Virtudes y Defectos
المحاسن والمساوئ
وقال سوار بن عبد الله: قال رؤبة بن العجاج: أرسل إليّ سليمان بن علي وهو بالبصرة فقال: هذا رسول الأمير أبي مسلم قدّم في إشخاصك، قلت: سمعًا وطاعة، أرجع إلى أهلي فأصلح من شأني، قال: ليس إلى ذلك سبيل، ثم التفت إلى الحرسي فقال: هذا صاحبك فشأنك، فلم أُنهنه أن حملت على البريد فوافيت الأنبار مع الجمعة الأخرى فأُدخلت سرادقًا فيه عشرة آلاف رجل في السواد واضعي أذقانهم على قوابع سيوفهم لا ينظر بعضهم إلى بعض إلا شزرًا ولا يكلمه إلا همسًا، ثم اختُرق بي سرادق آخر مثل الأول على مثل حالهم، فقلت في نفسي: أحسبه تذكّر عليّ بعض قولي في بني أمية فأراد قتلي، فأيست عند ذلك من الحياة، ثم خرجت إلى سرادق ثالث فإذا قبة مضروبة في وسطه فدفعت إليه فسلمت بالإمارة عليه، فقال لي: أنت رؤبة ابن العجاج؟ قلت: نعم، جعلني الله فداك أيها الأمير! فقال: أنشدني قولك يرمي الجلاميد بجلمود مدقّ، فحقق فيّ نفسي ما كنت قدّرت وظننت، ثم قلت: بل أنشدك، جعلت فداك:
لبيك إذ دعوتني لبّيكا ... تطلب حقًا واجبًا عليكا
فسكت حتى فرغت منها ثم أقبل عليّ فقال: أنشدني قولك يرمي الجلاميد بجلمود مدقّ، قلت بل أنشدك قولي:
ما زال يبني خندقًا ويهدمه ... وعسكرًا يشرعه ويهزمه
ومغنمًا يجمعه ويقسمه ... مروان لما غرّه منجّمه
فأمسك حتى فرغت ثم قال: أنشدني قولك يرمي الجلاميد بجلمودٍ مدقّ، فقلت بل أنشدك:
ما زال يأتي الأمر من أقطاره ... على اليمين وعلى يساره
حتى أقرّ الملك في قراره ... مشمّرًا لا يُصطلى بناره
فقال: أنشدني ويحك يرمي الجلاميد! فأنشدته:
وقاتم الأعماق خاوي المحترق ... مشتبه الأعلام لمّاع الخفق
فأنصت حتى انتهيت إلى قولي:
يرمي الجلاميد بجلمودٍ مدقّ
فوقفت، فقال: إن أمير المؤمنين وجّهني إلى خراسان وبها جبال الحديد من الرجال فدمّثتها حتى جعلتها دهسًا فلم أجد لي مثلًا إلا قولك يرمي الجلاميد بجلمود مدقّ، أنا والله ذلك الجلمود، اذكر حاجتك، قلت: جعلت فداك، حاجتي أن تردني إلى أهلي فقد خرجت من عندهم وهم على وجل، فقال: يا غلام عليّ ببدرةٍ، فكأنها لم تزل بين يديه، فقال: يا أبا الجحّاف إنك أتيتنا والأموال مشفوهة وقد أمرنا لك بشيء وهو زمر ولو أتيتنا ونحن على طمأنينة لأوطأت العرب عقيبك، والدهر بيننا وبينك أطرق مستتبّ، ولك عودة وعلينا معوَّل. قال رؤبة: فوالله ما دريت بما أجيبه، ثم قال يردّ على السير الذي جاء عليه: فما شعر بي سليمان في الجمعة الثانية إلا وأنا عنده فأخبرته الخبر فقال: يا أبا الجحّاف هذه ديتك وربحت نفسك.
قال: وحدثني عبد الله بن عمرو بن عبيد الله قال: حدثني عبيد الله قال: لما دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي وأنشده شعره الذي يقول فيه:
أنّى يكون وليس ذاك بكائنٍ ... لبني البنات وراثةُ الأعمام
أجازه بسبعين ألف درهم، فقال مروان:
بسبعين ألفًا راشني من حبائه ... وما نالها في الناس من شاعرٍ قبلي
فحدثنا إدريس بن سليمان بن يحيى بن يزيد بن أبي حفصة قال: كان سبب اتصال مروان بخلفاء بني العباس أن جارية يمانية أهديت إلى أبي جعفر المنصور فأنشدته شعرًا لمروان يمدح به السّريّ بن عبد الله يذكر فيه وراثة العباس، فسألها لمن الشعر فأخبرته، فأمر بإحضار مروان، فوافاه بالربذة حاجًا فلقي الربيع، والمنصور عليل العلة التي مات فيها، فقال: كن قريبًا حتى ندعو بك. فلم تزل العلة تشتد به حتى مات قبل أن يصل إليه مروان.
فقال له الربيع: الحق بالمهدي ولا تتخلف عنه. وانصرف مروان إلى اليمامة فجعلها طريقًا وعليها بشر بن المنذر واليًا، فأوفده بشر فيمن أوفده وأعطى كل رجل ألف درهم. فقدم مروان على المهدي وقد مدحه بأربع قصائد قوله:
صحا بعد جهدٍ فاستراحت عواذله ... وأقصر عنه حين أقصر باطله
وقوله:
طاف الخيال وحيّه بسلام ... أنى أُلم وليس حين لمام
وقوله:
اعص الهوى وتعزّ عن سعداكا ... فلمثل حلمك عن هواك نهاكا
وقوله:
مرى العين شوقٌ حال دون التجلد ... ففاضت بأسرابٍ من الدمع حشَّدي
1 / 106