Majalis
مجالس في تفسير قوله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}
ومن الأطراف التي يتعلق بها النظر: اعتبار ضروب نظم الألفاظ التي أفادها التركيب، وهو علم المعاني والبيان، وهو أحد وجوه العربية، وهو فن جليل بمعرفته يعقل عن الله عز وجل كتابه وعن نبيه صلى الله عليه وسلم أحاديثه، وبمعرفته يتسع المرء في منطقه، فإن تكلم أفصح، وإن احتج أوضح، وإن كتب أبلغ، وإن خطب أعجب، والمعاني والبيان أحد أقسام البلاغة التي هي إيصال المعنى المقصود إلى القلب بأحسن ما يكون من اللفظ وأجوده، فلو كان الكلام يفهم المعنى بلفظ غير محكم لم يكن بليغا، وكذلك لو كان اللفظ محكما جيدا والمعنى غير طائل، لا يعد في البلاغة.
والبلاغة على ثلاث مراتب: عليا ووسطى ودنيا، والكلام إذا اجتمع فيه الفصاحة والجزالة والنظم كان كامل البلاغة، وأعلاها بلاغة القرآن لاجتماع هذه الثلاثة فيه.
فالفصاحة: دلالة اللفظ على المعنى مع الإفصاح والإيضاح. والجزالة: دلالة اللفظ على المعنى مع قلة حروف الكلم وتناسب مخارجها والاختصار. والنظم: ترتيب الألفاظ وارتباط بعضها ببعض مع تناسب الكلمات وتوازن الحركات والسكتات، والدلالة على المعنى المراد، وهذا كله في القرآن مع أسلوبه العجيب الذي لم يعهد نظيره ونظمه الغريب الذي لم يسمع لكلام غيره تحريره ولا تحبيره، ولهذا عجز البلغاء كافة والفصحاء عامة عن الإتيان بسورة من مثله، وانقطعوا عن المعارضة بحديث من شكله، مع تحديهم وتوفر دواعيهم إلى المعارضة، ولم يقع ذلك منهم، ولا جاء شيء مثله عنهم.
قال الله عز وجل: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، فاتقوا النار} الآية.
وفي هذه الآية معجزة من وجه آخر، وهي الإخبار عن نفي فعلهم الإتيان بسورة من مثله، فكان كما أخبر سبحانه، وقد قال عز وجل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}. فوقع التحدي من الله عز وجل على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو بعشر سور {قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} أو بسورة واحدة. وهو أدنى التحدي عند الجمهور.
Página 453