La Mesa de Platón: Conversaciones sobre el Amor
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
Géneros
وأعظم أنواع الحكمة هي التي تنظم الحكومة وحياة الأسر ، وهي المسماة بالعدل والاعتدال؛ فمن يشعر منذ صباه بأن نفسه حامل بهذه المفاخر، فهو رباني النفس، فلما يحين الوقت يريد أن ينتج، فيهم ليبحث عن الجميل الذي يمكنه أن يضع فيه ما هو حامل؛ لأنه ليس هناك تناسل في المشوه؛ فهو يضم الأجسام الجميلة طائعا للمبدأ الذي في نفسه، والذي يريد على الدوام الخلود والبقاء، فإذا لقي مع جمال الشكل نفسا جميلة كريمة لطيفة فهو يضم الاثنين معا، ويبدأ بتهذيب موضع حبه، ثم توحي إليه رغبة شديدة في أن يصرح بما هي الفضيلة، وماذا ينبغي أن يكون عليه ذاك الذي يريد امتلاكها، وما هي الواجبات التي تقتضيها؛ لأنه بمجرد اختلاطه بالشيء الجميل، ولمسه يضع ما كان يحمله منذ صباه ويغذي ويهذب الذي يخرج منه مع موضع حبه الذي لا تنفصل صورته عن ذهنه في غيابه أو في حضوره؛ ولهذا كان الذين يتحدون على هذه الصفة يكونون مرتبطين برابطة أقوى وحب أعظم لكونهم يخلفان نسلا أعز وأجمل من نسل الأزواج الآخرين. وكل من يفكر في النسل الذي تركه هومير وهصيود وغيرهما من كبار الشعراء، وفي أن هذا النسل هو مصدر ذكراهم الخالدة، وشهرتهم الدائمة أو ينظر إلى بنات نفس ليكرجوس أو إلى القوانين التي خلفها صولون، وفي الأعمال الكبرى التي تركها العظماء في بلاد اليونان، وفي بلاد البربر أثرا وعهدا للحب الذي كان بينهم وبين الجمال، يفضل أن يكون والدا لمثل هؤلاء الأطفال دون الأطفال الذين يولدون في شكل إنساني؛ لأن الشرف الإلهي والثناء الإنساني عادا عليهم من مثل هؤلاء الأطفال، ولكن لم يعد عليهم شيء منهما بسبب الأولاد الآدميين!
إن الذي يتوق إلى الحب الحقيقي ينبغي له منذ صباه أن يسعى في الاتصال بالأشكال الجميلة، ثم يجعل شكلا واحدا جميلا موضعا لحبه، ثم يلقحه بالمفاخر العقلية، ثم عليه أن يعتقد أن الجمال أينما حل هو شقيق الجمال في أي شكل آخر، فإذا كان واجبه أن يتقصى أثر الجمال في الأشكال، فيكون من الجهل ألا يعلم أن الجمال واحد وإن تعددت الأشكال، فيطفئ قليلا من جذوة تعلقه بشكل واحد ليقف حبه على سائر الأشكال، ثم هو كذلك يعتبر جمال النفوس أرقى من جمال الأبدان، فإذا وجد شخصا ذا نفس جميلة، ولكن زهرتها ذوت، فإن ذلك لا يمنعه عن وقف حبه وعنايته على هذا الشخص واتخاذه رفيقا لإنتاج الأشياء الجميلة التي تحملها نفسه، ثم يكون واجبه أن يهذب هذا الشخص، فيبدأ بتعليمه العلم ليرى فيه جمال الحكمة، وبذا يتأمل في الجمال فيخلص من ربق عبادة الجمال والحب في شكل خاص، بل يلتفت بعين نفسه إلى محيط الجمال العقلي، فيستخرج بجمال الأشكال التي يراها ما كان كامنا في نفسه من أفكار الحكمة، فإذا قوي واشتد يشتغل بعلم واحد وهو علم الجمال العام.
ومن تعلم وتهذب في الحب إلى هذه الدرجة بتأمله في الأشياء الجميلة بالتدريج، وحسب ترتيبها الوجودي، فقد حصل الآن على غاية الحب ويرى فورا وفجأة نوعا من الجمال عجيبا في طبيعته، وهذا هو الجمال الذي لأجله تكبدت كل هذه المشاق، وهذا الجمال خالد، ولا يمكن إنتاجه، ولا يمكن إهلاكه، ولا يمكن زيادته، ولا نقصه، وهو لا يشبه الأشياء الأخرى في أنه جميل من جهة، ومشوه من جهة أخرى، وليس جميلا بالنسبة لشيء ومشوها بالنسبة لشيء آخر، وليس هو جميلا هنا، ومشوها هناك، وليس جميلا في اعتبار إنسان ومشوها في اعتبار إنسان آخر، ولا يمكن تصور هذا الجمال للذهن كتصور جمال الأيدي والوجه، أو أي عضو من البدن أو تصوره كجمال علم من العلوم، وليس له وجود معين، وليس في الأرض أو في السماء أو في مكان آخر، ولكنه على الدوام ذا شكل واحد ثابت لا يتغير ملائم لذاته.
وكل الأشياء الأخرى جميلة بواسطته مع فرق واحد وهو أنها عرضة للإنتاج والهلاك، ولكنه ليس عرضة للزيادة والنقص، وهو ممتزج بالحقيقة ذاتها ؛ فهو يخرج الفضيلة ذاتها، ويتغذى بها، ويصبح عزيزا لدى الأرباب، فإذا صحت هذه النعمة لبشر كان هو - لا شك - خالدا غير فان.
هذا هو يا فيدروس ما قالته لي تلك النبية الغريبة، وقد اقتنعت بقولها فشغلت نفسي من ذلك الحين بإقناع الآخرين بأنه لا يوجد رفيق غير الحب لإيجاد الاتصال بين الخلود وبين طبيعتنا البشرية الفانية؛ لذا أطلب من كل منكم أن يكرم الحب ويشرفه؛ ولهذا أنا الآن أحمد الحب على قدر استطاعتي، وهذا المقال الذي قلته هو هدية وثناء وصلاة مني إلى الحب. •••
فأثنت الجماعة على خطاب سقراط وهم أريسطوفان بإبداء ما عن له بشأن ما ورد على لسان سقراط متعلقا به، وإذا بباب الدخول يقرع قرعا شديدا، ثم استأذنت عليهم جلبة تشبه جلبة السكارى المعربدين في صحبتهم زمار، فقال أجاثون لخدمه: «اذهبوا يا غلمان وانظروا من الطارق، فإن كانوا من أصدقائنا فرحبوا بهم، وإلا فأخبروهم أنا فرغنا من الشراب.» وبعد ذلك بلحظة سمع المجلس صوت السبياديس في المدخل وهو على أشد ما يكون من السكر يزأر قائلا:
أين أجاثون؟ خذوني إليه! فأخذ الزمار وبعض أصدقائه بيده ووقفوه مستندا إلى دعامة الباب، وكان على رأسه إكليل من حبل المساكين والبنفسج، وعلى رأسه كمية كبيرة من العصائب، فصاح قائلا: أحييكم أيها الرفاق، إنني شربت كفايتي، ولكن إذا شئتم أن أشرب معكم فلا مانع، فإذا لم ترغبوا في الشراب فإنني أنصرف بعد تتويج أجاثون؛ لأنني ما جئت إلا لهذا الغرض، أؤكد لكم أنني لم أستطع الحضور أمس، ولكنني جئت الليلة وحول صدغي تلك العصائب ليتيسر لي أن أستعين بها في تتويج ذلك الذي أستميحكم عفوا إذا وصفته بأنه أجمل الرجال وأحكمهم، أتضحكون من سكري؟ أجل إنني أعرف أنني أقول الحق، أضحكتم أم لم تضحكوا، ولكن قولوا هل تأذنون لي في الدخول أم لا؟ وهل تشربون معي؟
فأظهر أجاثون والجماعة رغبتهم في دخوله، وطلبوا إليه أن يتكئ بينهم، فدخل مأخوذا بيده من شدة سكره، ثم حل رباط رأسه ليتوج به أجاثون، وكان سقراط حياله مباشرة، ولكنه لم يبصر به رجاء مجلسه بين سقراط وأجاثون، وقد تحرك سقراط ليفسح له متكأ، فلما جلس ضم أجاثون إلى صدره، ثم توجه، وطلب أجاثون إلى عبيده أن يحلوا رباط نعليه ليتيسر له أن يتكئ على وسادة واحدة بين سقراط وأجاثون، فقال السيباديس لما سمع أنه ثالث اثنين على وسادة واحدة إني أود ذلك، ولكن من يكون ثالثنا؟ ثم التفت فأخذت عينه بسقراط فطفر السيباديس وصاح أي هرقل! من هذا الذي أرى؟! أنت يا سقراط متربص لي في كل مكان، ثم تلقاني دائما حيث لا أنتظر لقاءك، أما وقد فرغت من هذا فقل لي: ماذا جاء بك إلى هنا؟ ولماذا اخترت أن تتكئ في هذا المكان دون سواه، ولم تختر جوار أريسطوفان أو غيره ممن يتساهلون في أن يكونوا موضع سخرية، بل توصلت بحذق إلى الاتكاء بجوار أظرف الحاضرين وأحلاهم؟ فقال سقراط: هيئ يا أجاثون دفاعا عني، إنني لا أكتم أن صداقتي لهذا الرجل أمر وبيل؛ فمذ عرفته لم أستطع أن أحادث سواه، بل لم يتم لي أن أنظر إلى غيره، فإذا فعلت فإنه يغار غيرة شديدة، ويستسلم للإغراق في إظهار استيائه، ويندر أن يصون يده عن ضربي، أتوسل إليكم أن تعوقوه عن مثل هذه الفعال في هذا المجلس، توسط في الصلح فقد وكلتك عني، فإذا لم تهدأ سورة غيرته وغيظه فاستعد للدفاع عني. فقال السيباديس: لا أريد مصالحتك، وسوف أنتهز فرصة أخرى لعقابك على ما حدث منك الليلة. ثم التفت إلى أجاثون، وقال له: أعرني بعض هذه العصائب لأتوج الهامة العجيبة التي يحملها بين كتفيه ذاك الذي ألام على أنني توجتك وأغفلته، وهو الذي غلب كل الرجال بخطبه ليس أمس كما فعلت فحسب، بل في كل وقت. قال هذا، ثم أخذ بالعصبة وربط رأس سقراط، ثم اتكأ وقال: أنتم يا رفاق في صحو فلا تضجروا، بل اشربوا لأنكم اتفقتم معي على المنادمة، وإنني أنتخب لهذا المجلس نفسي رئيسا إلى أن تسكروا. أجاثون! إلي بكبرى طاساتك، ولكن لعل هذا الوعاء المملوء نبيذا مبردا يكفيني، علي به يا غلام! فلما رأى أنه يسع أكثر من ثماني كئوس عامرة شرب ما فيه عن آخره، ثم أمر أن يملأ لسقراط، ثم قال: انتظروا أيها الإخوان إنني لا أستطيع أن أدبر حيلة على سقراط؛ لأنه يستطيع أن يشرب على قدر رغبة من يشاء، ثم هو بعد ذلك لا يسكر، ولا يفقد توازنه.
فلما ملأ الغلام الوعاء شربه سقراط عن آخره، فقال: أريكسماكوس! أيبقى شرابنا بغير مسامرة أو طرب، فنكتفي بالشراب الساذج خلوا من المؤانسة، وهذه خلة الظمآن؟ فقال السباديس: «أريكسماكوس! لم أرك من قبل! تحية أيها الولد البار من والد أبر.» أجاب أريكسماكوس: تحية لك أيضا، ولكن ماذا نحن فاعلون؟ قال السباديس: نفعل ما تأمرنا بعد؛ لأنه ينبغي لنا أن نخضع لإرشادك؛ لأن الطبيب يعدل مائة من سائر الرجال، فمرنا بما تشاء! قال أريكسماكوس: قبل أن تدخل علينا اتفقنا على أن يلقي كل منا خطابا بليغا في الثناء على الحب مبتدئين بالجهة اليمنى، وقد قام كل منا بعهده إلا أنت؛ فقد شربت معنا ولم تتكلم، ويجب عليك أن تقوم بحصتك في الحديث، فإذا فرغت من ذلك فما عليك إلا أن تأمر سقراط بما تشاء، وهو يأمر جاره من اليمين بما يشاء، وهكذا دواليك. قال السباديس: إن في اقتراحك نصيبا من العدل يا أريكسماكوس وإن كان من الإجحاف أن ترغم السكران على مناظرة من لم يسكروا، هل أقنعك سقراط بصحة ما قال عني؟ أم أنت لا تعلم أن الأشياء على عكس ما يصورها لنا؟ فإنني أعتقد بجد أنني إذا مدحت في حضرته إلها أو بشرا سواه، فلن أسلم من ضربه، ولكنني أؤكد لك يا سقراط أنني لن أثني في حضرتك على أحد سواك.
فقال أريكسماكوس: افعل هذا إذا، امدح سقراط إذا شئت. فقال السباديس: هل أطعن عليه وأعاقبه على مرأى ومسمع منكم جميعا؟ فقال له سقراط: ما الذي تضمره لي؟ هل عزمت على الهزء بي، ووصفي بما ليس في أم ماذا؟ قال السباديس سأقول الحق ليس إلا، أتسمح لي؟ قال سقراط: إنني لا أسمح لك بقول الحق وحده، بل أشتد في مطالبتك بأن تقول الحق كله.
Página desconocida