وقد نشر حديثًا أحد نُطس الأطباء بحثًا دقيقًا في الجنون بالولايات المتحدة فثبت عنده بالإحصاء أن أكثر الولايات عرضة للجنون هي التي كثر تعاطي الأعمال الصناعية فيها في جنوبي البلاد. أما البلاد الزراعية فإن المصابين بها أقل من ذلك فتجد في مقاطعة الماساشوست مجنونًا في كل ٣٤٨ ساكنًا على أنك لا تجد غير مجنون واحد في كل ٩٣٥ من مقاطعة الأركانساس. والجنون بين السود أقل انتشارًا منه بين البيض. ومادام الزنوج نازلين في الأرياف فهم في مأمن من ضياع العقل ولكن متى نزلوا الحواضر وأخذوا في مجاراة البيض ومجاذبتهم حبل الجهاد الاجتماعي يكثر فيهم هذا الداء فيملؤون البيمارستانات والمستشفيات.
ومن أمراض هذا القرن ما عرفه أطباء الأمريكان من مرض دعوه نوراستينا أو ضعف المجموع العصبي. مرض يكثر انتشاره في البلاد التي تزدحم فيها أقدام السكان. ولم يعرفه قدماء الأطباء فخلطه بعضهم بفقر الدم وبعضهم بالهستيريا ومعظم المصابين به ممن صرفوا قبل الوقت قواهم العصبية في الإفراط بالشهوات من الرجال وممن ضعف تركيبهن النامي من النساء بتعدد الحمل والرضاع وممن أصابتهم خطوب وأهاويل واستولى عليهم أرق متتابع. بل ويصاب به أيضًا من صرفوا أوقاتهم منذ طفولتهم في استعمال قواهم العقلية بما لا تسمح به تراكيبهم ولا يعوض الغذاء ما يصرفونه من دقائق الدماغ على نحو ما ترى شبانًا أنجزوا دروسهم ولم يستطيعوا التغلب على مصاعب الحياة فخانتهم قواهم وجهادهم فأضاعوا الثقة بأنفسهم وظنوها عجزت عن الغلبة على ما صادفوه في طريق حياتهم من المشاق فسدت قلة القوة الحيوية في وجوههم سبل الأعمال، وقلبت لهم تقلبات الزمن ظهر المجن، فأمسوا ولا يرون الأمور إلا من وجهتها التي لا ينبغي أن ينظر إليها فيحدث عندهم كل ما يرتاح إليه نظراؤهم كدرًا ولهفًا. وتختلف أعراض هذا الداء حتى في الشخص الواحد في كل دور من أدواره ويكثر شيوعه بكثرة الشقاء الاجتماعي وتعدد أسباب الجهاد في الحياة.
ومن أمراض هذا القرن ابتلاء بعضهم بالحقن بالمورفين تخفيفًا لبعض آلام تصيبهم أو تفاديًا من تصور عوارض يخشون الوقوع بها وقد ابتليت المدنية الغربية بهذه الوصمة كما ابتليت المدنية الشرقية في الهند والصين وتركيا بوصمة التخدر بالأفيون. ومعظم من
1 / 8