Mahasin Tawil
محاسن التأويل
Géneros
قاصر النظر ، ضعيف العقل ، لا يجاوز نظره الأمر المكروه الظاهر إلى ما وراءه من كل محبوب. وهذه حال أكثر الخلق ، إلا من صحت بصيرته فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من التعب ، والمشاق ، والتعرض لإتلاف المنهجة ، والجراحات الشديدة ، وملامة اللوام ، ومعاداة من يخاف معاداته لم يقدم عليه ، لأنه لم يشهد ما يؤول إليه من العواقب الحميدة ، والغايات التي إليها تسابق المتسابقون ، وفيها تنافس المتنافسون. وكذلك من عزم على سفر الحج إلى البيت الحرام ، فلم يعلم من سفره ذلك إلا مشقة السفر ، ومفارقة الأهل والوطن ، ومقاساة الشدائد ، وفراق المألوفات ، ولا يجاوز نظره وبصيرته آخر هذا السفر ، ومآله ، وعاقبته فإنه لا يخرج إليه ، ولا يعزم عليه. وحال هؤلاء ، حال الضعيف البصيرة والإيمان ، الذي يرى ما في القرآن من الوعد والوعيد ، والزواجر والنواهي ، والأوامر الشاقة على النفوس التي تفطمها عن رضاعها من ثدي المألوفات والشهوات والفطام على الصبي أصعب شيء ، وأشقه والناس كلهم صبيان العقول ، إلا من بلغ مبالغ الرجال العقلاء الألباء ، وأدرك الحق علما ، وعملا ، ومعرفة ، فهو الذي ينظر إلى ما وراء الصيب ، وما فيه من الرعد والبرق والصواعق ويعلم أنه حياة الوجود.
** التنبيه الثالث :
قال القاشاني : «إنما بولغ في ذكر فريق المنافقين ، وذمهم ، وتعييرهم ، وتقبيح صورة حالهم ، وتهديدهم ، وإيعادهم ، وتهجين سيرهم وعاداتهم : لإمكان قبولهم للهداية ، وزوال مرضهم العارض. عسى التقريع يكسر أعواد شكائمهم ، والتوبيخ يقلع أصول رذائلهم ، فتتزكى بواطنهم ، وتتنور قلوبهم ، فيسلكوا طريق الحق. ولعل موادعة المؤمنين ، وملاطفتهم إياهم ، ومجالستهم معهم تستميل طباعهم ، فتهيج فيهم محبة ما ، وشوقا تلين به قلوبهم إلى ذكر لله ، وتنقاد به نفوسهم لأمر الله ، فيتوبوا ويصلحوا ، كما قال تعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين ، وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ) [النساء : 145 146].
** القول في تأويل قوله تعالى :
* (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) (21)
( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ) لما ذكر الله علو طبقة كتابه الكريم ، وتحزب الناس في شأنه إلى ثلاث فرق ، مؤمنة به محافظة على ما فيه من الشرائع والأحكام ،
Página 264