الفصل الثالث
الفصل الرابع
المهزلة الأرضية
المهزلة الأرضية
تأليف
يوسف إدريس
مقدمة
في مثل هذه الأيام أو قبلها بقليل منذ عامين، كتبت في مجلة «الكاتب» ثلاث مقالات أعطيتها اسما «نحو مسرح مصري»، كان الهدف منها زلزلة العقيدة التي كانت لدى نفر من مثقفينا زمنا، والتي لا تزال قائمة إلى الآن، وهي أن المسرح ظاهرة أوروبية محضة، كل ما علينا حياله أن نتلقاه عن الإغريق والأوروبيين المعاصرين، ونحاول أن ننسج على منواله، وكل ما نستطيع أن نفعل من أجل تمصيره أن نتناول داخل هذا «الشكل» المسرحي الأوروبي والعالمي موضوعات مصرية، باعتبار أن الشكل المسرحي الأوروبي هو الشكل العلمي الذي تواضعت وانتهت إليه البشرية، ولا سبيل إلى تغييره أو تبديله.
ولست أدري لماذا؟ ولكني منذ أول وهلة سمعت فيها هذا الافتراض وأنا بكل كياني أعارضه. ليس هناك مانع قطعا أن يستولي هذا الفرض على عقول بعض كتابنا ونقادنا، ولكن المشكلة الرئيسية أني أشك شكا كثيرا في صحته. إن هذا الإيمان الذي يعتقد باختلاف العقلية والوجدان البشري؛ حتى ليقول إن هناك عقليات بشرية درامية وعقليات غير درامية، إيمان قد ينتهي بنا إلى تصديق النظريات النازية عن تميز بعض العقول عن غيرها وتمتعها بسمو أكبر وذكاء أكبر. إني أومن، والعلم معي يؤكد وحدة العقل البشري وعالمية إمكانياته. قد تختلف القدرات الفردية، ولكن هذه القدرات إذا تجمعت على هيئة شعب؛ فإنها تتساوى بحيث لا نستطيع أن نقول إن بعض الشعوب أذكى من بعضها الآخر، أو أن عقليات بعض الشعوب أكثر قابلية للتعقيد من الشعوب الأخرى.
من أجل هذا لا أستطيع أن أصدق أن المسرح هبط على الشعب الإغريقي من قمة الأوليمب دون غيره من الشعوب، باعتبار أن السماء قد اختصته بهذه الميزة. إن المسرح خاصية من خصائص كل شعب، فكما أن لكل شعب لغته ولكل شعب رقصه ورسمه وموسيقاه وغناءه، فكل شعب لديه ميل غريزي إلى المحاكاة (أي التمثيل )، وكل شعب لديه تجمعاته الخاصة التي تتم فيها هذه المحاكاة، وتوجده في حالة «التمسرح» التي طالما أشرت إليها.
Página desconocida