مجموعة رسائل في التوحيد والإيمانمن تأليف الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى الرسالة الأولى مسائل الجاهلية ١ بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: هذه أمور خالف فيها رسول الله ﷺ ما عليه أهل الجاهلية الكتابيين والأميين، مما لا غنى للمسلم عن معرفتها. فالضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتبين الأشياء. فأهم ما فيها وأشدها خطرا عدم إيمان القلب بما جاء به الرسول ﷺ، فإن انضاف إلى ذلك استحسان ما عليه أهل الجاهلية تمت الخسارة _________ ١ ذكر العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في باب الاستسقاء بالأنواء من كتاب فتح المجيد، أن المسائل التي احتوت عليها هذه الرسالة مائة وعشرون مسألة قال: (ولشيخنا -يعني شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب جده وشيخه - مصنف لطيف ذكر فيه ما خالف رسول الله ﷺ فيه أهل الجاهلية بلغ مائة وعشرين مسألة) انتهى. وذكر الألوسي في مقدمة تعليقه على هذه الرسالة أنها تشتمل على نحو مائة مسألة واقتصر على هذا العدد، ويدل صنيعه هذا على أن نسخته ناقصة لما تقدم ذكره عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وهذا أمر لا إشكال فيه وإنما يتأتى الإشكال فيما وقع في النسخ التي لدينا من زيادة على ما ذكره الشيخ عبد الرحمن بن حسن.

1 / 233

كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ١. (المسألة الأولى): أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته، يريدون شفاعتهم عند الله لظنهم أن الله يحب ذلك وأن الصالحين يحبونه٢ كما قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ ٣. وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ ٤. وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله ﷺ، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أن من فعل ما استحسنوا٥ فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. وهذه هي المسألة التي تفرق الناس لأجلها بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة، ولأجلها شرع الجهاد كما قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ ٦. (الثانية): أنهم متفرقون في دينهم، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ حِزْبٍ _________ a ١ سورة العنكبوت آية: ٥٢. ٢ قوله "لظنهم أن الله يحب ذلك وأن الصالحين يحبونه" من مخطوطة الشيخ عبد العزيز ابن مرشد. ٣ سورة يونس آية: ١٨. ٤ سورة الزمر آية: ٣. ٥ لفظ "ما استحسنوا" من مخطوطة الشيخ عبد العزيز بن مرشد ووقع في غيرها من النسخ "ما يستحسنونه". ٦ سورة الأنفال آية: ٣٩.

1 / 234

بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ ١. وكذلك في دنياهم ويرون أن ٢ ذلك هو الصواب، فأتى بالاجتماع في الدين بقوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ ٣ وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ ٤ ونهانا عن مشابهتهم بقوله: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ ٥ ونهانا عن التفرق في الدنيا ٦ بقوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ ٧. (الثالثة): أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذل ٨ ومهانة، فخالفهم رسول الله ﷺ وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدي فيه ٩ وأعاد. _________ ١ سورة المؤمنون آية: ٥٣. ٢ لفظ "أن" من مخطوطة الشيخ عبد العزيز بن مرشد. ٣ سورة الشورى آية: ١٣. ٤ سورة الأنعام آية: ١٥٩. ٥ سورة آل عمران آية: ١٠٥. ٦ لفظ "في الدنيا" من مخطوطة الشيخ عبد العزيز بن مرشد ووقع في غيرها من النسخ "في الدين". ٧ سورة آل عمران آية: ١٠٣. ٨ لفظ "له" من مخطوطة الشيخ عبد العزيز بن مرشد. ٩ لفظ "فيه" من طبعة مطبعة أم القرى وطبعة المطبعة المصطفوية بالهند.

1 / 335

وهذه الثلاث ١ هي التي جمع بينها فيما " صح ٢ " عنه في الصحيحين أنه قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ٣ ولا تشركو ابه شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم". ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها. (الرابعة): أن دينهم مبني على أصول أعظمها التقليد، فهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار أولهم وآخرهم كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ ٤ وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ ٥؛ فأتاهم بقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ ٦ الآية، وقوله: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ ٧. _________ ١ لفظ "هي" من مخطوطة الشيخ عبد العزيز بن مرشد. ٢ لفظ "صح" من مخطوطة الشيخ عبد العزيز بن مرشد ووقع في غيرها من النسخ بلفظ "ذكر". ٣ لفظ "أن تعبدوه" من مخطوطة الشيخ عبد العزيز بن مرشد ووقع في غيرها من النسخ "ألا تعبدوا إلا الله". ٤ سورة الزخرف آية: ٢٣. ٥ سورة لقمان آية: ٢١. ٦ سورة سبأ آية: ٤٦. ٧ سورة الأعراف آية: ٣.

1 / 336

(الخامسة): أن من أكبر قواعدهم الاغترار بالأكثر، ويحتجون به على صحة الشيء، ويستدلون على بطلان الشيء بغربته وقلة أهله، فأتاهم بضد ذلك وأوضحه في غير موضع من القرآن ١. (السادسة): الاحتجاج بالمتقدمين كقوله: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى﴾ ٢، ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ﴾ ٣. (السابعة): الاستدلال بقوم ٤ أعطوا قوى في الأفهام والأعمال وفي الملك والمال والجاه، فرد الله ذلك بقوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ ٥ الآية، وقوله: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ ٦، وقوله: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ ٧ الآية. (الثامنة): الاستدلال على بطلان الشيء بأنه لم يتبعه إلا الضعفاء كقوله ٨: _________ ١ من ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾، ومنه قوله تعالى: ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ . ٢ سورة طه آية: ٥١. ٣ سورة المؤمنون آية: ٢٤. ٤ " أي ضالين". ٥ سورة الأحقاف آية: ٢٦. ٦ سورة البقرة آية: ٨٩. ٧ سورة البقرة آية: ١٤٦. ٨ أي حكاية عن أولئك المستدلين ذلك الاستدلال الباطل.

1 / 337