خلفه إلى الساعة)
إن هذه الساعة الملعونة تؤدي واجبها بمنتهى الدقة. (يدخل شابور من اليمين.)
شابور (بأدب واحترام) :
مولاي، لقد حضر رسول القاضي.
قطبزار :
دعه يتفضل؛ لأنه سيتفضل على أي حال. (يدخل رسول القاضي من اليمين، ومعه ضابط وثلاثة جنود، فيقف قطبزار، وينحني لهم بمنتهى الاحترام، ويقف معه ضيوفه.)
رسول القاضي (يقرأ) :
لقد تفضل مولانا الأمير شهرمان، أمير داهشتان، وتعطف عليك يا أيها الفارس قطبزار، فارس سمرقند المغوار، فأصدر أمره الكريم بألا يكون إعدامك بحبل المشنقة، بل يسر سموه جدا أن يكون إعدامك في رحبة الثكنة رميا برصاص ستة من أبطال حرس سموه؛ وذلك تنفيذا لرغبتك. (رسول القاضي يناول الضابط هذا الأمر وينحني لقطبزار، ويخرج صامتا مع الضابط وجنده بعد أن يحييه قطبزار بانحناء، ورفع اليد. الجنود تلوح عليهم الدهشة. الساعة الآن سبعة إلا ربعا.)
قطبزار (يجلس كأن لم يحدث شيء) :
هلموا الآن أيها الرفاق؛ إذ لا يزال في الوقت متسع، وربع ساعة يكفي جدا، املئوا الكئوس.
الجميع (يملئون الكئوس وينشدون) :
يا أيها الساقي الجميل
هات ما يروي الغليل
هات ما يشفي العليل
هات أشهى ما اختمر •••
الخمر روح للنفوس
فارفعوا هذي الكئوس
تزدهي مثل العروس
زانها حسن الحور (خلال النشيد يدخل بهادر بخفة ويأخذ البنادق ويخرج بها ثم يعود بها.)
فاشربوا واطربوا
فالحياة متاعب
اللهو فيها ينهب
والحظ رهن للقدر (الجميع يقهقهون ويضحكون، ثم يقفون والكئوس في أيديهم وينشدون):
يا بنت أكرم كرمة
جودي علي بقبلة
من ثغر كأسك حلوة
إن لام شرع أو عذر •••
هات يا ساقي الشراب
هات ما لذ وطاب
فاشربوها يا صحاب
متعوا منها النظر •••
املئوا كأس الصفا
واشربوا نخب الوفا
واعذروا صبا هفا
كل ذنب يغتفر!
الجميع (يصيحون هاتفين) :
قطبزار!
قطبزار :
لقد حضرت زوجتي (الساعة الآن السابعة إلا عشرة دقائق)
شكرا لكم أيها الرفاق، ولو كان في العمر بقية لاستبقيتكم في ضيافتي إلى الفجر. (يصافحهم بسرور ويصافحونه ويتناولون بنادقهم ويخرجون من اليمين. في نفس الوقت يدخل بهروز من اليمين ومعه جلنار وهي مقنعة بنقاب كثيف، وخلفهما شابور ثم بهادر.)
بهروز (إلى قطبزار على حدة) :
لا كلمة ولا نظرة.
قطبزار :
لا فائدة من ذلك، لا سيما وأنه يستحيل أن تخترق النظرات هذا النقاب الكثيف!
بهروز (بصوت عال) :
قطبزار، زوجتك تطلب يدك.
قطبزار (يضع يده في يدها)، (على حدة) :
إنها ليد بضة، فهل تكون من لها هذه اليد الجميلة عجوزا شمطاء (يحاول أن يرى وجهها)
لم أر من قبل في حياتي امرأة أخفت وجهها بمثل هذه الكيفية (بهروز يشير إلى الساعة ، وهي الآن سبعة إلا خمس دقائق)
ما زال في الوقت خمس دقائق. (بصوت عال)
سيدتي، إني أهبك ما بقي من حياتي (يتناول يدها ويخرج بها من اليمين يتبعهما بهادر) .
بهروز (إلى شابور) :
أدخل الشريف ميزار وزوجته (يخرج بهروز من اليمين) . (شابور يشير إلى ميزار في الشمال الأول، وإلى زوجته في الشمال الثاني، فيدخلان، وعندما يلتقيان ينظر كل منهما إلى الآخر بدهشة.)
ميزار :
لست أدري أين نحن الآن؟!
زوجة ميزار :
أنحن في السجن؟
ميزار :
في السجن؟ (يتلفت حوله)
لا أظن أننا في السجن؛ لأن هنا مائدة وبقايا وليمة، ورائحة الخمر منتشرة.
فيروزة :
لعلنا إذن في دير من أديرة الرهبان!
ميزار :
يظهر ذلك (يتناول زجاجة خمر وينظر فيها)
لا يزال فيها بقية من الخمر، والرهبان أبخل من ذلك بكثير.
فيروزة :
إذن فأين نحن يا ترى؟
ميزار :
هذا لا يهم يا عزيزتي، ما دمنا قد أطعنا بهروز فيما أراده منا، وحسبنا ذلك، فقد أركبنا عربته المقفلة، وأتى بنا إلى حيث شاء.
فيروزة :
كل هذا لا بأس به، ولكن لماذا أراك تطيع بهروز هذه الطاعة العمياء، وكأن شخصك وكل ما تملكه ملك لهذا الرجل؟
ميزار :
أرجو أن تفهمي يا زوجتي العزيزة، أنه يوجد شيء مقدس اسمه «عرفان الجميل»
ومن كنا نحن قبل أن نعرف بهروز؟! حقا لقد كنت غنيا، ولكن لا يعرفني أحد قط، وأنت جميلة فاتنة، ولكنك مجهولة من الناس. والخلاصة أن مواهبي كانت مقبورة وجمالك مجهولا حتى توسط لي بهروز لدى الأمير، فعينني أمينا لسر الإمارة.
فيروزة :
ولكني لا أراك تعمل شيئا.
ميزار :
يا عزيزتي، أرجو أن تحترمي منصبي الرفيع أكثر من ذلك؛ لأني عاهدت بهروز أن أطيعه وأخلص له في كل ما يريد، حتى فيما لا أفهم له معنى؛ لأنه يعرف أكثر مني، وذلك كله مقابل ما أولانيه من الشرف ورفعة القدر.
فيروزة :
ولكن هذه الطاعة وهذا الإخلاص قد يؤثران على شرفك، كما قد يؤثران على شرفي.
ميزار :
شرفك! فليجرؤ من أراد ويخدش شرفك! فتالله ليخرجن هذا السيف من غمده، وليفارقن سباته العميق! من ذا الذي يجرؤ على أن يمس هذا الجمال بكلمة؟!
فيروزة :
بالطبع لا يجرؤ أحد.
ميزار :
إني لواثق من أنك تحمين جمالك بسيف عفافك؛ وتالله إن الدهر ليمر عليك دون أن يترك على وجنتيك أثرا. وكذلك سيبقى هذا الوجه منبعا للسحر والامتنان. وها قد مضى علي ثلاثون سنة، وأنا أسمع كل يوم من أفواه الناس إطراء جمالك الفتان.
فيروزة :
انظر من هذا القادم (تنظر يمينا) . (يدخل بهروز يقود جلنار.)
بهروز :
أرجو أن تكون بخير يا ميزار (ميزار ينحني باحترام. بهروز ينحني لفيروزة)
وأظن أنه خير لك الآن أن تعود إلى قصرك (بوضوح ذي معنى)
مع ابنة عمك زوجة الفارس قطبزار (يقدمها إليه في الوسط اليمين) .
ميزار (لنفسه) :
ابنة عمي؟!
فيروزة (لنفسها) :
ما معنى كل ذلك؟ (الساعة تدق السابعة.)
بهروز :
ثم إني أحب أن أراك بعد قليل مع ابنة عمك، التي لم ترها منذ خمس سنين.
ميزار :
خمس سنين! نعم، بل أكثر من هذا بكثير، وهل سأتشرف باستقبال الفارس قطبزار، زوج ابنة عمي؟
بهروز :
إن الفارس زوجها ... (يتوقف عند سماع الطلقات. صوت طلقات نارية.)
جلنار (مضطربة) :
ما هذا؟
بهروز :
لا شيء (يدخل شابور) .
شابور :
مولاي! لقد نفذ الأمر.
بهروز :
سلام عليك يا قطبزار! (ستار)
الفصل الثالث
(المنظر: صالة فاخرة في قصر الشريف ميزار أمين سر الإمارة، حديقة في الخلف تؤدي إلى باب كبير، شعاع القمر، شموع موقدة، كرسي ومقاعد وثيرة، باب ونافذة في اليمين، ومثلهما في الشمال.) (ترفع الستار عن جمع من الأشراف، ضيوف ميزار وهم يمرحون، جمع من الجواري يرقصن وينشدن، جلنار جالسة في الوسط وحولها بضعة من الأشراف، وإلى يسارها بهروز ينظر إليها. ميزار وزوجته فيروزة يحييان الضيوف.)
جلنار (تغني) :
يا ليالي الهنا يا نفحة القدر
أنت أحلامه أم أنت من عمري؟
في غرامي قضيت الدهر أنشدها
فتشوا في كتاب الحب عن خبري
ها هنا السحر والأقمار قد طلعت
حاذروا من نبال العين والحور
يا حسانا من الجنات قد خرجت
هل خرجتن في جنح من السحر؟
هل على شدو أطيار حضرت لنا
أم ركبت الشذى العطري من زهر؟
أم على خيط نور جئت ساحتنا
كي تجودي بوصل غير منتظر؟
الجميع (يهللون ويصفقون) :
مرحى! مرحى!
فارس (إلى ميزار) :
أقسم لك بشرفي يا ميزار، أني لم أر زوجتك في ليلة ما أجمل منها في هذه الليلة!
فارس آخر :
وفي مثل هذا الشباب والصبا.
فيروزة :
إن ثناءكما أيها الشريفان ليعقد لساني عن شكركما.
ميزار (لنفسه) :
يا لله! كلهم مجمعون على هذا الرأي (بصوت عال)
إني أدعوكم يا سادتي لتشرفوني غدا؛ لأستطلع رأيكم في نوع من الخمر نادر الوجود، ومن يستطيع أن يقدر جمال النساء، فهو خير من يقدر جودة الخمور.
بهروز (وهو لا يزال ينظر إلى جلنار) :
مفكرة تتأملين! لا بأس.
ميزار (يطلع إلى بهروز) :
لعلك مسرور من هذه الحفلة يا مولاي، جمال يسحر الألباب! وعلى ذكر الجمال، هل رأيت جمال فيروزة الليلة؟ أرى عينيك لم تتحولا عن ... ابنة عمي.
بهروز :
نعم، وإنها لخليقة بمركزها الجديد، وكأنها قد خلقت له، ولست أظن إلا أننا قد أصلحنا إحدى غلطات القدر بوضعها في هذا المركز الذي خلقت له. فماذا ترى؟
ميزار :
رأي هو ما تراه، وقد قلت حقا.
بهروز :
إن دماثة خلقك، لمما لا يوجد له نظير.
ميزار :
مما يوليني الفخر، أني مذ وليت منصبي ومولاي الأمير يعطف علي.
بهروز :
بهذه المناسبة أخبرك أن رئيس بلاط الأمير مريض جدا، وإذا خلا منصبه فأحب أن تذكرني بذلك.
ميزار :
هذا شرف عظيم، ومنصب خطير، فهل يصح لي أن أتطلع لمثل هذا المنصب الرفيع؟ وهل أنا كفء له؟
بهروز :
مواهبك كفيلة بأن تجعلك كفئا (يشير إلى فيروزة)
أما زوجتك الشريفة فإنها تزداد جمالا كل يوم (يقترب من جلنار) .
ميزار (لنفسه) :
حتى بهروز قد سحر بجمال امرأتي، والمسكينة لا تدري أنها ترشق القلوب بسهام لحظها.
بهروز (إلى جلنار) :
ما لي أراك تفكرين؟ ألست مسرورة بهذه الحفلة؟ جلال وجمال وترف، فماذا ينقصك من أسباب السعادة؟
جلنار (كأنها تحدث نفسها) :
لا ينقصني إلا شخص واحد، فإذا حضر امتلأ الفراغ الذي أشعر به في قلبي؛ ولذلك تراني غير مرتاحة لما أراه حولي من اللهو والسرور. (يدخل خادم ويهمس في أذن بهروز.)
الخادم :
لقد حضر الشخص الذي ينتظره مولاي (يخرج) .
بهروز (إلى ميزار على حدة) :
يجب أن تتخلص من هؤلاء الضيوف في الحال.
ميزار (لنفسه) :
في الحال! هذا غير مناسب، ولكن واجب. (بصوت عال)
هيا بنا أيها السادة إلى الغرفة المجاورة حيث قد أعددت لكم فيها ما يدهشكم. (على حدة)
تالله ليس هناك إلا شيء من النبيذ والفطير. (يخرجون جميعا من الشمال)
ما دام بهروز يريد ذلك فلا مفر من قضائه (يهم ميزار وزوجته فيروزة باللحاق بالضيوف فيستوقفهما بهروز) .
بهروز :
يحسن بالسيدة فيروزة الجميلة أن تبقى معنا، فهل تسمح ببقائك أيضا يا ميزار؟
ميزار :
إني طوع أمرك يا مولاي، ويسرني جدا ما يسرك.
بهروز (إلى جلنار على حدة) :
سأملأ الفراغ الذي تشعرين به في قلبك، فيتم سرورك وينشرح صدرك (يخرج مع فيروزة من الشمال) .
جلنار (إلى ميزار) :
أسمعت ما قاله الآن؟ أنت صاحب القصر وتعرف أكثر مني، فهل يصدق بهروز فيما يقول؟
ميزار :
وهل ترتابين في ذلك (لنفسه)
تالله لم أسمع ما قاله بهروز!
جلنار :
وما معنى كل ذلك؟ وما هذه الأحاجي والألغاز؟ وما ذلك الزواج الغريب الذي قيل لي إنه بناء على رغبة مولاتي الأميرة؟ وكيف كلما أطلب مقابلتها، يقولون لي: انتظري، انتظري؟! وكلما سألت عن زوجي الذي ارتبطت به على تلك الصورة الغريبة، أهو حي، أو منفي أو لن يعود، يقولون لي: انتظري، انتظري؟! فقل لي يا ميزار: هل أنا مخدوعة؟ وهل خدعني بهروز؟
ميزار :
لا أظن ذلك؛ لأنه إذا كان قد خدعك فيكون قد خدعني أنا أيضا، وتكون مسألة تعييني رئيسا لبلاط الأمير حديث خرافة، ولكن ألم تري زوجك مذ تزوجت به؟
جلنار :
لم أره بعد الزواج قط. وأثناء العقد كنت مقنعة بقناع كثيف.
ميزار :
إذن فحبك له «حب غيابي»!
جلنار :
ما دمت قد تزوجته، فقد وجب علي حبه، وقد قيل لي إنه تعذب في سبيلي، ولعله يعذب الآن؛ ولذلك سأطلب إلى بهروز أن يخبرني متى أقابل الأميرة، ومتى أرى زوجي (بهروز في الوسط وقد دخل أثناء الحديث الأخير) .
بهروز (ينزل إليها في الوسط) :
يسرني يا سيدتي أني حضرت في الوقت المناسب لأجيب على ما تسألين، وسترين زوجك اليوم.
جلنار :
اليوم؟
ميزار (إلى بهروز على حدة) :
ألم يمت إذن؟
بهروز :
اسكت!
جلنار :
لقد كنت أسأت فيك الظن يا سيدي.
بهروز :
انتظري علي، واستمعي لما سأقول.
ميزار (لنفسه) :
سأسمع الآن شيئا (يتقدم ليسمع فيشير له بهروز بالخروج، فيتكدر وينحني، ويخرج من الباب الوسط) .
جلنار :
ها نحن الآن وحدنا، فحدثني عن زوجي!
بهروز (في اليمين) :
إن زوجك هنا (يدخل الأمير من اليمين إلى الوسط)
لقد ظل مختبئا خشية القانون فلم يجرؤ على الظهور، ولولا حبه لك لما خاطر بحياته، وحضر هنا الآن (يذهب شمالا) .
جلنار :
ولكن يمكن أن نجد له مخبأ. أين هو؟
بهروز :
هنا! (يتقدم الأمير ويضع عباءته على كرسي، وعندما تراه جلنار تتراجع إلى الوراء منزعجة.)
الأمير (في اليمين) :
أيتها السيدة جلنار! ألا تذكرينني؟
جلنار (لنفسها) :
إنه هو (إلى بهروز)
ليس هذا زوجي؛ لأن الرجل الذي وضعت يدي في يده هو ...
بهروز (بسرعة في الشمال) :
قطبزار فارس سمرقند، وهو الذي ترينه أمامك.
جلنار :
لا لا! إني لم أشعر أن قلبي قد انعطف إلا لشخص واحد، وهو قطبزار.
بهروز :
لقد عملت كل ما فيه خيرك وصالحك (يطلع شمالا) .
جلنار :
يا لضياعك يا جلنار!
الأمير :
ألا تذكرين أنك كنت ترين في الساحة العامة شخصا كان يلازمك كظلك؟ وكان من بين كل الملتفين حولك، تشجيه أغانيك وأناشيدك؟
جلنار :
إني لأذكرك يا سيدي، وكثيرا ما دهشت لكرم هباتك.
الأمير :
إني أحبك، وكل آمالي في السعادة منحصرة فيك وحدك؛ ولذلك رفعت من قدرك، وأعليت من شأنك، وصممت على أن تشاطريني الحب و...
بهروز (في الوسط مقاطعا) :
ولكن لا تنسي أن قطبزار لا يملك شيئا يهبك إياه، غير اسمه الشريف!
الأمير :
نعم. والآن لا أطلب إليك إلا أن تشمليني بنظرة منك أو كلمة ، فينبعث في الأمل بأنك ستجيبنني، وتكون حياتي وقفا عليك أنت.
بهروز (إلى الأمير) :
لا تنس يا قطبزار أنه ربما يسمعك أحد.
الأمير (لها) :
حبيبتي جلنار الجميلة! سأعود بدون أن يراني أحد، ولن يفرق بيننا ما يتهددني من الخطر، وسنسعد في ابتعادنا عن الناس، فهلمي بنا!
جلنار (حائرة) :
معا؟
الأمير :
على بعد بضعة فراسخ من داهشتان، يوجد منزل صغير، فهلمي بنا نطير إليه، حيث نستمتع بالحب والسرور واللهو.
بهروز (ينظر إلى اليمين) :
أسرع أسرع، فقد أوشك المدعوون أن يسأموا الرقص والغناء.
الأمير :
حبيبتي جلنار! لماذا تترددين؟ هلمي معي!
جلنار (لنفسها) :
رباه! (بصوت عال)
وكيف نخرج على هذه الصورة بدون أن نحيي ميزار على الأقل؟
بهروز :
كفى كفى يا قطبزار، وقد أصابت السيدة في رأيها، فإن خروجها من الحفلة فجأة مما يوقظ الريب والظنون، ويحسن أنها تتبعك إلى هناك.
الأمير :
ستجدين عربتك عند باب الحديقة، فلا تطيلي الغياب على حبيبك (بهروز ينظر إليه)
زوجك في انتظارك.
بهروز :
أسرع بالخروج، أسرع (الأمير يتناول عباءته بسرعة ويخرج من الوسط) .
جلنار :
يا لسوء حظي (تبكي) .
بهروز :
أتبكين ولا تشكرين؟ لقد بررت بكل شيء.
جلنار :
إني لشاكرة ول
كن الفؤاد به الوجل
حقا بررت وإنما
يا ليت ذا المسعى فشل (تبكي)
بهروز :
كل المطامع نلتها
فعلام ذا الدمع هطل؟
جلنار :
حريتي استبدلتها
باسم فيا بئس البدل!
قد كنت قبلا حرة
والآن ضيعني الأمل
بهروز :
ابسمي للمستقبل، وثقي بي. (يدخل الضيوف سيدات ورجالا من الشمال إلى اليمين ومعهم ميزار وزوجته.)
بهروز (إلى فيروزة) :
خذي زوجة قطبزار معك يا فيروزة (السيدة فيروزة تنحني وتأخذ بذراع جلنار وتخرجان شمالا) .
ميزار :
هذه ليلة من أسعد الليالي، هلموا يا سادتي مع زوجتي المصونة (يخرجون جميعا) .
بهروز (لنفسه) :
كل عقبة تعترضني، أحطمها بعزيمتي وحسن تدبيري. (يدخل قطبزار من الوسط ملثما.)
قطبزار (يقترب من بهروز) :
شيئا لله يا ولدي! (بهروز يذهب شمالا. قطبزار يرفع اللثام)
ها أنا ذا مرة أخرى يا بهروز!
بهروز (مندهشا) :
من! قطبزار؟ ألم تمت!
قطبزار :
لم أمت بعد!
بهروز :
ومن ذا الذي أنقذك؟
قطبزار :
أنت! فقد أنقذتني من حبل المشنقة.
بهروز :
ولكن وكيلي رآك بنفسه ساعة الإعدام، وسمعت أنا صوت إطلاق النار عليك.
قطبزار :
كذلك أنا، وها هو الرصاص (يريه الرصاص)
وتالله إنه لخير لي أن يسكن جيبي، عن أن يسكن جسمي (لنفسه)
لقد سرقه بهادر من البنادق في الوقت المناسب.
بهروز :
ولكنك سقطت على الأرض!
قطبزار :
بالطبع، حتى لا أخجل ستة من رجال الحرس الأشداء، وقد جعلوني هدفهم، ولو علموا أنهم أخطئوا مرماهم، لشق ذلك جدا على نفوسهم.
بهروز :
إذن فقد خدعت!
قطبزار :
كذلك أنا؛ إذ اعتقدت أني مت حقيقة، وأني قد خلصت من الدائنين، حتى وجدت نفسي جالسا إلى منضدة، وأمامي زجاجة من الخمر، وفي يدي نرد ألعب به.
بهروز :
من تراه يكون ذلك الذي خانني!
قطبزار (على حدة) :
أحمد الله إذ لم يتسرب إليه سوء الظن بالفتى المسكين (يجلس بلا تكليف. بصوت عال)
أرى آثار وليمة هنا!
بهروز :
نعم. إنما لاحظ أنك في خطر! فلماذا أتيت؟
قطبزار :
تمهل علي قليلا وأنا أخبرك، فقد رأيت عربة فاخرة، فسألت لمن هذه العربة؟ فقيل لي إنها عربة حرم الفارس قطبزار؛ ولذلك تراني هنا. فأين زوجتي؟ ولا يخفى عليك أن وقتي ثمين، خصوصا إذا كان لا بد من احترام الحكم الصادر بناء على ذلك القانون الملعون.
بهروز (على حدة) :
إنه يجهل أمر العفو عنه (بحدة)
قطبزار! ما الذي تريده الآن؟
قطبزار :
أن أرى زوجتي، وهي لي أنا، لقد تكرمت بها علي، وها أنا الآن أريد أن أرى أثر هذا التكرم والفضل!
بهروز (على حدة) :
أكذلك يفشل مشروعي! هذا لن يكون! (يدخل ميزار من الشمال إلى الوسط.)
ميزار :
إن ضيوفي لفي غاية الظرف؛ فإنهم لا يشربون إلا على سر زوجة الفارس قطبزار.
قطبزار (في اليمين) :
لعنة الله عليهم، زوجة الفارس قطبزار! زوجتي! أين هي؟
ميزار :
عفوا. هل أنت قطبزار الذي ... لم يمت؟
بهروز (على حدة إلى ميزار، في الشمال) :
لا تنبس بكلمة، ولا تدهش لشيء تراه أو تسمعه، واعمل كما أشاء (يذهب شمالا) .
ميزار :
ومنصب رئيس بلاط سمو الأمير؟
بهروز :
سيكون لك (إلى قطبزار)
قطبزار، إن حقوقك مقدسة وواجبة الاحترام، وزوجتك هنا وستراها حالا (يخرج شمالا) .
قطبزار :
ستأتي زوجتي، وسأراها كما يصورها لي خيالي، فتاة جميلة (ميزار يهم بالخروج فيمسكه قطبزار)
أرجو ألا تتركني وحدي يا سيدي؛ لأني سأحتاج إلى من يأخذ بيدي؛ إذ أخشى أن يتغلب السرور على قواي (يدخل بهروز من الشمال ومعه فيروزة) .
ميزار (إلى قطبزار) :
هدئ روعك ولا تضطرب فإني لا أجهل حال من ينتظر امرأة جميلة.
بهروز (ينظر إلى ميزار نظرة ذات معنى) :
قطبزار! ها هي زوجتك (يقدم له فيروزة) .
قطبزار :
زوجتي! ما أقبحها!
ميزار (على حدة) :
يقدم له زوجتي (فيروزة تبتسم)
ويظهر أنها مرتاحة لذلك!
قطبزار (ينحني ببرود) :
إذن فليس غريبا أنها كانت مقنعة بقناع كثيف. إنها فوق الستين على الأقل!
ميزار :
يظهر أنها قد فتنته!
قطبزار (إلى ميزار) :
هل تتفضل بإرشادي إلى أقرب باب للخروج؟
بهروز :
قطبزار، زوجتك مستعدة للذهاب معك.
قطبزار :
أحب أنها لا تكلف نفسها شيئا من المشقة في سبيلي (فيروزة تبتعد)، (إلى بهروز)
وأحب أن تستصدر أمرا آخر بشنقي؛ فإنه خير لي من هذا (إلى ميزار)
يا صديقي العزيز، هل رأيت في حياتك أقبح من هذا الوجه! أليس وجهها مخيفا بربك؟
ميزار :
مخيف يا قطبزار؟ (لنفسه)
يظهر أن مصائب الرجل قد أعمت بصيرته!
بهروز (إلى قطبزار) :
زوجتك تنتظر أوامرك، وهي مستعدة لمشاركتك في حياتك.
قطبزار (إلى فيروزة) :
يا سيدتي، إني لا أحب أن أنتهز فرصة خطأ القدر، ولو أني شاكر لك قبولك مشاركتي في حياتي، مع ما أنا عليه من الفقر والتشريد.
بهروز :
إنها قبلت الارتباط بك، وهي على علم بحقيقة حالك.
قطبزار :
إذن فقد كانت تعلم حقيقة حالي؟ وما دام الأمر كذلك، فلا يصح أن أكون أقل منها كرما (يخطو إلى الوسط)
سيدتي، إني لا أحب أن أحرم منك قوما عاشروك هذه السنين الطويلة (ينظر إليها)
وعشت بينهم هذه الدهور؛ لأن سنك ... أريد أن أقول ... في الحقيقة يا سيدتي، لأني قد أطلقتك من كل قيد يربطك بي، وقد استقلت من منصب زوج لك (يذهب إلى ميزار في اليمين)
أرأيت في حياتك يا سيدي تجعدات في الوجه أوضح أو أقبح من هذه التجعيدات؟
ميزار (غاضبا) :
غمازات يا سيدي غمازات! لقد كاد ينفد صبري.
قطبزار :
ربما يا سيدتي منذ عهد بعيد، أعني منذ دهر طويل (تلتفت إليه)
لا لا، لا أجسر على أن أقول ما أريد (إلى ميزار)
أسألك يا أمين سر الإمارة، بصفتك رجلا عاقلا، أن تخبرني، هل ترى أنه يمكن اعتبار مثل هذه السيدة المكرمة ... زوجة لرجل؟
ميزار (لنفسه) :
هذا مؤلم جدا! (له)
إذا كنت يا سيدي لا تحبها أنت، فلا تجعل غيرك يكرهها.
قطبزار :
غيري! وهل في الدنيا مجنون ... ولكن لا لزام لذلك، وخير لي ألا أكون عقبة في سبيل من يحبها.
بهروز (وقد كان يتحدث مع فيروزة على حدة) :
إذن فقد انتهينا. وإنك لتعلم يا قطبزار أن الغرض من الزواج منك كان الحاجة إلى اسمك لا إلى شخصك.
قطبزار :
إني راض بخروجي من هذه الصفقة.
بهروز :
ولا تنس أنه لم يبق من حياتك أكثر من عشرة دقائق.
قطبزار :
آه! إذن فقد كنت منذ قليل أسعد حالا مني الآن.
بهروز :
ثم إن زوجتك لا تحبك.
قطبزار :
أغرب ما رأيت من اتفاق الرأي بين الزوجين!
بهروز :
ومع ذلك فاعلم أن زوجتك غنية، وذات ثروة، وأنت معدم لا تملك شيئا.
قطبزار :
يدهشني أنك قدرت ثروتي بالدقة!
بهروز :
وسيعطى لك معاش سنوي، قدره ستمائة دينار، على شرط أن تهجر إمارة داهشتان نهائيا.
قطبزار :
أهجر داهشتان؟! ولكن ... مسألة المعاش السنوي تجعلني أقبل هذا الهجر.
بهروز :
ويجب أيضا أن تتنازل عن كل حق تخوله لك الزوجية.
قطبزار (ينظر إلى فيروزة) :
تنازلت عن كل شيء.
بهروز :
وهل توقع بإمضائك على ورقة تتضمن كل ذلك؟
قطبزار (يسرع إلى منضدة في اليمين) :
بكل سرور، وكيف لا! أمل علي شروطك، وكلما كانت دقيقة مفيدة، كلما كان ذلك في صالحي أكثر (يتناول ورقة وقلما) .
بهروز (يملي) :
أنا الموقع على هذا، قطبزار فارس سمرقند، أتعهد بصفتي رجلا شريفا أن أهجر إمارة داهشتان إلى الأبد.
قطبزار (يتوقف قليلا) :
إلى الأبد! يا للدائنين المساكين!
بهروز (يملي) :
وأعترف بأني قد تخليت عن زوجتي.
قطبزار :
ستمائة دينار في السنة! ثمن معتدل جدا (يكتب)
زوجتي ...
بهروز :
وألا أدعي مطلقا بأني زوجها.
قطبزار :
أبدا! أبدا!
بهروز :
وقع بإمضائك إذن.
قطبزار :
قطب ... (صوت خادم في الخارج) .
الخادم (في الخارج) :
عربة حرم الفارس قطبزار!
قطبزار :
آه؟!
بهروز (يذهب إليه) :
وقع وقع يا قطبزار.
الخادم (في الخارج) :
أفسحوا الطريق لحرم الفارس قطبزار (تمر جلنار في الخارج من الشمال إلى اليمين وحولها الأشراف. قطبزار يحاول اللحاق بها فيعترضه بهروز) .
قطبزار :
ما الذي أرى! إذن فقد خدعت!
بهروز :
وقع أولا، لقد تعهدت بشرفك.
قطبزار (يمزق الورقة) :
أدركت الحيلة!
بهروز :
اذكر أنك مجرم، ومحكوم عليك بالإعدام، وكلمة واحدة مني تكفي لموتك!
قطبزار :
آه! لقد نزعت اللثام عن وجهك أخيرا، والآن قد تفاهمنا.
بهروز :
ما زال الهرب في إمكانك، وما زلت مستعدا لمساعدتك تحت شرط واحد.
قطبزار :
لا لا، حسبي مساومات مزرية مخجلة!
بهروز :
احذر! ولو تبعت زوجتك خطوة واحدة، فإنك مقتول لا محالة!
قطبزار :
إذن فتلك زوجتي؟! أفسح لي الطريق، وإلا جعلتني مدينا للقانون بجريمة أخرى! ابتعد (يدفعه جانبا ويخرج مسرعا من الوسط ثم إلى اليمين) .
بهروز :
يا رجال الحرس (يدخل الجنود من الشمال)
هلموا خلف ذلك الرجل واقبضوا عليه، وإذا قاوم، أطلقوا عليه الرصاص في الحال! (تنزل الستار عندما يخرج الجنود مسرعين خلف قطبزار، ويظل بهروز واقفا مشيرا بيده.) (ستار)
الفصل الرابع
(المنظر: قصر خلوي في ضواحي داهشتان، صالون فاخر، شرفة في الخلف، في الوسط وعلى كل من جانبيها نافذة ووراء ذلك حديقة. الوقت ليل، ونور القمر ساطع. بابان في الشمال، وباب في اليمين، كراسي ومناضد.) (ترفع الستار عن بهادر ينظم المناضد في اليمين.)
بهادر :
كل شيء معد لقدوم بهروز. ولكن ما معنى كل هذه الألغاز؟ ومن تكون هذه السيدة التي يوليها هذا الاحترام الكثير؟ تالله لو سمعت الأميرة بذلك لنبذته بلا تردد. آه! ها هو قد أقبل (يدخل بهروز من الباب الثاني الشمال) .
بهروز :
ألم يحضر أحد بعد؟
بهادر :
بل حضرت السيدة، وها هي في الغرفة المجاورة.
بهروز :
والخدم والخيول؟
بهادر :
عادت إلى داهشتان. هل أخبر السيدة بتشريف مولاي؟
بهروز :
كلا؛ أتعرف الفارس الذي كان يكلمني بالأمس، عند باب القصر؟
بهادر :
نعم يا مولاي. أوليس هو سمو الأمير؟
بهروز :
صه! إنه سيحضر الليلة، ولا يدخل إلى هذا الجناح أحد غيره.
بهادر :
وإذا حضر أحد يا مولاي؟
بهروز :
لا تسمح بالدخول لأحد قط، وإذا عارضك أحد، فأطلق عليه الرصاص.
بهادر :
أمرك يا مولاي.
بهروز :
اخرج الآن (يخرج بهادر من الباب الثاني الشمال)
لست أدري كيف نجا قطبزار من الموت. وتالله لو حضر هنا الآن لأفسد علي كل شيء. إذن فلأسرعن ولا أتباطأ، فهذه الليلة ليلة انتصاري، وعما قليل يحضر الأمير. كما أن رسولي إلى الأميرة لا بد أن يكون قد وصل إليها وأخبرها بخيانة الأمير لها، فأقابلها الليلة في القصر الأبيض، وأحدثها بسلوك زوجها الأمير، وأثير فيها نار الغيرة وحب الانتقام، ولعلها ترضى بي (صوت بوق بعيد)
لقد حضر الأمير! (تدخل جلنار من الباب الثاني الشمال.)
جلنار :
ما معنى ذلك! آه! مولاي الوزير!
بهروز (بحفاوة) :
أرجو أن تكون أوامري كلها قد نفذت، وألا تكوني في حاجة إلى شيء ما يا سيدتي!
جلنار :
لا شيء، لا شيء. أشكرك.
بهروز :
أرأيت يا سيدتي، كيف تحققت أحلامك الذهبية! فأنت الآن تحملين اسما شريفا، ولك عظمة وجلال، وتنحني لك هامات الأشراف؛ أفلا ترين إذن أن نبوءتي قد تحققت يا سيدتي؟ لقد بررت بكل ما وعدت.
جلنار :
حقا لقد بررت يا بهروز، ولو أن زوجة الفارس قطبزار، تأسف لما كان من مطامع جلنار (تبكي) .
بهروز :
وعلام الأسف؟ وما هذه الدموع؟
جلنار :
أرجو ألا تظن أني جاحدة فضلك أو فضل مولاتي الأميرة، ولكن مع ما يحوطني من الجلال والأبهة آسفة جد؛ لأن تلك الراقصة كانت حرة الإرادة، طليقة الفكر. والحرية هي نعيم الحياة.
بهروز :
اسكتي! (يدخل بهادر من الباب الثاني الشمال.)
بهادر :
لقد حضر يا مولاي.
جلنار :
من؟
بهروز :
زوجك يا سيدتي.
جلنار :
زوجي (تبكي. يدخل الأمير من الباب الثاني الشمال، فيحييه بهروز باحترام، ويشير إلى بهادر، ويخرجان من اليمين) .
الأمير (على حدة) :
ها نحن وحدنا أخيرا (بصوت عال)
جلنار!
جلنار (على حدة) :
إني أرتعد حتى من صوته (تبتعد) .
الأمير :
لماذا لا تجيبين، وأراك تبتعدين عني؟
جلنار :
عفوا سيدي، ولكني ...
الأمير :
لقد اصفر لونك (يتناول يدها)
ويدك باردة كالثلج.
جلنار (تسحب يدها) :
إني ... إني ... (على حدة)
لا أستطيع الكلام.
الأمير :
لماذا لا تجيبين؟ وما بالك قلقة؟
جلنار :
كيف أجيبك يا مولاي؟ وكيف تعجب لقلقي، وأنت ترى زواجنا الغريب، والتفاوت الهائل الذي بيننا، فأنت رجل شريف، وأنا ... متسولة! إني ما زلت أشعر بما بيننا من البون الشاسع، حتى لا أجسر على أن أرفع عيني إلى عينيك، بل إني ... أخافك وأخشاك.
الأمير :
تخافينني وتخشينني (بعظمة الإمارة)
نحن نعلم ... (يسكت)
جلنار، إنك تسيئين إلي بهذا الشعور! فأنا أحبك، ومستعد لأن أضحي بكل شيء في سبيل أن أنال منك الحب والعطف (يقبل يدها فتسحبها) .
جلنار :
أوه!
الأمير :
ما هذا؟ لقد أخبرني بهروز بأنك تنتظرين حضوري بفارغ الصبر، فهل خدعني؟
جلنار :
إنه لم يخدعك وحدك يا مولاي، بل خدعني أنا أيضا.
الأمير :
وكيف ذلك؟
جلنار :
بهذا الزواج؛ لأنه أخبرني أن زوجي فقير معدم، لا يملك إلا اسمه.
الأمير :
لن تخدعي بعد ذلك، فاطلبي ما تشائين أحضره لك؛ لأن حبي يزداد اضطراما، فبادليني الحب (يأخذها بين ذراعيه) .
جلنار (تتخلص منه) :
دعني يا سيدي، دعني!
الأمير (محتدا) :
لقد فهمت، فأنت تحبين شخصا آخر يا جلنار، فأنا إذن مخدوع، وقد أخطأت إذ رفعتك إلى هذه الدرجة، فيا لك من ناكرة للجميل! ادخلي غرفتك يا سيدة! وتعلمي كيف تطيعين زوجك ومولاك!
جلنار :
إني مطيعة لك، وأراك محقا في غضبك، وها أنا أقدم لك طاعتي يا سيدي ومولاي (تخرج يمينا) .
الأمير :
لعلها نادمة، فلماذا أتردد (يذهب نحو الباب اليمين)
وفي الإمكان التغلب عليها. (يسمع صوت عيار ناري ويدخل قطبزار من الشرفة وينزل شمالا إلى الوسط.)
قطبزار (لنفسه دون أن يرى الأمير) :
طريقة غير لطيفة في استقبال الضيوف، وماذا عساني قد ارتكبت لأكون هدفا للرصاص أنى ذهبت؟! (الأمير يدخل قليلا ويراقب. يدخل بهادر خلسة من الشمال وفي يده غدارته.)
بهادر (مندهشا) :
قطبزار (يخرج شمالا) .
قطبزار :
يا لله! (يلمح الأمير)
عفوا سيدي، فإني لم أرك إلا في هذه اللحظة!
الأمير (ينحني قليلا) :
لماذا دخلت من هذه الشرفة؟
قطبزار :
لأني وجدت الباب مغلقا!
الأمير :
ليس المجال مجال مزاح. ما هو السبب الذي حملك على ذلك؟
قطبزار :
إنه لسبب مقبول، فقد رأيت على ضوء القمر سيدة جميلة جدا، فأحببت أن أحادثها.
الأمير :
ماذا تقول؟
قطبزار :
أقول إني قرعت الباب فلم يسمح لي بالدخول، فكيف يتسنى لي إذن أن أدخل؟ لم أر إلا هذه الشرفة، وما إن شرعت أتسلق الجدار حتى فوجئت برصاصة اخترقت عمامتي (يريه أثرها في العمامة)
وهذا منتهى المجاملة في إكرام الضيوف، فهل في هذا العمل ما يمسك؟
الأمير :
وما شأنك مع هذه السيدة؟
قطبزار :
عفوا، فإني ما عدت أثق بأحد، وغاية ما هناك أني أردت ... أن ... أن أراها فقط.
الأمير :
يا للوقاحة! اخرج من هنا حالا!
قطبزار :
بعد الذي تكبدته حتى دخلت هنا؟ لعلك ...
الأمير :
رب هذا البيت.
قطبزار :
رب هذا البيت (يسعل بمعنى)
حيث لمحت زوجة الفارس قطبزار.
الأمير :
إذن فأنت تعرفها؟
قطبزار :
أعرفها قليلا جدا؛ لأني لم أرها إلا دقائق، وما دامت هي مقيمة هنا، فهل تسمح لي أن أسألك ما هو اسمك؟
الأمير (بعظمة) :
أنا ... (يتوقف وينظر نحو غرفة جلنار)
أنا الفارس قطبزار (يجلس) .
قطبزار :
آه؟ قطبزار، الفارس السمرقندي (على حدة)
يا للشيطان! لقد خرج من رفاتي رجلان كل منهما قطبزار (يدخل بهادر خلسة من الباب الثاني الشمال) .
الأمير :
لقد قلت لك من أنا، فقل لي من أنت؟
قطبزار (على حدة) :
يا لقلة حياء هذا الوغد!
بهادر (يهمس في أذن قطبزار خفية ثم ينسل خارجا) :
إنه الأمير.
الأمير :
أراك مترددا يا سيدي (يلتفت إليه) .
قطبزار (لنفسه) :
إنه الأمير، إذن فقد فهمت كل شيء.
الأمير :
يظهر أن سؤالي قد أحرجك. أجبني!
قطبزار :
بالطبع أجيبك، ما دمت أنت قطبزار (يجلس في الشمال الوسط بعظمة ويضع سيفه على ركبتيه)
فنحن أمير داهشتان.
الأمير :
ماذا؟! الأمير؟!
قطبزار :
نعم، أنا الأمير شهرمان، أمير داهشتان!
الأمير :
أنت!
قطبزار (بسرور) :
نعم، كما أنك قطبزار. آه، يظهر أنه قد أدهشك أن ترى سمونا في مثل هذه الساعة من الليل بلا حرس أو حاشية، وفي منزل امرأة جميلة ليست بالأميرة، ولكننا نؤكد لك أنه ليس في هذا ما يدعو للعجب؛ لأن الأمراء أحيانا يميلون إلى اللهو متنكرين. إنما حذار أن تبوح بكلمة عن طيش سمونا هذا! إني مطمئن إذ بحت لك بسري يا قطبزار، ولكننا مع ذلك، نحذرك من إفشاء سرنا!
الأمير (على حدة) :
وقح! من تراه يكون هذا الرجل؟
قطبزار :
ها! بهذه المناسبة قد تذكرنا، لأننا نعرف كل رعايانا، ونعرف أن قطبزار شجاع، ولو أنه يميل إلى المزاح والضحك، ولقد تقاتل مع قائد حرسنا الملكي وقتله، فخالف بذلك القانون الذي أصدرناه أخيرا، ثم نفذ فيه الحكم في ساحة الثكنة (يقف ويقترب من الأمير)
فإذا كنت قطبزار حقيقة، فبأي حق لا تزال حيا؟ ألا تعلم أننا إذا بحنا بأمرك، فكل رعايانا المخلصون لنا يتسابقون إلى قتلك (بهدوء)
ولكننا لا نبوح بسرك.
الأمير (يقف) :
سموكم قد نسيتم ...
قطبزار :
محتمل، وكثيرا ما ننسى، ولكن ما الذي نسيه سمونا؟
الأمير :
نسيتم أنكم عفوتم عن قطبزار.
قطبزار :
حقا لقد نسينا (بعد برهة تفكير)
ولكننا لا نذكر في أية ساعة عفونا.
الأمير :
كان ذلك في الساعة الثامنة من ليلة تنفيذ الحكم.
قطبزار :
آه ... حقا لقد أصدرنا أمرنا بالعفو، في الساعة الثامنة (على حدة)
وأطلقوا الرصاص علي في السابعة (بصوت عال)
تذكرنا، ولقد صدر عفونا متأخرا ساعة بعد تنفيذ الحكم (لنفسه)
ومع هذا لا بأس.
الأمير :
ولذلك ترون سموكم أنه لا فائدة من إشهار أمري.
قطبزار :
كما أنه لا فائدة لي من انتحال لقب ليس لي.
الأمير :
إذن فلست أمير داهشتان.
قطبزار :
كلا، وأظنكم لم تجهلوا ذلك.
الأمير :
أنت إذن ... (يدخل بهادر من الشمال الأول يحمل رسالة) .
قطبزار :
الرجل الذي لا يخشى رصاص ستة من رجال الحرس الأبطال.
بهادر (ينزل ويركع أمام الأمير ليسلمه الرسالة) :
مولاي! رسول أتى بهذه الرسالة السرية.
الأمير (يتناول الرسالة) :
ما هذا (يقرأ)
خيانة! الأميرة تعلم بغيابي، وموجودة بالقصر الأبيض! حصاني يا غلام! انتظر! (له على حدة)
هل أنت في خدمة بهروز؟
بهادر :
نعم يا مولاي.
الأمير :
إذن عليك مراقبة هذا الرجل، وإخراجه من هنا ومعرفة اسمه (يخرج مسرعا من الشمال الأول) .
بهادر :
وأخيرا، هذا أنت يا قطبزار!
قطبزار :
نعم أنا، أنا من أنجيته من تلك الميتة المخزية.
بهادر :
وكدت أن أقتلك منذ لحظة.
قطبزار :
وهذا هو البرهان (يريه العمامة) .
بهادر :
ولكني لم أكن أعرف أنه أنت.
قطبزار :
لا شك عندي في ذلك يا بهادر، ولكن قل لي، هل يجب علي أن أغادر هذا المنزل؟
بهادر :
هكذا أمرت.
قطبزار :
وإذا رفضت أو قاومت؟
بهادر :
قاومت؟ ومن يعترضك؟! لا يوجد هنا أحد غيري، وأنا خادم قطبزار.
قطبزار :
يا لك من فتى أمين! تالله لو أصبحت ذا ثروة ...
بهادر :
تبقيني في خدمتك؟
قطبزار :
خدمتي؟! بل أجعل في خدمتك اثني عشر فتى! ولكن قل لي يا بهادر، ألا توجد هنا سيدة؟
بهادر :
نعم.
قطبزار :
أحب أن أراها، فخذني إليها (تدخل جلنار من اليمين) .
بهادر :
ها هي يا سيدي.
جلنار :
شخص غريب!
قطبزار :
اتركنا يا بهادر (يخرج بهادر من الثاني الشمال)
ها قد التقينا أخيرا يا سيدتي (تضطرب لصوته وتنصت بانتباه فتتذكره ويلوح عليها السرور)
ولو أني خاطرت بحياتي، وتعبت كثيرا، فقد أطلق الرصاص علي مرتين حتى تمكنت من هذه المقابلة.
جلنار :
هذا الصوت!
قطبزار :
ما لي أراك مندهشة؟ ألا تعرفينني يا جلنار؟
جلنار :
أنت ...
قطبزار :
زوجك.
جلنار :
الفارس قطبزار؟
قطبزار :
نعم أنا.
جلنار :
أنت!
قطبزار :
جلنار، إني أعرف كل شيء، فإنك ظننتني قد مت حقيقة، وعندما تمت صيغة عقد الزواج، انتظرت لتسمعي صوت الطلقات التي تقضي علي وتمنحك الحرية .
جلنار (برعب) :
ماذا تقول؟
قطبزار :
أقول إنك قد نلت اسما، بطريقة غير شريفة.
جلنار :
هذا كذب! فإني لم أخدش شرف زوجي، حتى في أفكاري (بانعطاف)
ولكن، هل أنت زوجي حقيقة؟ إن شخصا آخر قد انتحل لنفسه اسم قطبزار، و...
قطبزار (مقاطعا) :
محض اختلاق وسخرية وتزوير! إن الأمير ليس في حاجة لانتحال مثل هذا الاسم الحقير.
جلنار :
الأمير!
قطبزار :
نعم، أمير داهشتان.
جلنار :
تمهل، وأثبت لي أنك زوجي حقيقة، وأنا أجيبك على كل شيء. هات برهانك!
قطبزار :
برهاني؟ أقسم بشرفي.
جلنار :
إنك لم تكلمني إلا مرة واحدة، فهل تذكر الكلمات التي قلتها لي أثناء عقد الزواج؟
قطبزار :
نعم أذكرها بنصها، فقد قلت لك: «سيدتي، إني أهبك ما بقي من حياتي، وهو قليل.»
جلنار (بفرح) :
أنت زوجي! وهذا ما قلته لي حقا (تحاول الاقتراب منه، فيشير لها بالابتعاد) .
قطبزار :
عفوا سيدتي، فإن الأمير يهواك، وإنه لذو بأس شديد.
جلنار :
كلا يا قطبزار، بل يا زوجي! أرجو ألا تكافئني على آلامي بهذه المكافأة، واستمع لي قليلا، وبعدها احكم علي بما شئت . في اليوم الذي أنقذتك فيه من يد الغوغاء، قابلني شخص لا أعرفه، وتنبأ لي بطالع سعيد، وقال لي إنه موفد من قبل الأميرة، ليرفعني إلى الدرجة التي أنا أهل لها، واقترح أن تكون الوسيلة لذلك ...
قطبزار (مقاطعا متهكما) :
وسيلة شريفة جدا بالطبع!
جلنار :
إنها لشريفة حقا؛ لأني بزواجي منك، اعتقدت أني تزوجت من رجل يكترث بي (بعطف)
ويحبني، وأشعر في قلبي بعاطفة تجذبني نحوه.
قطبزار :
أتراك تخدعينني؟
جلنار (تبكي) :
وهل هذه الدموع خادعة؟ (تمسك يديه وتركع)
آه يا زوجي! لقد جوزيت على كبريائي، ولكني احتفظت بشرفك والوفاء لك، وإذا ارتبت في فاقتلني.
قطبزار :
هذا شرط مخيف يا جلنار.
جلنار :
آه يا قطبزار! إنك لا تدري مقدار ما أشعر به من الحب الذي ابتدأ في قلبي منذ ساعة الزواج، كما أنك تجهل ما تحملته من الآلام، وقاسيته من الخوف، وتأنيب الضمير حتى أصبح خيالك معبود قلبي.
قطبزار (يأخذها بين ذراعيه) :
صدقت يا جلنار ، ولن أكون بعد اليوم قطبزار الطريد الشريد، بل إن فارس سمرقند سيعيش محتفظا بكرامة اسمه الشريف، ما دمت قد قبلت أن تشاركيه الحياة (صوت طبول)
آه! جنود يقصدون إلى القصر!
جلنار :
إذن فاهرب وانج بنفسك.
قطبزار :
أهرب وأنا أرى الأمير يهدد باب غرفة أنت فيها؟
جلنار :
لا تخش علي، واذهب أنت إلى الأميرة، فإنها في القصر الأبيض القريب من هنا، وأخبرها أن جلنار في خطر؛ فإنها لا محالة تنقذني.
قطبزار :
لا أطلب إلى أحد أن يحميك ما دمت أحمل سيفا.
جلنار :
لست أجهل نبالتك، فإنك تفضل الاعتماد على زندك عن الالتجاء إلى امرأة، ولكني أرجوك إكراما لخاطري، أن تسرع بالذهاب إلى الأميرة.
قطبزار (يقبلها) :
إذن فإلى الأميرة (يخرج من الوسط) . (جلنار تركع مبتهلة. يدخل بهادر من الباب الأول الشمال.)
بهادر :
سمو الأمير يا سيدتي.
جلنار :
ما العمل يا رباه! لا تتركني وحدي يا بهادر!
بهادر :
ولكن سيأمرني بالخروج.
جلنار :
هذا صحيح، وتجب عليك طاعته، ولكن أرجو ألا تتركني بلا حماية (تتناول خنجرا من حزامه)
فهذا الخنجر يكفيني شره (يدخل الأمير من الشمال الأول) .
الأمير (إلى بهادر) :
أين الرجل الغريب الذي تركته هنا؟
بهادر :
خرج يا مولاي.
الأمير :
وما الذي حمله على الحضور؟
بهادر :
إنه هارب من السجن يا مولاي.
الأمير :
اخرج الآن. (بهادر ينظر إلى جلنار.)
جلنار :
بهادر، أطع سمو الأمير (يخرج بهادر من الباب الأول الشمال) .
الأمير :
من تراه يكون قد خانني؟
جلنار :
إن الذي خانك يا مولاي هو نفس الشخص الذي أشار عليك بارتكاب هذا العمل الدنيء، المزري بشرف الأمير.
الأمير :
وكيف ذلك يا جارية؟!
جلنار :
وهو الذي جعل الروابط المقدسة، هزؤا وسخرية، وقدمك لي باعتبار أنك زوجي، الفارس قطبزار.
الأمير :
جلنار، أنا الأمير، وغير مرة شعرت بضميري يخز عزتي وكبريائي، وما دمت الآن قد عرفت من أنا فأرجو أن تصغي إلي!
جلنار :
أتوسل إليك يا مولاي أن تتركني.
الأمير :
أتركك! وأنت المرأة الوحيدة التي أحببتها حبا صادقا حارا؟
جلنار :
اتركني يا مولاي من باب الشفقة بي، كن رحيما وارحمني!
الأمير :
قبلة واحدة، واحدة فقط (يقترب منها) .
جلنار (تشهر خنجرها لتضرب نفسها) :
خطوة أخرى، وأقتل نفسي!
الأمير :
ما هذا يا جلنار؟ هل تكرهينني إلى هذا الحد؟
جلنار :
كلا يا مولاي، ولكني زوجة لرجل، فإما أن يراني جديرة به، وإما ألا يرى لي أثرا.
الأمير :
عمن تتكلمين؟
جلنار :
أتكلم عن زوجي الفارس قطبزار.
الأمير :
لقد مات (يدخل قطبزار من الباب الأول الشمال) .
قطبزار :
لم يمت بعد يا مولاي، فشكرا لكم على كريم عفوكم.
جلنار (ترمي الخنجر وتسرع إليه) :
زوجي يحميني!
الأمير :
زوجك! (قطبزار يذهب يمينا ويغلق الباب وسائر الأبواب بسرعة ويأخذ المفاتيح معه)
ماذا عملت يا سيدي؟
قطبزار (عند الباب اليمين) :
أغلقت الأبواب يا مولاي، حتى لا يدخل أحد فيسمع ما لا يصح أن يسمعه أحد غيرك (يذهب إلى الوسط) .
جلنار (لنفسها) :
وكيف سينتهي هذا الأمر؟
قطبزار (بوحشية) :
لو كان يريد السوء بزوجتي، شريف وجندي مثلي، لاتخذت منه في الحال غمدا لسيفي؛ لأن المرء في هذه الأحوال لا يرجو صلحا أو سلاما، بل يتطلب ثأرا وانتقاما، ولكنك أميري يا مولاي (يقدم له سيفه)
ولذلك أنزع سلاحي.
الأمير :
إنك يا سيدي تكلم أمير داهشتان!
قطبزار :
وهل أرى أمامي غيره؟ ولكني لا أستطيع امتلاك زمام يدي؛ ولذلك أجردهما من السلاح (يرمي سيفه بعيدا)
إنما يجب التفكير.
الأمير (بإجهاد) :
تقدم يا سيدي، فقد راقتني جرأتك.
جلنار :
اذكر أنه الأمير يا قطبزار.
قطبزار :
نعم إنه سمو الأمير. يا مولاي، إن هذه المرأة الضعيفة التي أجمعتم رأيكم ومكائدكم على الإيقاع بها، قد حصلت على حماية سمو الأميرة.
الأمير :
الأميرة!
قطبزار :
نعم يا مولاي، ولقد كنت رسولها إلى الأميرة في القصر الأبيض.
الأمير :
إذن فقد قابلت الأميرة؟
قطبزار :
ستسمع كل شيء يا مولاي، فإني لما وصلت إلى القصر لم يسمح لي بالدخول، ورغما عن بنادق الحرس ورصاصهم ...
جلنار :
إذن فقد كنت في خطر!
قطبزار :
بالطبع، ولكني ضد الرصاص.
الأمير :
أتمم حديثك!
قطبزار :
تسلقت جدار البستان حيث تظلله بعض الأشجار، ثم انسللت إلى الداخل حيث سمعت صوت شخصين، أحدهما رجل والآخر امرأة، ولو أن المرأة متأثرة إلا أنها كانت تتكلم بعظمة، وأما الرجل فكان يتكلم بصوت مرتعد، وسمعته يقول: «مولاتي إنك مخدوعة، فزوجك سيكون الليلة بين ذراعي عشيقته في قصر في الغابة، وقد كلفت بعض رجالي أن يقتفوا أثره ويأتوني ببرهان خيانته.»
الأمير :
من ذا الذي يجرؤ على أن يضع علي رقيبا!
قطبزار :
أما الرجل فهو وزيرك بهروز، ذلك الوزير المحبوب، وأما السيدة فهي ... الأميرة.
الأمير :
محض اختلاق! ولو صح ذلك ... (يذهب إلى الباب الشمال) .
قطبزار (ببرود) :
لقد نسيتم سموكم أني قد أغلقت الأبواب!
الأمير (غاضبا) :
قطبزار، افتح ذلك الباب!
قطبزار :
إن ما أردت أن تلطخ به عرضي من العار، يلطخ به عرضك في هذه اللحظة، ومع ذلك فلا يمكنك الخروج من هذه الغرفة (الأمير يخفي وجهه في يديه ويسقط على مقعد)
وكل دقيقة تمر عليك، هي بمثابة دهر من الألم والعذاب، ولا تستطيع الخروج من هنا، لتحقق ظنك وريبتك، فكل ما حملتنيه من الألم، أحملك إياه الآن، وخطواتك رهن أمري.
الأمير (يشير إلى الباب) :
هلاكك يتوقف على ترددك لحظة واحدة!
قطبزار :
هذا مزعج مخيف، أليس كذلك؟
الأمير :
خذ سيفك! (ينهض)
فإني لست الآن أميرا؛ لأن خيانتك تجعلني أقف معك في مستوى واحد، فدافع عن نفسك حتى لا أعد قاتلا!
جلنار (تذهب إلى الوسط، فيدفعها قطبزار إلى الوراء) :
بالله يا مولاي!
الأمير (في الشمال) :
خذ سيفك وإلا قتلتك!
قطبزار :
لقد فاتتك الفرصة.
الأمير :
فاتتني الفرصة؟ وكيف؟
قطبزار :
متى تردد فارس شريف في الأخذ بثأر أميره؟! أتظن أني أبقيت على الرجل الذي اتخذ من شرفي سلما لهتك حرمة شرفك؟ كلا يا مولاي، فلقد ضربته! نعم ضربته يا مولاي، وصنت لك شرفك. وقد أتى الآن دورك في صون شرفي والدفاع عنه (يركع للأمير مشيرا إلى جلنار) .
الأمير (يرفعه) :
قم يا قطبزار. (صوت طبول وصياح في الخارج: «الأمير»، «الأمير»! ثم تدفع الأبواب مفتوحة ويتدفق منها الأشراف.)
الضباط :
إنه الأمير!
الأمير :
نعم أيها السادة، فقد تفضلنا بزيارة قطبزار فارس سمرقند المغوار، وأحد رعايانا الذين امتازوا بالتفاني في الإخلاص لشخصنا (الكل يندهشون)
يا أيها الفارس قطبزار، لقد عيناك واليا على العاصمة.
قطبزار :
وولاية الحدود خالية أيضا يا مولاي.
الأمير :
ولماذا تطلب ولاية الحدود بدلا عن العاصمة؟
قطبزار :
لأنها تبعد عن داهشتان بنحو مسيرة ليلتين، وهذا (يشير إلى جلنار)
يضاعف فضلكم علي يا مولاي، وزيادة على ذلك فليس لي هناك دائنون.
الأمير (مبتسما) :
فليكن ما طلبت، ولقد عينا تابعنا الوفي الأمين الفارس قطبزار واليا على ولاية الحدود.
الجميع :
فليحي الأمير! فليحي الأمير! فليحي الأمير! (ستار) (انتهت الرواية)
Página desconocida