La Mesa de Platón: Conversaciones sobre el Amor
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
Géneros
أما الحوادث التي وقعت بين الأرباب ورواها هصيود وبارمنيد إن صحت، فلم يكن الحب داعيا إليها، إنما الضرورة؛ لأنه لو كان الحب حينئذ في السماء لما حدثت تلك الجرائم الفظيعة الدموية، بل لساد العطف والسلام اللذان يعيش فيهما الآلهة الآن تحت تأثير الحب؛ إذ إن الحب صبي فهو لين رقيق، وكنا نحتاج إلى شاعر مثل هوميروس ليصف لنا رقة الحب ولطفه؛ فقد قال ذلك الشاعر: إن آلهة النكبات رقيقة، وأقدامها كذلك لينة هينة؛ لأنها لا تسير على الأرض، بل على رءوس الرجال، ويدلل على لين أقدامها بقوله إنها تسير على ما هو لين، ومثل هذا البرهان كاف لإثبات لين الحب ورقته؛ لأن الحب لا يسير على الأرض، ولا على رءوس الرجال، وما هي باللينة، ولكن يسكن ثنايا الأحشاء، ويسير على ألين الأشياء، وقد جعل مقر ملكه نفوس الأرباب وقلوب البشر، وهو لا يأوي إلى كل النفوس؛ لأنه إذا رأى طبيعة جافة، أو نفسا خشنة فإنه ينفر منها، ويبتعد عنها، ولا يألف إلا النفوس اللينة الرقيقة؛ فلهذا كان أرق الأشياء؛ لأنه يلمس بخفة بأقدامه الرخصة ألطف جزء من أرق الأشياء وألطفها.
فهو إذا أصبى الأرباب وألطفها وأكثرها لينا وسيولة، ولو كان غير ذلك ما أمكنه أن يلتف حول كل شيء، ويفيض في كل نفس؛ فالسيولة والفيضان من طبيعته المنتظمة؛ لأنه يعادي كل ما كان مشوها، ويقضي حياته بين الزهور، وهذا سبب لين جلده وجماله؛ لأنه لا يطوف إلا بالنفوس التي لا يزال عطر زهورها عابقا، هذا فيما يتعلق بجمال الحب؛ فلنتكلم الآن عن قوته وفضيلته: إن أحسن صفاته أنه لا يسبب الأذى، ولا يحتمله في علاقته بالأرباب والناس، وإذا تألم من شيء فليس سبب ألمه الشدة أو القسوة، كذلك هو لا يفعل شيئا فيه قسوة أو شدة؛ لأن كل إنسان يفعل ما يأمره الحب بمحض إرادته ورغبته، وكل ما يمنحه الحبيب محبوبه يكون بمحض إرادته، وهذا تبيحه القوانين التي هي ملوك الجمهورية.
وفضلا عن العدل فإن الحب في غاية الاعتدال؛ لأنه إذا كان الاعتدال كون المتصف به يترفع عن الملاذ والشهوات، ويقدر على الضغط عليها؛ فالحب الذي لا يوجد سرور أشد منه يعد أحلى وأمتع الملاذ؛ ولذا لا بد أن يكون أكثر الأشياء اعتدالا. إن المريخ لا يمكنه أن يفاخر الحب في الشجاعة والقوة؛ لأن المالك أقوى على الدوام من المملوك، والذي يغلب أقوى الأرباب لا بد أن يكون أقوى منها جميعا، ولا يخفى أن حب الزهرة يمتلك المريخ.
وبعد الكلام على عدل الحب واعتداله وقوته بقي الكلام على حكمته، فأقول: إن هذا الرب شاعر عاقل، حتى إنه يستطيع أن يخلق شاعرا من رجل لم يكن كذلك؛ لأن كل إنسان مهما كانت حال نفسه مضطربة قبل الحب، فإنه بفضل الحب يصير شاعرا، وهذا دليل على أن الحب شاعر وماهر في هذا الفن حسب قواعد الموسيقى؛ لأن ما لا يملكه الإنسان أو يجهله لا يستطيع أن يعطيه أو يعلمه سواه، ومن ذا الذي ينكر أن الشعر الإلهي الذي يخرج سائر الأشياء الحية الموجودة على ظهر الأرض ليس منسجما بحكمة الرب؟ أليس من الثابت أن الحب واضع فنون الحياة التي نعرفها؟ ومن كان الحب معلمه يصير عظيما وكبيرا، كما أن من يجهل الحب يبق طول حياته غير ملتفت إليه خاملا. لقد اخترع أبولون الطب والتخمين والرماية مقودا إلى ذلك بالرغبة والحب؛ فكان أبولون تلميذ الحب، وبواسطته اكتشفت «عرائس الشعر» فنون الأدب، كذلك تعلم فولكان معالجة المعادن، ومنرفا فن النسيج، والمشتري سير السيادة التي يمارسها الآن على الأرباب والناس. وهكذا تعلمت الأرباب كل فن بفضل «حب الجميل »؛ لأنه لا يوجد حب نحو الأشياء المشوهة.
في أصل الأشياء حدثت بين الأرباب فظائع دعت إليها الضرورة، ولكن عندما ظهر هذا الرب بفضل الرغبة التي تجذب العالم دواما نحو كل جميل نزلت البركة على كل من كان في الوجود من الآلهة والبشر. يظهر لي أن الحب أجمل وأفضل الأرباب، وسبب كل المفاخر المركبة في طبيعته. إن الحب هو الرب الذي يخلق السلام بين الرجال، والهدوء في البحر، وسكون العواصف، والراحة والنوم لدى الحزن. الحب يجردنا من البغض، ويملأ قلوبنا الخالية بالعطف، وهو الذي يجمعنا في الأعياد والأفراح والمراقص والولائم. إن الحب يمطر الخير، والوداعة على الأرض، وتفر من وجهه سائر الميول الخشنة وتهلك، وهو موجد سائر أنواع المودة، ومهلك الأفكار الرديئة، وهو الرحيم الوديع موضع إعجاب العقلاء، ومسرة الأرباب يملكه السعداء، ويشتهيه الأشقياء الذين شقوا؛ لأنهم لا يملكونه، والد الأمان واللطف والرقة واللين والفرح والرغبة، وبه يعتز كل ما كان خيرا، ويهلك كل أمر سيئ، وهو أفخر مرشد لنا، وأحسن مدافع عنا، والمحافظ علينا في تعبنا، وخوفنا في شهواتنا، وفي تعقلنا، زينة كل شيء، وحاكم كل شيء رباني وإنساني، وينبغي لكل إنسان أن يقتفي أثره مرتلا ثناءه، آخذا بنصيبه في الانسجام الإلهي الذي ينشده الحب طربا بالأشياء الحية الموجودة، ومهدئا العقول المتعبة لدى الأرباب والناس.
هذا ما أردت أن أقول في الثناء على الرب.
وبعد مناقشة قصيرة بين سقراط وأريكسماكوس وفيدروس بدأ سقراط العظيم خطابه فقال:
سقراط:
إنني أثني يا أجاثون الحبيب على بداية مقالك؛ حيث ذكرت أنه يجب أن نعرف أولا طبيعة الحب، ثم نعرف أعماله، وهذا نظام أوافق عليه. وحيث إنك أسمعتنا مقالا جميلا بليغا عن الحب، فإنك - لا ريب - قادر على أن تجيبنا على هذا السؤال، وهو: هل الحب هو حب شيء أو حب لا شيء؟ فقال أجاثون: إنه طبعا حب شيء ... قال سقراط: اذكر لي هل الحب يشتهي الشيء الذي هو موضعه؟ قال أجاثون: لا شك أنه يشتهيه. سأل سقراط فإذا كان يملك الذي يشتهيه فهل يحبه؟ قال أجاثون: أظن يشتهيه ويحبه إذا كان لا يملكه. قال سقراط: لاحظ إذا أن الرغبة تشتهي ما تطلب، ولا تملك، ولا تشتهي إلا ما تطلب، فهل يريد من صار شهيرا أن يصير شهيرا من جديد؟ وهل يريد القوي أن يكون قويا؟ فإذا شاء الصحيح أن يكون صحيحا، والقوي أن يكون قويا ينتج من هذا أنهما لا يزالان يشتهيان منافع أمور يمتلكانها، فلو فرضنا أن شخصا يملك تلك المنافع، فهل يمكن أن تكون هي غاية رغبته؟ ولو أن شخصا غنيا يقول: أريد أن أكون غنيا. فلتقل له: إنك غني، ولا معنى لطلب ما هو لك، وإنما يمكنك أن تطلب استمرار تلك الحال؛ وينتج من هذا أنك عندما تشتهي شيئا تملكه إنما تريد بذلك دوام الامتلاك، أليس الحب حينئذ هو حب ما ليس في وسعنا الحصول عليه، كذلك حب ما لا يمكن استبقاؤه في المستقبل، وإن كنا حاصلين عليه في الحال؛ فالحب وكل شيء يشتهي شيئا آخر، إنما يشتهي ما هو غائب وبعيد عنه أي الشيء الذي ليس له، ولا يخفى أن الشيء الذي يشتهي شيئا آخر لا بد أن يكون مغايرا له. هذه هي الأشياء التي تحب وتشتهى. إن الحب يحب ما يشتهي، ولكن لا يمتلكه؛ فالحب يطلب ولا يمتلك الجمال، فهل يسمى جميلا ما يتطلب الجمال ولا يمتلكه؟
قال أجاثون: كلا. قال سقراط: إذا هل تؤكد أن الحب جميل بعد أن سلمت بكل ما سبق؟ لقد قلت بأن كل خير يعد جميلا. فقال أجاثون: نعم. قال سقراط: فإذا كان الحب في حاجة إلى الجمال والأشياء الجميلة فهو - لا شك - كذلك في حاجة إلى الخير. قال أجاثون: إنني لا أستطيع أن أنقضك يا سقراط. قال سقراط: إنك لا تستطيع نقض الحق، أما سقراط فإنك تستطيع نقضه.
Página desconocida