الجمع بين الحسنتين في الدنيا والآخرة، وقد يندرج فيها الارتزاق لمن ليس له سواها شيء من الارتزاق. وقد كان هذا الطراز من الدرس والتدريس، والطالب والمعلم حريصاً كل الحرص على أن يمثل الطهارة، والنظافة والأناقة والفصاحة، والكياسة الدعاية والفكاهة، ويجمع بين الأدبين النفسي واللفظي، وحسن أوصافه الهدوء والطمأنينة والرق والظرف، والطلاقة، والخلق الكريم، مع التسامح والتناهج والتعاون والتصادق ...)) ^(١)

وفي معرض الحديث عن الناحية العلمية بمكّة المكرمة في آخر العهد العثماني وأشهر البيوت العلمية بها يقول الأستاذ السباعي:

«وظلت بيوت العلم المشهورة على حالها في هذا العهد تبث علومها الدينية في حلقات بالمسجد، أو في بيوتها الخاصة إلى جانب المدارس، وظل أبناؤها وتلامذتها يتوارثون ذلك، وقد أحصيت حلقات التدريس في المسجد الحرام فبلغت في بعض الأوقات نحو مائة وعشرين حلقة تتناوب التدريس في الآصال والبكور، وبين أطراف الليل والنهار في نشاط وزحام ... ))^(٢)

ويعرض الدكتور محمد عبد الرحمن الشامخ في دراسة موضوعية عن التعليم في مكة والمدينة آخر العهد العثماني نصاً هاماً للمستشرق الهولندي («سنوك هرجرونجه)) Snouck Hurgronje الذي أقام بمكة وجدة سنة كاملة في عامي ١٨٨٤ م و١٨٨٥ م وزار مكة متنكراً فقضى فيها ستة أشهر كطالب من طلاب العلم متحدثاً عن هذا في قوله :

«إذا ما استقربنا تواريخ مكّة التي قلّما تهتم بتاريخ الثقافة فإن باستطاعتنا أن نستنتج بشيء من التأكيد أن مثل هذه الحياة التي وصفنا كانت موجودة في مكّة منذ عدة قرون .. فلقد أخرجت مكة في كل عصر من العصور الإسلامية رجال علم بارزين وكانت حلقات العلوم الشرعية فيها من أحسن الحلقات على مر القرون، وقد اجتمعت في الوقت الحاضر عدة أسباب لتجعل من المسجد الحرام مركزاً علمياً فريداً للعالم الإسلامي كله»^(٣).

وفي سلسلة الوثائق والنصوص والمؤلفات التي تجلي الحقيقة عن هذا الجانب المشرق في تاريخ مكّة يصدر أخيراً كتاب (المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكّة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر) من تأليف الشيخ العلامة عبد الله مرداد أبو الخير، اختصار وترتيب العالمين الأدبيين الأستاذ محمد سعيد العامودي والأستاذ أحمد علي حيث عرض فيه المؤلف إلى ترجمة