Mafhum Tajdid al-Din
مفهوم تجديد الدين
Editorial
مركز التأصيل للدراسات والبحوث
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
Ubicación del editor
جدة - المملكة العربية السعودية
Géneros
وقد ظهرت في عصر الشافعي ثلاثة انحرافات في مجال السُّنَّة، انحراف يرى أن الحجة في القرآن وحده وينكر أن تكون السُّنَّة مصدرًا من مصادر التشريع، والانحراف الثاني ينكر أن تستقل السُّنَّة بتشريع الأحكام ولا يقبل من السُّنَّة إلا إذا كان في معناها نص صريح من القرآن، والانحراف الثالث يقبل من السُّنَة فقط ما كان متواترًا، أما ما كان خبر آحاد فلا يرى فيه حجة (١).
وقد تصدى الشافعي لهذه الانحرافات بلسانه وقلمه "وكان والله لسانه أكثر من كتبه" (٢). أما الانحراف الأول فقد جاء في كتابه جماع العلم تحت عنوان: "باب حكاية الطائفة التي ردت الأخبار كلها" (٣) إثبات مناظرة جرت بينه وبين أحد المنتسبين إلى العلم المنتمين لهذه الطائفة، اشتملت على الشبهات التي أثارتها هذه الطائفة واحتجاج الشافعي على إبطالها وبيان حجية السُّنَّة. وفي الكتاب نفس أيضًا (٤) تعرّض تحت عنوان: "باب حكاية قول من رد خبر الخاصة" -يعني: بخبر الخاصة خبر الواحد- إلى هذا الانحراف وساق الدليل بعد الدليل على أن خبر الواحد حجة.
وفي مباحث كتاب الرسالة تعرض لهذه الانحرافات وأطال في نقدها وبيان شذوذها، ودافع بالبراهين عقلًا ونقلًا على أن السُّنَّة كلها حجة متواترها وآحادها، وأن ما سن رسول الله ﷺ مما ليس لله ﷿ فيه حكم فبحكم الله سنّه، وأنه قد "سنّ رسول الله ﷺ مع كتاب الله ﷿، وسنَّ فيما ليس فيه بعينه نص كتاب، وكل ما سنَّ فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل في اتباعه طاعته، وفي العُنُود (*) عن اتباعه معصيته، التي لم يعذر بها خلقًا، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله ﷺ مخرجًا" (٥).
وببيان قوي وأسلوب رصين استطاع الشافعي أن يصد الهجوم على السُّنَّة،
(١) كتاب "جماع العلم في كتاب الأم" للشافعي ٧/ ٢٥٠، و٢٥٤، وكتاب "الرسالة" ص ٣٦٩، و"السُّنَّة" للسباعي ص ١٢٨، و"تاريخ المذاهب الإسلامية" أبو زهرة ٢/ ٢٥٨، ط. دار الفكر العربي. (٢) "مناقب الشافعي" البيهقي ٢/ ٢٧٤. (٣) "الأم" الشافعي ٧/ ٢٥٠. (٤) المصدر نفسه ٧/ ٢٥٤. (٥) انظر: "الرسالة" الشافعي ص ٨٨ وما بعدها. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في لسان العرب: «عَنَدَ الرجلُ يَعْنُد عَنْدًا وعُنُودًا وعَنَدًا: عَتَا وطَغَا وجاوزَ قَدْرَه. . . . وعنَدَ عَنِ الْحَقِّ وَعَنِ الطَّرِيقِ يَعْنُدُ ويَعْنِدُ: مالَ»
1 / 71