Revista Bayan
مجلة البيان
Géneros
رابعًا: الاشتغال بعلم صناعة الأطعمة فإذا آكل الطفيلي جماعة على خوان أحد الأغنياء جعل همه أن يفرد صنفًا من بين الأصناف فيغري به القوم إغراء خبير واثق مما يقول حتى لا يجرأ أحد على مخالفته وكذلك ينال الطفيلي على الخوان منزلة أشبه بمنزلة رؤساء الأقلام بين عمالهم والمدرسين وسط أطفالهم ويقال عنه هو حاذق بالمشويات كما يقال الشيخ فلان حاذق بالأدبيات وهو أخصائي في التربية والكباب كما يقال فلان أفندي أخصائي في التربية والحساب ويصبح ذوقه ميزانًا للسلطات والمربات ويشهد له عشاق فن المأكل بأنه الفذ المفرد الذي عرف دقائق الفن ووقف على أسرار الصناعة.
وعلم الأطعمة علم صعب المراس بعيد المنال لا تنال دبلومته إلا بعد اثني عشر عامًا من السعي والجد والطلب المشفوع بالإخلاص والاحترام والتفاني - الإخلاص لجانب المعدة. والاحترام لعظمة الخوان وأبهته والتفاني في حب ما يزف عليك من عرائس الألوان وابكار الزجاج التي لم تفض أختامها.
فمن فعل ذلك صار أستاذًا في الفن وآيته أنك لا تسمع له كلامًا إلا في شأن الأكل ولو اطلعت على ذهنه لم تجد له خاطرًا يجزي إلا على صدور الأخونة ولا هاجسًا يهجس إلا بين الكوانين والحلل ولا فكرًا يرسب إلا في قوارير الزيت والخل ولا أملا يعلق إلا بذيل دجاجة أو جناح أوزة وتجده لا كتب له إلا قوائم الأكل ولا يذكر الأمور والحوادث إلا بمواعيد الأكلات وتواريخ الولائم فإذا سئل متى وقع ذاك الأمر جعل يفكر أكان عقب أكلة سمك أم طعمة بقول وهل جرى قبل وليمة ديك أو مأدبة شاة. هذه علائم أستاذ الطفيليين فاعرفها والسلام.
من طريف مايروى في باب التطفيل ما حكي أن طفيليًا بالبصرة مر على قوم وعندهم وليمة فاقتحم عليهم وأخذ مجلسه مع من دعي فأنكره صاحب المجلس فقالوا له لو تأنيت أو وقفت حتى يؤذن لك أو يبعث إليك فقال إنما اتخذت البيوت ليدخل فيها ووضعت الموائد ليؤكل عليها وما وجهت بهدية فأتوقع الدعوة والحشمة قطيعة وطرحها صلة وقد جاء في الأثر صل من قطعك وأعط من حرمك وأنشد:
كل يوم أدور في عرصة الدا - ر أشم القتار شم الذباب
فإذا ما رأيت آثار عرس ... أو دخان أو دعوة الأصحاب
1 / 17