131

Revista Al-Muqtabas

مجلة المقتبس

Géneros

المدرسة التي كان يدرس فيها ديوجنس وهرمياس واتاليوس وبرسيان وداماسقوس وايسيدور وغيرهم من الفلاسفة لأنهم لم يرجعوا عن اعتقاد القدماء وينتحلوا النصرانية حتى اضطروا فرارًا بأنفسهم عن مواطن الهلكة أن يرحلوا إلى فارس ولما أرادوا الرجوع إلى بلادهم توسط في أمرهم انوشروان ملك الفرس ومن الشروط التي عقدها مع قيصر اليونان أن لا يمس هؤلاء الفلاسفة بسوء وأن يكونوا أحرارًا في اعتقادهم على أن مدرستهم عطلت وخربت مع غيرها من مدارس آثينة. علم بهذا أنه كان للإمبراطورين تيودوس وجوستنيانوس يد طولى في إتلاف آثار أهل العلم ومصانعهم قديمها وحديثها رجاء بث دعوة النصرانية فدثرت المدنية التي قامت بحسنات الأجيال السالفة والأمم الغابرة وذلك بأعمال هذين العاهلين وبما أبداه الرهبان والرومان من ضروب العدوان. ثم أفاض المؤلف في حملة أهل البندقية والفرنجة على القسطنطينية سنة ١٢٠٢م وحرقهم لها ثلاث مرات بحيث دثر ثلثاها وأحرقت أعلاق الكتب التي جمعت فيها منذ نحو تسعمائة سنة ولما استولى هؤلاء الفاتحون على هذه العاصمة تفرقوا في أطرافها وأنشأوا يسلبون كل ما تطول إليه أيديهم من أموال الناس وعروضهم إلى آخر ما قاموا به من العيث في الكنائس والبيع التي أنقذت من لسان اللهيب وعبثوا بحليها وجواهرها وخصوصًا كنيسة أيا صوفية المشهورة فقد أخذوا كل ما أتحفها به الملوك والأغنياء من الجواهر والحلي والنفائس باعوا بعضه بيع السماح وأتلفوا الآخر كأنه لا قيمة له إلى نظائر ذلك مما قاموا به من الأعمال الوحشية التي فصلها حق التفصيل المؤرخ نيكيتاس أحد رجال دولة الروم. واستفاض المؤلف فيما آل إليه أمر مكتبة الإسكندرية من الحريق بقضاء الله وقدره سنة ٤٧ق. م وخرابها للمرة الثانية بحملات رئيس الأساقفة الإسكندري وجماعته عمدًا قبل الهجرة بمائتي سنة وإحراق ما جمع في زهاء تسعمائة سنة منذ جعلت القسطنطينية عاصمة لدولة الرومان إلى استيلاء اللاتين عليها بداعي ما حدث فيها من الفتن بين الروم واللاتين. وإن ما أنقذ من هذه الحرائق من الكتب أتى عليه اللاتين بجهلهم واستهزائهم بالمعارف وأهلها حتى أن مصر لما فتحها المسلمون لم يبق لمكتبة الإسكندرية فيها عين ولا أثر ولما فتحت الأستانة أيضًا لم يكن فيها عاديات ولا أعلاق بتاتًا.

3 / 4