281

قلت: اعلم أولا أن القائل بوجوب جميع مايمكن من الألطاف هم طائفة من المعتزلة لاكلهم، وقد ذكر المؤلف أنهم أكثرهم، والواقع أنهم ليسوا بأكثرهم ولامعنى للتهويل والتشنيع عليهم بأنهم قالوا بأنه غير قادر عليه، والمعلوم أنهم إنما قالوا: إن الله تعالى لو علم أن اللطف ينفع فيهم لفعله وإنما لاينفع فيهم لأنهم لايقبلونه، واللطف ليس موجبا للهداية، وإنما يكون المكلف معه أقرب إلى أداء ماكلفه، وقد دلت الآيات على أنه لاينفع فيهم شيء لو لم يكن إلا قوله تعالى: ((ولو أننا نزلنا إليهم الملآئكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله)) [الأنعام:111] وقوله تعالى: ((ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه)) [الأنعام: 28] وغير ذلك كثير ومتى كانوا لايختارون قبول اللطف استحال أن ينفع فيهم إلا على جهة الإجبار وهو معنى إلا أن يشاء الله، فإن أجبرهم لم يكونوا مختارين، ومحال أن يكونوا مختارين مجبرين، والمحال لايوصف بكونه مقدورا فما بقي على هذا إلا تأويل نحو قوله تعالى: ((ولو شاء لهداكم أجمعين)) [النحل:9] على مشيئة الإلجاء، وأما مشيئة الإختيار فقد شاء ذلك قطعا بدلالة أول الآية: ((سيقول الذين أشركوالو شاء الله ما أشركنا)) [الأنعام:148] فإن الله تعالى قد أبطل قولهم ونفى أن يكون عندهم علم وحصرهم وقصرهم على الخرص وهو الكذب وهو يفيد قطعا أنه لم يشأ إشراكهم، وإذا لم يشأ إشراكهم فقد شاء هدايتهم.

Página 265