مفاتيح الغيب
مفاتيح الغيب
Editorial
دار إحياء التراث العربي
Número de edición
الثالثة
Año de publicación
١٤٢٠ هـ
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
Exégesis
الْمِنْدِيلَ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ: «مَسَحْتُ يَدَيَّ بِالْمِنْدِيلِ» يَكْفِي فِي صِحَّةِ صِدْقِهِ مَا إِذَا مَسَحَ يَدَهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمِنْدِيلِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ: الْبَاءُ قَدْ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّ رِوَايَةَ الْإِثْبَاتِ رَاجِحَةٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْبَاءَ تُفِيدُ التَّبْعِيضَ، وَمِقْدَارُ ذَلِكَ الْبَعْضِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَوَجَبَ أَنْ تُفِيدَ أَيَّ مِقْدَارٍ يُسَمَّى بَعْضًا، فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النِّسَاءِ: ٤٣] فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَسْحُ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ كَافِيًا فِي التَّيَمُّمِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْإِتْمَامِ، وَلَهُ أَنْ يُجِيبَ فَيَقُولَ: مُقْتَضَى هَذَا النَّصِّ الِاكْتِفَاءُ فِي التَّيَمُّمِ بِأَقَلِّ جُزْءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ إِلَّا أَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَيْسَتْ نَسْخًا فَأَوْجَبْنَا الْإِتْمَامَ لِسَائِرِ الدَّلَائِلِ، وَفِي مَسْحِ الرَّأْسِ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا النَّصِّ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: فَرَّعَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى بَاءِ الْإِلْصَاقِ مَسَائِلَ: إِحْدَاهَا: قَالَ مُحَمَّدٌ فِي «الزِّيَادَاتِ»:
إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ: لِمَشِيئَةِ اللَّهِ يَقَعُ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ، وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ بِإِرَادَةِ اللَّهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَالَ لِإِرَادَةِ اللَّهِ يَقَعُ، أَمَّا إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعِلْمِ اللَّهِ أَوْ لِعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَرْقِ، وَثَانِيهَا:
قَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إِلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إِلَى إِذْنِهِ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَّا أَنْ آذَنَ لَكِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً كَفَى، وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَرْقِ، وَثَالِثُهَا: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ:
طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَاءَ هاهنا تَدُلُّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ فَيُوَزَّعُ الْبَدَلُ عَلَى الْمُبْدَلِ، فصار بإزاء من طَلْقَةٍ ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ لَفْظَةَ «عَلَى» كَلِمَةُ شَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ وَعِنْدَ صاحبيه تقع واحدة بثلث الألف.
قلت: وهاهنا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَاءِ.
(أ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الثَّمَنُ إِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عَنِ الْمُثَمَّنِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْبَاءِ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَالَ: بِعْتُ كَذَا بِكَذَا، فَالَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْبَاءُ هُوَ الثَّمَنُ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ بَنَى مَسْأَلَةَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا قَالَ: بِعْتُ هَذَا الْكِرْبَاسَ بِمَنٍّ مِنَ الْخَمْرِ صَحَّ الْبَيْعُ وَانْعَقَدَ فَاسِدًا، وَإِذَا قَالَ بِعْتُ هَذَا الْخَمْرَ بِهَذَا الْكِرْبَاسِ لَمْ يَصِحَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: الْخَمْرَ ثَمَنٌ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ: الْخَمْرَ مثمن، وجعل الخمر ثمنا جائز أَمَّا جَعْلُهُ مُثَمَّنًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
(ب) قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا قَالَ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَعَيَّنُ.
(ج) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التَّوْبَةِ: ١١١] فَجَعَلَ الْجَنَّةَ ثَمَنًا لِلنَّفْسِ وَالْمَالِ.
وَمِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ مَسَائِلُ: (أ) الْبَاءُ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تعالى: لِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ
[الأنفال: ١٣] هاهنا الْبَاءُ دَلَّتْ عَلَى السَّبَبِيَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِدْخَالُ لَفْظِ الْبَاءِ عَلَى السَّبَبِ فَيُقَالُ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ بِهَذَا السبب.
1 / 97