301

Revista Thaqafa

مجلة «الثقافة» السورية

Géneros

فقال: كالبسيط. فأذهلني وحيرني وكاد يأتي على عقلي، لولا أن هداني ربي، لأنه أتاني بلغة ما سمعتها من عربي ولا عجمي، وقد أحطت علمًا بلغات العرب وقمت بها واستبرتها جاهدا واختبرتها عامدا وصرت فيها إلى مالا أجد أحدًا يتقدمني إلى المعرفة به، ولا يسبقني إلى دقيقة وجليلة. فقلت أنا: وما الشيء البسيط؟ فقال: كلله والنفس. فقلت له: أنك من الملحدين! أتضرب لله الأمثال والله يقولفلا تضربوا لله الأمثال أن الله يعلم وأنتم لا تعلمون؟ لعن الله مرشدًا أرشدني إليك ودالاّ دلني عليك، فما ساقك إلي إلا قضاء سوء، ولا كسعيك نحوي إلا الحين، وأعوذ بالله من الحين، وأبرأ إليه منكم ومما تلحدون، والله ولي المؤمنين، إني بريء مما تشركون، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
فلما سمع مقالتي كره استعاذتي، فاستخفه الغضب فأقبل علي مستبسلًا وقال: إني أرى فصاحة لسانك سببًا لعجمة فهمك، وتذرعك بقولك آفة من آفات عقلك فلولا من حضر والله المجلس وإصغائهم إليه مستصوبين أباطيله، ومستحسنين أكاذيبه، وما رأيت من استهوائه إياهم بخدعه، وما تبنيت من تواز رهم، ولامرت بسل لسان التلكع الألكن، وأمرت بإخراجه إلى نار الله وسعيره، وغضبه ولعنته، ونظرت إلى إمارات الغضب في وجوه الحاضرين فقلت: ما غضبكم لنصراني يشرك بالله، ويتخذ من دونه الأنداد، ويعلن بالإلحاد؟ لولا مكانكم لنهكته عقوبة؟ فقال لي رجل منهم: إنسان حكيم! فغاظني قوله فقلت: لعن الله حكمة مشوبة بالكفر. فقال لي آخر: إن عندي مسلمًا يتقدم أهل العلم! ورجوت بذكر الإسلام خيرًا. فقلت آتيني به. فأتاني برجل قصير دحداح آدم مجدور الوجه، أخفش العينيين، أجلح، أفطس، سيء المنظر، قبيح الزي، فسلّم فرددت ﵇، فقلت مااسمك؟ فقال: أعرف بكنية غلبت علي. فقلت: أبو من؟ فقال أبو يحيى. فتفاءلت بملك الموت ﵇، وقلت اللهم إني أعوذ بك من الهندسة، اللهم فاكفني شرها فإنه لا ينصرف السوء إلا أنت. إلا أنت الحمد لله والمعوذتين، وقل هو الله أحد، وقلت أن صديقًا لي جاءني بنصراني يتخذ الأنداد ويدعي أن لله الأولاد، ليغويني فهلم أفدنا شيئًا من هندستك، واقتبسنا من ظرائف حكمت، ما يكون لي سببًا إلى رحمة الله ووسيلة إلى غفرانه، فإنها أربح تجارة وأعود بضاعة؟ فقال: أحضرني دواة وقرطاسًا. فقلت: أتدعو بالدواة والقرطاس وقد بليت منهما ببلية لم تندمل عن سويداء قلبي؟ فقالت: وكيف كان

4 / 45