248

وجه إيثاره في عذاب المنافقين على «العظم» المتقدم في وصف عذاب الكافرين ويؤيده : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ) [النساء : 145].

( بما كانوا يكذبون ) الباء للسببية أو للمقابلة أي بسبب كذبهم أو بمقابلته وهو قولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر ، وهم غير مؤمنين. وفيه رمز إلى قبح الكذب ، وسماجته ، وتخييل أن العذاب الأليم لا حق بهم من أجل كذبهم مع إحاطة علم السامع بأن لحوق العذاب بهم من جهات شتى ونحوه قوله تعالى : ( مما خطيئاتهم أغرقوا ) [نوح : 25] والقوم كفرة وإنما خصت الخطيئات استعظاما لها ، وتنفيرا عن ارتكابها.

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11)

* ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) (12)

شروع في تعديد بعض من مساوئهم المتفرعة على ما حكى عنهم من الكفر والنفاق و «الفساد» خروج الشيء عن حال استقامته وكونه منتفعا به. ونقيضه «الصلاح» وهو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة. والفساد في الأرض : تهييج الحروب والفتن ، لأن في ذلك فساد ما في الأرض ، وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس ، والزروع ، والمنافع الدينية والدنيوية. قال الله تعالى : ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد ) [البقرة : 205]. ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) [البقرة : 30] ومنه قيل لحرب كانت بين طيء : حرب الفساد .

وكان إفساد المنافقين في الأرض أنهم كانوا يمالئون الكفار على المسلمين بإفشاء أسرارهم إليهم ، وإغرائهم عليهم ، واتخاذهم أولياء ، مع ما يدعون في السر إلى : تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وجحد الإسلام ، وإلقاء الشبه ، وذلك مما يجرئ الكفرة على إظهار عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونصب الحرب له ، وطمعهم في الغلبة ، فلما كان ذلك من صنيعهم مؤديا إلى الفساد بتهييج الفتن بينهم قيل لهم : لا تفسدوا كما تقول للرجل : لا تقتل نفسك بيدك ولا تلق نفسك في النار ، إذا أقدم على ما هذه عاقبته وقد قال تعالى : ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض

Página 251