قلت: لكلام عيسى معنيان، أحدهما: أن قوما رموا أمه بالزور والبهتان، فأعلمهم الله عز وجل على لسان عيسى عليه السلام، أنها بريئة من الدنس. والثاني: أنه سبحانه أراهم قدرته إذ نطق طفلا في المهد بكلام الأنبياء، ليعتبر من سمع كلامه، ويزدجر عن الكلام الفاحش في أمه الطاهرة البرة التقية. وأما قوله: {وجعلني نبيا}، فالمعنى فيه أنه سيجعلني نبيا، كقول الله سبحانه في أهل الجنة: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار} [الأعراف: 50]، {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم} [الأعراف: 48]، المعنى أنهم سينادون؛ لأنه لو كان نبيا عند كلامه هذا لهدى الناس إلى طاعة الله وأمرهم ونهاهم كما فعل بعد الأربعين سنة، كما قال الله سبحانه: {يا عيسى بن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والأنجيل وإذ تخلق من الطين كهئية الطيربإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بأذني وإذ تخرج الموتى بأذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي...إلى آخر السورة } [المائدة: 11،111]،/50/ ألا ترى أنه لما بلغ عليه السلام، إلى قوله: {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}[مريم: 33]، وقف فلم يقدر على الكلام ثم أفصح بعد ذلك بكلام الأطفال لا بكلام النبوة، لأن كلام النبوة عزيز لا يحتمله إلا عقل، وحلم وافر، ولسان فصيح طلق ذلق، والطفل يعدم ذلك، ولذلك رفع عنه خالقه العبادة عز وجل، ولم يتعبد أحدا إلا بعد أن أكمل عقله، وبعث رسولا إلى خلقه إلا بعد بلوغ سنه، وهي أربعون سنة لقوله سبحانه وتعالى في صفيه نوح عليه السلام: {فلبث فيهم ألف سنة لإلا خمسين عاما} وقوله سبحانه في صديقه يوسف: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض} [يوسف: 21]، ويروي في الحديث أنه اجتمع هو وأبوه يعقوب بعد ثلاث وثلاثين سنة، وقوله لكليمه موسى عليه السلام: {ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي إذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنأيا في ذكري} [طه:40،41،42]، مع إجماع الأمة أن محمدا صلى الله عليه، أقام في نبوته ثلاثا وعشرين سنة، ثلاث عشرة بمكة وعشرا بالمدينة، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة، فعيسى كواحد من رسل الله، كما قال الله تعالى: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} [الزخرف:52]، صلى الله عليهم أجمعين.
ثم قلت له:ألستم/51/ تقولون: إن بعد محمد من أئمتكم من يوحى إليه غير وحي محمد؟
قال: نعم.
Página 60