محللة لم تبق شرقا ولا غربا
وأنا تركنا بين زمزم والصفا
جنائز لا تبغي سوى ربها ربا
والحشاشون نكلوا بالبلاد تنكيلا فظيعا، وخوفوا العظماء وأرهبوهم، والموحدون اضطهدوا ابن رشيد الفيلسوف وسجنوه بعد أن أكرموه، ومهدي السودان كان حاكما مستبدا يقسو ولا يرحم، وينكل بأعدائه وخصومه تنكيلا شديدا، فحكوماتهم كانت تنعي على الظلم وتظلم، فلا رأينا عدلا من السنيين ولا من الشيعيين «وكلهم في الهم شرق». والعدل الذي كان يقول به دعاة المهدي المنتظر لم يتحقق في كثير ولا قليل، ولكن ظلما يقابل بظلم، وشعبا يطمح إلى العدل فيخيب أمله، نعم إن عقائد هذه الشيعة وأسرارها وما قيل عن تعاليمهم متناقضة، فبينما يقول مؤيدو الإسماعيلية: إنهم منعوا السكر وحتموا الزواج بواحدة إذا بخصومهم يرمونهم بشرب الخمر والاعتداء على النساء، وقد زاد في بلبلة الأفكار والتناقض في ذكر المعتقدات قلة ما أثر عنهم من كتب وتعاليم. ولكن مهما اختلف المختلفون في المعتقدات، فأمامنا الأعمال الظاهرة التي لا تشرف والتي لا يستطيع أحد أن ينكرها، سواء أكان من المعارضين أم المؤيدين، ولو كانت هذه التعاليم قد دخلت قلوبهم وأنهم يستمدونها من مهدي منتظر، ومن إمام حق مستتر لانعكست عقائدهم على أعمالهم، أما الأعمال سيئة فما قيمة المعتقدات ولو صحيحة. فحكومات الخلفاء الرسميين لم تكن ترضي عاقلا، وحكومات الشيعيين كذلك لم تكن ترضي عاقلا أيضا، والناس إنما يطمحون بعد هذا الفشل إلى إمام عادل يتبع العقل لا المهدي المنتظر، وربما كان الفرق بين ظلم خلفاء بني أمية وبني العباس من جهة والشيعيين من جهة أخرى أن الأولين كانوا يظلمون ويجهرون، والآخرين كانوا يظلمون ويستترون.
على العموم كان الخلفاء الرسميون يظلمون الشيعة وينكلون بهم، وكان الشيعة يثيرون الثورات ويدبرون الدساس والمؤامرات، والنتيجة ظلم من هذا وظلم من ذاك.
في ضوء هذا لا نستطيع أن نحدد المسئولية، هل هي على أهل السنة أو على أهل الشيعة، ونحار كما حار أبو العلاء في قوله:
لا ذنب للدنيا فكيف نلومها
واللوم يلحقني وأهل نحاسي
عنب وخمر في الإناء وشارب
فمن الملوم أشارب أم حاسي
Página desconocida