Concepto del Método Científico
مفهوم المنهج العلمي
Géneros
وكان التطور اللافت في علم أصول الفقه وصورته العامة، بعد مرحلة التأسيس على يد الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204ه/820م)، إنما في استفادته من العلم الوافد: المنطق الإغريقي الذي أسهم في أن يكتمل أصول الفقه كمنظومة ممنهجة، يعنى بالترتيب والتقديم والتأخير، وتحديد الأصول والفروع، وفي أن يبدأ بجهاز مفاهيمي يتحدد بالتعريفات الدقيقة، اللغوية والمنطقية معا. وشبيه بهذا ما حدث في علم الكلام/علم أصول الدين، أواصر القربى وثيقة بين هذين العلمين أو الأصولين اللذين تشاركا في كثير من الطرق، وقد التقيا على الطريق المنطقي المفضي إلى الفلسفة.
كان مبحث الألفاظ والتعريفات، أو المفاهيم بمصطلحاتنا، هو الذي استفاد فعلا من المنطق وتأثر به، أكثر من مبحث القياس؛ لأن القياس الأصولي يختلف عن القياس المنطقي، مهما استفاد منه وسخره، وفي هذا نستطيع القول إن الإسلاميين لم يتعلموا المنهجية من المنطق الإغريقي، بل إن منهجيتهم الخاصة بهم - والتي تتبلور في علم أصول الفقه - استفادت منه، فألقوا درسا في كيفية الاستفادة من الوافد، وتوظيفه وتشغيله في إطار حضارتهم. •••
لقد كان المنطق الأرسطي أول ما نقله العرب من علوم اليونان، وظل حاضرا في الحضارة الإسلامية في استيعابه وتطويره ونقده. يزدهر المنطق في الأوساط المعنية باللغة، وعناية الحضارة الإسلامية باللغة العربية كانت غير مسبوقة، بسبب لغوية الحدث القرآني؛ الحدث الأكبر في تاريخها. وقديما قالوا المنطق هو نحو العقل، والنحو هو منطق اللغة.
15
ويظل المنطق في مراحله وتطوراته المختلفة هو الظهير المتين، وركن ركين لمناهج البحث في تطوراتها وتحولاتها.
وفي رحاب الحضارة العربية الإسلامية قام المسيحيون السريان في سوريا والعراق، في أواسط القرن التاسع الميلادي/الثالث الهجري بترجمة الكتب الأربعة لأرسطو في المنطق إلى اللغة العربية، راجعها على الأصل اليوناني ونقحها وهذبها الجيل الثاني من المترجمين، وعلى رأسهم حنين بن إسحاق وولده إسحاق بن حنين، وترجموا أيضا شروحا وتعليقات. أصبح المنطق الأرسطي مطروحا بوضوح في الحضارة الإسلامية، وانفتح المجال لتوالي جهود العرب وإسهاماتهم المنطقية، دشنتها دراسات الكندي - أول الفلاسفة العرب - وتوالت إنجازات المناطقة العرب من فرق شتى، ونذكر في هذا الصدد الجهود المتحمسة لابن رشد في شرح منطق أرسطو. ومنذ البداية أرسي هذا العلم في الحضارة العربية تحت اسم «المنطق»، وهو علم الميزان إذ به توزن الحجج والبراهين، يقول التهانوي: «إنما سمي بالمنطق لأن النطق يطلق على اللفظ، وعلى إدراك الكليات وعلى النفس الناطقة، ولما كان هذا الفن يقوى بالأول ويسلك بالثاني مسلك السداد، ويحصل بسببه كمالات الثالث، اشتق له اسم منه وهو المنطق، وهو علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها، بحيث لا يعرض الغلط في الفكر.»
16
وهكذا فإنه في إطار انفتاح الثقافة العربية الإسلامية النادر على منجزات الآخر، على ميراث الحضارات والثقافات الأخرى، جاءت العناية المشهورة لأعلام التراث العربي آنذاك بنقل المنطق الأرسطي، الذي يمكن اعتباره أول محاولة متكاملة لمنهجة الاستدلال والتفكير. وأيضا انفتح أسلافنا على ما طرحه المنهج الأرسطي في أخص خصائص العرب؛ أي فن القول في مجالي الشعر والخطابة. الخلاصة ومن المنظور التاريخي الإنساني بشكل عام، أو من حيث المشترك العام، أن مثل المنطق العربي مدرسة كبرى في تاريخ المنطق،
17
وانعكست محصلة هذا الوعي المنطقي في مزيد من تقنين المنهجية في رحاب الحضارة العربية الإسلامية، وانتظمت في تراثنا مفاهيم ومصادرات وفروض أولية وقواعد وأصول استدلالية وسواها من عناصر فاعلة في منهج البحث، فاكتملت لديهم آليات للبحث وطرائق للتفكير، وكان التراث الرائع الذي خلفوه في شتى مجالات الدرس النظامي، مرة أخرى بسبب هذا الدور الكبير ل «المنهج» في حضارتهم كمفهوم وكمصطلح.
Página desconocida