230

باختلاف أنظارهم إلى أبعاض الهداية وجزئياتها ، والجميع يصح أن يكون مرادا بالآية إذ لا تنافي بينها وبالله التوفيق» كلام الراغب. وبه يعلم تحقيق معنى الهداية في سائر مواقعها في التنزيل الكريم ، وأن الوجوه المأثورة في آية ما إذا لم تتناف صح إرادتها كلها ، ومثل هذا يسمى : اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.

كما أشار لذلك شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في مبحث له مهم ، نأثره عنه هنا ، لما فيه من الفوائد الجليلة. قال رحمه الله :

ينبغي أن يعلم أن الاختلاف الواقع من المفسرين وغيرهم على وجهين : أحدهما ليس فيه تضاد وتناقض ، بل يمكن أن يكون كل منهما حقا ، وإنما هو اختلاف تنوع أو اختلاف في الصفات أو العبارات. وعامة الاختلاف الثابت عن مفسري السلف من الصحابة والتابعين هو من هذا الباب. فإن الله سبحانه إذا ذكر في القرآن اسما مثل قوله ( اهدنا الصراط المستقيم ) فكل من المفسرين يعبر عن الصراط المستقيم بعبارة تدل بها على بعض صفاته ، وكل ذلك حق بمنزلة ما يسمى الله ورسوله وكتابه بأسماء ، كل اسم منها يدل على صفة من صفاته. فيقول بعضهم : الصراط المستقيم كتاب الله أو اتباع كتاب الله. ويقول الآخر : الصراط المستقيم هو الإسلام أو دين الإسلام. ويقول الآخر : الصراط المستقيم هو السنة والجماعة. ويقول الآخر : الصراط المستقيم طريق العبودية ، أو طريق الخوف والرضا والحب ، وامتثال المأمور ، واجتناب المحظور ، أو متابعة الكتاب والسنة ، أو العمل بطاعة الله ، أو نحو هذه الأسماء والعبارات. ومعلوم أن المسمى هو واحد ، وإن تنوعت صفاته وتعددت أسماؤه وعباراته ، وكثير من التفسير والترجمة تكون من هذا الوجه. ومنه قسم آخر وهو أن يذكر المفسر والمترجم معنى اللفظ على سبيل التمثيل لا على سبيل الحد والحصر مثل أن يقول قائل من العجم : ما معنى الخبز؟ فيشار له إلى رغيف وليس المقصود مجرد عينه ، وإنما الإشارة إلى تعيين هذا الشخص تمثيلا. وهذا كما إذا سئلوا عن قوله : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) [فاطر : 32]. أو عن قوله : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) [النحل : 128]. أو عن الصالحين أو الظالمين ، ونحو ذلك من الأسماء العامة الجامعة التي قد يتعسر أو يتعذر على المستمع أو المتكلم ضبط مجموع معناه ، إذ لا يكون محتاجا إلى ذلك فيذكر له من أنواعه وأشخاصه ما يحصل به غرضه ، وقد يستدل به على نظائره. فإن الظالم لنفسه هو تارك المأمور فاعل المحظور. والمقتصد هو فاعل الواجب وتارك المحرم. والسابق هو فاعل الواجب والمستحب وتارك المحرم والمكروه. فيقول المجيب بحسب حاجة السائل : الظالم الذي يفوت الصلاة ، أو

Página 233