242

( ومما رزقناهم ينفقون ) أي يؤتون مما رزقناهم من الأموال من شرع لهم إيتاؤه والإنفاق عليه من الفقراء والمساكين وذوي القربى واليتامى وأمثالهم ، على ما بين في آيات كثيرة.

** القول في تأويل قوله تعالى :

* (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) (4)

( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) والمراد ( بما أنزل إليك ) الكتاب المنزل كله ، وإنما عبر عنه بلفظ الماضي وإن كان بعضه مترقبا تغليبا للموجود على ما لم يوجد. كما أن المراد من قوله ( وما أنزل من قبلك ) الكتب الإلهية السالفة كلها. وهذا كقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ) [النساء : 136] الآية. والإنزال النقل من الأعلى إلى الأسفل. فنزول الكتب الإلهية إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام بأن يتلقاها جبريل من جنابه عز وجل فينزل بها إلى الرسل عليهم السلام . ولهذا يقال : القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، منه بدأ. أي تكلم به حقيقة لا مجازا.

قال الإمام أحمد وغيره : وإليه يعود أي لا يبقى له أثر في الوجود أي هو المتكلم به قال تعالى ( والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ) [الأنعام : 114]. وقال تعالى : ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ) [النحل : 102]. وقال تعالى : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) [الزمر : 1].

( وبالآخرة هم يوقنون ) الآخرة في الأصل : تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول وهي صفة الدار ، بدليل قوله تعالى : ( تلك الدار الآخرة ) [القصص : 83]. سميت بذلك لأنها متأخرة عن الدنيا. وقيل للدنيا : دنيا ، لأنها أدنى من الآخرة. وهما من الصفات الغالبة. ومع ذلك فقد جريا مجرى الأسماء. إذ قد غلب ترك ذكر اسم موصوفهما معهما ، كأنهما ليسا من الصفات.

والإيقان إتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه. وفي تقديم الآخرة وبناء ( يوقنون ) على ( هم ) تعريض بأهل الكتاب ، وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته. كزعمهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، واختلافهم في أن نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أو لا؟ وهل هو دائم أو لا؟ فاعتقادهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة ، فضلا عن الوصول إلى مرتبة اليقين!.

Página 245