لو كان لفظك فيهم ما أنزل القر
آن والتوراة والإنجيلا
وأما الكتاب الثاني فرسائل إخوان الصفا فقد بنيت على أساس نظرية الفيض الإلهي، وأن الله يفيض من نوره على من يشاء من عباده وأن فيضه على الأئمة أقوى فيض، وهي النظرية التي قال بها أفلاطون وحورتها الأفلاطونية الحديثة، وقالوا: إن لهذا الفيض مظاهر دورية ظهرت في نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، واختتمت بالإمام ولهم في عدد السبعة هيام وأوهام.
وتتجلى الروح الإلهية في درجات مختلفة ومراحل متوالية، وتظهر للإنسانية منذ بدء خلقها متدرجة نحو الكمال، حتى جاءت إلى محمد
صلى الله عليه وسلم ، وبهذا المعنى يأتي المهدي برسالة تفوق من قبله حتى رسالة محمد.
ويجب أن يفسر القرآن على أن له باطنا غير الظاهر، والظاهر إنما يصلح لقوم لم يكتمل نضجهم بعد، إنما الخاصة هم الذين يفهمون المعنى الباطن، حتى إن الإمام إسماعيل كان يشرب الخمر فأنكر عليه ذلك بعض أصحابة وقالوا له: إن القرآن يقول بتحريم الخمر، ففسر آية الخمر تفسيرا مجازيا، وكذلك فعل في الفرائض الأخرى كالصوم والحج، وبذلك تحللوا من الشرائع الإسلامية.
وغلا كذلك إخوان الصفاء في الحروف فزعموا أن للحروف أسرارا دالة على معان، وأن هذه الحروف يمكن أن يفهم منها ميعاد ظهور المهدي، واستندوا فيها على قوله تعالى:
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، ومع أن الآية تدل على عدم معرفة أحد للغيب فقالوا: إن الله تجلى بعلمه على من يشاء من عباده، وقد روي عن الكندي الفيلسوف رسالة تتضمن دلالة الحروف وأسرار الأعداد، وذكروا في إخوان الصفاء أن ظهور المهدي المنتظر يتوقف على حركات النجوم وقراناتها، مقلدين في ذلك اليهود في قولهم : إن موعد ظهور المسيح يتبع القيمة العددية لكلمتي «هستير استير». وقد شاع بين الباطنية وغيرهم ارتباط حركات الأرض، وأحداث الكون بحركات النجوم حتى إنه لا يحدث حدث في الأرض إلا بقرانات في نجوم السماء، ووضعوا في ذلك علما سموه علم اليازرجة، فما يحدث للإنسان من سعادة وشقاء وغنى وفقر، فإنما مرجعه إلى حركات النجوم والقرانات.
وقال قوم معتدلون: إنه لا يخفى أن للنجوم والكواكب تأثيرات في الأرض وفي الإنسان من طريق غير مباشر، فالشمس مثلا تؤثر في المواسم من صيف وربيع وخريف وشتاء، والقمر مثلا يؤثر في حركات المد والجزر، وهذه كلها تؤثر في مزاج الإنسان، ولكن إذا أسندت هذه الأمور وتعقدت إلى قرانات، فقد يحدث أن عمر الإنسان ينتهي من غير أن يحصل قران للنجوم على شكل خاص، فكيف يمكن بناء الأحداث على الاستقراء الناقص، ولا يزال الناس إلى يوم القيامة يتعلقون بهذا النحو من النجوم، وتأثيرها لما ركب في غريزتهم من حب الاستطلاع، وهم يسندون الغنى والفقر أو السعادة والشقاء لولادة الشخص في طالع من طوالع النجوم، مع أنا نجد أشخاصا كثيرين ولدوا في وقت واحد وطالع واحد، وبعضهم سعيد وبعضهم شقي، وبعضهم فقير وبعضهم غني، ولكن مهما قامت الأدلة فالنفوس البشرية هي هي، تميل دائما إلى حب الاستطلاع.
ومن مظاهر هذه النزعة الدينية في الدولة الفاطمية تنظيمهم شأن الدعوة والدعاة، وإعلاء شأن داعي الدعاة، ويقول المقريزي: إن الدعوة كانت مرتبة على منازل، دعوة بعد دعوة، فالدعوة الأولى مبنية على إثارة المشكلات وتأويل الآيات، وتعليمهم أن الدين مكتوم، وأن الأكثر له منكرون وأن لا سبيل للنجاة إلا ما خص الله به الأئمة من العلم، فإذا علم الداعي منه الإقبال والتشوق قرر له أن الآفة التي نزلت بالأمة، وشتت كلمتهم وأورثتهم الأهواء المضلة هي إعراض الناس عن أئمة نصبوا لهم، وأقيموا حفاظا على الشرائع، ولما نظر الناس في الأمور بعقولهم واتبعوا ما حسن في ناظرهم، وأطاعوا سادتهم وكبراءهم اتباعا للملوك وطلبا للدنيا؛ ضلوا السبيل إلى آخر هذه الدرجات. ومما أثاروا من المشكلات سؤالهم مثلا: ما معنى رمي الجمار والعدو بين الصفا والمروة، ولم كانت الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وما بال الجنب يغتسل من ماء قليل ولا يغتسل من البول الكثير، وما معنى الصراط والكتبة الحافظين، وما لنا لا نراهم، وما عذاب جهنم، وكيف يصح تبديل جلد مذنب بجلد لم يذنب، وما إبليس والشياطين، وما يأجوج ومأجوج، وما شجرة الزقوم، وما دابة الأرض، وما الخنس الكنس، وما معنى فواتح السور مثل
Página desconocida