كتاب المجروحين من المُحَدِّثين
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
كتاب المجروحين من المُحَدِّثين
لابن حبان
المجلد الأول
تحقيق
حمدي عبد المجيد السلفي
دار الصميعي
للنشر والتوزيع
1 / 3
جمَيع الحُقوق مَحفوظة
الطبعة الأولي
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
دار الصميعي للنشر والتوزيع
هاتف وفاكس: ٤٢٦٢٩٤٥ - ٤٢٥١٤٥٩
الرياض- السويدي-شارع السويدي العام
ص. ب: ٤٩٦٧ - الرمز البريدي ١١٤١٢
المملكة العربية السعودية
1 / 4
كلمة الناشر
الحمد لله رب العالمين؛ والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛
أما بعد: فلا يخفى على طلبة العلم عمومًا؛ والمهتمين بعلم الحديث خصوصًا الأهمية العظمي للكتب التي ألفها الإمام الحافظ محمد بن حبان البستي؛ المتوفى سنة (٣٥٤ هـ) -رحمه الله تعالى- فقد ألف كتاب التقاسيم والأنواع والمشهور بصحيح ابن حبان؛ وكتاب الثقات، وكتبا أخرى هي في غاية النفاسة عند طلبة العلم والمهتمين بالكتاب التراثي.
ومن أشهر كتب الإمام الجليل كتاب "المجروحين" وهو كتاب خاص بجمع تراجم من الرواة الضعفاء ومن دونهم.
وقد تولى تحقيقه وخدمته الشيخ الفاضل/ حمدي بن عبد المجيد السلفي حفظه الله تعالى.
ومما يجدر ذكره هنا أننا سبق وأن نشرنا -بحمد الله- كتاب "تذكرة الحفاظ"، للحافظ محمد بن طاهر القيسراني المتوفى سنة (٥٠٧ هـ) -رحمه الله تعالى- بتحقيق الشيخ حمدي السلفي -أيضًا- وهذا الكتاب جمع وفهرسة لأطراف كتاب المجروحين لابن حبان؛ فالحمد لله على توفيقه.
ويسرنا نحن في "دار الصميعي للنشر والتوزيع" أن نخرج هذا السفر المبارك؛ سائلين الله ﷿ أن ينفع به، وأن يجد المكانة الطيبة عند أهل العلم وطلابه.
دار الصميعي للنشر والتوزيع
1 / 3
مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد، أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد فإن معرفة السنة النبوية من الواجبات، لأنها المبيِّنة لكتاب الله تعالى الذي هو المصدر الرئيسي للتشريع الإسلامي، ولما كانت السنة المبنية على الأحاديث دَخَلَ فيها كثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي شوهت جمال الإسلام، وجب النظر في حال تلك الأحاديث ليعرف صحيحها من سقيمها فيحتج بالصحيح ويرد السقيم، وذلك لا يعرف إلا بالنّظر في إسناد الحديث ومتنه، لأن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال الناس ما شاؤوا، والنظر في المتن له مقام آخر، والنظر في الإسناد اقتضى معرفة حال رواة الحديث جرحًا وتعديلًا، فلذلك ألف نقاد الحديث الكتب في الجرح والتعديل، وهي كثيرة جدًّا وغالبها الآن مطبوع.
وممن أدلى دلوه في هذا المضمار أبو حاتم بن حبان البستي حيث
1 / 5
ألف كتابين مهمين أحدهما (الثقات) وهو مطبوع، والثاني كتابنا هذا (كتاب المجروحين من المحدثين) ولأهمية هذا الكتاب ترى كتب الجرح الحي ألفت بعد المؤلف مشحونة بالمنقولات عنه.
والكتاب طبع مرتين مرة في الهند ومرة في حلب والطبعتان مملوءتان بالأخطاء الفاحشة وبإدخال تراجم في صلب الكتاب وهي ليست منها كما هو في طبعة حلب بتحقيق محمود إبراهيم وفيهما من السقط الكثير، بل فيهما تراجم ساقطة بكاملها، وأما التحريف والتصحيف فحدث ولا حرج، لذلك رأيت أن الكتاب يحتاج إلى تحقيق جديد فشمرت عن ساعد الجد بعد حصولي على مصورة للنسخة القيمة من الكتاب والتي هي في مكتبة جامع آيا صوفيا تحت رقم (٤٩٦) في مدينة إستانبول.
أما عملي في الكتاب فهو تحقيق النص بشكل دقيق، لأنه المهم، ثم ذكر بعض المصادر التي ترجمت للراوي عند ترجمته (١)، وذكر موضع الأحاديث التي أوردها المؤلف من (تذكرة الحفاظ) حيث لا داعي لتطويل هوامش الكتاب بتخريج تلك الأحاديث ما دام تلك الأحاديث مخرجة في كتاب مطبوع.
أما المؤلف فهو الحافظ العلامة محمد بن حبان بن أحمد بن حبان أبو حاتم التميمي البستي السجستاني، ولد بعد المئتين والسبعين وتوفي سنة (٣٥٤) هجرية، وقد أطال كثير من العلماء في ترجمته مثل الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء (١٦/ ٩٢ - ١٠٤) وغيره فلا نرى التطويل في ترجمته وذكر مشايخه وتلاميذه ومكانته العلمية، ومؤلفاته فلتراجع من مصادرها.
وأما كونه من المتشددين في الجرح فقد فصل ذلك العلماء وخاصة ابن عبد الهادي في الصارم المنكي وغيره.
وطريقته في كتابه هذا الاعتماد على من سبقه من النقاد مثل، ابن معين وأحمد والفلاس وأبن مهدي والقطان، ومن لم يجد فيه جرحًا يسير رواياته
_________
(١) لسان الميزان، بتحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي، وبقية المصادر وطبعاتها معروفة.
1 / 6
ومن خلال مروياته يجرحه، أو يعتمد على مشاهدته فيمن عاصره.
وذكر في مقدمته القيمة لهذا الكتاب طريقه في الجرح فلا داعي أن نعيد كلامه، وقد أضربت عن تعليقات الدارقطني لأنها طبعت على حدة إلا نادرًا جدًّا.
وغايتنا أن نضع في متناول طلبة العلم نسخة من الكتاب محققة ومتقنة قدر استطاعتنا لأنه لا يمكن لأحد أن يدعي أنه وصل إلى الكمال في عمله والله الموفق ونعم المولى ونعم الوكيل.
ثم إني لم أشر إلى الأخطاء الإملائية أو التصحيف أو التحريف في الأصل وإنما صححت ما هو خطأ حتى لا أثقل الكتاب بالهوامش، وجعلت زيادات النسخ بين معكوفين [] هكذا.
حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل السلفي
مصيف سرسنك
١٦/ ٩/ ١٩٩٧
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر بفضلك
الحمد لله الواحد الأحد، المحمود الصمد الذي لا يفنيه تكرارُ دَور الأحوال، ولا أنواعُ التغيير والانتقال، وهو خالق الخلائق ومنشئهم، ورازق العباد ومغنيهم، قد كون الأشياء من غير امتثال بأصل، وذرأ البشر من غير ارتسام بنسل، ثم شرح منهم صدور أوليائه، حتى انقادت أنفسهم لعبادته، وطبع على قلوب أعدائه حتى ازوارت عن الاكتساب لطاعته (١)، ثم اصطفى منهم طائفة أصفياء، وجعلهم بررةً أتقياء، فأفرغ عليهم أنواع نعمه، وهداهم لصفوة طاعته، فهم القائمون بإظهار دينه، [و] المتمسكون بسنن نبيه ﷺ، فله الحمد على ما قَدَّر وقضى، ودَبَّرَ وأمضى، حمدًا لا يبلغ الذاكرون له أحدًا، ولا يحصي المحصون له عددًا، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي هو شاهد كل نجوى، ومنتهى كل شكوى، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ﴾ وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى ورسوله المرتضى، بعثه إليه داعيًا، وإلى جنابه هاديًا، فصلى الله [وسلم] عليه وعلى آله الطيبين الأخيار.
أما بعد فإن أحسنَ ما يَدَّخر المَرْءُ من الخير في العقبى، وأفضل ما يكتسب به الذخر في الدنيا حفظ ما يعرف به الصحيح من الآثار، ويميز
_________
(١) في طبعة حلب لجنتهِ تبعًا لمخطوطة القاهرة.
1 / 13
بينة وبين الموضوع من الأخبار، إذ لا يَتَهَيَّأُ معرفة السقيم من الصحيح، ولا استخراج الدليل من الصريح، إلا بمعرفة ضعفاء المحدثين والثقات، وكيفية ما كانوا عليه في الحالات، فأما الأئمة المرضيون، والثقات المحدثون، فقد ذكرناهم بأسمائهم، وما نعرف، من أنبائهم، وإني ذاكر ضعفاء المحدثين، وأضداد العدول من الماضيين، مِمَّن أطلق أئمتنا عليهم القدح، وصح عندنا فيهم الجرح، وأذكر السبب الذي من أجله جُرِحَ، والعلة التي بها قدِح، ليرفض سلوك الاعوجاج، بالقول بأخبارهم عند الاحتجاج، وأقصد في ذلك ترك الإمعان والتطويل، وألزم الإشارة إلى نفس التحصيل، وبالله أستعين على السداد في المقال، وبه نتعوذ من الحيرة والضلال، إنه منتهى رجاء المؤمنين، وولي جزاء المحسنين.
ذكر الحث على حفظ السنن ونشرها
حدثنا محمد بن محمود بن عدي النسائي، قال: حدثنا حميد بن زنجويه، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قام رسول الله ﷺ بالخيف من منى، فقال: "نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالتي فَوَعَاهَا، ثمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَم يسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَه، وَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ إِلَى مَن هُوَ أَفقَهُ مِنْهُ، ثَلَاث لَا يُغَلُّ عَلَيْهنَّ قَلْبُ الْمؤمِنِ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ، وَالنَّصيحَةُ لِأُولِي الأَمرِ، وَلزوُمُ الجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُم تَكونُ مِن وَرَائِهِمْ" (١).
_________
(١) رواه أحمد (٤/ ٨٠ و٨٢) وابن ماجه (٢٣١) وغيرهما من طرق عن محمد بن إسحاق به.
قال الدارقطني فيما علق على هذا الإسناد: لم يسمع هذا الحديث محمد بن إسحاق من الزهري إنما سمعه من عبد السلام بن أبي الجنوب عن الزهري، كذلك قال ابن نمير، عن محمد بن إسحاق.
وقد روى هذا الحديث عن مالك بن أنس، عن الزهري، كذلك تفرد به عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي عن مالك انتهى. =
1 / 14
قال أبو حاتم: الواجب على كل من رُكِّبَ فيه آلة العلم أن يراعي أوقاته على حفظ السنن، رجاء اللحوق بمن دعا لهم النبي ﷺ، إِذِ اللَّهُ جل وعلا أمر عباده باتباع سنته، وعند التنازع الرجوعَ إلى ملته، حيث قال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ ثم نفى الإيمان عمن لم يُحَكِّمْهُ فيما شجر بينهم فقال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)﴾ ولم يقل حتى يُحكِّموا فلانًا وفلَانًا فيما شجر بينهم، ولا قال حرجًا مما قضى فلان وفلان، فالحَكَمُ بين الله وبين خلقه رسول الله ﷺ فقط، فلا يجب لمن أشعر الإيمان قلبه أن يقصر في حفظ السنن بما قدر عليه، حتى يكون رجوعه عد التنازع إلى قول من ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ ﷺ فجعلنا الله منهم بمنه.
ذكر التغليظ في الكذب على رسول الله ﷺ-
حدثنا عبد الله بن محمد بن سلم ببيت المقدس، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني حسان بن عطية، عن أبي كبشة السلولي، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله ﷺ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بني إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (١).
قال أبو حاتم ﵁: في أمر النبي ﷺ أمته بالتبليغ عنه مَنْ بعدهم مع ذكره إيجاب النار للكاذب عليه دليلٌ على أنه إنما أمر بالتبليغ عنه ما قاله النبي ﷺ أو ما كان من سنته فعلًا أو سكتًا [سكوتًا] عند المشاهدة،
_________
= قلت: حديث ابن نمير رواه ابن ماجه (٢٣١) والطحاوي في المشكل (١٦٠٢) والطبراني (١٥٤٢).
وللحديث شواهد.
(١) رواه البخاري (٣٤٦١) وأحمد (٢/ ١٥١ و٣٠٣ و٣١٤) والترمذي (٢٦٦٩) وأبو خيثمة في العلم (٤٥) وابن أبي شيبة (٨/ ٧٦٠) والمصحف في الصحيح (٦٢٥٦) والطحاوي في المشكل (١٣٣ و٣٩٨) من طرق عن الوليد به.
1 / 15
لا أنه يدخل في قوله ﷺ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً" المحدثون بأسرهم، بل لا يدخل في ظاهر هذا الخطاب، إلا من أدّى صحيح حديث رسول الله ﷺ دون سقيمه، وإني خائف على من روى ما سمع من الصحيح والسقيم أن يدخل في جملة الكذبة على رسول الله ﷺ إذأ كان عالمًا بما يروي، وتعيين [تمييز] العدول من المحدثين والضعفاء والمتروكين بحكم المبين عن الله ﵎.
ذكر الخبر الدال على صحة ما ذهبنا إليه
حدثنا عمران بن موسى بن مجاشع، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن حَدَّثَ عَنِّي حدِيثًا وَهُوَ يُرَى أنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحدُ الكاذبَيْنِ" (١).
ذكر خبر ثان يصرح بصحة ما ذكرناه
حدثنا عبد الله بن محمد المديني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: حدثنا النضر بن شميل، قال. حدثنا شعبه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت ميمون بن أبي شبيب، يحدث عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله ﷺ قال: "مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَيْنِ" (٢).
قال أبو حاتم: في هذا الخبر دليل على صحة ما ذكرنا أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي ﷺ مما تُقُوِّلَ عليه، وهو يعلم ذلك يكون كأحد الكاذبين، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد، وذاك أنه قال ﷺ: "مَنْ
_________
(١) رواه مسلم في مقدمة صحيحه (١/ ٩) وأحمد (٥/ ١٤) والمصنف في صحيحه (٢٩) والطحاوي في المشكل (٤٢٢) وغيرهم.
(٢) رواه مسلم في المقدمة (١/ ٩) والترمذي (٢٦٦٢) وابن ماجه (٤١) والطحاوي في المشكل (٤٢٣ - ٤٢٦) وغيرهم.
1 / 16
رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يُرَى أَنَّه كَذِبٌ" ولم يقل إنه يتيقن أنه كذب.
فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر، ولو لم يتعلم التاريخ وأسماء الثقات والضعفاء ومن يجوز الاحتجاج بأخبارهم ممن لا يجوز إلا لهذا الخبر الواحد، لكان الواجب على كل من ينتحل السنن أن لا يقصر في حفظ التاريخ، حتى لا يدخل في جملة الكذبة على رسول الله ﷺ.
وأقل ما يثبت به خبر الخاصة حتى تقوم به الحجة على أهل العلم هو خبر الواحد الثقة في دينه المعروف بالصدق في حديثه، العاقل بما يحدث به، العالم بما يحيل معاني الحديث من اللفظ المنسري على التدليس في سماع ما يروى عن الواحد مثله في الأحوال التي وصفتها حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله ﷺ سماعًا متصلًا.
ذكر خبر ثالث يدل على صحة ما ذهبنا إليه
حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير بتستر، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن إشكاب، قال: حدثنا علي بن حفص المدائني، قال: حدثنا شعبة، عن حبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكلِّ مَا سَمِعَ" (١).
قال أبو حاتم: في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما يسمع حتى يعلم على اليقين صحته، ثم يحدث به دون ما لا يصح على حسب ما ذكرناه قبل.
_________
(١) رواه المصنف في صحيحه (٣٠) بهذا الإسناد واللفظ، وهو في مقدمة صحيح مسلم (٥) ورواه أبو داود (٤٩٩٢) وأبن أبي شيبة (٨/ ٥٩٥) والحاكم (١/ ١١٢) من طرق، عن شعبة به.
قال الدارقطني: هذا حديث رواه غندر وابن أبي عدي وغيرهما عن شعبة مرسلًا، وذكره علي بن حفص المدائني، وغيره أثبت منه.
قلت. والمرسل عند أبي داود (٤٩٩٢) والحاكم (١/ ١١٢) والقضاعي في مسند الشهاب (١٤١٦).
1 / 17
ذكر الخبر الدال على استحباب معرفة الضعفاء
حدثنا أحمد بن مكرم بن خالد البِرْتي ببغداد، قال: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ثور بن يزيد، قال: حدثني خالد بن معدان، قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجم بن حجم الكلاعي، قالا: أتينا العرباض بن سارية -وهو ممن نزل فيه ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ - فسلمنا وقلنا: أَتيناك زائرين ومقتبسين، فقال العرباض: صلى بنا رسول الله ﷺ الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله ﷺ كان هذه موعظةُ مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: "أُوصِيكُم بتقوىَ اللَّهِ ﷿ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنكُمْ فسيرى اختلافًا كثيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدينَ المَهْدِيينَ، فتمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وإيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأَمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة، وكل بِدْعَةٍ ضَلَالةٌ" (١).
قال أبو حاتم: في قوله ﷺ: "فَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنكُم فَسَيَرَى اختِلَافًا، فَعَلَيكُم بِسُنَّتِي" دليل صحيح على أنه ﷺ أمر أمته بمعرفة الضعفاء منهم من الثقات، لأنه لا يتهيأ لزوم السنة مع ما خالطها من الكذب والأباطيل إلا بمعرفة الضعفاء من الثقات.
_________
(١) رواه المصنف في صحيحة (٥) فراجعه.
1 / 18
وقد علم النبي ﷺ ما يكون من ذلك في أمته، إذ قال: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ". نعوذ بالله من حالة تقربنا إلى سخطه وأليم عقابه.
ذكر خبر فيه كالأمر بالجرح للضعفاء
حدثنا الحسن بن سفيان النسائي، قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: مر عمر بن الخطاب بحسان بن ثابت وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال حسان: قد كنت أنشد فيه مع من هو خير منكم، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله هل سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِروُحِ الْقدُسِ "؟ قال: نعم (١).
قال أبو حاتم: في هذا الخبرِ كالدليل على الأمر بجرح الضعفاء، لأن النبي ﷺ قال لحسان: "أَجِبْ عَنِّي" فإنما أمره أن يذب عنه ما كان يتقول عليه المشركون، فإذا كان في تقول المشركين على رسول الله ﷺ يَأمُرُ (٢) أن يذب عنه وإن لم يضر كذبهم المسلمين، ولا أحلوا به الحرام، ولا حرموا به الحلال، كان من كذب على رسول الله ﷺ من المسلمين الذين يحل الحرام ويحرم الحلال بروايتهم أحرى أن يأمر بذب ذلك الكذب عنه ﷺ.
وأرجو أن الله تارك وتعالى يؤيد من فعل ذلك بروح القدس كما دعا لحسان بذب الكذب عنه، وقال: "اللَّهُمَّ أَيِّدُهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ" ولم يكن هذا العلم في زمان قط تعلمه أوجب منه في زماننا هذا لذهاب من كان يحسن هذا الشأْن، وقلة اشتغال طلبة العلم به، لأنهم اشتغلوا في العلم في زماننا هذا، وصاروا حيزين [حزبين]، فمنهم طلبة الأخبار الذين يرحلون فيها إلى الأمصار، وأكثر همهم الكتابة والجمع دون الحفظ والعمل به، وتعبير [تمييز] الصحيح من السقيم حتى سماهم العوام "الحشوية" والحيز [الحزب]
_________
(١) رواه المصنف في صحيحه (١٦٥٣) فراجعه.
(٢) في الأول فأمر وهو خطأ والصواب ما أثبتنا كما في مطبوعة حلب.
1 / 19
الآخر المتفقهة الذين جعلوا جل اشتغالهم الآراء والجدل، وأغضوا عن حفظ السنن ومعانيها وكيفية قبولها، وتعبير [تمييز] الصحيح من السقيم منها، مع نبذهم السنن قاطبة وراء ظهورهم.
وقد أخبر المصطفى ﷺ أن العلم ينقص في آخر الزمان، وأرى العلوم كلها يزداد إلا هذه الصناعة الواحدة، فإنها كل يوم في النقص، فكأن العلم الذي خاطب النبي ﷺ أمته بنقصه في آخر الزمان هو معرفة السنن، ولا سبيل إلى معرفتها إلا بمعرفة الضعفاء والمتروكين.
ذكر السنة في ذلك
حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عنبسة، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ "يتقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنقُصُ الْعلمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَن، وَيَكثُرُ الْهَرَجُ" قيل. يا رسود الله أيم هو؟ قال: "الْقَتْلُ الْقَتلُ" (١).
قال أبو حاتم: في هذا الخبر كالدليل على أن ما لم ينقص من العلم ليس بعلم الدين في الحقيقة، إذ أخبر المصطفى ﷺ أن العلم ينقص عند تقارب الزمان.
وفيه دليل على أن ضد العلم يزيد، وكل شيء زاد مما لم يكن مرجعه إلى الكتاب والسنة، فهو ضد العلم، ولست أعلم العلوم كلها إلا في الزيادة إلا هذا الجنس الواحد من العلم، وهو الذي لا يكون للإسلام قوام إلا به، إذ الله ﷿ أمر الناس باتباع رسوله، وعند التنازع الرجوع إلى ملته عند الحوادث، حيث قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ثم نفى الإيمان عمن لم يحكِّم رسوله فيما شجر بينهم فقال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي
_________
(١) رواه المصنف في صحيحه (٦٧١١ و٦٧١٧) فارجعه.
1 / 20
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فمن لم يحفظ سنن النبي ﷺ ولم يحسن تمييز صحيحها من سقيمها. ولا عرف الثقات من المحدثين ولا الضعفاء من المتروكين، ومن يجب قبول انفراد خبره ممن لا يجب قبول زيادة الألفاظ في روايته، ولم يحسن معاني الأخبار، والجمع بين تضادها في الظواهر، ولا عرف المفسر من المجمل، ولا المختص من المتقضى [المفصل]، ولا الناسخ من المنسوخ، ولا اللفظ الخاص الذي يراد به العام، ولا اللفظ العام الذي يراد به الخاص، ولا الأمر الذي هو فريضة وإيجاب، ولا الأمر الذي هو فضيلة وإرشاد، ولا النهي الذي هو حتم لا يجوز ارتكابه من النهي الذي هو ندب مباح استعماله مع سائر فصول السنن وأنواع أسباب الأخبار على حسب ما ذكرناها في كتاب فصول السنن. كيف يستحل أن يفتي؟ أم كيف يسوغ لنفسه تحريم الحلال وتحليل الحرام تقليدًا منه لمن يخطىء ويصيب؟ راففًا قول من ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) ﷺ.
وقد أخبر المصطفى ﷺ كيفية نقص العلم الذي ذكر في خبر أبي هريرة، وأن ذلك ليس برفع العلم نفسه، بل هو موت العلماء الذين يحسنون ذلك.
ذكر السنة المصرحة بذلك
حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عمر القواريري، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا هشام بن عروة قال: حدثني أبي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو من فيه إلى فِيَّ، يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إِنَّ اللَّهَ ﵎ لَا يَقْبِضُ يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقبِضُ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، [فـ] سُئِلُوا فَأَفتُوْا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (١).
_________
(١) ورواه البخاري (١٠٠) ومسلم (٢٦٧٣) والمصنف في صحيحه (٤٥٧١ و٦٧١٩ و٦٧٢٣) وغيرهم.
1 / 21
قال أبو حاتم: في هذا الخبر دليل على أن رفع العلم الذي ذكرنا قبل ونقصه عند تقارب الزمان لا يكون برفع يرفع من الأرض، ولكنه بموت العلماء الذين يحسنون علم السنن على حسب ما ذكرنا فصولها حتى لا يبقى منهم إلا الواحد بعد الواحد، ثم يتخذ عند ذلك الناس رؤساء لا يحسنون ذلك، فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون، نعوذ بالله من حالة تقربنا إلى سخطه وأليم عقابه.
وإنما نوينا في بث ما خرجنا من هذه الكتب التي لم يمعن أئمتنا الكلام فيها، ولا فرعوا الفروع عليه اعتمادًا منا على اكتساب الذخر في الآجل، لأنه من خير ما يخلف المرء بعده بحكم النبي ﷺ.
ذكر خبر ثان يدل على استحباب معرفة الضعفاء من المحدثين
حدثنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا آبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الوهاب [الثقفي]، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي ﷺ قال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ استَدَارَ كَهَيْأَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ، مِنهَا أَرْبَعَة حُرُم، ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات، ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعبَانَ- ثم قال: - "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: " [أ] لَيْسَ ذُو [ذَا]، الْحِجَّةِ؟ " قلنا: بلى، قال: "أَيُّ بَلدٍ هَذَا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أَلَيس الْبَلْدَةَ الحَرَامَ؟ " قلنا: نعم، قال: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَموَالكمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُم حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ ﷿ فَيَسأَلُكُم عَن أَعمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعضٍ، ألَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعضَ مَنْ يَبْلُغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِن بَعْضِ مَنْ يَسْمَعُهُ، أَلَا هَل بَلَّغْتُ؟ أَلَا هَلْ بَلَّغتُ؟ " (١).
قال أبو حاتم: في قوله: "أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنكُمُ الْغَائِبَ" دليل على
_________
(١) رواه المصنف في صحيحه (٥٩٧٥) بهذا الإسناد واللفظ فراجعه.
1 / 22
استحباب معرفة الضعفاء من المحدثين، إذ لا يتهيأ للشاهد أن يبلغ الغائب ما شهد إلا بعد المعرفة بصحة ما يؤدي إلى من بعده، وإنه متى ما أدى إلى من بعده ما لم يصح عن رسول الله ﷺ، فكأنه لم يؤد عنه شيئًا، وأن من لم يعتبر [يميز]، الثقات من الضعفاء ولم يحط علمه بأسبابهم [بأنسابهم] لا يتهيأ له تخليص الصحيح من بين السقيم، فإذا وقف على أسمائهم وأنسابهم والأسباب التي أدت إلى نفي الاحتجاج بهم تنكب حديثهم، ولزم السنن الصحيحة، فيرويها حينئذ، حتى يكون داخلًا في جملة من أمر النبي ﷺ بأن يبلغ الشاهد منهم الغائب، جعلنا الله من المتبعين لسنته والذابين الكذب عن نبيه ﷺ، إنه رؤوف رحيم.
ذكر خبر توهم الرعاع من الناس ضد ما ذهبنا إليه
حدثنا الفضل بن الحباب بالبصرة، قال: حدثنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه قيل لرسول الله ﷺ: ما الغيبة؟ قال: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قيل: أفرأيت إن كان فيه ما نقول؟ قال: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُن فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" (١).
قال أبو حاتم: احتج بهذا الخبر جماعة ممن ليس الحديث صناعتهم، وزعموا أن قول أئمتنا: فلان ليس بشيء، وفلان ضعيف، وما يشبه هذا من المقال غيبة إن كان فيهم ما قيل، وإلا فهو بهتان عظيم.
ولو تملق قائل هذا إلى باريه في الخلوة، وسأله التوفيق لإصابة الحق لكان أولى به من الخوض فيه، إذ ليس من صناعته، لأن هذا لس بالغيبة المنهي عنها، وذاك [ذلك] أن المسلمين قاطبة لس بينهم خلاف أن الخبر لا يجب أن يُسْمَعَ عند الاحتجاج إلا من الصدوق العاقل، فكان من [في] إجماعهم هذا دليل على إباحة جرح من لم يكن بصدوق في الرواية، على
_________
(١) ورواه مسلم (٢٥٨٩) المصنف في صحيحه (٥٧٥٨ و٥٧٥٩) وأبو داود (٤٨٧٤) والترمذي (١٩٣٤) من طرق عن العلاء به.
1 / 23
أن السنة تصرح عن المصطفى بضد ما انتحل مخالفونا فيه.
ذكر الخبر الدال على صحة ما ذهبنا إليه
حدثنا الحسن بن سفيان الشيباني، قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: أخبرنا روح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، عن عروة، عن عائشة، قالت: أقبل رجل، فلما رآه النبي ﷺ فقال: "بِئسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ -أو قال- ابنُ الْعَشِيرَةِ" فلما جاء النبي ﷺ كلمه وانبسط إليه، فلما وَلَّى، قالت عائشة: يا رسول الله لما رأيته قلت ما قلت، فلما جاء كلمته وأنبسطت إليه؟ فقال: "يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ أُمَّتِي عِنْدَ اللَّه مَنِزلَة يَومَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ" (١).
قال أبو حاتم: وفي هذا الخبر دليل على أن إخبار الرجل ما في الرجل علي جنس الديانة [الإبانة] ليس بغيبة، إذ النبي ﷺ قال: "بِئسَ أخُو الْعَشِيرَةِ أَو ابْنُ الْعَشِيرَةِ" ولو كان هذا غيبة لم يطلقها رسول الله ﷺ، وإنما أراد بقوله هذا أن تعتد ترك الفحش لأنه أراد ثلبه، وأنما الغيبة ما يريد القائل به القدح في المقول فيه.
وأئمتنا رحمة الله عليهم فإنهم إنما بينوا هذه الأشياء وأطلقوا الجرح في غير العدول لئلا يحتج بأخبارهم، لا أنهم أرادوا ثلبهم والوقيعة فيهم، والإخبار عن الشيء لا يكون غيبة إذا أراد القائل غير الثلب.
حدثنا عمر بن محمد بن بجير بن راشد، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عفان، قال: كنت عند إسماعيل بن علية، فحدث وجل عن
_________
(١) ورواه البخاري (٦٠٣٢) من طريق روح به.
ورواه المصنف في صحيحه (٤٥٣٨) وأحمد (٦/ ٣٨) والحميدي (٢٤٩) والبخاري (٦٠٥٤ و٦١٣١) ومسلم (٢٥٩١) وأبو داود (٤٧٩١) والترمذي (١٩٩٦) وغيرهم من طريق سفيان عن محمد بن المنكدر به.
ورواه عبد الرزاق (٢٠١٤٤) ومن طريقه مسلم (٢٥٩١) من طريق معمر عن ابن المنكدر به.
ورواه المصنف في صحيحه (٥٦٩٦) من طريق عبد الله بن دينار عن عروة به.
1 / 24