Manuscritos de las Obras de Teatro de Abbas Hafez: Estudio y Textos
مخطوطات مسرحيات عباس حافظ: دراسة ونصوص
Géneros
عباس حافظ ... حياته وأدبه
الإطار العام
الدراسة التطبيقية
نتائج الدراسة
التوصيات
المصادر والمراجع والدوريات
بعيدا عن الأوراق
مسرحية شاترتون أو شقاء الشاعر
فارصة الزوج الموسوس
مسرحية تيمون
Página desconocida
مسرحية زواج بالحيلة
مسرحية الاستعمار
عباس حافظ ... حياته وأدبه
الإطار العام
الدراسة التطبيقية
نتائج الدراسة
التوصيات
المصادر والمراجع والدوريات
بعيدا عن الأوراق
مسرحية شاترتون أو شقاء الشاعر
Página desconocida
فارصة الزوج الموسوس
مسرحية تيمون
مسرحية زواج بالحيلة
مسرحية الاستعمار
مخطوطات مسرحيات عباس حافظ
مخطوطات مسرحيات عباس حافظ
دراسة ونصوص
دراسة
سيد علي إسماعيل
عباس حافظ ... حياته وأدبه
Página desconocida
الإطار العام
(1) الموضوع
من المعروف أن السيرة الذاتية هي ما يكتبه الإنسان بنفسه عن نفسه، ساردا تاريخ حياته مسجلا أعماله وآثاره؛ وهذا السرد والتسجيل نابع من رغبته الشخصية في البقاء، لشعوره بتفرده وتميزه، فيقرر في أعماقه بأحقيته في الخلود، عن طريق نقل خبرته وتجاربه وحياته للقراء. ومن هذا المنطلق كتب طه حسين سيرته الذاتية في الأيام، وكتب المازني سيرته في قصة حياة، وأحمد أمين في حياتي، وتوفيق الحكيم في سجن العمر ... إلخ.
وبالرغم من ذلك، لوحظ أن السير الذاتية المكتوبة والمنشورة في أدبنا العربي الحديث، تعتبر قليلة نسبيا، إذا قورنت بعدد المتفردين والمتميزين في مجال الأدب؛ والسر في ذلك - من وجهة نظري - راجع إلى أن أغلب المتفردين والمتميزين لم يكتبوا سيرهم الذاتية، ظنا منهم أن حياتهم لا تستحق التسجيل، أو أن حياتهم شيء خاص لا يجب نشره أو تعريته أمام الجميع، أو أن في حياتهم أسرارا لا يجب البوح بها، أو أن القدر لم يمهلهم العيش حتى يكتبوا سيرهم ... إلخ هذه الأسباب والاعتبارات.
وغالبا ما يجود الزمان بأشخاص يقدرون قيمة المتفردين والمتميزين في مجال الأدب، فيأخذون على عاتقهم مهمة كتابة سيرهم، فيقدمون للقراء نماذج مشرفة تستحق الخلود الأدبي، وتستحق أن تكون نبراسا للأجيال القادمة. وهذا النوع من السير، معروف بالسيرة الغيرية، ويقصد بها قيام شخص بكتابة سيرة شخص آخر، شريطة أن يكون هذا الآخر معروفا على مستوى الأدب أو الاجتماع أو السياسة ... إلخ، أي أن يكون فذا ومتفردا ومتميزا في مجال ما.
وغالبا ما يكتب الشخص سيرة غيرية لشخص آخر، لصداقة بينهما دامت سنوات، أو سدادا لدين أدبي ومعنوي من تلميذ لأستاذه، أو تأبينا له لإحياء ذكراه، أو إعلاء لشأنه، أو خدمة للعلم أو ... إلخ. ولا أظن أن من يكتب مثل هذا النوع من السير يجد معاناة كبيرة في الحصول على معلومات المترجم له؛ فكفى به أن يتذكر سنوات الصداقة ليكتب السيرة باعتباره شاهدا عليها، أو أن يتذكر مواقف أستاذه وحياته معه إذا أراد أن يسدد الدين لأستاذه، أو أن يسأل أفراد أسرة المترجم له أو أن يطلع على وثائقه - المحفوظة لديهم - ومكتبته - الموجودة بالفعل - في حال تأبينه وإحياء ذكراه، أو أن يقرأ ما كتب عن المترجم له سابقا من أجل إعلاء شأنه، أو من أجل الكتابة عنه خدمة للعلم. (2) أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا يفعل المرء إذا أراد أن يكتب سيرة غيرية لشخص ما، لم يجد عنه غير معلومات شحيحة، لا ترقى لأن تكون نواة للكتابة عنه؟! وربما يعلق القارئ قائلا: هذا الشخص من المؤكد أنه لا يمثل شيئا في مجال الأدب، ولم يكن متفردا أو متميزا، وبالتالي لم يهتم به الآخرون فلم يكتبوا عنه، ومن هنا شحت المعلومات الخاصة به. ورغم وجاهة هذا التعليق، إلا أن الشخص المراد الكتابة عنه، كان في زمنه متميزا وفي مجاله الأدبي متفردا! وربما يعلق آخر قائلا: من المؤكد أنه من الأدباء المنسيين! فأجيبه قائلا: نعم ... نعم ... إنه عباس حافظ الأديب المنسي، الذي قال قبل وفاته عام 1959: «إن الأدباء يموتون فطيسا، فقلة منهم هي التي تستأثر باهتمام الباحثين بعد رحيلهم، أما الكثرة الكاثرة فيغلفها النسيان، ربما إلى يوم الدين.»
1
وكأنه - بهذا القول - كان يتحدث عن نفسه شاعرا بدنو أجله، وأنه سيكون ضمن الكثرة المنسية إلى يوم الدين!
وهناك سؤال ربما يدور في خلد القارئ: لماذا أكتب عن عباس حافظ؟ وأجيبه قائلا: أكتب عنه استكمالا لمنهجي في الكتابة عن الشخصيات المنسية، التي كان لها دور بارز في الحياة الأدبية، ولم يلتفت إليها الكثيرون، لندرة ما يعرف عنهم، أو لصعوبة البحث عنهم، أو لوعورة الكتابة عنهم، أو لتوفر معلومات مغلوطة عنهم، أو ... إلخ، أمثال: إسماعيل عاصم، ويعقوب صنوع، وتادرس وهبي، وحسن مرعي، وغيرهم.
Página desconocida
ومن هذا المنطلق دار النقاش بيني وبين الدكتور سامح مهران - رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية - حول نشر بعض المخطوطات المسرحية، التي تجسد مراحل فنية معينة مثل مسرحية «عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق»، التي تعتبر ريادة مصرية في مجال مسرحة المناهج الدراسية، ومسرحية «الأزهر وقضية حمادة باشا»، التي ترجح ريادة مصر التطبيقية للمسرح التسجيلي؛ وقد أصدر المركز هاتين المسرحيتين في العامين الماضيين.
واستمرارا في استكمال هذا المشروع، وقع اختيارنا هذا العام، على مجموعة النصوص المسرحية المخطوطة التي ترجمها عباس حافظ - والمنشورة في هذا الكتاب - والتي تمتد من عام 1916 إلى عام 1952. وعلى الرغم من قيمة النصوص المنشورة، إلا أن قيمتها الحقيقية لا تكمن في ترجمتها، بقدر ما تكمن في دفعي إلى تعريف القراء بعباس حافظ، ومحاولة كتابة سيرة غيرية عنه، حتى أخرجه من كثرة الأدباء المنسيين، لينضم إلى الصفوة ممن لهم سير منشورة؛ فهذا حق الرجل على المركز الذي يحتفظ بمجموعة لا بأس بها من مخطوطاته المسرحية، وحقه علي أنا شخصيا، طالما نذرت نفسي للكتابة عن المنسيين أمثاله! (3) الدراسات السابقة
لم تعن دراسة سابقة - على حد اطلاعي - بحياة أو أعمال عباس حافظ الأدبية. وكل ما هو متوفر عنه حتى الآن عدة أسطر قليلة كتبت عن إحصاء لبعض أعماله عام 1949،
2
وأسطر أخرى كتبت في نعيه عام 1959.
3
وقد جمع خير الدين الزركلي هذه الأسطر عندما تحدث عن عباس حافظ في موسوعته «الأعلام».
4
كما كان لي شرف كتابة هامش عن عباس حافظ في كتاب سابق لي عام 2003، أجملت فيه أهم سنوات حياته الوظيفية، مع إحصاء مختصر لأهم أعماله الأدبية.
5
Página desconocida
وعباس حافظ كما شغلني، شغل غيري أمثال الكاتب نبيل فرج، الذي نشر له خطابا، كان قد أرسله إلى طه حسين عام 1955 بخصوص ترجمة إحدى مسرحيات شكسبير. وحاول نبيل فرج الحصول على معلومات تسعفه عن عباس حافظ دون جدوى - رغم اعتقاده بقيمة الرجل في مجال التأليف والترجمة - فعلق على ذلك قائلا: «من الأسماء التي كان لها دورها في مجال التأليف والترجمة، في النصف الأول من هذا القرن، [ويقصد القرن العشرين] ولم يعد يذكرها أحد؛ الكاتب والمترجم عباس حافظ.»
6
وقد صدق الكاتب في اعتقاده وتعليقه، كما سنرى. (4) المنهج والأدوات
ربما أنسب منهج لهذه الدراسة، هو المنهج التاريخي، طالما سنتعرض إلى سيرة أحد الأدباء المنسيين، معتمدين فيها على الوثائق والحقائق والأحداث التاريخية المتعلقة بالمترجم له، وذلك من أجل الوقوف على أعماله الأدبية في زمنها وعصرها، وبيان قيمة تفرده وتميزه في عصره، وصولا إلى كتابة سيرته.
ومن أجل تطبيق هذا المنهج، وصولا إلى تحقيق أهداف الدراسة، اطلعنا على بعض وثائق عباس حافظ الرسمية، من خلال ملفه الوظيفي الرسمي المحفوظ بدار المحفوظات العمومية بالقلعة، ورصدنا عناوين إنتاجه الأدبي من الفهارس المتاحة بدار الكتب المصرية، وببعض المكتبات الأخرى، وأخيرا بحثنا عن مقالاته وأخباره المنشورة في الدوريات المعاصرة لحياته، وتحديدا مقالاته المتعلقة بنشاطه المسرحي. (5) أهداف الدراسة
إذا كانت لدراستنا هذه أهداف تطمح إلى تحقيقها، فقد اخترنا موضوع «عباس حافظ ... حياته وأدبه»، من أجل الوصول إلى: (أ)
الكشف عن حياة عباس حافظ العملية والوظيفية. (ب)
الوقوف على إنتاج ونشاط عباس حافظ الأدبي، من خلال: (1)
الإنتاج الأدبي المنشور والمخطوط. (2)
المسرحيات الممثلة على خشبة المسرح. (3)
Página desconocida
النقد المسرحي المنشور.
الدراسة التطبيقية
(1) حقائق في حياة عباس حافظ
عندما فكرت في كتابة سيرة حياة عباس حافظ، انتابتني الحيرة الشديدة، بسبب قلة المعلومات المكتوبة عنه في الورق المنشور، الذي لم يتعد الأسطر القليلة كما أوضحت سابقا، وأخذت أبحث عن ورق آخر لعلي أجد فيه ضالتي المنشودة؛ وأخيرا حصلت على كنز من الورق الأصفر البالي محفوظا في ملف باسم عباس حافظ، لم تمسسه يد منذ أن حفظ بدار المحفوظات العمومية بالقلعة عام 1959.
1
وعندما لمست يدي أوراق هذا الملف، شعرت بقشعريرة غريبة، وبإحساس كبير بالمسئولية تجاه صاحبها، وكأنه يوصيني خيرا بأوراقه التي كادت أن تدفن معه! وبتصفح هذه الأوراق، تذكرت قصيدة «ورق» لصديقي الشاعر الدكتور محمد أبو الفضل بدران، الذي يقول في بعض سطورها:
ورق ... ... ... ورق
كل الحياة ورق
فشهادة الميلاد حبر من ورق
والنعي سطر في الورق
Página desconocida
والعلم أطنان الورق
والجهل من عادي الورق
ويعرف الإنسان إن حمل الورق
والإرث مخطوط الورق
والموت يبدأ بالورق
ونموت إن سقط الورق
كل الحياة ورق
ماذا لو احترق الورق
ورق ... ... ... ورق
وإذا نظرنا إلى ورق ملف عباس حافظ علي حافظ، فسنجده يخبرنا بأنه ولد يوم 24 / 12 / 1893 بشارع الخليج المرخم بالموسكي، وحصل على الابتدائية عام 1908، وعلى الثانوية عام 1913. وبعد ثلاثة أعوام التحق بوظيفة سكرتير مالي بوزارة الحربية لمدة شهرين على سبيل التجربة، فأبلى بلاء حسنا في أعمال الترجمة، فاستحق التثبيت في وظيفته، بناء على الإشادة الرسمية من قبل رئيسه في العمل، الذي أوضح فيها أن عباس حافظ لديه استعداد كبير للقيام بأعمال الترجمة، وأن كفاءته يندر وجودها في أقرانه، بالإضافة إلى ما اتصف به من دماثة الأخلاق وإطاعة الأوامر، التي يعجب بها كل من يعمل معه.
Página desconocida
صورة مستخرج شهادة ميلاد عباس حافظ عام 1893.
صورة شهادة الابتدائية الخاصة بعباس حافظ عام 1908.
صورة شهادة الثانوية الخاصة بعباس حافظ عام 1913.
وما بين عامي 1917 و1922 نجده يتنقل بين العديد من الوظائف داخل وزارة الحربية، فتارة نجده سكرتيرا ماليا بمصر، وتارة أخرى نجده كاتم أسرار الحربية بالسودان. وفي الملف وثيقة مؤرخة في ديسمبر 1923، عبارة عن إشادة من أحمد رفعت - قائمقام أركان حرب الطوبجية - إلى الجنرال الإنجليزي في مصر، يشيد فيها بمساعدة عباس حافظ له في ترجمة كتابين من كتب تعليمات الطوبجية، ولولا هذه المساعدة ما كانت الترجمة تمت بصورتها الحالية. ويختتم أحمد رفعت إشادته هذه بقوله: «وقد حررت هذه الشهادة لما شاهدته من حضرته من اجتهاده واستعداده الفائق لترجمة القوانين العسكرية.»
ورغم هذه الإشادة التي تدل على أن عباس حافظ ساعد في الترجمة، إلا أن الحقيقة - التي ستظهر فيما بعد - ستثبت أن عباس حافظ هو المترجم الحقيقي لهذين الكتابين وغيرهما من الكتب ! وربما تكررت هذه المأساة في حياة عباس حافظ الوظيفية، مما جعله يشعر باليأس وفقدان الأمل في نيل التقدير المستحق له. فقد لاحظنا - في ملفه - تقارير سرية كتب بياناتها الأساسية عباس حافظ بنفسه، ووجدناه يكتب في خانة النياشين والميداليات والمشابك، تعليقات يائسة تدل على إحباط نفسي كبير! فمثلا في تقرير عام 1924، علق على هذه الخانة قائلا: «لا أملك منها شيئا.» وفي العام التالي قال: «أين أنا منها؟» وفي العام الثالث، قال: «لا تصلح لي ولا أصلح لها.» وفي العام الرابع، قال: «لست منها ولا قلامة ظفر!»
وبناء على ذلك، وجدنا عباس حافظ يرسل خطابا إلى الجنرال الإنجليزي في مصر - وهو أعلى رئيس له في العمل - يقر فيه بملل العيش في مصر، والضجر الذي انتابه بسبب ضآلة الراتب الذي لا يكفل له ولأولاده أدنى مراتب العيش الكريم، كما أنه فقد ابنا له في عمر الطفولة، مما جعله يصرف بعض أوقاته في الكتابة الأدبية والصحفية؛ ولهذه الأسباب طلب من الجنرال الموافقة على مبادلة عمله الوظيفي في مصر، بعمل زميل له في الخرطوم.
وتمت المبادلة بالفعل، ولكن ضغوط الحياة لازمت عباس حافظ، مما اضطره للتغيب عن عمله عدة أيام بدون إذن، مما استوجب وقوع العقاب الإداري عليه؛ فكتب عباس في ديسمبر 1924 مظلمة إلى اللواء محمد رفقي باشا، أبان فيها أمورا مهمة، واعترف فيها بأنه المترجم الحقيقي ل «مجموعة القوانين الحديثة وكتب التعليم كقانون البياد الحديث والقانون المالي وقوانين الطوبجية وغيرها مما لا حاجة إلى ذكره!» ويرفض في نهاية مظلمته ذكر الأسباب الحقيقية لتغيبه، ويلتمس مقابلة الوزير شخصيا لإخباره بهذه الأسباب.
والوثائق المحفوظة في ملف عباس حافظ تصمت نهائيا تجاه هذه المظلمة، وربما تم حفظها أو بالأصح قبرها، حتى لا تكشف أسرارا ربما تسيء إلى شخصيات كبيرة في الوزارة. والدليل على ذلك أن عباس حافظ اعترف - ولأول مرة - أنه المترجم الحقيقي لمجموعة من الكتب التي لم تنسب ترجمتها إليه! وهذا الاعتراف - رغم خطورته - لا يمثل كل شيء؛ فهناك أمور أخرى أخطر من ذلك، يود عباس حافظ إخبارها شخصيا إلى الوزير، تتعلق بأسباب تغيبه عن العمل، ولو كانت هذه الأسباب عادية أو طبيعية لكان ذكرها للواء محمد رفقي باشا. ومن هنا نستشعر بأن أسباب تغيب عباس حافظ عن العمل، أسباب تتعلق بأمور خطيرة وتمس شخصيات لها اعتبارها في الوزارة! ولولا خطورتها وأهميتها ما كان يتجرأ بمطالبة مقابلة الوزير شخصيا!
وهكذا يستشعر القارئ روح الشجاعة لدى عباس حافظ، ولكن للشجاعة ثمنا لا بد أن يدفع! ففي فبراير 1925 كان الدور على عباس حافظ كي يترقى في وظيفته إلى الدرجة الأعلى، وبسبب شجاعته وجرأته كافأه رجال الوزارة بحرمانه من الترقية، فكتب إلى الوزير مظلمة جديدة، يستغيث فيها بكلمات تدمي القلوب وتزلزل المشاعر، ومما جاء فيها قوله: «... أنا شاب كفؤ في عملي بشهادة نفسي أولا وبشهادة رؤسائي وبشهادة موظفي الوزارة على بكرة أبيهم. وقد كنت مثال النشاط في العمل والدأب على إظهار الكفاءة على أمل الترقي ... يا الله! أهكذا يأبى النحس إلا أن يلازمني. يا للداهية! أهكذا سأموت حيا. أهكذا سأدفن في هذه الوزارة، أهكذا سأبقى حتى يشيب الغراب ... فيا ضيعة الشباب! ويا خيبة الآمال! ويا خسارة الفكر والعقل والهمة والكفاءة والنشاط ...»
وذيلت هذه المظلمة بحاشية من المسئول، أفادت بعدم قبولها أو النظر فيها؛ لأن الترقيات لا تتم إلا بناء على التقارير السرية السنوية. ومن العجب العجاب أن التقرير السري السنوي لعباس حافظ، جاء فيه تحت بند استعداده لوظيفته الآتي: «استعداده العلمي والأدبي يؤهله لأرقى من وظيفته بكثير!» كما جاء في تقرير عام 1928 تحت بند درجة اجتهاده: «مستخدم دءوب على العمل، غيور فيه، ذو كفاية له، عليم بعمله كل العلم، تعينه في ذلك كثير معرفته الاستثنائية للغة الإنجليزية.» وجاء تحت بند مقدرته على القيام بواجبات وظيفته: «على أتم المقدرة، ومما رأيته من عباس أفندي حافظ أقول إنه ينبغي أن يسير شوطا بعيدا في هذا السبيل.» وأخيرا جاء تحت بند استعداده الاستثنائي: «أعده مترجما استثنائيا، وهو في وسعه أن يترجم الوثائق بسرعة وبأسلوب لا يدع مجالا للشك في معانيها الأصلية!»
Página desconocida
وعلى الرغم من كفاءة عباس حافظ - كما أثبتت تقاريره السرية - إلا أنه لم يرق إلى الدرجة الأعلى، إلا بعد مرور ثلاثة عشر عاما! وهذه الترقية جاءت عندما قرر الجنرال نقله إلى مصلحة التجارة والصناعة. والغريب أن رئيس عباس حافظ في العمل، كتب خطابا إلى الجنرال بخصوص هذا النقل، قال فيه: «ستخسر الوزارة مستخدما حسنا للغاية إذا نقل عباس أفندي من هنا؛ فإن خدماته نحتاج إليها بصفة خاصة في هذه الإدارة؛ لأنه قائم بالترجمة الفنية.»
وربما نستنتج من هذا القول، أن المسئولين في الوزارة لا يميلون إلى نقل عباس حافظ إلى أية جهة أخرى، حتى يستغلوه في الترجمة نيابة عن الآخرين! أو ربما خوفا من خروجه عن سيطرتهم، فيشهر بهم في مكانه الجديد! وهذا يفسر لنا لماذا يصر المسئولون على الإشادة به، وفي الوقت نفسه يصرون على عدم ترقيته! لأن الترقية ربما ستمنحه منصبا أعلى، يحصنه من الانصياع لرغباتهم في الترجمة نيابة عنهم أو عن غيرهم!
وتبتسم الحياة أياما قليلة لعباس حافظ، في ظل وزارة الوفد، التي أكرمته لكفاءته من جهة، ولمبدئه السياسي الوفدي من جهة أخرى، حيث أصدر وزير الداخلية مصطفى النحاس باشا قرارا بترقيته بصفة استثنائية عام 1930. ولكن ما لبث أن تغير الحال، حيث جاءت وزارة إسماعيل صدقي باشا، وكشرت عن أنيابها له، فنقلته إلى أسوان وهو في أشد الحاجة لوجوده في القاهرة لمعالجة زوجته المريضة بالقلب، بل وبدأ رجال الوزارة يرصدون مقالاته الصحفية، ويتعقبون نشاطه الأدبي لإيجاد ذريعة للإيقاع به، وللأسف نجحوا في ذلك!
ففي يوم 9 / 9 / 1930 نشرت جريدة صوت مصر مقالة لعباس حافظ بعنوان حمدي سيف النصر. فقام وكيل عموم الأمن العام برفع مذكرة إلى الوزير، أبان فيها أن المقالة تمدح حمدي سيف النصر، وتطعن في كرامة وسمعة اللواء عبد العظيم علي باشا، فضلا عما في المقالة من أمور سياسية تعرض لها الكاتب، مما يتنافى مع واجب وظيفته؛ فقرر رئيس الوزراء إسماعيل صدقي فصل عباس حافظ من وظيفته، مستندا في هذا الفصل على مادة قانونية «تحظر على جميع موظفي الحكومة إبداء ملحوظات شخصية بواسطة الجرائد».
وإذا نظرنا إلى المقالة المنشورة، فسنجدها مقارنة بين شخصيتين، الأولى أشاد بها عباس حافظ إشادة كبيرة مع إحصاء لجهودها وخدماتها للأمة، وقد ذكر اسمها علانية وهو الضابط حمدي سيف النصر. أما الشخصية الأخرى فكانت على نقيض الشخصية الأولى تماما، حيث أحصى عباس خستها ودناءتها واستغلالها لمنصبها في منافعها الشخصية، مع عدم ذكر اسمها مطلقا، وكل ما ذكره عباس هو رتبتها العسكرية؛ أي إن الطعن والتشهير كان بالإيحاء والتلميح وليس بالقول والتصريح.
2
ولم تكتف وزارة صدقي باشا بفصل عباس حافظ، بل أنهكته بالتحقيقات والاضطهادات والغرامات ... إلخ، طوال أربع سنوات، عاش فيها عباس وأولاده الستة - بنين وبنات
3 - في ضيق شديد، ولم يجد ملاذا لسبل العيش إلا في عمله بالصحافة، خصوصا جريدة «كوكب الشرق»، حيث كان محررها الأول في هذه الفترة. وفي أواخر عام 1934، ابتسم القدر مرة أخرى له، عندما تولت وزارة محمد توفيق نسيم الحكم، فأعادته إلى العمل مرة أخرى في إدارة المطبوعات بوزارة الداخلية، بناء على قرار مجلس الوزراء القاضي بعودة الموظفين المفصولين من وظائفهم لأسباب سياسية. وبعد عام رقي إلى الدرجة الأعلى، وتم ندبه عام 1936 للعمل في سكرتارية الهيئة الرسمية للمفاوضة، التابعة لرئاسة مجلس الوزراء.
وعاش عباس حافظ في أمان وظيفي لمدة عامين فقط! حيث تغيرت الوزارة، وبالتالي تغير الموقف تجاهه، فقامت الوزارة الجديدة - وزارة محمد محمود باشا - في فبراير 1938، بفصله من عمله - مع مجموعة أخرى
4 - دون سابق إنذار، وذلك لأسباب سياسية. ويعيش عباس وأسرته في ضنك العيش أربع سنوات أخرى، حتى تغيرت الوزارة عام 1942، فأعاده رئيس الوزراء - ووزير الداخلية - مصطفى النحاس باشا، إلى العمل مع ترقيته؛ فقام عباس حافظ بكتابة شكوى إليه، يلتمس فيها إنصافه وظيفيا. ولأهمية هذه الوثيقة - من وجهة نظرنا - لما بها من شرح واف لحياة عباس الوظيفية، ولما بها من معلومات رسمية مهمة، نذكرها هنا بصورتها الكاملة:
Página desconocida
القاهرة في 25 / 5 / 1942
حضرة صاحب المقام الرفيع وزير الداخلية
ألتمس النظر في شكواي هذه بعين العطف الذي طالما غمرتموني به وشددتم أزري بفيضه في أيام المحن وشدائد الجهاد: (1)
يبلغ مجموع مدة خدمتي الحكومية المحسوبة في المعاش نحو 28 سنة قضيت منها في الدرجة الثامنة 14 سنة وفي السابعة 3 سنوات وفي السادسة 5 سنوات وفي الخامسة 6 سنوات. وأعدت إلى الخدمة في شهر مارس الماضي ثم رقيت في دوري إلى الدرجة الرابعة من أول أبريل، وكان ينبغي الاحتفاظ بأقدميتي في الدرجة الخامسة فيجعل تاريخ ترقيتي الأخيرة من أبريل سنة 1940. ولكني فقدت سنتين مع هذه الترقية العادية التي جاءت بعد فصلي وإحالتي إلى المعاش بلا ذنب جنيته غير عقيدتي السياسية، وإن كانت فضيلة تقرها أبسط مظاهر الحريات وحقوق الإنسان. (2)
ومع ترقيتي الأخيرة لم يتجاوز راتبي ثلاثين جنيها ونصف جنيه، أي دون أقل مربوط الدرجة بنحو خمسة جنيهات. ويبلغ صافي المرتب حوالي 22 جنيها، بعد الاستقطاعات المقررة واستبعاد نحو 6 جنيهات نظير الاستبدال النقدي لجزء من المعاش في الأربع سنوات التي قضيتها مبعدا عن وظيفتي بسبب الحزبية الطاغية. (3)
وقد كنت من القلائل الذين حوربوا أكثر من مرة في رزقي ورزق أولادي بسبب عقيدتي الوطنية؛ ففصلت من وظيفتي في سنة 1930 وشردت تشريدا في العهد الصدقي، وقدمت إلى القضاء عدة مرات وقاسيت المحن مختلفات، ثم فصلت في أعقاب الحكومة الوفدية في فبراير 1938. وبلغ مجموع المدة التي قضيتها طريدا من وظيفتي في هاتين المرتين نحو عشر سنوات، وهي فترة لا يستهان بها في أدوار عمر الإنسان، ودليل على شناعة الحزبية التي نكبتني في مادة حياتي وأصابت أسرتي وأولادي الأبرياء بأشد البلاء. (4)
ولم يكن عملي في الحكومة عاديا منذ دخلت خدمتها، فإن الأربعة عشر عاما التي قضيتها في وزارة الدفاع بالدرجة الثامنة - وهي الدرجة الدنيا في السلم الحكومي - كانت فترة إنتاج غزير لا يمكن أن ينتجه مستخدم في هذه الدرجة الصغيرة، فقد اشتغلت فيها بترجمة القوانين وتعريب كتب التعليم والفنون العسكرية، وهو عمل كان يؤديه وكيل إدارة قبل أن أتولاه، ولا تزال الكتب الفنية التي نقلتها إلى العربية في ذلك العهد مراجع في الجيش إلى الآن. وقد نقلت منها في سنة 1928 إلى مصلحة التجارة والصناعة قبل تحويلها إلى وزارة بعد ترقيتي إلى درجة «ب» - المعادلة للسابعة الآن - فقمت بتحرير مجلة التجارة، وترجمت رسالة خبير الأرز، ورسالة خبير القطن، وأديت فيها عملا فنيا لا يتفق مع درجتي الصغيرة في ذلك الحين. وفي سنة 1930 نقلت إلى وزارة الداخلية في إدارة المطبوعات حيث قمت بعمل يتصل بالصحافة، ولم أكن يومئذ تجاوزت الدرجة السادسة، ولكن فصلت لعقيدتي السياسية في تلك السنة، وعانيت الشظف وصنوف البلاء خمسة أعوام متوالية حتى أعدت إلى الخدمة في سنة 1935، ولكني لم أكد أستقر وأنقه من صدمة الفصل خمسة أعوام أو تزيد حتى فصلت مرة أخرى فجأة وبلا سابق تمهيد أو أقل نذير. وفي السنتين الأخيرتين كان معاشي قد وصل إلى نحو خمسة جنيهات وهي لا تكفي لمستخدم صغير، فضلا عن رجل متزوج ووالد بنات وبنين. (5)
ثمانية وعشرون عاما في خدمة الحكومة، والعمل الممتاز والتفاني في المصلحة العامة، وإيثار خير الوطن على المنفعة الشخصية، ولم تتجاوز ماهيتي بعد كل ذلك، ورغم الأهوال والنكبات التي امتحنت بها، ثلاثين جنيها مع مكانتي الملحوظة في النهضة الثقافية، ومساهمتي من ثلاثين سنة في تغذية الأدب والحرية الفكرية في البلاد. وهي معاملة من الدولة قاسية بلا شك، ولا ترضاها حكومة الشعب لكاتب مفكر ووطني مخلص خاض أشد المحن وصنوف البلاء. (6)
لهذا رأيت أن ألجأ إلى رفعة الرئيس الجليل ملتمسا تسوية حالتي من بداية خدمتي إلى الآن لوضعي في الدرجة الثالثة بأقصى مربوطها حتى لا تقتل روح التضحية إذا هي لم تجد حسن التقدير.
وكتب النحاس باشا حاشية أسفل الشكوى، قال فيها: «حضرة الأستاذ الكبير معروف بصدق بلائه في الأدب وله مكانة عظيمة في عالم القلم، وهو من المعروفين بالوطنية الصادقة، فتكتب مذكرة للعرض بإجابة طلبه.» وبالفعل ينصف النحاس الباشا عباس حافظ ويصدر قرارا بترقيته إلى الدرجة الثالثة.
Página desconocida
ويهنأ عباس حافظ عامين متتاليين من الاضطهاد والقمع، ولكنه لم يهنأ من متطلبات الحياة، فقد مرت السنون وكبرت بناته، وجاءت مرحلة زواجهن وما يصاحبها من مستلزمات مالية؛ فنجد الكاتب الكبير والوطني المخلص يتقدم بطلب تلو الآخر لاستبدال معاشه، من أجل زواج بناته، ووصل الأمر به إلى أن المتبقي من راتبه بعد هذا الاستبدال، لا يصلح للعيش بصورة كريمة. ولكن ماذا يفعل الأب أمام قسوة الحياة؟! لم يكن أمامه إلا أن يطلب بصفة استثنائية من وزير الداخلية فؤاد سراج الدين، استبدال خمسة جنيهات من معاشه لاستكمال مستلزمات زواج ابنته، ووافق الوزير على طلبه في أبريل 1944.
وعندما أتم عباس رسالته تجاه ابنته، وبدأ يفكر في كيفية العيش بالقدر الضئيل المتبقي من راتبه، حدث تغيير وزاري، فتلقى عباس قرارا من رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا في أكتوبر 1944، يقضي بفصله من عمله لأسباب سياسية! وتزداد الهموم على عباس حافظ وتتراكم الديون عليه، فينبش بأظافره أرض الحياة ويصمد أمام ضربات القدر، ويدفع الثمن الباهظ نتيجة مواقفه السياسية طوال ست سنوات، تعاقبت خلالها وزارات كثيرة، منها: وزارة النقراشي باشا، ووزارة إسماعيل صدقي باشا، ووزارة إبراهيم عبد الهادي باشا، ووزارة حسين سري باشا، ووزارة النحاس باشا؛ ووزارة النحاس باشا الأخيرة استمرت في الحكم أسبوعين فقط، وربما لو طال عمرها لكانت أعادت عباس حافظ إلى عمله. ولكن شاءت الأقدار أن تأتي وزارة علي ماهر باشا إلى الحكم في عام 1950، وهي الوزارة التي فصلت عباس حافظ، وهي أيضا الوزارة التي أصدرت قرارا بإعادة المفصولين السياسيين، وبالتالي عودة عباس حافظ إلى وظيفته.
وبعد استلام عباس وظيفته، قرر أن يضع حدا لتلاعب رجال الوزارات به، وذلك بأن يحيل نفسه بنفسه إلى المعاش في أغسطس 1950، دون انتظار الموعد الرسمي لذلك في ديسمبر 1953، كما قال أيضا في مذكرته ب «التوصية لدى القصر بالإنعام علي بالبيكوية من الدرجة الأولى. وليس من شك في أن هذا هو أكبر صنيع تسدونه إلى رجل وطني وفي أينما خدم الدولة والشعب.»
وبالفعل تمت إحالته إلى المعاش في أكتوبر 1950، دون أي ذكر لمنحه البيكوية بصورة رسمية.
5
وربما عز على الحكومة إحالته إلى المعاش دون أن تضع له العراقيل حيث حذفت من سنوات خدمته، فترات فصله السياسي، رغم مخالفة هذا الأمر للقوانين المعمول بها، فأقام عباس دعوى قضائية ضد وزير الداخلية ووزارة المالية ورئاسة مجلس الوزراء، استمرت ثلاث سنوات، حتى جاء الحكم أخيرا في صالحه.
وارتضى عباس حافظ بمعاشه، وتفرغ للكتابة والأدب عدة سنوات، من أجل توفير لقمة العيش له ولأولاده. وكفى بنا للاستدلال على حياته البائسة بعد المعاش، أن نذكر عدة أسطر من رسالته إلى الدكتور طه حسين عام 1955، قال فيها: «أحسبني أطول بالترجمة عهدا من أي مترجم في مصر. فقد بدأت عام 1912 ... أي منذ قرابة 43 عاما ... ورغم هذا العمر الطويل في الترجمة لا أزال رجلا فقيرا لن يجد أهله عند موته ثمن أكفانه، على كثرة ما كسبت، وطول ما اشتغلت. ولكن لي ذرية ضعافا احتملت جلدا تكاليفهم ولا أزال أرعاهم.»
6
وظل الأديب الكبير عباس حافظ يعمل جاهدا، حتى أسلم روحه لبارئها يوم 24 / 6 / 1959، عن عمر يناهز الخامسة والستين، وكان آخر عمل له هو رئاسة تحرير وكالة رويتر.
7 (2) عباس حافظ أديبا
Página desconocida
كان الأدب المتنفس الوحيد لعباس حافظ، أمام الاضطهاد الوظيفي الذي لازمه طوال حياته، وهذا يفسر غزارة إنتاجه الأدبي - نوعا ما - خصوصا في مجال الترجمة. وملفه الوظيفي لا يحمل سوى عناوين قليلة لما قام به من ترجمات بحكم وظيفته رغم أهميتها في إظهار حقيقة نسبتها إلى مترجمها الحقيقي، كما بينا. ولعل تنكيل الوزارات المختلفة بعباس حافظ، وفصله من عمله لسنوات كثيرة، أفسح المجال لقريحته الأدبية، لتنتج إنتاجا وفيرا يدر عليه بعض المال، كي يستطيع التواصل في الحياة، وبذلك تتحقق مقولة «رب ضارة نافعة». وإن كان مجال الترجمة الأدبية، هو المجال الأبرز في إنتاج عباس حافظ الأدبي، إلا أن له مجالات أدبية أخرى، تتنوع بين التأليف والنقد وكتابة المقالات الصحفية. (2-1) إنتاجه الأدبي
تشير الأسطر القليلة التي كتبت عن عباس حافظ أن إنتاجه الأدبي تمثل في تأليف وترجمة عشرة كتب، وثماني عشرة مسرحية، بالإضافة إلى مقالاته في جريدة البلاغ. وللأسف لم تذكر هذه الأسطر عناوين هذه الكتب أو المسرحيات، واكتفت بذكر أمثلة منها، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة! لذلك اجتهدت في إحصاء أغلب العناوين التي تغطي مجالات عباس حافظ الأدبية، تبعا لما بين يدي من معلومات. وإذا بدأنا بالكتب فسنجدها تتوزع بين التأليف والترجمة في أكثر من مجال.
فمثلا في مجال التأليف التاريخي والسياسي والاجتماعي، وجدنا له الكتب الآتية: «نهضة مصر»، المطبعة التوفيقية بشارع درب الجماميز، عام 1922؛ و«بطل النهضة المصرية الكبرى سعد زغلول باشا»، نشره عبد العال أحمد حمدان الكتبي عام 1936؛ و«مصطفى النحاس أو الزعامة والزعيم»، مطبعة مصر 1937؛
8
و«الشيوعية في الإسلام»؛ و«علم النفس الاجتماعي: بحث في نشأة الاجتماع وتطوره»، المكتبة التجارية الكبرى عام 1948.
أما الكتب المترجمة والمعربة، فمنها: «كنوز الملك سليمان» للسير ريدر هجارد عام 1911؛ و«ألوان من الحب»، سلسلة كتب للجميع، مطابع جريدة المصري، 1950؛ ورواية «الشهداء»، كتاب مسامرات الشعب، مطبعة الشعب؛ وقصة «أسطورة الحيوانات الثائرة» لجورج أرويل، دار المعارف 1951؛ و«المعبود الذي هوى: دراسات في الشيوعية»، دار النيل للطباعة 1951؛
9
و«مذكرات بكوك» لتشارلز دكنز، 1958؛ و«المملوك المفقود».
أما المسرحيات المترجمة المنشورة، فمنها: «سيرانو دي برجراك» لأدمون روستان، سلسلة روائع المسرح العالمي، عدد 3، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، يوليو 1959؛ و«ضجة فارغة» لشكسبير، مسرحيات شكسبير، المجلد التاسع، الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، دار المعارف، عام 1968؛ و«العبرة بالخواتيم» لشكسبير، مسرحيات شكسبير، المجلد الثالث عشر، الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، دار المعارف، عام 1983.
10
Página desconocida
أما المسرحيات المترجمة غير المنشورة، والمحفوظ بعضها - بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية - في صورة مخطوطة، فهي: «شاترتون أو شقاء الشاعر» لألفريد دوفيني 1916،
11 «الزوج الموسوس» 1916،
12 «تيمون» لشكسبير 1921،
13 «زواج بالحيلة» لموليير،
14 «الاستعمار».
15
وهذه المسرحيات المخطوطة، هي النصوص المنشورة في هذا الكتاب.
أما المسرحيات - المترجمة أو المؤلفة - التي تعتبر مجهولة؛ لأنها لم تنشر ولم نستطع الحصول عليها، ولكننا حصلنا على إعلاناتها ومقالاتها عندما مثلت - وسنفصل الحديث عنها فيما بعد - فهي: «العذراء المفتونة» لهنري باتاي 1916، و«قسوة الشرائع» 1917، و«الشمس المشرقة» 1918، و«قابيل» 1921، و«زعيم الشعب» لبول بورجيه 1921، و«نبي الوطنية» لبون لوازون 1925.
هذا بالإضافة إلى الكتب التي ذكرها الزركلي ولم نطلع عليها، وهي: «العقل الباطن وعلاقته بالأمراض النفسية» لسادلر، «سلمى»، «الفردوس المسموم»، «دموع وضحكات ».
أما المجال الصحفي، فكان عباس حافظ من أعلامه، وكانت مقالاته تنشر في الصفحات الأولى تحت اسم «الكاتب الكبير عباس حافظ». وتنوع نشاطه الصحفي بين نشر المقالات والقصص المترجمة في المجلات، وبين نشر المقالات الأدبية والسياسية في الصحف؛ فعلى سبيل المثال، نجده ينشر بعض الترجمات في مجلة البيان للشيخ عبد الرحمن البرقوقي عام 1912،
Página desconocida
16
ويقوم بتحرير مجلة التجارة عام 1928، وينشر في مجلة الهلال - يناير 1946 - قصة قصيرة من تأليفه بعنوان «أعاصير العاطفة»، ويترجم رسائل بيتهوفن تحت عنوان «الحبيب المجهول» وينشرها في مجلة الهلال أيضا - يناير 1937 - ويترجم ملخص قصة «الصقر» لكارل ماسون، وينشرها في مجلة الهلال كذلك في مارس 1947. كما وجدنا له أيضا قصة قصيرة مؤلفة باسم «عرفت الحب».
وإذا تطرقنا إلى مقالاته الصحفية، فسنحتاج إلى دراسة أخرى لتتبعها! حيث كان عباس حافظ - في أغلب فترات فصله الوظيفي - مقيما في دور هذه الصحف، بل وكان عنوان إقامته الدائم في هذه الفترات، هو عنوان إحدى الصحف أو المجلات! وهذا من واقع وثائق ملفه الوظيفي. فعلى سبيل المثال: كان عنوانه عام 1924 هو عنوان «جريدة الحال» لصاحبها خليل بك عاصم، وفي العام التالي كان عنوانه «مجلة اللطائف المصورة»، وفي عام 1934 كان عنوانه «جريدة كوكب الشرق»، حيث كان محررها الأول. هذا بالإضافة إلى مقالاته في صحف المنبر، صوت مصر، البلاغ، المصري ... إلخ. (2-2) نشاطه المسرحي
أحصينا فيما سبق - تبعا لما بين أدينا - مسرحيات عباس حافظ المترجمة، ولاحظنا أن المنشور منها لا يتعدى الثلاث! رغم أنه ترجم أربع عشرة مسرحية، وهو العدد المتاح لنا، والذي يشير إلى وجود عدد آخر لم نستطع الحصول عليه. وإذا كانت المسرحيات المترجمة متاحة الآن، سواء كانت منشورة أو مخطوطة، إلا أن غير المتاح هو المسرحيات المترجمة والمؤلفة المجهولة! ولحسن الحظ أن أخبار هذه المسرحيات - عندما مثلت - ما زالت محفوظة بين أوراق الدوريات المختلفة، والتي تمتد من عام 1916 إلى عام 1930! ومن الواجب علينا، طالما أخرجنا حياة عباس حافظ من بين أوراق ملفه، أن نخرج أيضا معلومات مسرحياته المجهولة من بين أوراق الدوريات!
وتعتبر مسرحية «شاترتون أو شقاء الشاعر» أولى مسرحيات عباس حافظ المترجمة والممثلة أيضا، وذلك على الرغم مما يشوبها من غموض في ظروف تمثيلها على خشبة المسرح! ففي مايو 1916، نشرت جريدة المقطم إعلانا تحت عنوان الأدب والطرب، جاء فيه: «في مساء يوم الخميس 18 مايو الجاري يمثل جوق الممثلة المصرية السيدة منيرة المهدية لأول مرة رواية السارق في تياترو برنتانيا، ثم يقوم ممثلان نابغان بتمثيل «شقاء الشاعر»، وهي مأساة بليغة مبكية تصور حياة شاعر خالد قضى ضحية الإهمال، معربة بقلم الكاتب الكبير عباس حافظ. وتطرب السيدة منيرة المهدية الحضور بقصيدة استقبال وقصيدة سلي النجوم. وتختم الحفلة بفصل مجوني من أمين عطا الله.»
17
وعلى الرغم من ذكر اسم المسرحية «شقاء الشاعر»، واسم معربها عباس حافظ بصورة صريحة لا لبس فيها، إلا أننا نشك في تمثيل المسرحية من قبل فرقة منيرة المهدية، وبالصورة الموصوفة في الإعلان، وذلك لعدة أسباب، منها: (1)
أن منيرة المهدية لا تمثل أية مسرحية لا يكون الغناء أساسها التمثيلي، وأن يكون بطلها شخصية نسائية، حتى تضمن منيرة دور البطولة التمثيلية والغنائية فيها. والمعروف أن مسرحية «شقاء الشاعر» بطلها شاعر، وخالية من الغناء! (2)
الإعلان المنشور يفيد بأن الفرقة ستمثل أولا المسرحية الأساسية «السارق»، ثم بعد ذلك تمثل الفرقة - في العرض ذاته - مسرحية «شقاء الشاعر»! وعلى ذلك نقول: هل يعقل تمثيل مسرحيتين كبيرتين في ليلة عرض واحدة؟! هذا بالإضافة إلى الفصل المضحك وغناء منيرة المهدية عدة قصائد! (3)
يفيد الإعلان المنشور أن ممثلين فقط سيقومان بتمثيل مسرحية «شقاء الشاعر»، علما بأن شخصيات المسرحية - كما هو ثابت من النص المنشور في هذا الكتاب - أكثر من عشر شخصيات!
Página desconocida
لهذه الأسباب نشك في تمثيل المسرحية بالصورة التي جاءت في الإعلان السابق. ومما يؤكد هذا الشك قيام جريدة الوطن بنشر كلمة قصيرة بقلم أدهم دلاور - بعد أقل من أسبوع على نشر الإعلان السابق - أبان فيها أنه مدعو - من قبل عباس حافظ - لحضور بروفات مسرحية «شقاء الشاعر شاترتون»، التي عربها عباس حافظ عن الكاتب الفرنسي الفريد دوفيني، وأن نجيب الريحاني سيقوم بدور البطولة فيها!
18
دون أن يذكر أية إشارة أو تصحيح للإعلان السابق! علما بأن مذكرات الريحاني ومعظم الكتابات التي كتبت عنه لم يأت بها أي ذكر لهذه المسرحية، مما يجعلنا نشك في قيام الريحاني بتمثيل هذه المسرحية، بناء على الكلمة المنشورة! ومما يؤكد هذه الشكوك برمتها، عدم وجود أية مقالات نقدية - حسب اطلاعنا - تفيد بأن منيرة المهدية أو نجيب الريحاني قاما بتمثيل مسرحية «شاترتون»!
إعلان مسرحية شاترتون (هذا الإعلان أهداه لي الزميل د. سامي عبد الحليم، فله مني جزيل الشكر والتقدير).
وعلى الرغم من شكنا في تمثيل هذه المسرحية، رغم ما نشر عنها عام 1916، إلا أننا وجدنا دليلا قاطعا على تمثيلها، ولكن للأسف بدون تاريخ واضح! وهذا الدليل عبارة عن إعلان صغير كان يوزع على المارة وفي المقاهي والشوارع وعلى أبواب المسارح، يفيد بأن جمعية رقي الآداب والتمثيل ستمثل مسرحية «شاترتون» تأليف الفريد دوفيني ومن تعريب عباس حافظ. وإذا علمنا أن هذه الجمعية تمثل نشاطها التمثيلي في عام 1916، سيكون هذا العام هو الاحتمال الأكبر لتمثيل مسرحية «شاترتون».
ومسرحية «شاترتون أو شقاء الشاعر»، تدور أحداثها حول شاعر شاب يدعي شاترتون، انعزل عن الأصدقاء والناس لأنهم لم يقدروا موهبته الشعرية، فعاش يائسا بائسا في غرفة بمنزل جون بل، بعد أن أخفى عنه اسمه وعمله. وبمرور الأيام تنشأ علاقة عاطفية طاهرة بين شاترتون وبين كيتي بل زوجة صاحب البيت. وهذه العلاقة لاحظها الأستاذ، وهو رجل متدين وأحد سكان المنزل، وكان دائما يحذر شاترتون من الاستمرار في هذه العلاقة، باعتباره من الشعراء مرهفي الحس. وبمرور الوقت، وأمام الحاجة إلى المال، قام شاترتون بتأليف عدة قصائد، قام بنشرها في الصحف، على اعتبار أنها من نظم شاعر قديم. فقامت ضجة نقدية كبيرة حول ظهور هذه القصائد، وقام النقاد باكتشاف الحقيقة، فانهالوا بالتجريح على شاترتون، رغم أنهم مدحوا هذه القصائد، عندما اعتقدوا أنها من نظم الشاعر القديم. وفي يوم يأتي بعض الأصدقاء إلى المنزل لزيارة جون بل، فيتعرف أحدهم على شاترتون، ويقص على الموجودين قصته. هنا لم يجد شاترتون ملاذا غير حب كيتي بل وعطف الأستاذ، ولكنه كان يعلم أن حبه لكيتي هو حب من طرف واحد، وعندما شعر بأنها تبادله الحب، انتحر كي يحافظ على أسرتها، وكي ينهي حياته البائسة. ولكن كيتي بل حزنت عليه حزنا شديدا حتى ماتت!
أما المسرحية الثانية، التي عربها عباس حافظ من الفرنسية، فكانت «العذراء المفتونة» تأليف هنري باتاي، ومثلتها فرقة الشيخ سلامة حجازي على مسرح الحمراء بالإسكندرية في ديسمبر 1916.
19
وفرقة سلامة حجازي مثلت له أيضا مسرحيته المعربة الثالثة «قسوة الشرائع» بدار الأوبرا في مارس وأبريل 1917.
20
Página desconocida
أما مسرحيته الرابعة فكانت «الشمس المشرقة»، وهي مسرحية يابانية - ربما عربها من ترجمة إنجليزية أو فرنسية - وهذه المسرحية مثلتها فرقة عبد الرحمن رشدي بدار الأوبرا في مايو 1918.
21
وقدمتها الفرقة مرة أخرى على مسرح كازينو دي باري في سبتمبر، وكانت من تمثيل: عبد الرحمن رشدي وعمر وصفي وروز اليوسف، وغناء محمد عبد الوهاب. وفي مايو 1930 مثلت نقابة موظفي الحكومة المصرية هذه المسرحية بدار الأوبرا، وقام بتمثيلها بعض الموظفين الهواة.
22
ومسرحية «الشمس المشرقة»، تدور أحداثها حول شاب ضحى بحياته فداء لزعيم أمته. ذلك الزعيم الذي اتهم بقتل امرأة كانت تسعى للحصول منه على معلومات مهمة، وكانت تخدعه باسم الحب. وهذا الزعيم هام في حب هذه المرأة، ولكنه عندما اكتشف خيانتها للوطن قام بقتلها، مفضلا حب الوطن على حبه الشخصي، فتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة. وأثناء المحاكمة تقدم شاب مخلص لوطنه ولزعيمه ووقف أمام القضاة مدعيا أنه القاتل الحقيقي، وبذلك أنقذ زعيمه. وذهب الشاب ضحية الواجب، فأشرقت الشمس على الوطن من جديد.
إعلان مسرحية الشمس المشرقة (هذا الإعلان أهداه لي الزميل د. سامي عبد الحليم، فله مني جزيل الشكر والتقدير).
وكانت مسرحية «قابيل»، المسرحية الخامسة في ترتيب مسرحيات عباس حافظ الممثلة، ولكنها في الوقت نفسه تعتبر أول مسرحية مؤلفة له! ولكن بكل أسف هي مسرحية مفقودة، لم نحصل على نصها حتى الآن! وقد عرضتها فرقة إخوان عكاشة على مسرح حديقة الأزبكية في يونيو 1921، وقام بتمثيلها عبد الله عكاشة ، عبد العزيز خليل، بشارة واكيم، وآخرون، ثم أعادت الفرقة تمثيلها في مايو 1923.
23
ومسرحية «قابيل» تدور أحداثها حول زواج مصطفى بك ابن عثمان باشا، من الفتاة إحسان ابنة عز الدين باشا. ولكن هذا الزواج لم يدم طويلا حيث طلق مصطفى زوجته بعد أن أنجبت له ابنا هو مختار بك. وبعد الطلاق قام مصطفى بالزواج من أخرى ورزق منها بولد هو جلال بك وبابنة هي سنية. وبمرور الوقت نشأت عداوة بين الأخوين، وصلت إلى حد الشروع في القتل، عندما اعتدى مختار على أخيه جلال فأصابه إصابة قاتلة، وبدأت النيابة التحقيق دون أن تعثر على الجاني. ولكن الأب اكتشف أن الجاني هو ابنه مختار، فصمم على تقديمه للعدالة، ولكن المحقق يأتي في هذه اللحظة ويقول إن المجني عليه أعطى أوصافا مختلفة عن أوصاف مختار، كي يبعد الشبهة عنه لأن الأمل في إنقاذه من إصابته ضئيل. وعندما يسمع الجاني هذا، يقرر الانتحار تكفيرا عن جريمته. وفي اللحظة التي ينتحر فيها الشقيق الجاني، يتم شفاء الشقيق المجني عليه.
بعد أيام قليلة من تمثيل مسرحية «قابيل»، وجدنا فرقة عمر بك سري تعرض مسرحية «زعيم الشعب» من تأليف بول بورجيه ومن تعريب عباس حافظ، لتكون مسرحيته الممثلة السادسة، وقام ببطولتها عمر سري وأحمد علام، وتم عرضها في أواخر يونيو 1921.
Página desconocida
24
والغريب أننا وجدنا ملخصا منشورا لهذه المسرحية في إحدى الصحف، يتشابه إلى حد ما مع بعض الخطوط الرئيسية لمسرحية «قابيل»، رغم إقرار الصحف بأن مسرحية «قابيل»، مسرحية مؤلفة!
وملخص المسرحية المنشور، يصفها بأنها «رواية جليلة يلتقي فيها والد عظيم وابن مجرم نزق، يحاول أن يغري أباه باستخدام نفوذه لكتم جرمه، فيصمم الأب على تسليم ابنه للعدالة حفظا لسمعته ومنصبه. ولكنه يعود بحكم الأبوة فيصفح عنه على شريطة أن يرحل مجاهدا للتكفير عن ذنبه، ثم يقدم الأب العظيم استقالته من منصبه الذي لا يستطيع إشغاله وعلى ضميره وقر كهذا.»
25
أما مسرحيته السابعة والأخيرة فكانت «نبي الوطنية» لبون لوازون، عرضتها فرقة جورج أبيض على مسرح برنتانيا في يناير 1925، وقام ببطولتها جورج أبيض، دولت أبيض، حسين رياض، بشارة واكيم، منسي فهمي، عباس فارس، عبد الفتاح القصري، أحمد نجيب، يوسف حسني، جميلة سالم.
26
وموضوع هذه المسرحية يتشابه أيضا مع موضوع مسرحيتي «قابيل» و«زعيم الشعب»! وكأن عباس حافظ لا يؤلف ولا يعرب ولا يترجم إلا المسرحيات الملتهبة بحب الوطن والتضحية في سبيله بكل عزيز، والتمسك بالمبدأ مهما كان الثمن المدفوع!
فمسرحية «نبي الوطنية» تدور أحداثها حول النائب الوطني بودوان، الذي رفض منذ زمن منصب الوزير، من أجل الدفاع عن مبادئ حزبه، وفضل أن يكون حرا طليقا من قيود الوزارة. وتنتشر في البلدة فضيحة رشوة كبيرة يتهم فيها بعض كبار القوم، فيقبل بودوان منصب الوزير من أجل تطهير البلدة، ويبدأ عمله بقضية الرشوة، فيتضح له أن ابنه من أكبر المتورطين فيها. ويحاول بعض المسئولين الضغط عليه كي لا يفضح ابنه، الذي أصبح نائبا في البرلمان، وإشفاقا على أمه وعلى نفسه باعتباره أبا قبل كل شيء. ولكن بودوان ينسى عاطفة الأبوة، وينسى تضرعات زوجته ويعلن على الملأ أن المجرم في حق وطنه هو ابنه وفلذة كبده، وكان في استطاعته أن يكتم السر، ولكن الإيمان بالوطن عنده كان المقام الأول، وكل ما في العالم من اعتبارات يجب أن يطرح ويمتهن!
ومن حسن الحظ، أن هذه المسرحية شاهدها أحد نقاد ذاك الزمان - ممن نثق في رأيهم وكتاباتهم - وهو محمد عبد المجيد حلمي، الذي كتب كلمة عن أسلوب عباس حافظ في الترجمة، تعكس لنا قيمة ترجماته، ونظرة النقاد لها في زمنها. حيث قال الناقد: «ترجم هذه الرواية الحية، الأديب عباس حافظ، وأنت تعرف كتابته، ولغته، فليس في مصر أديب لم يقرأ له، وليس في مصر متأدب لم يتذوق حلاوة تلك اللغة الموسيقية البديعة، فإذا نجحت الرواية - وقد نجحت - فلا أقل من أن تقول إن لعباس حافظ فضلا كبيرا في نجاحها. فقد سارت الرواية متسقة على نمط واحد من الإبداع، وفي قوة متناسبة بين إحكام الموضوع، وإحكام الوضع المسرحي، وإحكام الترجمة، وإحكام التمثيل! ولقد يعيب بعضهم هذه اللغة الفخمة التي ترجم بها عباس حافظ، وهم معذورون، فقد ألفوا اللغة الدارجة على المسرح، وتعودوا العامية، وما فوقها، وما دونها. وإذن فقد كان لا بد من إدخال هذه اللغة الفخمة الرائعة في المسرح ولو بين حين وحين.»
27 (2-3) عباس حافظ ناقدا مسرحيا
Página desconocida
لم يكن مجال الترجمة المجال الوحيد في نشاط عباس حافظ المسرحي، بل هناك نشاط آخر هو النقد المسرحي الذي مارسه - ربما - قبل الترجمة المسرحية. وأولى محاولاته النقدية بدأت في مارس 1916، عندما نشر مجموعة من المقالات النقدية بجريدة المنبر، تحت عنوان «الروح العامة في آداب المسرح المصري». في هذه المقالات ظهر عباس حافظ بمظهر الناقد المتمرس، لا الناقد المبتدئ، بل وظهر بمظهر الرائد في مجال نقد لغة المسرح ونصوصها، وبالأخص لغة ترجمة المسرحيات الممثلة.
ففي هذه المقالات، شن عباس حافظ هجوما شرسا على عرض مسرحية «أجاممنون أو الرجاء بعد اليأس» التي عرضتها فرقة الشيخ سلامة حجازي. وتمثل هجومه في امتعاضه من لغة ترجمة الشيخ نجيب الحداد لهذه المسرحية، حيث إنها لغة أصبحت غير مناسبة للعصر وتطوراته، وإن كانت مناسبة للغة العروض المسرحية في القرن التاسع عشر. كما بين في نقده أن الجمهور أصبح تواقا لسماع لغة المثقفين المتعلمين، بعد أن مج سماع لغة التجار العاميين من أهل المسرح، الذين لا هم لهم سوى استلاب نقود الجمهور، بغض النظر عن إكسابهم قيمة المسرح المتمثلة في لغته الراقية. كما بين أيضا أن صراعا بدأ ينشب بين القديم والجديد، وتفضيله لانتصار الجديد وأصحابه ممن يترجمون بلغة عصرية فصيحة، صالحة لمتطلبات العصر.
28
وربما هذا النقد النظري، كان دافعا قويا لعباس حافظ كي يخوض مجال الترجمة المسرحية الملائمة لروح العصر، لتكون ترجماته - فيما بعد - تطبيقا لما نظر له في هذه المقالات.
وفي مارس 1916 أيضا، كتب عباس حافظ في جريدة المنبر مجموعة مقالات نقدية، تحت عنوان «قلب المرأة للكاتب الكبير عباس حافظ»، هاجم فيها كتابات محمد لطفي جمعة، وبالأخص مسرحيته قلب المرأة. ويعاب على أسلوب عباس حافظ النقدي في هذه المقالات، تدني مستوى مفرداته وأوصافه المشينة ، التي وصلت إلى حد وصف لطفي جمعة بأنه «من الحشرات الأدبية التي تمتص أفكار المنتجين»!
وفي هذه المقالات نبش عباس حافظ تاريخ لطفي جمعة الأدبي، متهما إياه بسرقة ترجمة كتاب «كلمات نابليون»، الذي ترجمه إبراهيم رمزي، وأعاد لطفي - فيما بعد - نشره باسم «حكم نابليون». كما اتهمه أيضا بانتحال مقالة منشورة في مجلة أدبية لكاتب مصري مفكر، كانت تدور حول آراء نقد كتاب «سر تطور الأمم» لجوستاف لوبون وترجمة فتحي زغلول. وبعد هذا التشكيك في قدرات لطفي جمعة الأدبية، واتهامه بالسرقة العلمية، فجر عباس حافظ مفاجأته بأن مسرحية قلب المرأة ليست من بنات أفكار لطفي جمعة، بل هي منتحلة من مسرحيتين أجنبيتين، وراح يعطي الدليل وراء الآخر!
29
والغريب أن مسرحية قلب المرأة ما هي إلا جزء من ترجمة لطفي جمعة الذاتية، تحكي عن فترة من حياته قضاها في أوروبا أثناء الدراسة.
30
ولعل عباس حافظ فطن إلى ذلك فيما بعد، فأرسل رسالة إلى لطفي جمعة بعد أكثر من عام، يعتذر فيها عما بدر منه في الماضي.
Página desconocida
31
وتوالت بعد ذلك مقالات عباس حافظ النقدية المتعلقة بالمسرح، مثل مقالته النقدية عن مسرحية حسناء العرب لفيليب مخلوف، الذي امتدح أسلوبها العربي الرصين.
32
ومن الواضح أن روح النقد المسرحي عند عباس حافظ، لم تكن مقصورة على كتاباته الصحفية، بل كانت ملتصقة بعمله الوظيفي. ففي عام 1935 كان عباس حافظ يعمل رقيبا على النصوص المسرحية في قلم المطبوعات بوزارة الداخلية، وكان يكتب التقارير المتنوعة الخاصة بتصريح أو بمنع النصوص المسرحية من التمثيل على خشبة المسرح. والرقابة المسرحية - كما هو معروف - كانت قاصرة على رصد الموانع الرقابية المتعلقة بالأمور الدينية والأمن العام. ولكن عباس حافظ انتهج أسلوبا جديدا في الرقابة المسرحية، لم يكن معهودا من قبل، ويعتبر رائدا في انتهاجه.
ففي يناير 1935 تقدم إلى قلم المطبوعات - نائب مدير معهد التمثيل الشرقي - الكاتب سيد الجمل
33
بمسرحيته المؤلفة «نيران»،
34
من أجل التصريح بتمثيلها، وقام بقراءتها عباس حافظ - بوصفه رقيبا - وكتب تقريرا نقديا برفضها، لما بها من ركاكة وضعف بالغ في كل موضع بها، وليس لها أي مغزى، ومفتقدة للعقدة والحبكة المسرحية ... إلخ. ويختتم الرقيب الناقد تقريره بقوله: «فإن كان المراد من رقابة الروايات الاطمئنان المجرد إلى خلوها من أية فكرة خطرة على الأمن أو على النظام الاجتماعي فهذه من ذلك كله خالية. ولا مانع من ردها إلى المؤلف ليعالج إصلاحها إن استطاع. وإن كان غرض الرقابة سلامة ما يقدم إلى الجمهور والمخافة على ذوقه من الإفساد وحمايته من أن تكون تجارب المؤلفين المبتذلين على حسابه؛ فلست أرى وجها لإقرار هذه الرواية بحال.»
35
Página desconocida