اللّه تعالى حُلَّةَ الأخيار، وأَسْفَرَتْهُم مِنَ الدِّين مَطالِعُ الأنْوَار، وقَصَمَ بِبَأسِهِم رَقَبةَ كُلِّ عاتٍ جَبَّارٍ.
وهذان الاسْمانِ ذكرهُما مشايخُنا في كُتُبهم، ولا يكونُ إلَّا عن أَثَرٍ إن شاء اللّه تعالى.
وأمَّا دارُ الهِجْرَةِ، فلِمَا رَواهُ التِّرْمِذِيُّ في جامِعِهِ عَنْ جرير بن عبد اللّه ﵄ قال: "إنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: إن اللّه تعالى أوحى إليّ [أيَّ] هذه الثلاث نَزَلْتَ فهي دَارُ هِجْرَتِكَ؛ المدينَة، أو البَحْرَين، أو قنَّسْرين" (^١).
ويُدعى الإمامُ مالِك ﵀ إمَامَ دارِ الهِجْرَةِ.
وأمَّا دارُ الإيمانِ؛ فلأنَّهُ (^٢) كانَ مِنْها ظُهُورُهُ ﷺ، كما نذكره آخر القَصْدِ، وسُمِّي بِهِ لأنَّهُ كان مِنها ظُهُورُه وانْتِشاره، وشيُوعُهُ وعُمُومُه، وعُلُوُّ كَلِمَتِهِ وَإِظهارهُ.
وفي صَحِيحِ البخارِي: دارُ السُّنَّةِ ودارُ الهِجْرَةِ (^٣). والسَّبَبُ في التَّسْمِيَةِ بِهِما ظاهِرٌ؛ وذَلِكَ لأنَّ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّة مِنْها ظهرت، وعَنْها انتشَرتْ، وعُصبَةُ الإسلامِ إليها هاجَرَتْ، وَأَوْطانَها هَجَرَت. وكانت رَحَى الإسلام إلى قيام القيام فيها يُدَار، فيا حُسْنَ الرَّحى ويا حُسْنَ المُدَار، لا يَبْرَحُ ولا يَزَال، ولا يَبْرَحُ لأفواجِ الأخيار إلى ساحةِ باحتِها الاستباقُ والابتدار، ولا تزال معاشر الضنائن (^٤)
(^١) أخرجه الترمذي، في المناقب، باب فضل المدينة، رقم: ٣٩١٩. وقال: هذا حديث غريب.
(^٢) في الأصل: (لأنه)، والصواب ما أثبتناه.
(^٣) جزء من حديث عبد الرحمن بن عوف ﵁:
أخرجه البخاري، في مناقب الأنصار، باب مقدم النبي ﷺ وأصحابه المدينة، رقم: ٣٩٢٨.
(^٤) الضنائن، ضنائن الله: خواص خلقه. القاموس (ضنن) ص ١٢١٢.