بسم الله الرحمن الرحيم
باب الحيل في الطلاق والاسنثناء
قال حدثنا يعقوب بن يوسف عن أبي حنيفة قال: قلت: أرأيت رجلًا طلق امرأته ثلاثًا أو واحدة يقول لها أنتِ طالق فهل في ذلك حيلة حتى لا يقع عليها الطلاق وترجع إليه فتكون على حالها؟
قال: نعم.
قلت: فما الحيلة في ذلك؟
قال: إذا قال أنتِ طالق ثلاثًا أو واحدة فقال إن شاء الله فوصل يمينه بالاستثناء.
قلت: وكذلك إن قال لعبده أنت حر إن شاء الله؟ قال نعم.
قلت: ويقول هذا غيركم؟ قال نعم، قد جاءت به الأحاديث عن رسول الله ﷺ، قال ح دثنا أبو يوسف قال حدثنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله وعلي بن أبي طالب أنهما قالا من حلف بطلاق أو عتاق فاستثنى فله استثناءه، وقال شريح إن قدّم الطلاق وأخّر الاستثناء وقع الطلاق وإن قدّم الاستثناء وأخّر الطلاق لم يقع، قال أبو يوسف ولسنا نأخذ بحديث شريح إنما نأخذ بقول علي وعبد الله قال حدثنا يعقوب قال حدثنا محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه قال من حلف بطلاق أو عتاق فقال إن شاء الله لم يقع طلاق ولا عتاق- وقال أ [ويوسف حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن إبراهيم مثله- قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال من حلف بطلاق أو عتاق فقال إن شاء
1 / 5
الله لم يقع طلاق ولا عتاق، فمن حلف بشيء من هذه الأيمان فقال إن شاء الله فقد برّ ولم يحنث ولا يقع عليه شيء، ومن حلف بنذر أو غير ذلك من الأيمان المغلظة فقال إن شاء الله فقد بر وخرج من يمينه.
وقال أبو يوسف فقد حدثنا أبو بكر النهشلي عن الحسن البصري ومحمد ابن سيرين أنهما قالا في ذلك يقع الطلاق لأن الله قد شاء الطلاق قال فقد بلغنا حديث الحسن عن ابن سيرين في ذلك ولسنا نأخذ به.
قال يعقوب حدثنا معروف بن واصل عن محارب بن دثار رفعه إلى النبي ﷺ أنه أتاه رجل فسأله النبي ﷺ أتزوجت؟ قال: نعم، قال: ثم ماذا؟ قال: طلقتها، قال له النبي ﷺ من ريبة؟ قال: لا، قال له النبي ﷺ قد يكون ذلك، ثم جاءه بعد ذلك فقال له النبي ﷺ أتزوجت؟ قال: نعم، قال ثم ماذا؟ قال: طلقتها، قال من ريبة؟ قال لا، قال قد يكون ذلك، ثم قال له النبي ﷺ ف يالمرة الثالثة ما من شيء أحله الله أكره إلى الله من الطلاق.
وقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال ما من بيت يُبنى في الإسلام أحب إلى الله من النكاح، ولا شيء أحله الله أكره إليه من الطلاق.
قال: حدثنا إسماعيل بن عياش العبسي عن حميد اللخمي عن مكحول عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ يا معاذ ما خلق الله شيئًا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله شيئًا على وجه الأرض أبغض إليه من لاطلاق.
فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فقد بر والاستثناء له، وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله الاستثناء ولا طلاق عليه؛ فكيف نأخذ بحديث الحسن وابن سيرين مع حديث النبي ﷺ ثم أصحابه ثم التابعين من بعدهم، ثم الأحاديث في الاستثناء في غير الطلاق.
حدثنا يعقوب قال حدثنا عبد الله بن عمرو الجهني عن ليث بن أبي سليم عن طاوس قال قال رسول الله ﷺ من حلف على يمين فقال إن شاء الله
1 / 6
فقد خرج من يمينه؛ قال ليث فقلت لطاوس وفي الطلاق والعتاق قال نعم، وفي الطلاق والعتاق إلا أنه ما يرفعه إلى النبي ﷺ في الطلاق والعتاق.
قال حدثنا يعقوب قال حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عباس أنه قال من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه ولا كفارة.
قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبو يحيى عن أبيه عن البراء بن عازب عن علي بن أبي طالب قال من استثنى فلا حنث عليه.
قال حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود أنه قال من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى ولا حنث عليه.
قال حدثنا يعقوب عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في ذلك خرج من يمينه.
قلت أرأيت الرجل يُستحلف فيريد أن يحلف وهو يريد أن ينوي شيئًا آخر ظالمًا كان أو مظلومًا فكيف يصنع قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال إذا استُحلف الرجل وهو مظلوم فيمينه على ما نوى، وإذا استُحلف وهو ظالم فيمينه على نية الذي استحلفه.
قال حدثني أبو مالك عبد الرحمن بن مالك بن مغول البجلي حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ "يمينك على ما صدقك عليه صاحبك" قال عبد الرحمن فلم أدر ما تفسير هذا الحديث فلقيت سفيان الثوري وقد كان شهد الحديث معنا فسألته فقال يا ناعس قال رسول الله ﷺ يمينك على ما صدقك عليه صاحبك إذا كنت ظالمًا، فاليمين على ما استُحلفت عليه وإذا كنت مظلومًا فاليمين على ما نويت، قلت فما ترى في هذا الأيمان التي يحلف بها الرجل فيئول يمينه من سلطان أو غيره فلا يريد بذلك أن يذهب بحق أحد ولا يظلم أحدًا؛ قال لا بأس به.
1 / 7
قال حدثنا سلمة بن صالح عن يزيد الواسطي عن عبد الكريم عن عبد الله ابن بريدة قال سئل رسول الله ﷺ عن آية من كتاب الله وهو في المسجد فقال لا أخرج حتى أخبرك بها فقام رسول الله ﷺ من مجلسه ذلك فلما أخرج إحدى رجليه من باب المسجد أخبره بالآية قبل أن يُخرج رجله الأخرى.
قال حدثنا يعقوب قال حدثنا قيس بن الربيع عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال إن في معاريض الكلام لما يُغني المرء المسلم عن الكذب.
وحدثنا يحيى أبو بكر قال أخبرنا الحارث بن عبيد عن معمر عن الزهري أن عبد الله بن رواحة وقع على جارية له فقالت له امرأته فعلت كذا وكذا؟ قال لا، قالت فاقرأ إذًا، قال:
شهدت بأن وعد الله حقٌّ ... وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق المساء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا
ويحمله ملائكةٌ كرامٌ ... ملائكة الإله مقربينا
قال فقلت تستقرئيني القرآن؟ وأنشد الشعر، فأتيت النبي ﷺ فقصصت عليه القصة وأنشدته الأبيات فقال لا بأس.
قال حدثني قيس بن موسى بن يزيد بن عمرو الكتاني أن عبد الله بن رواحة ابتاع جارية وكتم ذلك امرأته فبلغها ذلك فقالت ذات يوم إنه بلغني أنك ابتعت جارية، قال ما فعلت، قالت بلى، وبلغني أنك كنت عندها ولا أحسبك إلا جنبًا، فإن كنت صادقًا فاقرأ عليَّ آيات من القرآن فقال:
شهدت بأن وعد الله حقٌّ ... وأن النار مثوى الكافرينا
1 / 8
فقالت: زدني، فقال:
وأن العرش فوق السماء طافٍ ... وفوق العرش رب العالمينا
فقالت زدني فقال:
ويحمله ملائكة كرام ... ملائكة الإله مقرَّبينا
فقالت أما إذ قرأت القرآن فإني أعلم أنك مكذوب عليك ثم افتقدته ذات يوم فلم تصبه فلما قدرت عليه قال الآن صدق قولي فجحدها فقالت إن كنت صادقًا فاقرأ ثلاث آيات من كتاب الله، فقال:
وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا شق يُعرف به الصبح ساطع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
فقال زدني فقال:
أتانا الهدى بعد العَمى فقلوبنا ... له موقنات أن ما قال واقع
فقال زدني فقال:
وأعلم علمًا ليس بالظن أنني ... إلى الله محثور هناك وراجع
قال فحدث ذلك رسول الله ﷺ فاستضحك حتى رأيت التهلل في وجهه ثم قال هذا لعمر الله من معاريض الكلام؛ يغفر الله لك يا بن رواحة، إن خيركم خيركم لنسائه؛ فأخبرني ماذا ردت عليك حيث قلت الذي قلت؟ قال قالت: الله بيني وبينك، أما إذ قرأت القرآن فإني أتهم ظني وأصدقك قال فقال رسول الله ﷺ لقد وجدتها ذات فقه في الدين.
قال وحدثنا يعقوب عن قيس بن الربيع عن حماد عن إبراهيم أنه سئل عن
1 / 9
رجل ادعى عليه رجل دعوى وهو ظالم له فقال احلف بالمشي إلى بيت الله كيف الحلة في ذلك؟ قال له إبراهيم احلف بالمشي إلى بيت الله وأعن مسجد حيك فإنك لا تحنث.
قال وحدثنا يعقوب عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن إبراهيم أنه قال له رجل إن فلانًا يأمرني أن آتي مكان كذا وكذا وأنا لا أقدر على ذلك فكيف الحيلة لي قال له إبراهيم قل له والله ما أبصر إلا ما سددني غيري، وأعن إلا ما بصرني ربي.
قال حدثنا يعقوب عن قيس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال كان رجل من باهلة عيونًا فرأى بغلة لشريح فأعجبته فرأى شريح ذلك فقال له شريح أما إنها إذا ربضت لا تقوم حتى تقام فقال له الرجل أف زف، حدثنا يعقوب عن مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سيرة قال جعل حذيفة يحلف لعثمان بن عفان في أشياء بالله ما قالها وقد سمعناه قالها فقلت يا عبد الله سمعناك تحلف لعثمان على أشياء ما قلتها وقد سمعناك قلتها فقال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله.
حدثنا يعقوب قال حدثنا مسعر بن كدام عن وبرة عن عبد الله بن عمر قال لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا.
حدثنا يعقوب قال حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن إبراهيم قال قال رجل لإبراهيم إني ذكرت من رجل شيئًا فبلغه ذلك فكيف الحيلة في ذلك وكيف أعتذر إليه فقال له إبراهيم قل والله إن الله يعلم ما قلت لك من ذلك من شيء فإن الله قد علم حين قلت ما قلت خيرًا قلت أو شرًا قال أو لم تقل.
حدثنا يعقوب قال حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عباس أنه قال ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم وسودها.
حدث بعض أصحابنا عن عمر بن الخطاب أنه قال إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب.
حدثنا يعقوب قال حدثنا عقبة بن أبي العيزار قال كنا نأتي إبراهيم النخعي
1 / 10
وهو متغيب خائف من الحجاج بن يوسف فكنا إذا خرجنا من عنده يقول لنا إن أنتم سئلتم عني وحلفتم فاحلفوا بالله ما تدرون أين أنا ولا لنا به علم ولا في أي موضع هو واعنوا أنكم لا تدرون في أي موضع أنا فيه قائم أو قاعد أو نائم فتكونوا قد صدقتم، لا تدرون أين أنا قائم أو قاعد أو نائم.
قال عقبة وأتاه رجل فقال يا أبا عمران إن رزقي في الديوان وإني اعترضت على دابة وإن دابتي نفقت وإنهم يريدون أن يُحلفوني بالله إنها الدابة التي اعترضت عليها، فكيف الحيلة في ذلك؟ قال له إبراهيم اذهب فاركب دابة واعترض عليها على بطنك اعتراضًا ثم احلف بالله إنها الدابة التي اعترضت عليها وانو بها الدابة التي اعترضت عليها على بطنك.
حدثنا يعقوب قال حدثنا عقبة وأتاه رجل فقال يا أبا عمران إن الأمير يريد أن يضرب على البعث وقد خبرته أني لا أبصر وأنا أبصر قليلًا فإنه يريد أن يُحلفني بالله ما تبصر، فما الحيلة في ذلك؟ قال له إبراهيم احلف بالله ما تبصر إلا ما سُددت وسددك غيرك واعن أن الله هو الذي يسددك.
حدثنا ابن عُليّة عن ابن عون عن أنس بن سيرين قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فيه ضعف فقال له ابن عمر ما هممت أن أجلدك بآية، قال لمَ أصلحك الله؟ قال إنك ما علمك بحب الفتنة والفتنة قوله: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة).
ابن عُليّة عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال قال الوليد عقبة ابن اعزم عليَّ أول من سماسر.
حدثنا أبو يوسف عن الحسن بن عمارة عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: (لا تؤاخذني بما نسيت) قال: لم ينس ولكنه من معاريض الكلام.
حدثني أبو سعيد سعد بن مالك المزني عن أبي حاتم البجلي أن إبراهيم دخل على الحجّاج فعاتبه في أشياء فقال النخعي إن الخاصرة قد لزمتني ما تفارقني وإن الدم كثير وأنا صاحب فراش، فقال الحجّاج إن في خصلة من هذه لشغلا.
1 / 11
حدثنا وكيع عن الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن سويد بن غفلة قال قال علي بن أبي طالب إذا حدثتكم عن رسول الله ﷺ فهو كما حدثتكم، فوالله لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أكذب على رسول الله وإذا سمعتم أني حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة.
قال حدثنا محمد ب ن الحسن عن سفيان عن عمرو عن جابر أن رسول الله ﷺ قال الحرب خدعة.
قال وحدثنا يزيد بن هارون عن عبد الله بن عون قال ذُكر عند محمد بن سيرين أنه يصلح الكذب في الحرب فأنكر ذلك فقال ما أعلم الكذب إلا حرامًا، قال ابن عون فغزونا فخطبنا معاوية بن هشام فقال اللهم انصرنا على عمورية، وهو يريد غيرها، فلما قدمت ذكرت ذلك لمحمد فقال أما هذا فلا بأس به، قال يزيد ليس كل العلم جمعه محمد.
قال وحدثنا داود بن أبي هند عن شهر بن حوشب رفعه إلى النبي ﷺ قال: كل الكذب مكتوب لا محالة إ لا الرجل بامرأته وولده، والرجل يُصلح بين اثنين، والحرب فإن الحرب خدعة.
قال وحدثنا إسماعيل بن عياش العبسي عن ابن جريج عن عطاء قال لا بأس بالنية والكذب في إصلاح بين الناس.
قال وحدثنا أبو نصر عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال أخبرني سعيد بن أبي عروبة العدوي وأبو العطوف عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من المهاجرات التي هاجرت مع رسول الله ﷺ قالت سمعته يقول ليس بالكذاب الذي يُصلح بين الناس فينمى خيرًا وينوي خيرًا وليس يُرخَص في شيء مما يقول الناس أنه حدث إلا في ثلاث إصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
حدثنا جريج بن عبد الحميد الصبغي عن منصور عن إبراهيم قال كان لهم كلام يدرءون به عن أنفسهم العقوبة والبلاء في والكذب.
1 / 12
باب الحيل في إجازة الدور
قلت: أرأيت رجلًا استأجر من رجل دارًا سنين معلومة فخاف أن يعذر له صاحب الدار قال فليسم لكل سنة من أول هذه السنين أجرًا قليلًا ويجعل للسنة الآخرة أجرًا كثيرًا فيكون ذلك ثقة للمستأجر.
قلت: أرأيت إن كان رب الدار هو الذي يخاف عذر المستأجر وخاف أن يسكن بعض السنين ويعطل الدار بعد ذلك؟ قال فليؤاجرها إياه سنين مسماة ويجعل عظم أجر هذه السنين أجر السنة الأولى ويجعل ما بقي من الأجر لما بقي بعد ذلك من السنين.
قلت: هذا ثقة عندكم لرب الدار؟ قال نعم؟
قلت: أرأيت رجلًا أراد أن يؤاجر رجلًا داره فخاف رب الدار أن يغيب المستأجر ويحتاج رب الدار إلى داره فلا يدفعها إليه أهل المستأجر الغائب هل في ذلك حيلة؟ قال: نعم، يؤاجرها رب الدار من امرأة الذي يخاف غيبته ويضمن الزوج أن يرد عليه الدار متى ما شاء واحتاج إليها إن احتجبت المرأة وأنكرت الإجارة، قلت: ويجوز هذا؟ قال: نعم، قلت: فإن غاب الزوج أخرج المؤاجر المرأة وعيال الغائب من الدار؟ قال: نعم، إذا أراد ذلك، قلت: وكذلك إن مات الزوج؟ قال نعم، قلت: أرأيت إن ماتت المرأة أو جحدت الإجارة وادعت أن الدار دارها أيضمن الزوج للمؤاجر أن يسلم إليه داره كما اشترط رب الدار؟ قال: إذا قامت عليه البينة بالضمان كما وصفت، قلت أرأيت إن كان المستأجر ليس بملئ بأجر الدار كيف يصنع رب الدار؟ قال يأخذ منه كفيلًا بأجر الدار ما سكنها أبدًا ويسمى أجر كل شهر للضمين ويشهد به عليه.
قلت: أرأيت رجلًا استأجر دارًا وليس فيها بناء وأذن له رب الدار أن يبنيها
1 / 13
ويحسب له ما أنفق في البناء من أجر الدار ما بينه وبين كذا درهمًا أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت فإن أنفق المستأجر وبنى الدار فقال أنفقت كذا وكذا درهمًا وأنكر ذلك رب الدار وقال بل أنفقت أقل من ذلك قال القول قول رب الدار مع يمينه، قلت فإن كان رب الدار قد أشهد أن المستأجر مصدق على ما قال أنه أنفقه قال ليس ذلك بشيء ولا يصدق المستأجر أنه أنفق شيئًا إلا ببينة والقول قول رب الدار، قلت أرأيت إن جحد رب الدار أن يكون المستأجر بنى فيها شيئًا وقال آجرته داري على حالها وبنائها قال القول قوله ولا يصدق المستأجر إلا ببينة، قلت فكيف يستوثق المستأجر حتى يصدق فيما قال إني قد أنفقته ولا يُلتفت إلى قول رب الدار قال يسلف المستأجر رب الدار من أجرته بقدر ما يكتفى به من نفقة الدار ويُشهد على رب الدار بقبضه ذلك من أجر الدار ثم يدفع رب الدار إلى المستأجر ما أخذ منه ويوكله بالنفقة في داره، قلت ويصدق المستأجر حينئذ على أنه قد أنفق ما دفع إليه من الدراهم على الدار قال نعم إذا كان ذلك نفقة قصد، قلت فإن قال المستأجر قد ضاعت الدراهم التي دفعت إلى وأمرتني أن أنفقها؟ قال يصدق مع يمينه.
قلت أرأيت رجلًا أراد أن يؤاجر داره من رجل سنة وخاف رب الدار أن يطلب أجر داره فلا يدفعه المستأجر إليه ويشعب عليه فيه كيف يحتال؟ قال يؤاجرها إياه سنة من يومه على أن أجر كل يوم بعد مضي السنة دينار أو أكثر من ذلك إن شاء رب الدار، قلت ويجوز هذا على هذا الشرط؟ قال نعم، وهو ثقة لرب الدار فيما أراد.
قلت أرأيت رجلًا استأجر من رجل دارًا وأخذ رب الدار من المستأجر كفيلًا بأجر ما سكن الدار فاجتمع على المستأجر من أجر الدار مال كثير فأخذ الطالب الكفيل بالأجر فأراد الكفيل مصالحة رب الدار على بعض الأجر فأعطاه بعض الأجر وحط عنه وعن المستأجر ما بقي أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت فإن أراد رب الدار أن يكون ما حط من ذلك على المستأجر ويبرأ منه الكفيل كيف
1 / 14
يحتال في ذلك؟ قال يصالح على ما ذكرت من الدراهم على أن يبرأ الكفيل خاصة من الذي بقي من أجر الدار وأن الذي يبقى لرب الدار على المستأجر على حاله، قلت ويجوز هذا؟ قال نعم، قلت فإن كان الكفيل هو الذي أراد أن يعطي بعض ما ضمن ويبرأ هو وصاحبه المستأجر وأراد أن يرجع على المستأجر بما أعطى عنه وما حط عنه هل في ذلك حيلة؟ قال نعم، يعطي الكفيل رب الدار بما وجب له من أجرة الدار دينارًا ويغلي له رب الدار بالدنانير فيكون للكفيل جميع ما وجب من أجر الدار على المستأجر دراهم يأخذه بجميعها، قلت فيطيب ذلك للكفيل ويسعه فيما بينه وبين الله؟ قال نعم.
قلت وكذلك لو كان الكفيل إنما ضمن عنه شيئًا سوى أجر الدار من دين أو صداق أو غير ذلك فهو سواء قال نعم.
قلت أرأيت إن كان استأجر المستأجر الدار كل سنة بكر حنطة فأخذ الكفيل المستأجر بما ضمن عنه فأدى إليه على وجه الاستقضاء كر حنطة فباعه الكفيل وأعطى رب الدار دراهم وهي أقل من ثمن الكر بالكر وقبل ذلك من المؤاجر قال ذلك جائز والفضل يطيب للكفيل، ولو كان الكفيل إنما أخذ الكر على وجه الرسالة فباع الكر ثم رخص الطعام فاشترى للرب طعامًا مثله فقضاه إياه لم يطب الفضل للكفيل وعليه أن يتصدق به؛ ولو كان الكفيل حيث أخذ الكر على وجه الرسالة فباعه في حال الغلاء ورخص الطعام أعطى الكفيل رب الدار بالكر الذي وجب له عليه دراهم أقل من ثمن الكر الذي باعه الوكيل جاز ذلك وبرئ الكفيل من ضمان الكر الذي باعه قلت فإن كان استفضل من ثمن الكر شيئًا أيطيب ذلك له قال لا لأنه غاصب له حيث باعه ولم يؤمر ببيعه، قلت وكذلك إن كان آجر الدار بدراهم فاقتضاها هذا الكفيل من المستأجر ثم اشترى بها وباع وربح أيطيب له الفضل؟ قال نعم، قلت فإن كان الكفيل إنما أخذ الدراهم على وجه الرسالة فباع بها واشترى فربح قال يتصدق بالفضل في قول أبي حنيفة، وأما أبو يوسف فقال الربح له طيب، قلت هل عندك حيلة
1 / 15
في أن يطيب ربح الأجر الذي أرسل به مع الكفيل؟ قال نعم يشتري الكفيل متاعًا لا ينوي أن يعطي ثمنه من أجر الدار، فإن أعطاه بعد ذلك لم يُفسد ذلك عليه ربح متاعه ولم يحرمه عليه، قلت ويستقيم هذا؟ قال نعم.
قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن الحيلة في نحو هذا فأجابني بما وصفت لك، قلت هل في هذا وجه غير هذا؟ قال نعم، يعطي الكفيل بأجر الدار دنانير بما كان عليه، قلت فيشتري الكفيل بذلك؟ قال نعم يشتري الكفيل بمال نفسه متاعًا فيطيب له فضل مال نفسه.
قلت أرأيت رجلًا تكارى دارًا ولم يرها أيكون له الخيار إذا رآها؟ قال نعم، قلت فإن رآها ورضي بها ثم أصاب بها عيبًا ألهُ أن ينقض الإجارة قال لا إلا أن يكون العيب ينقص من سكنها.
قلت أرأيت رجلًا أراد أن يكترى إبلًا لمتاع له إلى مصر بمائة دينار فإن قصر عنها إلى الرملة فكرى الجمال سبعون دينارًا فإن قصر عن الرملة إلى أذرعات فالكرى خمسون دينارًا، فاستأجر على هذا الشرط قال الإجارة على هذا الشرط فاسدة، فإن حمل الجمال إلى مصر فإني أستحسن أن أجعل له أجر مثله لا أجاوز به المائة، قلت فكيف الثقة للجمَّال وللمستأجر حتى يصح ذلك على هذا الشرط وحتى لا يفسد ما أخذ؟ قال يستأجر رب المتاع من الجمال إلى أذرعات بخمسين دينارًا ويستأجر منه من أذرعات إلى الرملة بعشرين دينارًا ويستأجر منه من الرملة إلى مصر بثلاثين دينارًا، فإذا فعل هذا جاز على ما سمينًا ولم يفسد هذا الشرط أحد، قلت أرأيت أن أراد صاحب المتاع ألا يحمل من أذرعات إلى الرملة؟ قال ذلك له وليس لصاحب الإبل إن أراد صاحب المتاع أن يحمل إلى الرملة من أذرعات أن يمتنع من ذلك.
1 / 16
باب الحيل في الهبة
ولو أن رجلًا وهب لرجل هبة فقبضها قبل أن يتفرقا والواهب ساكت ولم يأمره بالقبض قال الهبة جائزة، وكذلك لو أمره الواهب بقبضها وقال قد خليت بينك وبينها ثم انصرف الواهب وتركها عند الموهوب له فإنه قبض، ولو أن رجلًا وهب لأخيه من الرضاع ثم أراد أن يرجع في هبته فذلك له ولا يشبه الرضاع النسب.
ولو أن غلامًا صغيرًا وهب له هبة فقبضته الأم والغلام في عيالها كان ذلك جائزًا لأنها بمنزلة الأب لو كان حيًا.
وكذلك لو كان الصبي في حجر رجل أجنبي وهو يعوله فوهب للصبي هبة فقبضه الذي يعوله فذلك جائز.
وإذا وهب للصبي الذي يعقل ومثله يقبض هبة وقبضها فإني أستحسن أن أُجيز ذلك، ولو كان هذا الصبي جارية قد تزوجت يجامع مثلها إلا أنها لم تدرك فوهب لها هبة فقبضها زوجها أو أبوها أو هي بنفسها فذلك جائز، وإن كان التي دخل بها فلا يجوز قبضه لها.
ولا يجوز هبة الرجل لابنه الكبير الذي في عياله إلا أن يقبضها، فإذا كان أبو الصبي غائبًا غيبة منقطعة وهو في حجر أمه فإن قبضتها له جازت، وإن كان الأب حاضرًا لم تجز، ولو كان الأب غائبًا غيبة منقطعة والصبي في حجر رجل أجنبي وعمه حاضر فوهب له هبة فإن قبض الرجل الأجنبي الذي يعوله جائز ولا يجوز قبض العم له.
وإذا وهب رجل لرجل نصف دار ثم وهب لآخر النصف الباقي ودفعها إليهما معًا لم يجز في قول أبي حنيفة، ولو وهب لأحدهما الثلث وللآخر الثلثين لم يجز إلا مقسومًا، وهو جائز في قول أبي يوسف.
1 / 17
ولو أن رجلًا له على رجل دين دراهم أو دنانير فوهبها لرجل أجنبي ووكله بقبضه فقبضه فإن ذلك جائز.
ولو أن رجلًا اغتصب من رجل عبدًا ورهنه عند رجل ثم إن مولى العبد وهب العبد لابن له صغير فإن ذلك لا يجوز.
ولو أن رجلًا مكاتبًا أعتق عبدًا له أو وهب رقبته لرجل فأجاز ذلك مولاه فإن ذلك لا يجوز، وكذلك العبد المأذون له إذا كان عليه دين فأجاز ذلك مولاه والغرماء فإن ذلك لا يجوز، ولو لم يكن عليه فأجاز ذلك مولاه فإن ذلك جائز.
ولو أن رجلًا أعتق ما في بطن أمته أو وهبها وهي حبلى فإن الهبة جائزة ولا يشبه هذا البيع.
وإذا وهب لرجل ما في ضروع غنمه وأمره أن يقبض فحلبها وقبض فإني أستحسن أن أجيزه.
ولا يجوز هبة نصيب الرجل من عبد ما لم يسم النصيب حتى يسميه ويدفعه.
وإذا وهب رجل لرجل هبة ودفعها إليه فله أن يرجع فيها ما لم تزد أو يعوض منها، فإن عوضه أجنبي بغير أمره جاز العوض وليس له أن يرجع في هبته.
وإذا وهب رجل لرجل ألف درهم فعوضه درهمًا من غيرها فهو عوض، وكذلك إن وهب مائة دينار فعوضه دينارًا منها أو أقل فهو جائز، ولو أنه وهب لرجل دارًا ودفعها إليه ثم استحق نصف الدار فإن الهبة تنتقض في النصف الباقي إن كان النصف المستحق غير مقسوم، فإذا قال الموهوب له قد تصدقت عليك أيها الواهب بهذه الدراهم عوضًا لك عن هبتك فذلك عوض وليس بصدقة.
وإذا وهب الرجل فعوض منها فهلك العوض في يده ثم استحق الهبة فإنه
1 / 18
ضامن لقيمة العوض، ولو هلك الهبة في يد الموهوب له ثم استحق العوض لم يضمن الموهوب له للواهب شيئًا، وإذا استحق الهبة فأجاز المستحق الهبة وقد عوض الموهوب له الواهب من الهبة عوضًا فإن العوض باطل وله أن يرجع فيه ما لم يُجز الهبة بقيمته وليس للواهب أن يرجع في الهبة.
ولو أراد المستحق الذي أجاز الهبة أن يرجع في الهبة ولم تزد ولم يعوض فذلك له، وأما الواهب فلا يرجع لأنه لا يملك، ولو أن رجلًا وهب لرجل ثوبين في صفقتين مختلفتين فعوضه أحدهما من الآخر فذلك عوض وهو جائز، ولو كان وهب له ثوبين في صفقة واحدة لم يكن ذلك عوضًا، وإذا وهب الموهوب له للواهب شيئًا ولم يقل هذا مكان هبتك فليس يكون ذلك عوضًا، ولو قال هذا مكان هبتك أو هذه مكان ما وهبت لي كان ذلك كله عوضًا، وإذا استحق نصف العوض فقال الواهب أنا أرد النصف الباقي وأرجع في هبتي فله ذلك، وإذا قال الواهب قد رجعت في هبتي وأبي الموهوب له أن يردها فتتبع الموهوب له في الحكم ما لم يكن القاضي قد أبطل الهبة وقضى عليه بردها.
وإذا وهب رجل لرجل دارًا فبنى الموهوب له فيها حائطًا في قطعة منها فليس للواهب أن يرجع في شيء من الدار سواء كان حائطًا صغيرًا أو كبيرًا.
ولو أن رجلًا وهب لعبد هبة ثم أراد أن يرجع فيها فذلك له وهو بمنزلة الحر، وكذلك لو وهب للمكاتب فعجز المكاتب أو أدى فعتق فله أن يرجع.
ولو أن رجلًا وهب لرجل هبة فوهبها الموهوب له لرجل آخر ثم إن الموهوب له رجع في هبته فأخذها فأراد الواهب الأول أن يرجع في هبته تلك فذلك له، ولو لم يرجع الواهب الثاني في هبته ولكن الموهوب له الثالث وهبها للموهوب له الأول وهو الثاني لم يكن للواهب الأول أن يرجع فيها لأنه غير المالك الأول، فإن قال الواهب وهبت لك هذا الثوب فأنا ارجع فيه وقال الآخر تصدقت به عليَّ فإن القول قول الواهب وله أن يرجع، ولو كانت الهبة
1 / 19
سويقًا فقال الموهوب له أنا لتّه وأنكر الواهب وقال بل كان ملتوتًا فإن الموهوب له مصدق ولا يرجع الواهب.
ولو أن رجلًا وهب لرجل سائل فليس له أن يرجع فيه.
وإذا قال الرجل لرجل قد حملتك على دابتي هذه وأخدمتك خادمي هذا فإن ذلك كله عارية إلا أن يقول أردت الهبة.
ولو قال أعطيتك هذه الدابة أو هذه الجارية كانت هبة.
ولو أن رجلًا قال لرجل قد أطعمتك هذا الطعام فاقبضه فهو هبة، وإذا قال له هذا الطعام لك فهو جائز إن قبض فهو هبة، وكذلك لو قال هذا لك ولعقبك من بعدك كانت هبة جائزة.
ولو أن رجلًا مريضًا وهب عبدًا في مرضه من رجل فقبضه فأعتقه وعلى المريض دين أو باعه وهو معسر فلا سبيل للمريض ولا لورثته على العبد والموهوب له ضامن بقيمة العبد وإن كان معسرًا، وإذا وهب المريض عبدًا له لذي رحم فليس له أن يرجع فيه، وإن مات المريض ولا مال له غيره فإن ورثته يرجعون في ثلثي العبد.
ولو أن رجلًا وهب لرجل نخلة بأصلها فقطعها فأراد الواهب أن يرجع ف يهبته فذلك له، وكذلك لو وهب شاة فذبحها فله أن يرجع، وكذلك لو وهب له ثوبًا فقطع بعضه وخاطه فله أن يرجع فيما بقي من الثوب، وكذلك لو وهب له جذوعًا يجعلها حطبًا فله أن يرجع فيها.
ولو أن رجلًا وهب لرجل تخيخا فجعله خلًا فليس له أن يرجع فيه، ولو أن رجلًا وهب لرجل دارًا فعوض على بيت منها فليس له أن يرجع فيها، ولو أن رجلًا وهب لرجل لبنًا فكسر فله أن يرجع فيه، فإن أعاده الموهوب له لبنًا فليس له أن يرجع فيه، ولو أن رجلًا مريضًا وهب في مرضه هبة فعوض منها قدر ثلثيها فليس لورثته أن يرجعوا في شيء من الهبة؛ ولو كان عوض بقدر نصفها كان لهم أن يرجعوا بسدس الهبة إن كان العوض قائمًا بعينه يوم موت المريض.
1 / 20
ولو أن رجلًا مريضًا وهب في مرضه دارًا لرجل فلم يقبضها حتى مات المريض فالهبة باطلة، ولو قبضها حيث وهبت له غير أن شقصًا فيها غير مقسوم واستحق بطل الهبة، ولو لم يستحق منها شيء ولم يكن للواهب مال غيرها جاز للموهوب له ثلثها.
ولو أن رجلًا مريضًا وهب في مرضه عبدًا لرجل ثم مات المريض في مرضه ولا مال له غيره ثم باعه الموهوب له بعد موت الواهب أو كاتبه فإنه لا يُنقص شيء من ذلك ولا سبيل لورثة الواهب على المشتري ولا على المكاتب ولكنَّ على الموهوب له ثلثي قيمته للورثة، ولو كان الموهوب له إنما جعل ذلك بعدما قضى عليه برد ثلثي العبد لم تجز الكتابة ولم يجز ثلثا العبد في البيع، ولو كان أعتقه بعدما قضى لهم عليه برد الثلثين قبل أن يقبضوه فإن ذلك بمنزلة عبد بين رجلين لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه، ولو لم يكن قُضي عليه بشيء حتى أعتقه فإنه يضمن ثلثي قيمته يوم أعتقه إلا أن يكون يوم قبضه قيمته أكثر فيلزمه الأكثر.
قلت رجل اشترى عبدًا وبه عيب فأعتقه ثم وجد بذلك العبد عيبًا قال يرجع به على البائع، وكذلك إن مات ودبره، وأما إذا كان كاتبه فوجد به ذلك العيب فإنه لا يرجع عليه، لكنه إن عجز رجع عليه، وإذا اشترى رجل جارية ثم وهبها ثم وجد بها عيبًا فإنه لا يرجع عليه، ولكن إن وهب له الموهوب له فإنه يرجع عليه، وإن كان به عيب لم يرجع عليه إذا باعه.
وإذا وهب الذمي للذمي هبة فعوضه منها خمرًا فليس للواهب أن يرجع في هبته، ولو كان عوضه ميتة أو دمًا لم يكن ذلك عوضًا وله أن يرجع في هبته، ولو كان الواهب والموهوب له أحدهما مسلمًا والآخر ذميًا فعوض أحدهما صاحبه خمرًا من هبته لم يكن ذلك عوضًا، ولو صارت الخمر بعد ذلك خلا فإنها لا تكون عوضًا.
ولو أن رجلًا وهب للمرتد هبة فعوضه المرتد من هبته ثم قتل المرتد على
1 / 21
ردته لم يجز العوض وجازت الهبة في قول أبي حنيفة، وذلك كله جائز فيقول أبي يوسف.
ولو كان المرتد في قول أبي حنيفة هو الواهب فعوض ثم قُتل على ردته بطل هبته وأخذ ورثته الهبة ورد العوض على صاحبه، ولو كانت الهبة قد استهلكت قال قيمة الهبة دين على المرتد في ماله.
وإذا وهب المسلم لحربي في دار الإسلام هبة ثم رجع الحربي مع الهبة إلى دار الحرب ثم تسبى الهبة معه فليس للواهب أن يرجع في هبته قُسمت أو لم تُقسم.
ولو أن حربيًا وهب لحربي هبة في أرض الحرب ثم أسلما ودخلا إلينا وأسلم أهل الدار فإن للواهب أن يرجع في هبته إن لم تزدد ولم يكن أخذ عوضًا.
ولو أن رجلًا قال مالي في المساكين صدقة فإنه يتصدق بكل شيء يملك مما يجب في مثله الزكاة ولا يتصدق بغير ذلك من العقار والخدم وشبه ذلك.
ولو أن رجلًا قال جميع ما ملكت في المساكين صدقة فإنه يتصدق بجميع ما يملك من عقار أو غيره ويمسك قوته، فإذا أصاب شيئًا تصدق بقدر ما أمسك.
ولو أن رجلًا وهب زرعًا نابتًا لرجل ودفعه إليه فلا يكون ذلك قبضًا حتى يحرزه الموهوب له.
وإذا ارتدت الجارية بعد الهبة ثم عوض الموهوب الواهب من هبته لم يكن ذلك عوضًا، وكذلك لو نقضت الجارية بعد ذلك لم يكن ذلك عوضًا وكان للواهب أن يرجع في هبته وللآخر أن يأخذ عوضه متى ما أحب أو قيمته إن كان استهلك، وكذلك لو أن رجلًا وهب لرجل جارية أو غلامًا ثم أبق ثم عوض الموهوب له الواهب من هبته عوضًا فإن ذلك لا يكون عوضًا، ولو رجع الغلام أو الجارية لم يكن ذلك عوضًا وكان للواهب أن يرجع في هبته وكان للآخر أن يأخذ عوضه متى شاء أو قيمته إن كان استهلكه.
1 / 22
باب الحيل في إجارة الأرضين
قلت: أرأيت رجلًا إن أراد أن يؤاجر أرضًا له فيها زرع هل في ذلك حيلة؟ قال لا، إلا خصلة واحدة أن يبيعه رب الزرع الزرع ثم يؤاجره الأرض ما أحب من السنين، قلت ويكون ذلك جائزًا؟ قال نعم.
قلت: أرأيت إن كان الزرع إنما هو لغير رب الأرض ولا يقدر رب الأرض على أن يسلم للمستأجر الزرع؟ قال فليؤاجره الأرض كل سنة بكذا وكذا كذا وكذا سنة بعد مضي السنة التي فيها الزرع فيجوز ذلك.
قلت: أرأيت إن أراد رب الأرض أن يشرط على المستأجر أن عليه خراج الأرض مع أجرها قال لا يجوز ذلك، قلت فهل في ذلك حيلة حتى يجوز ولا يفسد الإجارة؟ قال نعم يؤاجرها إياه بأجر يزيد فيه قدر ما يرى أنه يلزم الأرض من الخراج ويشهد للمستأجر أنه قد أذن له أن يؤدي مما عليه من أجر الأرض في خراجها كذا وكذا درهمًا، قلت فهل في هذا شيء أوثق من هذا قال نعم يدفع المستأجر إلى رب الأرض جميع أجر الأرض ثم يدفع ذلك رب الأرض إلى المستأجر ويوكله أن يؤديه عنه إلى ولاة الخراج فيكون المستأجر في ذلك أمينًا مصدقًا أنه قد أداه بغير بينة ينيلها إياه.
قلت: أرأيت إجارة النخل والشجر هل تجوز؟ قال لا، كان أبو حنيفة وغيره يكرهون ذلك، قلت فهل في ذلك حيلة حتى يجوز ويستقيم؟ قال نعم، يؤاجر أحدهما أرضه من صاحبه بكذا وكذا درهمًا ثم يستأجر المؤاجر أرض صاحبه بمثل تلك الدراهم فيجوز
1 / 23
ذلك ويصير ما وجب لكل واحد منهما من الأجر قصاصًا مما عليه لصاحبه، قلت وكذلك لو كان مكان الأرض داران أو دابتان قال نعم.
قلت فلو كان لأحدهما أرض وللآخر عبد فأراد صاحب الأرض أن يؤاجر أرضه سنة من صاحب العبد بخدمته سنة؟ قال هذا جائز لا بأس به.
قلت: أرأيت الرجل يستأجر الأرض بالدراهم سنة فأراد المستأجر أن يجعل لرب الأرض دنانير بالأجر أيجوز ذلك قال نعم، حدثنا مالك بن مغول عن القسم بن صفوان قال أكريت عبد الله بن عمر إبلا بورق فأرسل معي رسولًا بذهب وقال له اعرضه على السوق فإذا قام على ثمن فإن شاء فأعطه إياه بالأجر وإن شاء فبعه وأعطه ورقه، قلت يا أبا عبد الرحمن ويصلح هذا؟ قال نعم ولدت وأنت صغير.
باب الحيل في الخدمة وفضول أجورهم وإجاراتهم
قال حدثنا سعيد بن الحجاج عن حماد عن إبراهيم في رجل استأجر دارًا فآجرها بأكثر من أجرها أنه قال ذلك ربا، وقال أبو حنيفة إذا استأجر الرجل عبدًا يخدمه فأراد أن يؤاجره من غيره للخدمة أن ذلك له ولا يكون مخالفًا؛ وإن كان استفضل في أجره شيئًا لم يكن له الفضل إلا أن يعينه ببعض متاعه أو يعينه المستأجر الأول من عمله شيء قليل بنفسه أو ببعض أجزائه، فإن فعل ذلك كان له الفضل.
قلت أرأيت إن استأجر دابة فأسرجها المستأجر من عنده بسرج أو أوكفها ثم آجرها أيطيب ذلك له قال نعم إلا أن يكون استأجر الدابة ليركبها هو ورجل غيره بعينه، فإن كان كذلك لم يطب له الفضل لأنه ليس له أن يؤاجرها من غيره.
قلت أرأيت رجلًا تكارى دارًا ولم يرها أيكون له الخيار إذا رآها؟ قال نعم، قلت فإن رآها فرضي بها ثم أصاب بها عيبًا أله أن ينقض الإجارة؟ قال لا إلا أن يكون العيب ينقص من يسكنها.
1 / 24