304

هذا وقد علم جواز بعض الأفعال التي فيها إعانة لاتضر بالمسلمين لما فيها من المصالح الكبيرة بنص القرآن الكريم نحو قوله تعالى: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين)) [الممتحنه:8] إلى قوله: ((أن تبروهم وتقسطوا إليهم)) [الممتحنه:8] وقوله تعالى: ((وطعامكم حل لهم)) [المائده:5] والمعلوم أن في البر والإقساط إليهم وإطعامهم الطعام إعانة لهم ومنفعة، وعمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمعاملتهم بالبيع والشراء وإطعامهم وغير ذلك مما لايضر بالمسلمين، وكإعطاء المؤلفة قلوبهم حتى ضرب الله لهم سهما في القرآن وإن كانت في ذلك إعانة لهم فهي يسيرة مضمحلة في جنب مابها من المنافع العظيمة والمصالح الجسيمة بقتالهم مع المسلمين أو دفع ضررهم، ولهذا قصر أئمة أهل البيت التحريم في البيع منهم على الكراع والسلاح ونحوه مما فيه إضرار بالمسلمين، ويستثنى من هذا ما ورد النص عليه بخصوصه كالجباية المنصوص عليها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من جبى درهما لإمام جائر كبه الله على منخره في النار) وكذا تسليم الأموال الجسيمة التي بها تستقيم دولة الظلمة ولاسيما أموال الله التي جعلها للفقراء والمساكين وسائر المصارف الشرعية وجعل ولايتها إلى من ولاه الله أمر المسلمين، فإن إعطاءها الظلمة مع العلم أنهم يستعينون بها على الفساد في الأرض والطغيان وقتال أهل الحق وقتل أولياء الله تعالى وإهلاك الحرث والنسل وشرب الخمور وسائر أنواع معاصي الله تعالى قبيح عقلا وشرعا، وفي ذلك أعظم إعانة لهم على الإثم والعدوان بل مشاركة لهم في الفساد والطغيان وهو من أعظم الركون إليهم الذي نهى الله تعالى عنه في كتابه بقوله تعالى: ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)) [هود:113] والركون: هو الميل اليسير، وأي ميل أعظم من إعطائهم الأموال الجزيلة التي بها يتم إقامة دولتهم وبغيهم في الأرض، وفي إعطائهم الأموال بالاختيار الموادة لهم والله تعالى يقول: ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)) [المجادله:22] الآية. وماروته الحشوية من الأخبار معارضة للكتاب والسنة وإجماع أهل البيت عليهم السلام، وإنما أجاز بعضهم الدفع إليهم بالإكراه والإجبار لا بالاختيار، وأما عدم أمر أئمة الهدى بإعادة الزكاة على من دفعها إلى الظلمة فهو لأجل الإكراه، وكيف يقال إن الله سبحانه وتعالى أمر بدفع أمواله إليهم وقد أمر بقتالهم بقوله تعالى: ((فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله)) [الحجرات:9] وقال تعالى: ((لاينال عهدي الظالمين)) [البقره:128] وأي عهد أعظم من أمر العباد أن يدفعوا إليهم الأموال التي بها يتم سلطانهم وطغيانهم، والعهد عام لأنه جنس مضاف كما هو معلوم، وبهذا يعلم أن التعميم في الترخيص أو في المنع غير صحيح، وأن التمييز بين المحرم من ذلك والجائز راجع إلى المضار والمفاسد، ويرجع المكلف في ذلك إلى علمه وتمييزه ودينه، وعلى الجملة الأصل التحريم والمنع إلا ماعلم تخصيصه مما ليس فيه إضرار بالمسلمين، والواجب الاحتياط والتحري لما في ذلك من الخطر، والمؤمنون وقافون عند الشبهات، والله تعالى ولي التوفيق. تمت من أنظار مولانا شيخ الإسلام مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله.

Página 288