Majmuc
المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
Géneros
أما الدليل على الأصل الأول وهو أنه عالم فلأن الفعل المحكم قد صح منه، والفعل المحكم لا يصح إلا من عالم، أما الذي يدل على [أن] المحكم قد صح منه؛ فلأنه قد وقع منه ووجد ولا يجوز وجود ما لا يصح وجوده بحال، ونعني بالفعل المحكم ما أوجده من عجائب مصنوعاته، وغرائب مبتدعاته، الناطقة بلسان الإحكام على توحيده، الشاهدة بدليل [الابتداع] على [تحميده]، كالحيوانات المؤلفة أحسن تأليف، والمركبة أحسن تركيب، وأعضائها الظاهرة والباطنة؛ فإن في ذلك ما يدل على حكمة فاعله، وعلمه على وجه لا يمكن عاقلا دفعه؛ وأما أن من صح منه الفعل المحكم وجب أن يكون عالما، فما يعلمه في الشاهد من القادرين إذا حاولا إيجاد فعل محكم كالكتابة مثلا، فبانت من أحدهما محكمة دون الآخر، فإنا نعلم أن بينهما فرقا، ولأحدهما مزية على الآخر، لولا ذلك لم يكن أحدهما بصحة ذلك منه أولى من الآخر لفقد التفرقة، وتلك المزية هي التي عبر عنها أهل اللغة بأن سمو من صحت منه الكتابة المحكمة عالما دون الآخر، وقد صح من الباري الأفعال محكمة على أبلغ وجوه الإحكام، فثبت أنه عالم، وإذا ثبت أنه عالم فلا يخلو إما أن يكون عالما لذاته أو لغيره، والغير لا يخلو إما أن يكون مؤثرا على سبيل الصحة وهو الفاعل، أو على سبيل الإيجاب وهو العلة؛ والعلة لا تخلو إما أن تكون موجودة أو معدومة؛ والموجودة لا تخلو: إما أن تكون محدثة أو قديمة، والأقسام كلها باطلة إلا كونه عالما لذاته، وذاته مع المعلومات على سواء، فلا يخلو إما [أن] يعلم كلها أو [يعلم] بعضها، أو لا يعلم شيئا منها، محال أن لا يعلم شيئا منها؛ لأنه قد ثبت أنه عالم بما قدمنا، ومحال أن يعلم بعضها دون البعض؛ لفقدان المخصص؛ فلم يبقى إلا أن يعلم جميعها؛ وينبغي أن تبطل الأقسام الأولة بأدلة مختصرة فنقول: لا يجوز أن يكون عالما بالفاعل لأنه لا فاعل له؛ لأن ذلك الفاعل إن تقدم على الباري انتقض كون الباري سبحانه قديما؛ لأن ما تقدمه غيره فهو محدث، وكان الكلام ينتقل إليه أيضا، وإن تقدم عليه الباري انتقض كونه فاعلا؛ لأن من حق الفاعل أن يتقدم على فعله؛ لأن صحة فعله مترتبة في الوجود عليه، ولا يجوز أن يكون عالما لعلة معدومة؛ لأنه كان يجب أن نكون عالمين بتلك العلة، كما أن الباري سبحانه عالم بها لفقد الاختصاص؛ لأنها ليست بأن توجب له كونه عالما أولى من أن توجب لنا كوننا عالمين؛ لأن المعدوم لا يختص بذات دون أخرى، والعلة إنما توجب بشرط الاختصاص، والمصحح فيه وفينا على سواء وهو كوننا أحياء، والشرط حاصل فيه عز وجل وفينا، وهو الوجود، فكان يجب إن أوجبت له أن توجب لنا، فكان يجب فينا أن نعلم جميع المعلومات وذلك محال، ولا يجوز أن يكون عالما لعلة موجودة؛ لأنها كانت لا تخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة؛ لأن الموجود لا يخلو إما أن يكون لوجوده أول فهو المحدث، أولا أول لوجوده فهو القديم، وباطل أن يكون عالما لعلة قديمة لأنه لا قديم سواه، ولأنها لم تكن بأن توجب له كونه عالما أولى من أن يوجب لها كونها عالمة، لأنهما قديمان، فما جاز على أحدهما جاز على الآخر مثله، وذلك يؤدي إلى أن يكون علة ومعلولا، ويؤدي إلى وجود إله معه، وباطل أن يكون عالما لعلة محدثة؛ لأنها كانت لا تخلو إما أن تكون من فعله أو من فعل غيره، ولا غير عالم قبل كونه عالما؛ لأن من سواه من الفاعلين محدث على وجه يدل على كون فاعله عالما، وإذا أحدثها فلا يخلو إما أن يكون عالما أو ليس بعالم؛ فإن كان عالما استغنى عن إيجاد ما به يعلم، وإن لم يكن عالما لم يصح منه إيجاد علة بها يعلم؛ لأن وجود العلم ممن ليس بعالم لا يصح، فقد ثبت أنه عالم لذاته، وإذا ثبت ذلك لزم ما قدمناه من علمه بجميع المعلومات، فقد رأيت أدلة العقول ناطقة بما ورد به التنزيل.
Página 220